الاقدام الشجاع لإنقاذ العدوّ











الاقدام الشجاع لإنقاذ العدوّ



2208- مروج الذهب: خرج عليّ بنفسه حاسراً علي بغلة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لا سلاح عليه، فنادي: يا زبير، اخرج إليّ، فخرج إليه الزبير شاکّاً في سلاحه، فقيل ذلک لعائشة، فقالت: وا ثکلک يا أسماء، فقيل لها: إنّ عليّاً حاسر، فاطمأنّت. واعتنق کلّ واحد منهما صاحبه.

فقال له عليّ: ويحک يا زبير! ما الذي أخرجک؟ قال: دم عثمان، قال: قتل اللَّه أولانا بدم عثمان، أما تذکر يوم لقيت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في بني بياضة وهو راکب حماره، فضحک إليّ رسول اللَّه، وضحکت إليه، وأنت معه، فقلت أنت: يا رسول اللَّه، ما يدع عليّ زهوه.

فقال لک: ليس به زهو، أ تحبّه يا زبير؟

فقلت: إنّي واللَّه لأحبّه.

فقال لک: إنّک واللَّه ستقاتله وأنت له ظالم.

فقال الزبير: أستغفر اللَّه، واللَّه لو ذکرتها ما خرجت.

[صفحه 214]

فقال له عليه السلام: يا زبير، ارجع، فقال: وکيف أرجع الآن وقد التقت حلقتا البطان؟[1] .هذا واللَّه العار الذي لا يغسل.

فقال عليه السلام: يا زبير، ارجع بالعار قبل أن تجمع العار والنار.

فرجع الزبير وهو يقول:


اخترت عاراً علي نارٍ مؤجّجة
ما إن يقوم لها خلق من الطين


نادي عليّ بأمر لست أجهله
عار لعمرک في الدنيا وفي الدين


فقلت: حسبک من عدل أبا حسن فبعض هذا الذي قد قلتَ يکفيني.

فقال ابنه عبداللَّه: أين تذهب وتدعنا؟ فقال: يا بنيّ، أذکرني أبو الحسن بأمر کنت قد أنسيته، فقال: لا واللَّه، ولکنّک فررت من سيوف بني عبد المطّلب؛ فإنّها طوال حداد، تحملها فتية أنجاد، قال: لا واللَّه، ولکنّي ذکرت ما أنسانيه الدهر، فاخترت العار علي النار، أبالجبن تعيّرني لا أبا لک؟ ثمّ أمال سنانه وشدّ في الميمنة.

فقال عليّ: افرجوا له فقد هاجوه.

ثمّ رجع فشدّ في الميسرة، ثمّ رجع فشدّ في القلب، ثمّ عاد إلي ابنه، فقال: أ يفعل هذا جبان؟ ثمّ مضي منصرفاً.[2] .

2209- تاريخ الطبري عن الزهري: خرج عليّ علي فرسه، فدعا الزبير، فتواقفا، فقال عليّ للزبير:

[صفحه 215]

ما جاء بک؟

قال: أنت، ولا أراک لهذا الأمر أهلاً، ولا أولي به منّا.

فقال عليّ: لست له أهلاً بعد عثمان! قد کنّا نعدّک من بني عبد المطّلب حتي بلغ ابنک ابن السوء ففرّق بيننا وبينک. وعظّم عليه أشياء، فذکر أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله مرّ عليهما فقال لعليّ عليه السلام: ما يقول ابن عمّتک؟ ليقاتلنّک وهو لک ظالم.

فانصرف عنه الزبير، وقال: فإنّي لا اُقاتلک.

فرجع إلي ابنه عبداللَّه فقال: ما لي في هذه الحرب بصيرة، فقال له ابنه: إنّک قد خرجت علي بصيرة، ولکنّک رأيت رايات ابن أبي طالب، وعرفت أنّ تحتها الموت، فجبنت. فأحفظه[3] .حتي أرعد وغضب، وقال: ويحک! إنّي قد حلفت له ألّا اُقاتله، فقال له ابنه: کفّر عن يمينک بعتق غلامک سرجس، فأعتقه، وقام في الصفّ معهم.

وکان عليّ قال للزبير: أ تطلب منّي دم عثمان وأنت قتلته؟! سلّط اللَّه علي أشدّنا عليه اليوم ما يکره.[4] .

2210- تاريخ الطبري عن قتادة: سار عليّ من الزاوية يريد طلحة والزبير وعائشة وساروا من الفرضة يريدون عليّاً، فالتقوا عند موضع قصر عبيد اللَّه بن زياد في النصف من جمادي الآخرة سنة ستّ وثلاثين يوم الخميس، فلمّا تراءي

[صفحه 216]

الجمعان خرج الزبير علي فرس عليه سلاح، فقيل لعلّي: هذا الزبير، قال: أما إنّه أحري الرجلين إن ذکّر باللَّه أن يذکره، وخرج طلحة، فخرج إليهما عليّ فدنا منهما حتي اختلفت أعناق دوابّهم، فقال عليّ: لعمري لقد أعددتما سلاحاً وخيلاً ورجالاً، إن کنتما أعددتما عند اللَّه عذراً فاتّقيا اللَّه سبحانه، ولا تکونا کالتي نقضت غزلها من بعد قوّة أنکاثاً، أ لم أکن أخاکما في دينکما؟ تحرّمان دمي وأحرّم دماءکما! فهل من حدثٍ أحلّ لکما دمي؟ قال طلحة: ألّبت الناس علي عثمان، قال عليّ: «يَوْمَل-ِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ»[5] يا طلحة تطلب بدم عثمان فلعن اللَّه قتلة عثمان.[6] .

2211- شرح نهج البلاغة: برز عليّ عليه السلام يوم الجمل، ونادي بالزبير: يا أبا عبداللَّه، مراراً، فخرج الزبير، فتقاربا حتي اختلفت أعناق خيلهما.

فقال له عليّ عليه السلام: إنّما دعوتک لاُذکّرک حديثاً قاله لي ولک رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، أ تذکر يوم رآک وأنت معتنقي، فقال لک: أ تحبّه؟

قلت: وما لي لا اُحبّه وهو أخي وابن خالي؟!

فقال: أما إنّک ستحاربه وأنت ظالم له.

فاسترجع الزبير، وقال: أذکرتني ما أنسانيه الدهر، ورجع إلي صفوفه، فقال له عبداللَّه ابنه: لقد رجعت إلينا بغير الوجه الذي فارقتنا به!

فقال: أذکرني عليّ حديثاً أنسانيه الدهر، فلا اُحاربه أبداً، وإنّي لراجع

[صفحه 217]

وتارککم منذ اليوم.

فقال له عبداللَّه: ما أراک إلّا جبنت عن سيوف بني عبد المطّلب، إنّها لسيوف حداد، تحملها فتية أنجاد.

فقال الزبير: ويلک! أ تهيجني علي حربه! أما إنّي قد حلفت ألّا اُحاربه.

قال: کفّر عن يمينک، لا تتحدّث نساء قريش أنّک جبنت، وما کنت جباناً.

فقال الزبير: غلامي مکحول حرّ کفّارة عن يميني، ثمّ أنصل سنان رمحه، وحمل علي عسکر عليّ عليه السلام برمح لا سنان له.

فقال عليّ عليه السلام: أفرجوا له، فإنّه محرج.

ثمّ عاد إلي أصحابه، ثمّ حمل ثانية، ثمّ ثالثة، ثمّ قال لابنه: أجبناً ويلک تري؟! فقال: لقد أعذرت.[7] .

2212- تاريخ اليعقوبي: قال عليّ بن أبي طالب للزبير: يا أبا عبداللَّه، ادنُ إليّ اُذکّرک کلاما سمعته أنا وأنت من رسول اللَّه!

فقال الزبير لعليّ: لي الأمان؟

قال عليّ: عليک الأمان، فبرز إليه فذکّره الکلام.

فقال: اللهمّ إنّي ما ذکرت هذا إلّا هذه الساعة، وثني عنان فرسه لينصرف، فقال له عبداللَّه: إلي أين؟ قال: ذکّرني عليّ کلاماً قاله رسول اللَّه. قال: کلّا، ولکنّک رأيت سيوف بني هاشم حداداً تحملها شداد. قال: ويلک! ومثلي يعيّر

[صفحه 218]

بالجبن؟ هلم إليّ الرمح. وأخذ الرمح وحمل علي أصحاب عليّ.

فقال عليّ: افرجوا للشيخ، إنّه محرج.

فشقّ الميمنة والميسرة والقلب ثمّ رجع فقال لابنه: لا اُمّ لک! أيفعل هذا جبان؟ وانصرف.[8] .



صفحه 214، 215، 216، 217، 218.





  1. البِطان: الحزامُ الذي يَلي البَطْنَ. وأيضاً: حِزام الرَّحل والقَتَب (لسان العرب: 56:13).
  2. مروج الذهب: 371:2 وراجع أنساب الأشراف: 51:3 والفتوح: 469:2 والإمامة والسياسة: 92:1 والمناقب للخوارزمي: 216:179 وتاريخ اليعقوبي: 182:2.
  3. أحفَظَه: أغضبه، من الحفيظة: الغضب (النهاية: 408:1).
  4. تاريخ الطبري: 508:4، الکامل في التاريخ: 335:2 نحوه وراجع اُسد الغابة: 1732:310:2 ومسند أبي يعلي: 662:320:1 والبداية والنهاية: 241:7 والأمالي للطوسي: 223:137 والصراط المستقيم: 120:3.
  5. النور: 25.
  6. تاريخ الطبري: 501:3، الکامل في التاريخ: 334:2 وفيه من «فلمّا تراءي الجمعان» وراجع البداية والنهاية: 241:7.
  7. شرح نهج البلاغة: 233:1 وراجع الأخبار الطوال: 147 والفصول المختارة: 142 والأمالي للطوسي: 223:137 وبشارة المصطفي: 247.
  8. تاريخ اليعقوبي: 182:2.