عبدالمطلب لشأنا











عبدالمطلب لشأنا



(في الخصائص الکبري) لجلال الدين السيوطي الشافعي (ج 1 ص 81 ص 82) ذکر تحت عنوان (باب معرفة عبد المطلب بشأن النبي صلي الله عليه و آله) قال: أخرج ابن إسحاق، و البيهقي، و ا بو نعيم من طريقه، قال: حدثتي العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله قال: کان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الکعبة، و کان لا يجلس عليه أحد من بنية إجلالا له، و کان رسول الله صلي الله عليه و آله يأتي حتي يجلس عليه فيذهب أعمامه يوخرونه، فيقول جده عبد المطلب دعوا ابني فيمسح علي ظهره و يقول: ان لابني هذا لشأنا، قال: فتوفي عبد المطلب و النبي صلي الله عليه و آله ابن ثمان سنين، و أوصي به

[صفحه 71]

ابا طالب، قال: و أخرج أبو نعيم من طريق عطاء عن ابن عباس مثله و زاد (عليه قوله) دعوا ابني يجلس عليه فانه يحسن من نفسه بشيء و أرجو أنه يبلغ من الشرف ما لم يبلغه عربي قبله و لا بعده.

(و فيه ايضا ج 1 ص 81) قال: أخرج ابن سعد (في الطبقات) و ابن عساکر (في تاريخه) عن الزهري و مجاهد و نافع بن جبير، قالوا: کان النبي صلي الله عليه و آله يجلس علي فراش جده فيذهب أعمامه ليؤخروه فيقول عبد المطلب: دعوا ابني إنه ليونس ملکا، و قال قوم من بني مدلج لعبد المطلب: احتفظ به فانا لم نر قدما أشبه بالقدم التي في المقام منه، و قال عبد المطلب لام أيمن: يا برکة لا تغفلي عنه فان أهل الکتاب يزعمون أن ايني نبي هذه الامة (و إليک ايضا) بعض ما کان يعرفه عبد المطلب عليه السلام من أحوال سبطه و ابن ابنه صلي الله عليه و آله و سلم ما تقدم.

و إخبار الاسقف بنبوته.

(و فيه ايضال ج 1 ص 81) قال: خرج أبو نعيم من طريق الواقدي عن شيوخه قالوا: بينا عبد المطلب يوما في الحجر و عنده أسقف نجران و کان صديقا له و هو يحادثه.

و يقول: انا نجد صفة نبي بقي من ولد اسماعيل، هذا البلد مولده، من صفته کذا و کذا، و أتي رسول الله صلي الله عليه و آله فنظر اليه الاسقف و إلي عينيه و إلي ظهره و إلي قدميه.

فقال: هو هذا، ما هذا منک؟ قال ابني قال: الاسقف لا ما نجد أباه حيا قال: هو ابن ابني، و قد مات أبوه و أمه حبلي به، قال صدقت، قال: عبد المطلب لبنيه تحفظوا بإبن اخيکم.

ألا تسمعون ما يقال فيه.

[صفحه 72]

(اخبار سيف بن ذي يزن لعبد المطلب بنبوة) (ابن ابنه بطريق آخر) (و فيه ايضا ج 1 ص 82) قال: أخرج البيهقي، و أبو نعيم و ابن عساکر، من طريق عفير بن زرعة بن سيف بن ذي يزن عن أبيه قال: لما ظهر سيف بن ذي يزن علي الحبشة، و ذلک بعد مولد النبي صلي الله عليه (و آله) و سلم بسنتين أتاه وفود العرب لتهنيه، و أتاه وفد قريش منهم عبد المطلب فقال له سيف: يا عبد المطلب اني مفض إليک من سر علمي امرا لو غيرک يکون لم أبح له به، و لکني رأيتک معدنه فاطلعتک (أي أعلمتک سره) فليکن عندک مخبيا حتي يأذن الله فيه، إني أجد في الکتاب المکنون و العلم المخزون، الذي ادخرناه لانفسنا، و احتجبناه دون غيرنا، خيرا عظيما، و خطرا جسيما، فيه شرف الحياة، و فضيلة الوفاة للناس عامة، و لرهطک کافة، و لک خاصة، فقال عبد المطلب، ما هو؟ قال: إذا ولد بتهامة، غلام بين کتفيه شامة، کانت له الامامة، و لکم به الزعامة، إلي يوم القيامة، ثم قال: هذا حينه الذي يولد فيه، أو قد ولد، إسمه محمد، يموت أبوه و أمه، و يکفله جده و عمه، و قد ولدناه مرارا، و الله باعثه جهارا، و جاعل له منا أنصارا، يعز بهم أولياءه و يذل بهم اعداءه، و يصرف بهم الناس عن عرض، و يستفتح بهم کرائم أهل الارض، يعبد الرحمن، و يدحر الشيطان، و يخمد النيران، و يکسر الاوثان، قوله فصل، و حکمه عدل يأمر بالمعروف و يفعله، و ينهي عن المنکر و يبطله، و البيت ذي الحجب، و العلامات علي النقب، إنک جده يا عبد المطلب کذب، فهل أحسست بشيء، مما ذکرت لک؟

[صفحه 73]

قال نعم، أيها الملک، إنه کان لي ابن و کنت به معجبا، و عليه رفيقا واني زوجته کريمة من کرائم قومي آمنة بنت وهب فجاءت بغلام فسميته محمدا، مات أبوه و أمه، و کفلته أنا و عمه، فقال له سيف إن الذي قلت لک کما قلت، فاحفظه، و أحذر عليه اليهود، فانهم له أعداء و لن يجعل الله لهم عليه سبيلا، و لو لا أني أعلم أن الموت مجتاحي قبل مبعثه لسرت بخيلي و رجلي حتي اصير يثرب دار ملکي، فاني أجد في الکتاب الناطق، و العلم السابق، أن بيثرب استحکام أمره و أهل نصره و موضع قبره، (و في تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 10) قال: روي عن رسول الله صلي الله عليه و آله) أنه قال: إن الله يبعث جدي عبد المطلب أمة واحدة في هيئة الانبياء و زي الملوک.

(قال المؤلف) فهل يبقي مجال للشک في إيمان عبد المطلب برسول الله صلي الله عليه و آله بعد ما سمعه من سيف بن ذي يزن من أنه صلي الله عليه و آله نبي يرسل من بني هاشم و هو ابن ابن عبد المطلب عبد الله عليهم السلام، و الحق أن يقال إن عبد المطلب و أبا طالب عليهما السلام آمنا به صلي الله عليه و آله قبل بعثته لما علموا من أحواله من أخبار سيف بن ذي يزن و قول الاحبار و الرهبان و غيرهم، و لذلک، کانوا سلام الله عليهم يخبرون أولادهم و غيرهم بأنه صلي الله عليه و آله له نبأ عظيم و شأن جسيم و أنه يبلغ من الشرف ما لم يبلغه أي عربي قبله و بعده، و غير ذلک من کلماتهم الدالة علي علو شانه و رفيع مقامه، و إليک بعض ما أخبر به أبو طالب عليه السلام من أحوال النبي صلي الله عليه و آله.

[صفحه 74]

(بعض ما أخبر به الاحبار و الرهبان من أحوال النبي) (صلي الله عليه و آله لعمه أبي طالب و لغيره) (الخصائص الکبري ج 1 ص 84) طبع حيدر أباد الدکن قال: أخرج الببهقي عن ابن إسحاق قال: کان أبو طالب هو الذي يلي أمر رسول الله صلي الله عليه (و آله) و سلم بعد جده، فخرج في رکب من الناس إلي الشام و خرج به (صلي الله عليه و آله) معه فلما نزل الرکب بصري و بها راهب يقال له بحيرا في صومعة له، و کان أعلم أهل النصرانية، و لم يزل في تلک الصومعة قط راهب اليه يصير علمهم[1] عن کتاب فيما يزعمون يتوارثونه، کابرا عن کابر، فلما نزلوا ذلک العام ببحيرا، و کائوا کثيرا ما يمرون به قبل ذلک لا يکلمهم و لا يتعرض لهم حتي إذا کان ذلک العام، نزلوا قريبا من صومعته فصنع لهم طعاما کثيرا، و ذلک فيما يزعمون عن شيء رآه و هو في صومعته في الرکب حين أقبلوا و غمامة بيضاء تظله (صلي الله عليه و آله) من بين القوم ثم أقبلوا حتي نزلوا بظل شجرة قريبا منه، فنظر إلي الغمامة حين أظلت الشجرة، و تهصرت (أي تدلت و مالت) أغصان الشجرة علي رسول الله صلي الله عليه (و آله) و سلم حتي استظل تحتها، فلما رأي ذلک بحيرا نزل من صومعته و قد أمر بذلک الطعام فصنع، ثم أرسل إليهم فقال: إني قد صنعت لکم طعاما يا معشر قريش و أنا أحب أن تحضروا کلکم صغيرکم و کبيرکم و حرکم، و عبدکم، فقال له رجل منهم: يا بحيرا

[صفحه 75]

إن لک اليوم لشانا ما کنت تصنع هذا فيما مضي و قد کنا نمر بک کثيرا فما شأنک اليوم؟ فقال بحيرا: صدقت قد کان ما تقول، و لکنکم ضيف و قد أحببت أن أکرمکم و أصنع لکم طعاما تأکلون منه کلکم فاجتمعوا اليه، و تخلف رسول الله صلي الله عليه (و آله) و سلم من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرا في القوم لم ير الصفة التي يعرفها و يجدها عنده، فقال: يا معشر قريش لا يتخلف أحد منکم عن طعامي هذا، قالوا له: يا بحيرا ما تخلف عنک أحد ينبغي أن يأتيک، إلا غلام هو أحدث القوم سنا تخلف في رحالهم، قال: فلا تفلعوا أدعوه فليحضر هذا الطعام معکم، فقال رجل من قريش مع القوم: و اللات و العزي ان هذا للؤم بنا ان يتخلف ابن عبد الله ابن عبد المطلب عن الطعام من بيننا، قال: ثم قام اليه عمه الحرث بن عبد المطلب کما في السيرة النبوية بهامش ص 105 من السيرة الحلبية ط 2 سنة 1329 فاحتضنته ثم اقبل به حتي أجلسه مع القوم، فلما رآه بحيرا جعل يلحظه لحظا شديدا، و ينظر إلي أشياء جسده قد کان يجدها عنده في صفته حتي فرغ القوم من الطعام، و تفرقوا، قام بحيرا فقال له يا غلام أسألک بالات و العزي إلا ما أخبرتني عما أسألک عنه، و إنما قال له بحيرا ذلک لانه سمع قومه يحلفون بهما فزعموا أن رسول الله (ص) مثلهم فقال له: لا تسألني باللات و العزي شيئا قط فو الله ما أبغضت بعضهما شيئا قط، فقال له بحيرا: فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألک عنه، فقال: سلني عما بدا لک، فجعل يسأله عن أشياء من حاله من نومه و هيئته و أموره، فجعل رسول الله صلي الله عليه (و آله) و سلم يخبره فيوافق ذلک ما عند بحيرا من صفته، ثم نظر إلي ظهره فرأي خاتم النبوة بين کتفيه علي موضعه من صفته التي عنده، قال: فلما فرغ منه أقبل علي عمه أبي طالب فقال له: ما هذا

[صفحه 76]

الغلام منک؟ فقال: ابني، فقاله له بحيرا: ما هو بابنک و ما ينبغي لهذا الغلام أن يکون أبوه حيا، قال: فانه ابن أخي قال: فما فعل أبوه؟ قال: مات و أمه حبلي به، قال: صدقت، إرجع بإبن أخيک إلي بلده و أحذر عليه اليهود فو الله لئن رأوه و عرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا فانه کائن لا بن أخيک هذا شأن، فاسرع به إلي بلاده، فخرج به عمه أبو طالب سريعا حتي أقدمه مکة حين فرغ من تجارته بالشام، قال: فزعموا فيما يتحدث الناس أن زبيرا و تماما و دريسا و هم نفر من أهل الکتاب قد کانوا رأوا من رسول الله صلي الله عليه (و آله) و سلم في ذلک السفر الذي کان فيه مع عمه أبي طالب أشياء، فردهم عنه بحيرا، و ذکرهم الله و ما يجدون في الکتاب من ذکره وصفته، و أنهم إن أجمعوا لما أرادوا لم يخلصوا اليه حتي عرفوا ما قال لهم، و صدقوه بما قال فترکوه و انصرفوا.

و قال أبو طالب في ذلک أبياتا منها: فما رجعوا حتي رأوا من محمد أحاديث تجلو غم کل فؤاد و حتي رأوا أحبار کل مدينة سجودا له من عصبة و فراد زبيرا و تماما و قد کان شاهدا دريسا و هموا کلهم بفساد فقال لهم قولا بحيرا و أيقنوا له بعد تکذيب و طول عناد کما قال للرهط الذين تهودوا و جاهدهم في الله کل جهاد فقال و لم يترک له النصح رده فان له إرصاد کل مصاد فاني أخاف الحاسدين و إنه لفي الکتب مکتوب بکل مداد قال جلال الدين السيوطي الشافعي في الخصائص (ج 1 ص 85) طبع حيدر أباد کن: و أخرج أو نعيم عن الواقدي عن شيوخه مثله (أي مثل ما أخرجه البيهقي) قال: و فيه هذه الزيادة: و جعل ينظر إلي الحمرة في عينيه ثم قال لقومه: أخبروني عن هذه الحمرة تأتي و تذهب

[صفحه 77]

أولا تفارقه، قالوا: ما رأيناها فارقته قط، و سأله عن نومه فقال: تنام عيناي و لا ينام قلبي، قال: و فيه بعد قوله کائن لا بن لاخيک هذا شأن نجده في کتبنا و ما ورثنا من آبائنا و قد أخذ علينا مواثيق قال أبو طالب: من أخذ عليکم المواثيق قال: الله أخذا علينا و نزل به علي عيسي ابن مريم، قال: و أخرج ابن سعد مثله بطوله عن داود بن الحصين، و فيه إن النبي صلي الله عليه (و آله) و سلم کان ابن ثنتي عشرة سنة (أي حين سافر مع عمه إلي الشام)، و في تاريخ أبي الفداء (ج 1 ص 119) قال کان عمر رسول الله صلي الله عليه و آله إذ ذاک ثلاث عشرة سنة و في تاريخ اليعقوبي (ج 2 ص 10، قال خرج به (عمه أبو طالب) إلي بصري من أرض الشام و هو ابن تسع سنين، قال: و الله لا اکلک إلي غيري و في التاريخ الکبير للطبري (ج 2 ص 195) خرج نحوه و قال: خرجه هشام بن محمد، و في أسني المطالب (ص 13) أخرج ذلک و قال إن أبا طالب سافر إلي الشام و کان عمر النبي صلي الله عليه و آله إذ ذاک تسع سنين فصحبه معه فرآه بحيرا الراهب بفتح الباء ورأي فيه علامات النبوة فاخبر عنه أبا طالب و أمره بأرجاعه إلي مکة مخافة عليه من اليهود، فرده إلي مکة.

(و في الخصائص ايضا ج 1 ص 85) قال: أخرج أبو نعيم عن علي قال: خرج أبو طالب في تجارة إلي الشام في نفر من قريش و أخذ معه النبي صلي الله عليه (و آله) و سلم فلما أشرفوا علي بحيرا الراهب في وقت قيظ و حر رفع الراهب بصره فإذا غمامة تظل النبي صلي الله عليه (و آله) و سلم من بين من معه من الشمس فصنع بحيرا طعاما و دعاهم إلي صومعته فلما دخل النبي صلي الله عليه (و آله) و سلم الصومعة أشرقت الصومعة نورا فقال بحيرا: هذا نبي الله الذي يرسله من العرب إلي الناس کافة.

[صفحه 78]

(و فيه ايضا ص 85) قال: أخرج ابن سعد و ابن عساکر عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: سار أبو طالب إلي الشام و النبي صلي الله عليه (و آله) و سلم معه فنزلوا علي صاحب دير فقال صاحب الدير (لابي طالب عليه السلام): ما هذا الغلام منک؟ قال: ابني قال: ما هو بابنک و لا ينبغي أن يکون له أب حي، قال فلم؟ قال لان وجهه وجه نبي و عينه عين نبي قال: و ما النبي؟ قال: الذي يوحي اليه من السماء فينبئ به أهل الارض، قال: الله أجل مما تقول، قال: فاتق عليه اليهود، قال: ثم خرج حتي نزل براهب أيضا صاحب دير فقال: ما هذا الغلام منک؟ قال ابني، قال: ما هو بابنک و ما ينبغي أن يکون له اب حي قال؟ و لم ذاک؟ قال: لان وجهه وجه نبي و عينه عين نبي قال سبحان الله، الله أجل مما تقول، قال: يا ابن أخي ألا تسمع ما يقولون؟ قال: أي عم لا تنکر لله قدره.

(قال المؤلف) يظهر من هذه الاحاديث أن أبا طالب عليه السلام کان عالما بنبوة ابن أخيه قبل أن يبعثه الله، و کان يعتقد ذلک و لذلک کان يوصي أولاده و أقرباءه بملازمته و نصرته في إثبات دعوته حين بعث صلي الله عليه و آله، و کان يأمرهم باتباعه.


صفحه 71، 72، 73، 74، 75، 76، 77، 78.








  1. أي لم يزل يکون في هذه الصومعة راهب ينتهي اليه علم النصرانية.