فشل آخر الجهود











فشل آخر الجهود



2216- الجمل: قال ابن عبّاس: قلت [لأمير المؤمنين عليه السلام]: ما تنتظر؟ واللَّه، ما يعطيک القوم إلّا السيف، فاحمل عليهم قبل أن يحملوا عليک.

فقال: نستظهر باللَّه عليهم.

قال ابن عبّاس: فوَاللَّه، ما رمت من مکاني حتي طلع عليَّ نشّابهم کأنّه جراد منتشر، فقلت: أما تري يا أميرالمؤمنين إلي ما يصنع القوم؟ مرنا ندفعهم.

[صفحه 221]

فقال: حتي اُعذر إليهم ثانية. ثمّ قال: من يأخذ هذا المصحف فيدعوهم إليه وهو مقتول وأنا ضامن له علي اللَّه الجنّة؟

فلم يقم أحد إلّا غلام عليه قباء أبيض، حدث السنّ من عبد القيس يقال له مسلم کأنّي أراه، فقال: أنا أعرضه عليهم يا أميرالمؤمنين، وقد احتسبت نفسي عند اللَّه تعالي.

فأعرض عنه إشفاقاً عليه ونادي ثانية: من يأخذ هذا المصحف ويعرضه علي القوم وليعلم أنّه مقتول وله الجنّة؟

فقام مسلم بعينه وقال: أنا أعرضه. فأعرض، ونادي ثالثة فلم يقم غير الفتي، فدفع إليه المصحف.

وقال: امض إليهم واعرضه عليهم وادعهم إلي ما فيه.

فأقبل الغلام حتي وقف بإزاء الصفوف ونشر المصحف، وقال: هذا کتاب اللَّه عزّ وجلّ، وأميرالمؤمنين عليه السلام يدعوکم إلي ما فيه.

فقالت عائشة: اشجروه بالرماح قبّحه اللَّه! فتبادروا إليه بالرماح فطعنوه من کلّ جانب، وکانت اُمّه حاضرة فصاحت وطرحت نفسها عليه وجرّته من موضعه، ولحقها جماعة من عسکر أميرالمؤمنين عليه السلام أعانوها علي حمله حتي طرحوه بين يدي أميرالمؤمنين عليه السلام واُمّه تبکي وتندبه وتقول:


يا ربّ إنّ مسلماً دعاهم
يتلو کتاب اللَّه لا يخشاهم


فخضبوا من دمه قناهم
واُمّهم قائمة تراهم


تأمرهم بالقتل لا تنهاهم++[1] .

[صفحه 222]

2217- المناقب للخوارزمي عن مجزأة السدوسي: لمّا تقابل العسکران: عسکر أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام وعسکر أصحاب الجمل، جعل أهل البصرة يرمون أصحاب عليّ بالنبل حتي عقروا منهم جماعة، فقال الناس: يا أميرالمؤمنين، إنّه قد عقرنا نبلهم فما انتظارک بالقوم؟

فقال عليّ: اللهمّ إنّي اُشهدک أنّي قد أعذرت وأنذرت، فکن لي عليهم من الشاهدين.

ثمّ دعا عليّ بالدرع، فأفرغها عليه، وتقلّد بسيفه واعتجر بعمامته واستوي علي بغلة النبيّ صلي الله عليه و آله، ثمّ دعا بالمصحف فأخذه بيده، وقال: يا أيّها الناس، من يأخذ هذا المصحف فيدعو هؤلاء القوم إلي ما فيه؟

فوثب غلام من مجاشع يقال له: مسلم، عليه قباء أبيض، فقال له: أنا آخذه يا أميرالمؤمنين، فقال له عليّ: يا فتي إنّ يدک اليمني تقطع، فتأخذه باليسري فتقطع، ثمّ تضرب عليه بالسيف حتي تقتل.

فقال الفتي: لا صبر لي علي ذلک يا أميرالمؤمنين.

فنادي عليّ ثانية والمصحف في يده، فقام إليه ذلک الفتي وقال: أنا آخذه يا أميرالمؤمنين. فأعاد عليه عليّ مقالته الاُولي، فقال الفتي: لا عليک يا أميرالمؤمنين، فهذا قليل في ذات اللَّه، ثمّ أخذ الفتي المصحف وانطلق به إليهم، فقال: يا هؤلاء، هذا کتاب اللَّه بيننا وبينکم. فضرب رجل من أصحاب الجمل يده اليمني فقطعها، فأخذ المصحف بشماله فقطعت شماله، فاحتضن المصحف بصدره فضرب عليه حتي قتل- رحمة اللَّه عليه-.[2] .

[صفحه 223]



صفحه 221، 222، 223.





  1. الجمل: 339، إرشاد القلوب: 341؛ تاريخ الطبري: 511:4 عن عمّار بن معاوية الدهني نحوه وراجع تاريخ الطبري: 509:4 والکامل في التاريخ: 350:2 ومروج الذهب: 370:2.
  2. المناقب للخوارزمي: 223:186، الفتوح: 472:2 وفيه من «ثمّ دعا عليّ بالدرع...»، شرح نهج البلاغة: 111:9 عن أبي مخنف وکلاهما نحوه.