شهادة العباس عم النبي











شهادة العباس عم النبي



(قال المؤلف) و لاجل رعاية هذه النظرية لم ينطق بالشهادتين کما ذکرنا سابقا في حضور المشرکين، و لما ولوا و بقي أبو طالب عليه السلام وحده مع أخيه العباس و أولاده، و النبي صلي الله عليه و آله و سلم تکلم عليه السلام و نطق بالشهادتين حتي سمع ذلک منه أخوه العباس رضي الله عنه و أخبر النبي صلي الله عليه و آله بذلک، و قال العباس: و الله لقد قال أخي الکلمة التي أمرته أن يقولها و هي الشهادتان: (قال المؤلف) و مما يدل عليه أن ابا طالب عليه السلام إنما امتنع من التکلم بالشهادتين تقية من الذين کانوا حضورا عنده ما أخرجه ابن کثير في البداية و النهاية (ج 3 ص 124 و خرجه غيره أيضا.

(قال): روي البخاري و قال: حدثنا محمود، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا: معمر عن الزهري، عن ابن المسيب، عن ابيه أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلي الله عليه و آله و عنده أبو جهل فقال: أي عم قل: لا إله إلا الله کلمة أحاج لک بها عند الله، فقال أبو جهل و عبد الله بن ابي أمية: يا أبا طالب أ ترغب عن ملة عبد المطلب

[صفحه 176]

فلم يزالا يکلمانه حتي قال آخر ما کلمهم به: علي ملة عبد المطلب، (أي أنا علي ملة عبد المطلب).

(قال) و روي مسلم عن إسحاق بن إبراهيم و عبد الله، عن عبد الرزاق، و أخرجاه أيضا من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب.

عن ابيه نحوه و قال فيه: فلم يزل رسول الله صلي الله عليه و آله يعرضها عليه و يعود ان له بتلک المقالة حتي قال آخر ما قال: علي ملة عبد المطلب (أي انا علي ملة عبد المطلب) قال: و في رواية علي ملة الاشياخ، و قال: آخر ما قال (هو علي ملة عبد المطلب).

(قال المؤلف) فبهذه الروايات ثبت أن القوم المشرکين کانوا حضورا فلم ينطق بما طلب منه ابن اخيه صلي الله عليه و آله ليبهم عليهم أنه منهم، و مع ذلک کله أجابهم بجواب مبهم، و هو قوله: انا علي ملة عبد المطلب و ملة الاشياخ، و لا شک في أن عبد المطلب لم يعبد صنما و إنما کان موحدا مؤمنا متبعا ملة أبيه إبراهيم عليه السلام کما يعرف ذلک من أقواله عليه السلام، و قد صرح المؤرخون بأنه کان مؤمنا موحدا لم يتخذ عبادة الاصنام کسائر قريش و أهل مکة.

(قال المؤلف) قال السيد ابن دحلان في (أسني المطالب ص 26 طبع طهران): إن عدم نطقه (أي نطق أبي طالب عليه السلام) بحضور أبي جهل و عبد الله بن أمية حرصا منه علي بقاء الحفظ للنبي صلي الله عليه و آله و صيانته من أذيتهم له بعد وفاته، فلا ينال النبي صلي الله عليه و آله منهم أذي، و إذا کان هذا قصده کان معذورا فتکون إجابته لهما بما أجابهم به مداراة لهما لئلا ينفرهما خشية أن يؤذوا رسول الله صلي الله عليه (و آله) و سلم بعد وفاته (ثم قال) علي أنه يمکن الجمع بين امتناعه و نطقه بانه امتنع (من النطق

[صفحه 177]

بالشهادتين بحضورهما مداراة لهما فلما انطلقا و ذهبا نطق بهما، و أصغي اليه العباس فسمعه نطق بهما، و لهذا قال کما في الاحاديث السابقة ما کلمهم به، يعني أبا جهل و من کان معه و لم يقل آخر ما تکلم به مطلقا فدل علي أن قوله: هو علي ملة عبد المطلب، علي أنه علي التوحيد لان عبد المطلب کان علي التوحيد کبقية آبائه عليه السلام کما حقق ذلک جلال الدين السيوطي و غيره في رسائل عديدة (قال): فابهم أبو طالب عليهم الجواب ليرضيهم ظاهرا و هو يعلم أن عبد المطلب کان علي التوحيد.

و مما يدل علي علو مقام آباء النبي و آباء وصيه علي بن ابي طالب صلي الله عليهم أجمعين الاحاديث الآتية.

(قال المؤلف) قد تقدم القول بان النبي صلي الله عليه و آله و سلم بين لامته في موارد عديدة و روي ذلک في أحاديث مختلفة أنهما ما زالا ينقلان من أصلاب طاهرة إلي ارحام مطهرة، و هذا الکلام صريح في أن آباءه و آباء وصيه و صهره و ابن عمه علي بن ايي طالب جميعا کانوا مؤمنين موحدين لان صلب المشرک و رحم الکافرة و المشرکة لا يکونان طاهرين (إنما المشرکون نجس).

(بعض الاقوال الدالة علي أن أبا طالب عليه السلام أتي بالشهادة عند موته و قد ذکر ذلک علماء أهل السنة و من علماء أهل السنة الذين أخرجوا نطقه عليه السلام بالشهادتين عند الوفاة الشبراوي الشافعي في کتابه الاتحاف بحب الاشراف (ص 11) و لفظه يقرب من لفظ ابن هشام في السيرة.

[صفحه 178]

(و منهم) ابن حجر العسقلاني الشافعي فانه خرج في کتابه الاصابة ج 7 ص 113) نقلا من تاريخ ابن عساکر، ما أخرجه ابن هشام، و لفظه يختلف مع ما تقدم نقله من سيرة ابن هشام في اللفظ دون المعني، و هذا نصه بحذف السند: عن ابن عباس قال: لما أتي رسول الله صلي الله عليه (و آله) و سلم أبا طالب في مرضه قال له: يا عم قل: لا إله إلا الله.

کلمة أستحل بها لک الشفاعة يوم القيامة، قال: يا ابن اخي و الله لو لا أن تکون علي و علي أهلي من بعدي (المسبة) و يرون أني قلتها جزعا من الموت لقلتها، لا أقولها إلا لا سرک بها، قال: فلما ثقل رؤي أبو طالب يحرک شفتيه فاصغي اليه (أخوه) العباس فسمع قوله (يقول لا إله إلا الله) فرفع رأسه عنه فقال: (يا ابن أخي) قد قال و الله الکلمة التي سألته عنها.

(و منهم) ابن ابي الحديد الشافعي فانه أخرج في شرحه لنهج البلاغة (ج 3 ص 312 الطبع الاول) و (ج 14 ص 71 ط 2) ما يثبت صحة قول العباس عم النبي صلي الله عليه و آله و قال ما هذا نص ألفاظه: قال: و قد روي بأسانيد کثيرة بعضها عن العباس بن عبد المطلب و بعضها عن أبي بکر بن أبي قحافة: أن أبا طالب ما مات حتي قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله (ثم قال): و الخبر مشهور أن أبا طالب عند الموت قال کلاما خفيا (حتي لا يسمعه من حضر) فاصغي اليه أخوه العباس، ثم رفع رأسه إلي رسول الله صلي الله عليه و آله فقال: يا ابن أخي و الله لقد قالها عمک، و لکنه ضعف عن أن يبلغک صوته (أي منعه من رفع صوته الضعف الذي عرضه عليه السلام من مرضه أو لانه لا يريد إسماع الحضور تقية.

[صفحه 179]

(و منهم) العلامة مؤلف روضه الصفا خواندشاه الشافعي المذهب فانه خرج في (ج 2 ص 46) من کتابه المذکور ما خرجه ابن ابي الحديد من أن أبا طالب تکلم بالشهادتين، و روي ذلک عن ابن العباس حبر الامة و عن غيره.


صفحه 176، 177، 178، 179.