اتّباع الحقّ عند قيام الحقّ











اتّباع الحقّ عند قيام الحقّ



2189- نهج البلاغة: من کلامه عليه السلام في وجوب اتّباع الحقّ عند قيام الحجّة کلّم به بعض العرب، وقد أرسله قوم من أهل البصرة لمّا قرب عليه السلام منها ليعلم لهم منه حقيقة حاله مع أصحاب الجمل لتزول الشبهة من نفوسهم، فبيّن له عليه السلام من أمره معهم ما علم به أنّه علي الحقّ، ثمّ قال له: بايع.

فقال: إنّي رسول قوم، ولا اُحدث حدثاً حتي أرجع إليهم.

فقال عليه السلام: أ رأيت لو أنّ الذين وراءک بعثوک رائداً تبتغي لهم مساقط الغيث، فرجعت إليهم وأخبرتهم عن الکلأ والماء، فخالفوا إلي المعاطش والمجادب، ما کنتَ صانعاً؟

قال: کنت تارکهم ومخالفهم إلي الکلأ والماء.

فقال عليه السلام: فامدد إذاً يدک.

فقال الرجل: فوَاللَّه ما استطعت أن أمتنع عند قيام الحجّة عليَّ، فبايعته عليه السلام.

والرجل يُعرف بکُليب الجرمي.[1] .

[صفحه 196]

2190- الجمل عن کليب: لمّا قتل عثمان ما لبثنا إلّا قليلاً حتي قدم طلحة والزبير البصرة، ثمّ ما لبثنا بعد ذلک إلّا يسيراً حتي أقبل عليّ بن أبي طالب عليه السلام فنزل بذي قار، فقال شيخان من الحيّ: اِذهب بنا إلي هذا الرجل فننظر ما يدعو إليه، فلمّا أتينا ذا قار قدمنا علي أذکي العرب، فوَاللَّه لدخل علي نسب قومي، فجعلت أقول: هو أعلم به منّي وأطوع فيهم.

فقال: من سيّد بني راسب؟

فقلت: فلان.

قال: فمن سيّد بني قدامة؟

قلت: فلان، لرجل آخر.

فقال: أنت مبلغهما کتابين منّي؟

قلت: نعم.

قال: أفلا تبايعوني؟

فبايعه الشيخان اللذان کانا معي وتوقّفت عن بيعته، فجعل رجال عنده قد أکل السجود وجوههم يقولون: بايع بايع.

فقال عليه السلام: دعوا الرجل.

فقلت: إنّما بعثني قومي رائداً وساُنهي إليهم ما رأيتُ، فإن بايعوا بايعت، وإن اعتزلوا اعتزلت.

فقال لي: أ رأيت لو أنّ قومک بعثوک رائداً فرأيت روضةً وغديراً، فقلتَ: يا قومي النجعة[2] النجعة! فأبوا، ما کنت بمُستنجح بنفسک؟

[صفحه 197]

فأخذت بإصبع من أصابعه وقلت: اُبايعک علي أن اُطيعک ما أطعتَ اللَّه، فإذا عصيتَه فلا طاعة لک عليَّ.

فقال: نعم. وطوّل بها صوته، فضربت علي يده.

ثمّ التفتَ إلي محمّد بن حاطب، وکان في ناحية القوم، فقال:

إذا انطلقت إلي قومک فأبلغهم کتبي وقولي.

فتحوّل إليه محمّد حتي جلس بين يديه وقال: إنّ قومي إذا أتيتهم يقولون: ما يقول صاحبک في عثمان؟ فسبّ عثمان الذين حوله، فرأيت عليّاً قد کره ذلک حتي رشح جبينه وقال:

أيّها القوم! کفّوا ما إيّاکم يَسأل.

قال: فلم أبرح عن العسکر حتي قدم علي عليّ عليه السلام أهل الکوفة فجعلوا يقولون: نري إخواننا من أهل البصرة يقاتلوننا، وجعلوا يضحکون ويعجبون ويقولون: واللَّه لو التقينا لتعاطينا الحقّ، کأنّهم يرون أنّهم لا يقتتلون. وخرجت بکتابَي عليّ عليه السلام فأتيت أحد الرجلين فقبل الکتاب وأجابه، ودُللت علي الآخر، وکان متوارياً، فلو أنّهم قالوا له: کليب، ما أذن لي، فدخلت عليه ودفعت الکتاب إليه وقلت: هذا کتاب عليّ وأخبرته الخبر وقلت: إنّي أخبرت عليّاً أنّک سيّد قومک، فأبي أن يقبل الکتاب ولم يجبه إلي ما سأله وقال: لا حاجة لي اليوم في السؤدد، فوَاللَّه، إنّي لبالبصرة ما رجعت إلي عليّ حتي نزل العسکر، ورأيت القوم الذين مع عليّ عليه السلام فطلع القوم.[3] .

[صفحه 198]



صفحه 196، 197، 198.





  1. نهج البلاغة: الخطبة 170، بحارالأنوار: 55:83:32؛ ربيع الأبرار: 710:1 نحوه وراجع تاريخ الطبري: 491:4 والمناقب لابن شهر آشوب: 46:2.
  2. النُجْعَةُ: طلب الکلأ ومَساقطِ الغَيْث (النهاية: 22:5).
  3. الجمل: 290 وراجع المصنّف لابن أبي شيبة: 1:703:8.