قول ابي طالب لاقربائه











قول ابي طالب لاقربائه



(ثم قال): علي أنه يمکن الجمع بين امتناعه و نطقه، بانه امتنع بحضورهما مداراة لهما فلما انطلقا و ذهبا نطق بهما، و أصغي اليه العباس فسمعه ينطق بها (قال): و لهذا في الحديث السابق ما کلمهم به يعني ابا جهل و من کان معه و لم يقل آخر ما تکلم به مطلقا، فدل علي أن قوله (أي أبو طالب): هو علي ملة عبد المطلب دليل علي أنه علي التوحيد لان عبد المطلب کان علي التوحيد (و لم يعبد قط صنما) کبقية آباء النبي صلي الله عليه و آله کما حقق ذلک جلال الدين السيوطي الشافعي و غيره في رسائل متعدد (قال): فابهم أبو طالب عليهم الجواب ليرضيهم ظاهرا و هو يعلم أن عبد المطلب (عليه السلام) کان علي التوحيد (و نفي الاضداد و عاملا بما کان يجب عليه في عصره).

(قال المؤلف): أنظر إلي ما في کلام هذا الفاضل زيني دحلان من المناقضات حيث يقول: إنه عليه السلام کافر باعتبار أحکام الدينا، و لکن مؤمن ناج ممتلئ قلبه إيمان، و يقول: إن أبا طالب أبهم عليهم الجواب ليرضيهم فقال: أنا علي ملة عبد المطلب و هو يعلم أن عبد المطلب کان مؤمنا موحدا لانه من آباء النبي صلي الله عليه و آله و إن آباء النبي صلي الله عليه و آله کانوا مؤمنين موحدين علي دين أبيهم إبراهيم عليه السلام و دينه کان الاسلام.

(قال المؤلف): إن زيني دحلان من الذين يعترفون بان أبا طالب کان مؤمنا موحدا مات علي الايمان و الاسلام، و لکن کان يلاحظ علماء أهل نحلته أهل السنة فلا يصرح لهم بمعتقده، و لکن العارف بالعربية لو تأمل قليلا في کلمات ابن دحلان عرف أنه من المعتقدين بايمان أبي طالب اعتقادا صحيحا کما تعتقد الامامية، و يؤيد ذلک توجيهاته للاحاديث الباطلة التي روته علماء السنة في حق أبي طالب عليه السلام تراه يماشيهم و لا يصرح ببطلان الاحاديث و لکن يوجهها توجيها لطيفا يثبت مقصوده من

[صفحه 139]

معارضة لعلماء أهل ملته و طريقته، فقال في توجيه الحديث الذي سنده سالم من المطعونين و هو حديث الضحضاح المعروف: ليس من شأن من علي الکفر أن يکون في ضحضاح من النار، بل شأنه أن يکون في الدرک الاسفل من النار، فقبول الشفاعة فيه حتي صار في ضحضاح دليل علي عدم کفره، إذ لا تقبل في الکافر شفاعة الشافعين، قال الله تبارک و تعالي في سورة المدثر آية (42) (في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلککم في سقر قالوا لم نک من المصلين و لم نک نطعم المسکين و کنا نخوض مع الخائضين و کنا نکذب بيوم الدين حتي أتانا اليقين فما تنفعهم شفاعة الشافعين).

فعلي قول من يقول بأن أبا طالب مات علي إيمان و أنه ترک الصلاة و العبادة مع ابن أخيه رسول الله صلي الله عليه و آله: بنص القرآن لا تنفعه شفاعة أي شافع (قال): و قوله في الحديث المنسوب إلي النبي صلي الله عليه و آله (لو لا أنا کان في الدرک الاسفل من النار) معناه لو لا أن الله هداه بي للايمان لمات کافرا و کان في الدرک الاسفل من النار: (فالحديث يثبت ايمانه لا کفره کما تخيله بعض الجهال) (قال): فقوله صلي الله عليه و آله هذا نظير قوله صلي الله عليه (و آله) و سلم في ولد اليهودي الذي زاره النبي صلي الله عليه (و آله) و سلم في مرضه و عرض عليه الاسلام فاسلم و مات (فقال صلي الله عليه و آله و سلم): الحمد لله الذي أنقذه بي من النار.

(قال): و حينئذ ظهر لنا معني لطيف في هذا الحديث الآخر (ايضا) و هو أنه کان (أبو طالب عليه السلام) في غمرات من النار فشفعت له فاخرج إلي ضحضاح منها، و هو أن المعني، کان (أبو طالب عليه السلام) مشرفا علي دخول الغمرات حيث أبي أن يشهد ثم تشفعت

[صفحه 140]

فيه فهداه الله للايمان (و لم يمت کافرا) (و ذلک لانه شهد الشهادتين و سمعهما منه أخوه العباس کما تقدم ذلک).

(قال المؤلف) لا يحتاج زيني دحلان و لا غيره إلي هذه التوجيهات أو التعسفات بل الاولي النظر في سند الحديث فان کان سالما يوجه أو يسکت عنه، و لو کان الحديث صحيح بالاصطلاح فلا نحتاج إلي التعسف في توجيهه، و لا شک و لا شبهة في أن جميع ما روي عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم في حق عمه الناصر له و المحامي عنه و الذي رباه سنين عديدة حتي کمل و بلغ عمره صلي الله عليه و آله خمسا و عشرين سنة و تزوج بأم المؤمنين خديجة عليها السلام فان جميع ما روي منه في حقه و فيه تنقيص لمقامه مکذوب علي رسول الله صلي الله عليه و آله و رواته مطعونون مقبول ما رووه في حقه منه بل المقبول في حقه ما روي من أولاده و أهل بيته في حقه، فان الاولاد أعرف بأحوال آبائهم و أجدادهم و هم متهمين فيما يروونه فيه من الرسول الاکرم صلي الله عليه و آله أو من غيره، و إليک بعض ما روي من أهل البيت في حق جدهم عليه السلام.

" بعض الاحاديث المروية عن أهل البيت عليهم السلام في حق جدهم ابي طالب عليه السلام " قال السيد الحجة فخار بن معد في کتابه (الحجة علي الذاهب إلي تکفير ابي طالب) ص 16 بالاسناد إلي الکراجکي عن رجاله عن أبان عن محمد ابن يونس عن أبيه عن أبي عبد الله (الصادق عليه السلام) أنه قال: يا يونس ما تقول الناس في أبي طالب؟ قلت جعلت فداک يقولون: هو في ضحضاح من نار و في رجليه نعلان من نار تغلي منهما أم رأسه فقال: کذب أعداء الله، إن ابا طالب من رفقاء النببين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئک رفيقا.

[صفحه 141]

(و فيه ايضا ص 17) خرج بسنده المتصل عن الحسين بن احمد المالکي، قال: حدثنا أحمد بن هلال، قال: حدثني علي بن حسان عن عمه عبد الرحمن بن کثير قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام إن الناس يزعمون أن ابا طالب في ضحضاح من نار، فقال: کذبوا ما بهذا نزل جبرئيل علي التبي صلي الله عليه و آله، قلت: و بما نزل؟ قال: أتي جبرئيل في بعض ما کان عليه، فقال: يا محمد إن ربک يقرئک السلام و يقول لک: إن اصحاب الکهف أسروا الايمان و أظهروا الشرک فآتاهم الله أجرهم مرتين، و إن ابا طالب اسر الايمان و أظهر الشرک فآتاه الله اجره مرتين، و ما خرج من الدنيا حتي أتته البشارة من الله تعالي بالجنة، ثم قال (عليه السلام) کيف يصفونه بهذا الملاعين؟ و قد نزل جبرئيل ليلة مات أبو طالب فقال: يا محمد أخرج من مکة فما لک بها ناصر بعد أبي طالب.

(و فيه ايضا ص 18) بسنده المتصل عن أبي بصير ليث المرادي قال: قلت لابي جعفر (الباقر عليه السلام): سيدي إن الناس يقولون: إن أبا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه، فقال عليه السلام: کذبوا و الله، إن ايمان أبي طالب لو وضع في کفة ميزان و إيمان هذا الخلق في کفة لرجح إيمان ابي طالب علي إيمانهم، ثم قال (عليه السلام): کان و الله أمير المؤمنين يأمر أن يحج عن أبي النبي و أمه و عن ابي طالب حياته، و لقد أوصي في وصيته بالحج عنهم بعد مماته.

(ثم قال السيد الحجة في (الحجة علي الذاهب ص 18): فهذه الاخبار المختصة بذکر الضحضاح من النار و ما شاکلها من متخرصات ذوي الفتن و روايات أهل الضلال و موضوعات بني أمية و أشياعهم الناصبين العداوة لاهل بيت النبي صلي الله عليه و آله، و هي في نفسها

[صفحه 142]

تدل علي أن مفتعلها و المجترئ علي الله بتخرصها متحامل غمر جاهل، قليل المعرفة باللغة العربية التي خاطب الله بها عباده و أنزل بها کتابه، لان الضحضاح لا يعرف في اللغة إلا لقلبل الماء فحيث عدل به إلي النار ظهرت فضيحته و استبان جهله و تحامله.

(و قال السيد عليه الرحمة ايضا): إن لامة (الاسلامية) متفقة علي أن الآخرة ليس فيها نار (خاصة)، سوي الجنة و النار فالمؤمن يدخله الله الجنة، و الکافر يدخله الله النار فان کان أبو طالب کافرا علي ما يقوله مخالفنا فما باله يکون في ضحضاح من نار من بين الکفار و لما ذا تجعل له نار وحده من بين الخلائق و القرآن متضمن أن الکافر يستحق التأييد و الخلود في النار.

(و قال عليه الرحمة أيضا): فان قيل (کما قيل) إنما جعل في ضحضاح من نار لتربيته للنبي صلي الله عليه و آله و ذبه عنه و شفقته علبه و نصره إياه (قلنا) تربية النبي صلي الله علبه و آله و سلم و الذب عنه و شفقته عليه و النصرة له، طاعة لله تعالي يستحق في مقابلها الثواب الدائم، فان کان أبو طالب فعلها و هو مؤمن فما باله لا يکون في الجنة کغيره من المؤمنين؟ و إن کان فعلها و هو کافر فانها نافعة له (کما لم تنفع أبا لهب نصرته للنبي صلي الله عليه و آله لانه کان علي کفره) لان الکافر إذا فعل فعلا لله تعالي فيه طاعة لا يستحق عليه ثوابا لانه لم يوقعه لوجهه متقربا به إلي الله تعالي، من حيث انه لم يعرف الله ليتقرب إليه فيجب أن يکون عمله نافع له، فما استحق أن يجعل في ضحضاح من نار، فهو إما مؤمن يستحق الجنة کما نقول و إما کافر يستحق التأييد في الدرک الاسفل من النار علي وجه الاستحقاق و الهوان کغيره من الکفار.


صفحه 139، 140، 141، 142.