قضايا بالمغيره











قضايا بالمغيره



(و قد روي عنه في حق بني هاشم ألفاظ تدل علي شدة عدائه لهم) و المغيرة هذا له أعمال و أفعال قبيحة تعرف بالنظر إلي تاريخ حياته و ما صدر منه في زمان الخلفاء، و هو رجل فاسق معروف بالفسق و قد ذکر ذلک جمع کثير من علماء أهل السنة مؤرخيهم و محدثيهم و مفسر بهم، و إليک أسماء بعضهم و هم جماعة.

" بعض ما روي من قصة زنا المغيرة بن شعبة الثقفي " (منهم) الطبري في تاريخه الکبير (ج 4 ص 207) في حوادث سنة (17) قال بعد نقله زنا المغيرة ما هذا نصه: و ارتحل المغيرة و أبو بکرة، و نافع بن کلدة، و زياد، و شبل بن معبد البجلي، حتي قدموا علي عمر، فجمع بينهم، و بين المغيرة فقال المغيرة: سل هؤلاء الاعبد کيف رأوني مستقبلهم، أو مستدبرهم، و کيف رأوا المرأة أو عرفوها فان کانوا مستقبلي فکيف لم استتر، أو مستدبري فبأي شيء استحلوا النظر الي في منزلي علي إمرأتي، و الله ما أتيت الا إمرأتي، و کانت شبهها فبدأ بأبي بکرة فشهد عليه أنه رآه بين رجلي أم جميل و هو يدخله و يخرجه کالميل في المکحلة، قال: کيف رأيتها؟ قال مستدبرهما، قال فکيف استثبت رأسها؟ قال: تحاملت، ثم دعا بشبل بن مبعد فشهد بمثل ذلک فقا استدبرتهما أو استقبلتهما؟ قال: استقبلتهما، و شهد نافع بمثل شهادة

[صفحه 144]

ابي بکرة، و لم يشهد زياد بمثل شهادتهم، قال: رأيته جالسا بين رجلي إمرأة فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان، و أستين مکشوفتين، و سمعت خفزانا شديدا، قال: هل رأيت کالميل في المکحلة قال: لا، قال: فهل تعرف المرأة؟ قال: لا و لکن أشبهها، قال فتنح، و أمر بالثلاثة فجلدوا الحد ثم قرأ الآية المبارکة، فقال المغيرة اشفني من الاعبد، فقال أسکت أسکت الله نأمتک الخ.

(قال المؤلف) اختصر الطبري القصة لدواع معلومة و لکن ابن الاثير في تاريخ الکامل ذکر للقصة مقدمة، و بعدها ذکر ما ذکره الطبري، و إليک ما ذکره في الکامل (ج 2 ص 209) قال (في قضية المغيرة): کان بين المغيرة بن شعبة و بين ابي بکرة مجاورة و کانا في مشربتين في کل واحدة منهما کوة مقابلة للاخري، فاجتمع إلي أبي بکرة نفر يتحدثون في مشربته فهبت ريح فتحت باب الکوة فقام أبو بکرة ليسده فبصر بالمغيرة و قد فتحت الريح باب کوة مشربته و هو بين رجلي إمرأة، فقال للنفر: قوموا فانظروا فقاموا فنظروا، و هم أبو بکرة و نافع بن کلدة و زياد ابن أبيه و هو أخو أبي بکرة لامه، و شبل بن معبد البجلي، فقال لهم اشهدوا قالوا: و من هذه؟ قال: أم جميل بن الا فقم، کانت من بني عامر بن صعصعة، و کانت تغشي المغيرة و الامراء، و کان بعض النساء يفعلن ذلک في زمانها، فلما قامت عرفوها، فلما خرج المغيرة إلي الصلاة منعه أبو بکرة، و کتب إلي عمر (قصته) فبعث عمر أبا موسي أميرا علي البصرة.

(قال المؤلف) ثم ذکر بقية القصة کما في تاريخ الطبري، و لو تأمل احد في مقدمة القضيه يعرف حال زياد ابن أبيه و يعرف ما فعل بالقضية و ما و ما بدل منها.

[صفحه 145]

(قال المؤلف) بالنظر إلي اختلاف ألفاظ القضيه يعرف العاقل الدکي واقع الحال، و يعرف سبب الاختلاف في الشهادة، فعليک بالتأمل في کلام أبي الفداء في تاريخه (ج 1 ص 171) قال: و في سنة سبع عشرة من الهجرة اختطت الکوفة، و تحول سعد إليها و اعتمر عمر و اقام بمکة عشرين ليلة، و وسع المسجد الحرام، و هدم منازل قوم أبوا أن يبيعوها، و جعل أثمانها في بيت المال، و في هذه السنة کانت واقعة المغيرة بن شعبة، و هي أن المغيرة کان عمر قد ولاه البصرة، و کان في قبالة العلية التي فيها المغيرة بن شعبة علية فيها أربعة و هو أبو بکرة مولي الني صلي الله عليه (و آله) و سلم، و أخوه لامه زياد ابن أبيه، و نافع ابن کلدة، و شبل بن معبد، فرفعت الريح الکوة عن العلية فنظروا إلي المغيرة و هو علي أم جميل بنت الارقم بن عامر بن صعصعة، و کانت تغشي المغيرة فکتبوا إلي عمر بذلک فعزل المغيرة و استقدمه مع الشهود و ولي البصرة أبا موسي الاشعري فلما قدم إلي عمر شهد أبو بکرة و نافع و شبل علي المغيرة بالزنا (و کانت شهاداتهم موافقة) و أما زياد ابن أبيه فلم يفصح شهادة الزنا، و کان عمر قد قال قبل ان يشهد أري رجلا ارجو أن لا يفضح الله به رجلا من أصحاب رسول الله، فقال زياد: رأيته جالسا بين رجلي إمرأة و رأيت رجلين مرفوعتين کاذني حمار و نفسا يعلوا و استا تنبو عن ذکر و لا أعرف ما وراء ذلک، فقال عمر: هل رأيت المبل في المکحلة؟ قال: لا، فقال: هل تعرف المرة؟ قال: لا و لکن أشبهها فامر عمر بالثلاثة الذين شهدوا بالزنا أن يحدوا حد القذف فجلدوا و کان زياد أخا ابي بکرة لامه فلم يکلمه أبو بکرة بعدها.

(قال المؤلف) تأمل في ألفاظ القضايا تعرف حقيقة الحال و تعرف سبب تغيبر زياد شهادته فسبب أن الشهود الثلاثة حدوا، و قد خرج

[صفحه 146]

القضيه ابن کثير في البداية و النهاية (ج 7 ص 81 ص 82) مفصلا و هذا نصه: قال: و في هذه السنة (أي سنة سبع عشرة) ولي عمر أبا موسي الاشعري البصرة و أمر أن يشخص اليه المغيرة بن شعبة في ربيع الاول فشهد عليه فما حدثني معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب، أبو بکرة و شبل بن معبد البجلي، و نافع بن عبيد، و زياد، ثم ذکر الواقدي وسيف هذه القصة، و ملخصها: إن إمرأة کان يقال لها ام جميل بنت الا فقم من نساء بني عامر بن صعصعة، و يقال من نساء بني هلال و کان زوجها من ثقيف قد توفي عنها، و کانت تغشي نساء الامراء و الاشراف، و کانت تدخل علي بيت المغيرة بن شعبة و هو أمير البصرة، و کانت دار المغيرة تجاه دار أبي بکرة و کان بينهما الطريق، و في دار ابي بکرة کوة تشرف علي کوة دار المغيرة، فبينما أبو بکرة في داره و عنده جماعة يتحدثون في العلية إذ فتحت الريح باب الکوة فقام أبو بکرة لغلقها، فإذا کوة المغيرة مفتوحة و إذا هو علي صدر إمرأة و بين رجليها و هو يجامعها، فقال أبو بکرة لاصحابه: تعالوا فانظروا إلي أميرکم يزني بام جميل، فقاموا فنظروا اليه و هو يجامع تلک المرأة، فقالوا لابي بکرة و من أين فلت إنها ام جميل و کان رأسها من الجانب الآخر؟ فقال: انتظروا فلما فرغا قامت المرأة فقال أبو بکرة: هذه أم جميل فعرفوها فيما يظنون، فلما خرج المغيرة و قد اغتسل ليصلي بالناس منعه أبو بکرة أن يتقدم، و کتبوا إلي عمر في ذلک، فولي عمر أبا موسي الاشعري أميرا علي البصرة و عزل المغيرة فسار إلي البصرة فنزل البرد، فقال المغيرة: و الله ما جاء أبو موسي تاجرا و لا زائرا و لا جاء إلا اميرا.

ثم قدم أبو موسي علي الناس و ناول المغيرة کتابا من عمر هو أوجز کتاب، فيه (أما بعد فانه بلغني نبأ عظيم فبعثت

[صفحه 147]

أبا موسي أميرا فسلم ما في يديک و العجل).

و کتب إلي أهل البصرة: إني قد وليت عليکم أبا موسي ليأخذ من قويکم لضعيفکم، و ليقاتل بکم عدوکم، و ليدفع عن دينکم، و ليجبي لکم فيأ کم ثم ليقسمه بينکم (قال): و أهدي المغيرة لابي موسي جارية من مولدات الطائف تسمي عقيلة و قال: إني رضيتها لک و کنت فارهة: و ارتحل المغيرة.

(قال المؤلف) بالتأمل في ألفاظ ابن کثير يظهر لک خيانة زياد ابن أبيه لاخويه ابي بکرة و شبل بن معبد الصحابيين بحيث سبب ما عرفت من فعل عمر بهما من إجراء الحد عليهما و هما صادقان فيما شهدا و لکن تغيير زياد شهادته و قوله لعمر: إني لا أعرفها و هو يعرفها، و هذه ألفاظ ابن کثير في القصة بنصها من دون تصرف فيها قال: ارتحل المغيرة و الذين شهدوا عليه (عند أبي موسي الاشعري) و هم أبو بکرة، و نافع بن کلدة و زياد ابن ابيه، و شبل بن معبد العجلي، فلما قدموا علي عمر جمع بينهم و بين المغيرة، فقال المغيرة سل هؤلاء الاعبد کيف رأوني مستقبلهم أو مستدبرهم، و کيف رأوا المرأة و عرفوها، فان کانوا مستقبلي فکيف لم يستتروا، أو مستدبري فيکف استحلوا النظر في منزلي علي إمرأتي، و الله ما أتيت إلا إمرأتي و کانت تشبهها، فبدأ عمر بأبي بکرة فشهد عليه أنه رآه بين رجلي ام جميل و هو يدخله و يخرجه کالميل في المکحلة، قال و کيف رأيتها؟ قال مستدبرها، قال فکيف استبنت رأسها؟ قال تحاملت، ثم دعا شبل بن معبد فشهد بمثل ذلک فقال استقبلتهما أم استدبرتهما؟ قال استقبلتهما، و شهد نافع بمثل شهادة أبي بکرة و لم يشهد زياد بمثل شهادتهم، قال رأيته جالسا بين رجلي إمرأة فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان و أستين مکشوفتين و سمعت حفزانا شديدا، و قال

[صفحه 148]

هل رأيت کالميل في المکحلة؟ قال: لا، قال: فهل تعرف المرأة؟ قال: لا، و لکن أشبهها، قال فتنح، ثم أمر بالثلاثة فجلدوا الحد.

(قال المؤلف) سبب زياد بن أبيه توهين صحابي شريف فاضل کما صرح به في أسد الغبة (ج 5 ص 151) قال: و کان أبو بکرة من فضلاء أصحاب رسول الله صلي الله عليه (و آله) و سلم و هو الذي شهد علي المغيرة بن شعبة و جلده عمر حد القذف و أبطل شهادته، و کذلک شبل بن معبد البجلي، و کان من الصحابة و هو اخو ابي بکرة لامه و هم أربعة اخوة لام واحدة اسمها سمية و هم الذبن شهدوا علي المغيرة بن شعبة بالزنا.

قال ابن الاثير في أسد الغابة (ج 2 ص 385) روي أبو عثمان النهدي قال: شهد أبو بکرة و نافع يعني ابن علقمة و شبل بن معبد علي المغبرة أنهم نظروا إليه کما ينظر إلي المرود في المکحلة فجاء زياد فقال عمر: جاء رجل لا يشهد إلا بحق فقال: رأيت مجلسا قبيحا و نهزا فجلدهم عمر.

(قال المؤلف): خرج علي المتقي الحنفي رواية أبي عثمان في منتخب کنز العمال المطبوع بهامش (ج 2 ص 413) من مسند احمد بن حنبل و خرج قبله القصة من البيهقي بسنده عن بسامة بن زهير، قال: لما کان من شأن أبي بکزة و المغيرة الذي کان و دعا الشهود فشهد أبو بکرة و شهد (شبل) بن معبد، و نافع بن عبد الحرث، فشق علي عمر حين شهد هؤلاء الثلاثة، فلما قام زياد (للشهادة) قال عمر: إني أري غلاما کيسا لن يشهد إن شاء الله إلا بحق، قال زياد: أما الزنا قلا أشهد به، و لکن قد رأيت أمرا قبيحا، قال عمر: الله اکبر حد و هم فجلدوهم، فقال أبو بکرة (ثانيا): أشهد أنه زان، فهم عمر أن يعيد عليه الحد، فنهاه علي (عليه السلام) و قال: إن جلدته فارجم

[صفحه 149]

صاحبک فترکه و لم يجلده (هق).

(قال المؤلف): تأمل دقيقا حتي تعرف الحقيقة و تعرف سبب ترک زياد الشهادة و هو کان يعرف ذلک کما يعلم ذلک من حديث ابن کثير و أبي الفداء المتقدمين و غيرهما، فسبب زياد ان الصحابة الفضلاء علي قول ابن الاثير حدوا حد القذف، و هذه القضيه من الموارد التي راجع فيها عمر بن الخطاب في حکمه إلي أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام.

" بعض علماء أهل السنة الذين ذکروا زنا المغيرة ابن شعبة بالترديد و التحقيق و اعتراض السيد المرتضي و جواب قاضي القضاة " (قال المؤلف) ذکر القصة جمع کثير من علماء أهل السنة و الامامية عليهم الرحمة و قد ذکرنا القصة برواية علي المتقي الحنفي، و ابن الاثير الشافعي و ابن کثير الشافعي، و أبي الفداء، و ابن الاثير الجزري الشافعي في تاريخ الکامل، و ابن جرير الطبري في تأريخه الکبير، و الفاظ الجميع فيها اختلاف و فيها ما ليس في غيرها و الکل لم يذکروا القصة بکاملها بل زادوا و تقصوا و حرفوا و غيروا، و لکل منهم نظرة خاصة، و نظرة مشترکة، و باعمال ذلک سبب غموض القصة، و عدم معرفة القصة بوضوح و لم يذکر القصة بالتفصيل ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة و غير السيد الحجة (في الحجة علي الذاهب) فعليه نکتفي بما ذکرناه من المختصرين للقصة، و نذکر إن شاء الله بعض ما ذکره ابن ابي الحديد ثم نذکر بعض ما ذکره السيد في (الحجة علي الذاهب).

(قال المؤلف) أغلب المؤرخين و المحدثين ذکروا القصة بعنوان

[صفحه 150]

الوقايع في سنة (17) و قد خرج ابن ابي الحديد الشافعي المتوفي سنة 655 القصة في (ج 12 ص 237 ط 2) تحت عنوان خاص و هو (مطاعن الخليفة الثاني)، و قال: (الطعن السادس) أنه (أي عمر بن الخطاب) عطل حد الله في المغيرة بن شعبة لما شهد (شهدوا) عليه بالزنا.

و لقن الشاهد الرابع الامتناع عن الشهادة، اتباعا لهواه، فلما فعل ذلک، عاد إلي الشهود فحدهم و ضربهم (و فضحهم) فتجنب أن يفضح المغيرة و هو واحد، و فضح الثلاثة (و اثنان منهم من الصحابة الاخيار و الفضلاء کما مر في ترجمتهم) مع تعطيله لحکم الله، و وضعه في موضعه (ثم قال): و أجاب قاضي القضاة (عن الطعن الذي وجه إلي عمر) فقال: إنه لم يعطل الحد إلا من حيث لم تکمل الشهادة، و بارادة الرابع (و هو زياد ابن أبيه) لئلا يشهد لا تکمل البينة، و انما تکمل بالشهادة.

و قال: إن قوله: (أي قول عمر) أري وجه رجل لا يفضح الله به رجلا من المسلمين (أو قوله، أري رجلا أرجو أن لا يفضح الله به رجلا من أصحاب رسول الله کما تقدم نقله من تاريخ ابي الفداء ج 1 ص 171) و غير ذلک يجري في أنه سائغ صحيح مجري ما روي عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم من أنه، أني بسارق، فقال: لا تقر: و قال عليه السلام لصفوان بن أمية لما أتاه بالسارق و أمر بقطعه: فقال هو له: يعني ما سرق: هلا قبل أن تأتيني به: فلا يمتنع من عمر إلا يحب أن تکمل الشهادة: و ينبه الشاهد علي أن لا يشهد.

(و قال): إنه جلد الثلاثة من حيث صاروا قذفة و أنه ليس حالهم: و قد شهدوا کحال من لم تتکامل الشهادة عليه، لان الحيلة في إزالة الحد عنه و لما تتکامل الشهادة عليه ممکنة بتلقين و تنبيه غيره و لا حيلة فيما قد وقع من الشهادة، فلذلک حدهم.

[صفحه 151]

(قال): و ليس في اقامة الحد عليهم من الفضيحة، ما في تکامل الشهادة علي المغيرة، لانه يتصور بانه زان، ويحکم بذلک، و ليس کذلک حال الشهود، لانهم لا يتصورون بذلک، و إن وجب في الحکم أن يجعلوا في حکم القذفة.

(قال) و حکي عن أبي علي، أن الثلاثة کان القذف قد تقدم منهم للمغيرة بالبصرة، لانهم صاحوا به من نواحي المسجد بأنا نشهد أنک زان، فلو لم يعيدوا الشهادة (في المدينة) لکان يحدهم لا محالة، فلم يمکن في إزالة الحد عنهم ما أمکن في المغيرة، و حکي عن ابي علي في جواب اعتراضه عن نفسه بما روي عن عمر أنه کان إذا رآه (أي المغيرة) يقول: لقد خفت أن يرميني الله عز و جل بحجارة من السماء، إن هذا الخبر صحيح، و لو کان حقا لکان تأويله التخويف و إظهار قوة الظن لصدق القوم الذين شهدوا عليه، ليکون ردعا له، و ذکر أنه ممتنع أن يحب (عمر) ألا يفتضح (المغيرة) لما کان متوليا للبصرة من قبله.

(قال) ثم أجاب عن سؤال من سأله عن امتناع زياد من الشهادة و هل يقتضي الفسق أم لا؟ فان قال: لا نعلم أن کان يتمم الشهادة، و لو علمنا ذلک لکان حيث ثيت في الشرع أن السکوت لا يکون طعنا، و لو کان ذلک طعنا، و قد ظهر أمره لامير المؤمنين عليه السلام لما ولاه فارس و لما ائتمنه علي أموال الناس و دمائهم.

قال) و اعترض (السيد) المرتضي فقال: انما نسب إلي تعطيل الحد من حيث کان في حکم الثابت، و إنما بتلقينه لم تکمل الشهادة لان زيادا ما حضر إلا ليشهد بما شهد به أصحابه، و قد صرح بذلک کما صرحوا قبل حضورهم، و لو لم يکن هذا لما شهد القوم قبله و هم لا يعلمون هل حاله في ذلک کحالهم؟ لکنه أحجم في الشهادة لما رأي کراهية

[صفحه 152]

متولي الامر لکمالها، و تصريحه بانه لا يريد أن يعمل بموجبها.

(قال السيد قدس سره): و من العجائب أن يطلب الحيلة في دفع الحد عن واحد (هو المغيرة) و هو لا يندفع إلا بانصرافه إلي ثلاثة فان کان درء الحد و الاحتيال في دفعه من السنن المتبعة فدرؤه عن الثلاثة أولي من درئه عن واحد.

(قال السيد قدس سره) و قوله: إن دفع الحد عن المغيرة ممکن و دفعه عن الثلاثة و قد شهدوا ممکن، طريف، لانه لو لم يلقن الشاهد الرابع الامتناع عن الشهادة لاندفع الحد عن الئلاثة، و کيف لا تکون الحيلة ممکنة فيما ذکره.

(قال السيد قدس سره): و قوله: إن المغيرة يتصور بصورة زان لو تکاملت الشهادة، و في هذا من الفضيحة ما ليس في حد الثلاثة صحيح، لان الحکم في الامرين واحد، لان الثلاثة إذا حدوا يظن بهم الکذب، و إن جوز أن يکونوا صادقين، و المغيرة لو تکاملت الشهادة عليه بالزنا لظن به ذلک مع التجويز لان يکون الشهود کذبة، و ليس في أحد إلا ما في الآخر.

(قال السيد قدس سره): و ما روي عنه عليه السلام من انه اتي بسارق فقال له: (لا تقر) إن کان صحيحا لا يشبه ما نحن فيه لانه ليس في دفع الحد عن السارق إيقاع غيره في المکروه، و قصة المغيرة تخالف هذا لما ذکرنا.

(قال السيد قدس سره): فاما قوله عليه السلام، هلا قبل أن تأتيني به، فلا يشبه کل ما نحن فيه، لانه بين أن ذلک القول يسقط الحد لو تقدم و ليس فيه تلقين يوجب إسقاط الحد.

(قال السيد قدس سره): فاما ما حکاه عن أبي علي من أن

[صفحه 153]

القذف من الثلاثة کان قد تقدم، و أنهم لو لم يعيدوا الشهادة لکان يحدهم لا محالة فغير معروف، و الظاهر المروي خلافه، و هو أنه حدهم عند نکول زياد عن الشهادة، و أن ذلک کان السبب في إيقاع الحد بهم.

(قال السيد قدس سره): و تأوله عليه (قول عمر) لقد خفت أن يرميني الله بحجارة من السماء، لا يليق بظاهر الکلام (أي کلام عمر) لانه يقتضي التندم و التأسف علي تفريط وقع، و لم يخاف أن يرمي بالحجارة و هو لم يدرأ الحد عن مستحقه له.

و لو أراد الردع و التخويف للمغيرة لاتي بکلام بليق بذلک، و لا يقتضي إضافة التفريط إلي نفسه، و کونه واليا من قبله لا يقتضي ان يدرأ عنه الحد، و يعدل به إلي غيره.

(قال السيد قدس سره): و أما قوله إنا ما کنا نعلم أن زيادا کان يتمم الشهادة، فقد بينا أن ذلک کان معلوما بالظاهر، و من قرأ ما روي في هذه القصة، علم بلا شک أن حال زياد کحال الثلاثة في انه انما حضر للشهادة و انما عدل عنها لکلام عمر (أي قوله أري رجلا أرجو أن لا يفضح الله به رجلا من اصحاب رسول الله) کما في (تاريخ ابي الفداء ج 1 ص 171) و غيره.

(قال السيد قدس سره): و قوله: إن الشرع يبيح السکوت ليس بصحيح لان الشرع قد حظر کتمان الشهادة.

(قال السيد قدس سره): فاما استدلاله علي أن زيادا لم يفسق بالامساک عن الشهادة بتولية أمير المؤمنين عليه السلام له فارس، فليس بشيء يعتمد، لانه لا يمتنع أن يکون قد تاب بعد ذلک، فأظهر توبته لامير المؤمنين عليه السلام فجاز أن يوليه.

(قال السيد قدس سره): و قد کان بعض أصحابنا يقول في قصة

[صفحه 154]

المغيرة شيئا طيبا (و ان کان معتلا في باب الحجة) قال: کان يقول إن زيادا إنما امتنع من التصريح بالشهادة في الزنا (و لکن) قد شهد بانه شاهده بين شعبها الاربع.

(قال المؤلف) في الصفحة (237) من (ج 12) من المصدر المتقدم: خرج عن أبي الفرج إنه قال: روي کثير من الرواة أنه (أي زياد ابن أبيه) قال رأيته (أي المغيرة) رافعا رجليها (اي ام جميل) و رأيت خصيتيه مترددتين بين فخذيها، و في تلک الصفحة ايضا قال: و في رواية أخري قال زياد بن أبيه في شهادته،: رأيته متبطنها، و قد تقدم ذلک في لفظ ابن کثير ان زياد ابن ابيه قال: رأيته جالسا بين رجلي إمرأة فرأيت قدمين مخضوبتين يخفقان و أستين مکشوفتين إلي ذلک.

قال (المؤلف) رجعنا إلي لفظ ابن أبي الحديد في (ج 12 ص 237) من شرح نهج البلاغة، طبع ثاني، قال: و قد شهد زياد ابن أبيه بأنه شاهده (أي المغيرة بن شعبة) بين شعبيها الاربع، و سمع نفسا عاليا، فقد صح علي المغيرة بشهادة الاربعة جلوسه منها مجلس الفاحشة إلي ذلک من مقدمات الزنا و أسبابه، فهلا ضم عمر، إلي جلد الثلاثة تعزير هذا الذي قد صح عنده بشهادة الاربعة ما صح من الفاحشة، مثل تعريک اذنه أو ما يجري مجراه من خفيف التعزير و يسيره؟ و هل في العدول عن ذلک حتي عن لومه و توبيخه و الاستخفاف به إلا ما ذکروه من السبب الذي يشهد الحال به.

(قال المؤلف) ثم ذکر ابن أبي الحديد ما يعتقده في أحوال المغيرة بن شعبة و ما ثبت لديه من التواريخ.

[صفحه 155]

(إبن أبي الحديد الشافعي يصرح بأن المغيرة ابن شعبة کان زانيا) قال: (قلت: أما المغيرة (بن شعبة) فلا شک عندي أنه زني بالمرأة (أم جميل) و لکن لست اخطئ عمر في درء الحد عنه (قال) و إنما أذکر أولا قصته من کتابي أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، و أبي الفرج علي بن الحسين الاصفهاني، ليعلم ان الرجل (المغيرة بن شعبة) زني بها (أي بام جميل) لا محالة ثم اعتذر لعمر في درء الحد عنه.

(قصية زنا المغيرة برواية ابن جرير الطبري الشافعي في تاريخه) قال الطبري في تاريخه الکبير (ج 4 ص 207) کانا (أي أبو بکرة و المغيرة بن شعبة) متجاور بن بينهما طريق و کانا في مشربتين متقابلتين لهما في داريهما في کل واحدة منهما کوة مقابلة الاخري، فاجتمع إلي أبي بکرة نفر يتحدثون في مشربته فهبت ريح فقتحت باب الکوة فقام أبو بکرة ليصفقه فبصر بالمغيرة و قد فتحت الريح کوة مشربته، و هو بين رجلي إمرأة فقال للنفر: قوموا فانظروا فقاموا فنظروا ثم قال: اشهدوا، قالوا: و من هذه؟ قال: أم جميل ابنة الارقم، و کانت أم جميل أحدي بني عامر ابن صعصعة، و کانت غاشية للمغيرة و تغشي الامراء الاشراف، و کان بعض النساء يفعلن ذلک في زمانها، فقالوا إبما رأينا أعجازا و لا ندري ما الوجه، ثم أنهم صمموا (علي أنها أم جميل) حين قامت فلما خرج المغيرة إلي الصلاة حال أبو بکرة بينه و بين الصلاة، و قال لا تصل بنا فکتبوا إلي عمر بذلک و تکاتبوا فبعث عمر إلي أبي موسي فقال يا أبا موسي إني مستعملک، إني أبعثک إلي ارض قد باض بها الشيطان و فرخ فالزم

[صفحه 156]

ما تعرف و لا تستبدل فيستبدل الله بک، فقال: يا أمير المؤمنين أعني بعدة من أصحاب رسول الله من المهاجرين و الانصار فاني وجدتهم في هذه الامة و هذه الاعمال کالملح لا يصلح الطعام إلا به، قال؟ فاستغن بمن أحببت فاستعان بتسعة و عشرين رجلا منهم أنس بن مالک و عمران بن حصين و هشام بن عامر، ثم خرج أبو موسي فيهم، حتي أناخ بالبصرة بالمربد و بلغ المغيرة أن أبا موسي قد أناخ بالمربد، فقال: و الله ما جاء أبو موسي زائرا و لا تاجرا و لکنه جاء أميرا، فانهم لفي ذلک إذ جاء أبو موسي حتي دخل عليهم، فدفع إليه أبو موسي کتابا من عمر و أنه لاوجز کتاب کتب به أحد من الناس أربع کلم عزل فيها و عاتب و استحث و أمر (صورة الکتاب): أما بعد فانه بلغني نبأ عظيم، فبعثت أبا موسي، أميرا فسلم ما في يدک، و العجل، و کتب إلي أهل البصرة: أما بعد فاني قد بعثت أبا موسسي أميرا عليکم، ليأخذ لضعيفکم من قويکم و ليقاتل بکم عدوکم، و ليدفع عن ذمتکم و ليحصي فيأ کم ثم ليقتسمه بينکم، و لينقي طرقکم (قال): و أهدي له (اي لابي موسي) المغيرة وليدة من مولدات الطائف تدعي عقيلة و قال: اني قد رضيتها لک، و کانت فارهة (أي حسنة) (ثم ذکر ما تقدم نقله) و هو: (و ارتحل المغيرة و أبو بکرة.

إلي قوله و أمر بالثلاثة فجلدوا الحد).

(قال المؤلف): هذا لفظ الطبري في تاريخه المطبوع في المطبعة الحسينية بمصر طبع أول، و اما لفظه الذي خرجه ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة (ج 12 ص 231) ففيه اختلاف کثير مع ما تقدم، و قال المعلق علي الشرح هو يطابق تاريخ الطبري طبع أو ربا (ج 9 ص 252 ص 261 منه) و فيه زيادات ليست في طبع مصر، و من جملتها أن المغيرة عندما کان أمير البصرة (کان) يختلف إليها (أي إلي أم جميل)

[صفحه 157]

سرا فبلغ ذلک أهل البصرة فاعظموه.

فخرج المغيرة يوما من الايام إلي المرأة فدخل عليها، و قد وضعوا عليهما الرصد فانطلق القوم الذين شهدوا عند عمر فکشفوا الستر فرأوه قد واقعها، إلي ذلک.

" بعض ما نقله ابن ابي الحديد من الاغاني لابي الفرج الاصفهاني في أحوال المغيرة " و في شرح نهج البلاغة (ج 12 ص 234 طبع ثاني) قال: و أما أبو الفرج علي بن الحسين الاصفهاني فانه ذکر في کتاب الاغاني (ج 16 ص 77 ص 100 طبع دار الکتب) أن احمد بن عبد العزيز الجوهري حدثه عن عمر بن شبة عن علي بن محمد عن قتادة قال: کان المغيرة بن شعبة، و هو أمير البصرة يختلف سرا إلي إمرأة من ثقيف يقال لها الرقطاء (هي أم جميل) فلقيه أبو بکرة يوما فقال له أين تريد؟ قال: أزور آل فلان فاخذ بتلابيبه و قال: إن الامير يزار و لا يزور.

و فيه ايضا) قال أبو الفرج: و حدثني بحديثه جماعة ذکر اسماءهم بأسانيد مختلفة لا نري الاطالة بذکرها إن المغيرة کان يخرج من دار الامارة وسط النهار، فکان أبو بکرة يلقاه فيقول له اين يذهب الامير؟ فيقول له إلي حاجة، فيقول حاجة ماذا؟ إن الامير يزار و لا يزور قال (أبو الفرج) و کانت المرأة التي يأتيها (المغيرة بن شعبة) جارة لابي بکرة فقال: فبينا أبو بکرة في غرفة له مع أخويه نافع و زياد و رجل آخر يقال له، شيل بن معبد، و کانت غرفة جارته تلک محاذية غرفة أبي بکرة فضربت الريح باب غرفة المرأة تفتحه، فنظر القوم فإذا هم بالمغيرة ينکحها (أي ينکح جارة أبي بکرة) فقال أبو بکرة: هذه بلية

[صفحه 158]

قد ابتليتم بها، فانظروا، فنظروا حتي أثبتوا (أي تيقنوا بما فعل المغيرة) فنزل أبو بکرة، فجلس حتي خرج عليه المغيرة من بيت المرأة فقال أبو بکرة إنه قد کان من أمرک ما قد علمت فاعتزلنا، فذهب المغيرة و جاء ليصلي بالناس الظهر، فمنعه أبو بکرة، و قال: لا و الله لا تصلي بنا، و قد فعلت ما فعلت، فقال الناس: دعوه فليصل، إنه الامير و اکتبوا إلي عمر، فکتبوا إليه فورد کتابه أن يقدموا عليه جميعا: المغيرة و الشهود.

(قال أبو الفرج): و قال المدائني في حديثه: فبعث عمر بأبي موسي و عزم عليه ألا يضع کتابه من يده حتي يرحل المغيرة.

(قال أبو الفرج) و قال علي بن ابي هاشم في حديثه: إن أبا موسي قال لعمر لما أمره أن يرحل المغيرة من وقته: أو خير من ذلک يا أمير المؤمنين تترکه فيتجهز ثلاثا ثم يخرج.

(قالوا): و جاء أبو موسي حتي دخل علي المغيرة و معه صحيفة ملء يده فلما رآه قال أمير فأعطاه أبو موسي الکتاب فلما ذهب يتحرک عن سريره قال له: مکانک تجهز ثلاثا.

(قال أبو الفرج): و قال آخرون: إن أبا موسي أمره أن يرتحل من وقته، فقال المغيرة قد علمت ما وجهت له، فألا تقدمت و صليت فقال: ما أنا و أنت في هذا الامر إلاسواء، فقال المغيرة: إني أحب أن أقيم ثلاثا لاتجهز، فقال أبو موسي: قد عزم علي أمير المؤمنين ألا اضع عهدي من يدي، إذا قرأته حتي أرحلک اليه، قال إن شئت شفعتني و أبررت قسم أمير المؤمنين بان تؤجلني إلي الظهر و تمسک الکتاب بيدک.

(قالوا): فلقد رئي أبو موسي مقبلا و مدبرا، و إن الکتاب في يده معلق بخيط، فتجهز المغيرة و بعث إلي أبي موسي، بعقيلة جارية

[صفحه 159]

عربية من سبي اليمامة من بني حنيفة، و يقال: إنها مولدة الطائف، و معها خادم، و سار المغيرة حين صلي الظهر حتي قدم علي عمر.

(قال أبو الفرج)، فقال محمد بن عبد الله بن حزم في حديثه: إن عمر قال له (أي للمغيرة) لما قدم عليه: لقد شهد عليک بامر إن کان حقا لان تکون مت قبل ذلک کان خيرا لک.

(قال أبو الفرج): قال أبو زيد عمر بن شبة: فجلس له عمر و دعا به و بالشهود فتقدم أبو بکرة، فقال: أ رأيته بين.

فخذيها؟ قال: نعم و الله، لکأني أنظر إلي تشريم جدري بفخذيها (أي أم جميل) قال المغيرة: لقد ألطفت النظر؟ قال أبو بکرة: لم آل أن أثبت ما يخزيک الله به، فقال عمر: لا و الله حتي تشهد: لقد رأيته يلج فيها کما يلج المرود في المکحلة، قال: نعم أشهد علي ذلک، فقا عمر: إذهب عنک مغيرة، ذهب ربعک.

(قال): ثم دعا نافعا: فقال: علام تشهد؟ قال: علي مثل شهادة أبي بکرة: فقال عمر: لا حتي تشهد أنک رأيته يلج فيها ولوج المرود في المکحلة، قال: نعم، حتي بلغ قذذه: فقال: إذهب عنک مغيرة، ذهب نصفک، ثم دعا الثالث، و هو شبل بن معبد، فقال: علام تشهد؟ قال: علي مثل شهادتي صاحبي، فقال: اذهب عنک مغيرة ذهب ثلاثة أرباعک.

(قال): فجعل المغيرة يبکي إلي المهاجرين، و بکي إلي أمهات المؤمنين، حتي بکبن معه: قال و لم يکن زياد حضر ذلک المجلس، فامر عمر أن ينحي الشهود الثلاثة، و ألا يجالسهم أحد من أهل المدينة، و انتظر قدوم زياد، فلما قدم جلس في المسجد، و اجتمع رؤوس المهاجرين و الانصار قال المغيرة: و کنت قد أعددت کلمة أقولها، فلما رأي عمر زيادا مقبلا

[صفحه 160]

قال: إني أري رجلا لن يخزي الله علي لسانه رجلا من المهاجرين.

(قال أبو الفرج) فلما جاء زياد، جاء شاب، يخطر بيديه، فرفع عمر رأسه إليه و قال: ما عندک أنت ياسلح العقاب؟ (قال) و صاح أبو عثمان النهدي صيحة تحکي صيحة عمر، قال عبد الکريم بن رشيد لقد کدت أن يغشي علي لصيحته.

(قال أبو الفرج): فکان المغيرة يحدث قال: فقمت إلي زياد فقلت: لا مخبأ لعطر بعد عروس، يا زياد أذکرک الله و اذکرک موقف القيامة، و کتابه، و رسوله، أن تتجاوز إلي ما لم تر ثم صحت يا أمير المؤمنين إن هؤلاء قد احتقروا دمي: قال: فتدفقت عينا زياد و أحمر وجهه، و قال: يا أمير المؤمنين، أما إن أحق ما حق القوم، فليس عندي و لکني رأيت مجلسا قبيحا، و سمعت نفسا حثيثا و انتهاز ا، و رأيته متبطنها، فقال عمر: أ رأيته يدخل و يخرج کالميل في المکحلة؟ قال: لا.

(قال أبو الفرج)؟ و روي کثير من الرواة أنه قال (أي زياد ابن أبيه) رأيته رافعا برجليها، و رأيت خصيتيه مترددتين بين فخذيها و سمعت حفزا شديدا، و سمعت نفسا عاليا، فقال عمر: أ رأيته يدخله و يخرجه کالميل في المکحلة؟ قال: لا، فقال عمر: الله اکبر، قم يا مغيرة إليهم فاضربهم، فجاء المغيرة إلي أبي بکرة فضربه ثمانين و ضرب الباقين (نافعا، و شبل بن معبد) (کذلک).

(قال أبو الفرج): و روي قوم إن الضارب لهم الحد لم يکن المغيرة (قال): و أعجب عمر، قول زياد، و درأ الحد عن المغيرة.

(قال أبو الفرج) فقال أبو بکرة بعد ان حد حد القذف: أشهد أن المغيرة فعل کذا و کذا، فهم عمر بضربه (ثانيا) فقاله له علي عليه السلام: إن ضربته رجمت صاحبک و نهاه عن ذلک (فانتهي) و قد تقدم

[صفحه 161]

القول بان هذا المورد من الموارد التي رجع فيها عمر إلي فتوي أمير المؤمنين عليه السلام.

(قال أبو الفرج): يعني إن ضربه يصير شهادته (أي شهادة ابي بکرة) شهادتين (فيکمل أربع شهادات) فيوجب بذلک الرجم علي المغيرة.

(قال المؤلف) في المصدر المذکور ج 12 ص 238 من شرح نهج البلاغة طبع 2): قال أبو الفرج و حج عمر بعد ذلک مرة، فوافق الرقطاء (أم جميل) بالموسم فرآها، و کان المغيرة يومئذ هناک، فقال عمر للمغيرة، ويحک أتتجاهل علي و الله ما أظن أبا بکرة کذب عليک و ما رأيتک إلا خفت أن أرمي بحجارة من السماء (أي حيث درأت الحد منک لما شهدوا عليک بالزناء بالرقطاء (أم جميل).

(قال أبو الفرج): و کان علي عليه السلام بعد ذلک يقول إن ظفرت بالمغيرة لاتبعته الحجارة (و لذلک انهزم إلي الشام).

(قال المؤلف): جميع ما تقدم من أحوال المغيرة في قصته المعروفة لا نحتاج إليها فان زنا المغيرة أمر معروف مشهور يعرفه أهل کل مکان حتي اعراب البوادي، و قد صرح بکونه أزني الناس أهل المعرفة بالتاريخ و غيره.

(قال) في المصدر المتقدم ج 12 ص 239 ط 2: روي المدايني أن المغيرة کان أزني الناس في الجاهلية، فلما دخل في الاسلام قيده الاسلام و بقيت عنده منه بقية ظهرت في أيام ولايته البصرة.

(و فيه ايضا) قال: روي أبو الفرج في کتاب الاغاني عن الجاحظ أبي عثمان عمرو بن بحر، قال: کان المغيرة بن شعبة و الاشعث بن فيس و جرير بن عبد الله البجلي يوما متواقفين بالکناسة، في نفر، و طلع عليهم

[صفحه 162]

أعرابي، فقال لهم، المغيرة دعوني أحرکه، قالوا: لا تفعل فان للاعراب جوابا يؤثر، قال: لابد قالوا: فانت أعلم، فقال المغيرة له: يا أعرابي أتعرف المغيرة بن شعبة؟ قال: نعم أعرفه.

أعور زانيا، فوجم المغيرة (الحديث).

(بعض ما روي في کتب علماء أهل السنة من أن المغيرة بن شعبة و جماعة معه کانوا أعداء الهاشميين و کانوا يضعون الاحاديث المکذوبة في حقهم) (قال المؤلف): ذکر ابن أبي الحديد في المصدر المتقدم ج 12 ص 241 ط 2 ما هذا نصه: و إنما أوردنا هذين الخبرين (أي خبر الطبري و خبر أبي الفرج في إثبات قصة المغيرة) لعلم السامع أن الخبر بزناه (اي زنا المغيرة بن شعبة) کان شايعا مشهورا مستفيضا بين الناس.

(قال المؤلف) من طالع تاريخ حياة المغيرة بن شعبة عرف أمورا کثيرة عجيبة من أحواله (منها) و أصغرها زناه، و إن من أعظمها علي المسلمين و علي سيد المرسلين و علي الائمة الميامين هو ما کان عليه المغيرة حتي مات موافقة لامير الشام و هو سب سيد المؤمنين و سيد المتقين و سيد الاوصياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام علي المنابر في الکوفة و قد ذکر ذلک جماعة من علماء أهل السنة في کتبهم المعتبرة.

(منهم) أبو عبد الله محمد بن عبد الله المعروف بالحاکم النيسابوري الشافعي المتوفي سنة 405 ه فانه خرج في کتابه مستدرک الصحيحين (البخاري و مسلم) ج 3 ص 450 طبع حيدر أباد الدکن سنة 1341 ه و قال: قد صحت الروايات أن المغيرة ولي الکوفة سنة إحدي و أربعين

[صفحه 163]

و هلک سنة خمسين (ثم قال): حدثنا الشيخ أبو بکر بن إسحاق (انا) موسي بن إسحاق الانصاري القاضي (ثنا) أحمد بن يونس (ثنا) أبو بکر بن عياش عن حصين عن هلال بن يساف عن عبد الله بن ظالم (قال): کان المغيرة بن شعبة ينال (أي يسب) في خطبته من علي (و ما قنع بذلک) و اقام خطباء ينالون منه، فبينا هو يخطب و نال من علي و إلي جنبي سعيد بن زيد بن ابن عمرو بن نفيل العدوي قال: فضربني بيده و قال: ألا تري ما يقول هذا؟ (و منهم) الذهبي الشافعي فانه خرج ذلک في تلخيص المستدرک المطبوع بذيل المستدرک (ج 3 ص 450) و قال: أبو بکر بن عياش: عن حصين عن هلال بن يساف عن عبد الله بن ظالم، قال: کان المغيرة ابن شعبة ينال في خطبته من علي و أقام خطباء ينالون منه (الحديث).

(قال المؤلف): فمن کان هذا حاله بالنسبة إلي خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله و صهره فهل يقبل حديثه في حق والد من کان يسبه عشر سنين في خطبته علي منابر المسلمين، هذا و قد روي السيد الحجة في کتاب (الحجة علي الذاهب) ص 19 و قال: و قد روي عنه (أي عن المغيرة) انه شرب (الخمر) في بعض الايام فلما سکر قيل (له) ما تقول في بني هاشم؟ فقال: و الله ما أردت لهاشمي قط خيرا.

(قال المؤلف): و مما يدل علي أن المغيرة بن شعبة کان من أعداء الهاشميين، و کان يروي الاحاديث الموضوعة في حقهم عليهم السلام، ما ذکره ابن ابي الحديد الشافعي في شرح نهج البلاغة (ج 1 ص 358) طبع أول مصر قال: و إن معاوية بن ابي سفيان وضع قوما من الصحابة و قوما من التابعين علي رواية اخبار قبيحة في علي عليه السلام تقتضي الطعن فيه و البراءة منه و جعل لهم علي ذلک جعلا يرغب فيه مثله، فاختلقوا

[صفحه 164]

ما أرضاه (منهم) أبو هريرة (و منهم) عمرو بن العاص (و منهم) المغيرة بن شعبة، و من التابعين عروة بن الزبير.


صفحه 144، 145، 146، 147، 148، 149، 150، 151، 152، 153، 154، 155، 156، 157، 158، 159، 160، 161، 162، 163، 164.