جهود الإمام لمنع القتال











جهود الإمام لمنع القتال



عندما تحرّک الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام مع قوّاته من ذي قار، بعث صَعْصَعة بن صُوحان إلي طلحة والزبير وعائشة، ومعه کتاب تحدّث فيه عن إثارتهم للفتنة، وذکر فيه موقفهم الحاقد الماکر من عثمان بن حُنيف، وحذّرهم من مغبّة عملهم، وعاد صعصعة فأخبره قائلاً: «رأيتُ قوماً ما يريدون إلّا قتالک».[1] .

وتأهّبت قوّات الطرفين للحرب، بيد أنّ الإمام سلام اللَّه عليه منع أصحابه من أن يبدؤوهم بقتال، وحاول في بادئ أمره أن يردع اُولي الفتنة عن الحرب. وإنّ حديثه عليه السلام مع قادة جيش الجمل، ومع الجيش نفسه يجلب الانتباه.[2] وبذل قصاري جهوده في سبيل المحافظة علي الهدوء، والحؤول دون اشتعال نار الحرب، فبعث إلي قادة الجيش رسائل يحثّهم فيها علي عدم الاصطدام،[3] ثمّ

[صفحه 202]

أوفد مبعوثيه للتفاوض معهم.[4] ولمّا لم تثمر جهوده شيئاً، ذهب بنفسه إليهم.[5] ونلحظ أنّ الإمام عليه السلام قد ترجم لنا في تلک الرسائل والمحاورات شخصيّته وأبان عظيم قدره، وأماط اللثام عن الموقف السابق الذي کان عليه مساعير الحرب، وتحدّث مرّة اُخري عن قتل عثمان وکيفيّته بدقّة تامّة، وکشف أبعاد ذلک الحادث، وأغلق علي مثيري الفتنة تشبّثهم بالمعاذير الواهية. ولمّا وجد ذلک عقيماً وتأهّب الفريقان للقتال، أوصي عليه السلام أصحابه بمَلْک أنفسهم والمحافظة علي الهدوء، وقال: «لا تعجلوا حتي اُعذِر إلي القوم...». فقام إليهم فاحتجّ عليهم فلم يجد عند القوم إجابة.

وبعد اللتيا والتي، بعث ابن عبّاس ثانية من أجل التفاوض الأخير؛ لعلّه يردعهم عن الحرب؛، لئلّا تُسفک دماء المسلمين هدراً، بيد أنّ القوم خُتم علي سمعهم، فلم يصغوا إلي رسول الإمام، کما لم يصغوا إلي الإمام عليه السلام من قبل.[6] وقد کان لعائشة وعبداللَّه بن الزبير خاصّة الدور الأکبر في ذلک.



صفحه 202.





  1. الجمل: 313 و 314 وراجع الأخبار الطوال: 147.
  2. قرب الإسناد: 327:96، تفسير العيّاشي: 23:77:2.
  3. نهج البلاغة: الکتاب 54، کشف الغمّة: 239:1؛ الإمامة والسياسة: 90:1، الفتوح: 465:2.
  4. نهج البلاغة: الخطبة 31؛ البيان والتبيين: 221:3.
  5. تاريخ الطبري: 508:4 و 509، الکامل في التاريخ: 334:2 و 335، مسند أبي يعلي: 662:320:1، مروج الذهب: 371:2.
  6. الجمل: 336 تا 338.