اشعار ابي طالب الدالة علي ايمانه











اشعار ابي طالب الدالة علي ايمانه



(أخبرني) السيد أبو علي عبد الحميد بن التقي الحسيني رحمه الله باسناده إلي ابي علي الموضح يرفعه إلي عمران بن الحصين الخزاعي قال: کان و الله إسلام جعفر عليه السلام بأمر أبيه، و لذلک مر أبو طالب و معه ابنه جعفر برسول الله صلي الله عليه و آله و هو يصلي، و علي عليه السلام عن يمينه، فقال أبو طالب لجعفر: صل جناح ابن عمک فجاء جعفر فصلي مع النبي صلي الله عليه و آله فلما قضي صلاته قال له النبي صلي الله عليه و آله: يا جعفر وصلت جناح ابن عمک ان الله يعوضک من ذلک جناحين تطير بهما في الجنة فانشأ أبو طالب رضوان الله عليه (يقول): ان عليا و جعفرا ثقتي عند ملم الزمان و النوب لا تخذلا و انصرا ابن عمکما أخي لامي من بينهم و أبي إن ابا معتب قد اسلمنا ليس ابو معتب بذي حدب و الله لا أخذل النبي و لا يخذله من بني ذو حسب حتي تروا الرؤس طائحة منا و منکم هناک بالقضب نحن و هذا النبي أسرته نضرب عنه الاعداء کالشهب ان نلتموه بکل جمعکم فنحن في الناس الام العرب[1] قال السيد- عليه الرحمة: و قول ابي طالب إن ابا معتب يريد

[صفحه 48]

أخاه ابا لهب، و کان يکني أبا معتب، ثم ذکر السيد شرحا في سبب ترکه عليه السلام الصلاة مع ابن عمه صلي الله عليه و آله مع أنه کان مؤمنا به فقال ما مختصره: انما منعه من الصلاة معه التقية من صاحبه الذي کان معه (أي ضوء بن صلصال) لانه کما مر عليک ينصر النبي صلي الله عليه و آله مع انه کان مؤمن به، فابو طالب عليه السلام مراقبة لصاحبه و استبقاء لنصرته أظهر مواففته معه، و کان ذلک خدعة منه لتقوي شوکته في نصرة ابن عمه فلو کان مصليا معه عرف ذلک المشرکون فصاروا يدا واحدة عليه لم يتمکن من حفظ ابن اخيه و أصحابه.

(قال المؤلف) خرج ابن الاثير في أسد الغابة (ج 1 ص 287) في ترجمة جعفر بن ابي طالب عليهما السلام قضية أمر ابي طالب عليه السلام ابنه جعفر بان يصل جناح ابن عمه، و قال: ما هذا نصه: (روي) أن ابا طالب رأي النبي صلي الله عليه و آله و عليا رضي الله عنه يصليان و علي عن يمينه فقال لجعفر رضي الله عنه صل جناح ابن عمک وصل عن يساره، و لم يذکر اشعاره.

(و خرج) أبو بکر الشيرازي في تفسيره أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم لما نزل عليه الوحي أتي المسجد الحرام و قام يصلي فيه فاجتاز به علي عليه السلام و کان ابن تسع سنين فناداه يا علي الي أقبل، فاقبل اليه مليا فقال له النبي: إني رسول الله إليک خاصة و إلي الخلق عامة، فقف عن يميني وصل معي، فقال يا رسول الله حتي أمضي و استأذن أبا طالب والدي فقال له: اذهب فانه سيأذن لک، فانطلق اليه يستأذنه في اتباعه فقال يا ولدي تعلم أن محمدا أمين الله منذ کان، أمض اليه و اتبعه ترشد و تفلح فأتي علي عليه السلام و رسول الله صلي الله عليه و آله قائم يصلي في

[صفحه 49]

المسجد فقام عن يمينه يصلي معه فاجتاز أبو طالب بهما و هما يصليان، فقال يا محمد ما تصنع قال أعبد إله السماوات و الارض و معي أخي علي يعبد ما أعبد، و أنا أدعوک إلي عبادة الواحد الاحد القهار فضحک أبو طالب حتي بدت نواجده و أنشأ يقول: و الله لن يصلوا إليک بجمعهم حتي أغيب في التراب دفينا فاصدع بأمرک ما عليک عضاضة و أبشر بذاک وقر منک عيونا و دعوتني و علمت أنک ناصحي و لقد دعوت و کنت ثم أمينا و في رواية و دعوتني و زعمت انک ناصحي و لقد صدقت و کنت ثم أمينا و لقد علمت بان دين محمد من خير اديان البرية دينا (قال المؤلف) زاد ابن کثير علي الابيات بيتا آخر، و لا يخفي أن البيت الخامس الذي زاده ابن کثير و غيره کالقرطبي و أمثاله ليس من ابي طالب عليه السلآم، قال العلامة البرزنجي و غيره انه موضوع أدخلوه في شعر أبي طالب و ليس من کلامه، کما في أسني المطالب (ص 18 طبع طهران سنة 1382 ه) (ثم قال) و لو قيل إنه من کلامه فيقال أتي به عليه السلام للتعمية علي قريش و ليوهم عليهم أنه معهم و علي ملتهم، و لم يتابع محمدا ليقبلوا حمايته و يمتثلوا أوامره.

(و قال) العلامة الحجة الاميني دام بقاه بعد نقله الابيات مع البيت الاخير و نعم ما قال قال: هب أن البيت الاخير من صلب ما نظمه أبو طالب عليه السلام فان أقصي ما فيه أن العار و السبة اللذين کان أبو طالب يحذرهما خيفة أن يسقط محله عند قريش فلا تتسني له نصرة الرسول المبعوث صلي الله عليه و آله، إنما منعاه عن الابانة و الاظهار لاعتناق الدين و إعلان الايمان بما جاء به النبي الامين، صلي الله عليه و آله

[صفحه 50]

و هو صريح قوله (لوجدتني سمحا بذاک مبينا) أي مظهرا و أين هو من اعتناق الدين في نفسه و العمل بمقتضاه من النصرة و الدفاع و لو کان يريد عدم الخضوع للدين لکان تهافتا بينا بينه و بين أبياته الاولي المتقدمة، التي ينص فيها بان دين محمد صلي الله عليه و آله من خير أديان البرية دينا، و أنه صلي الله عليه و آله صادق في دعوته أمين علي أمته.

(و ذکر الاميني) أن الابيات رواها الثعلبي في تفسيره (الکشف و البيان) و قال: قد اتفق علي صحة نقل هذه الابيات عن أبي طالب (عليه السلام) مقاتل و عبد الله بن عباس و القسم بن مخيمرة و عطاء بن دينار (و قال) ذکر الابيات في خزانة الادب للبغدادي (ج 1 ص 261 طبع ثاني سنة 1299 ه) و تاريخ ابن کثير (ج 3 ص 42) و تاريخ ابي الفداء (ج 1 ص 120) و فتح الباري شرح صحيح البخاري (ج 7 ص 153 ص 155) و المواهب اللدنية (ج 1 ص 61) و السيرة الحلبية (ج 1 ص 305) و في ديوان ابي طالب ص 12 طبع النجف الاشرف.

(قال المؤلف) ذکره فيه اختلاف في بعض ألفاظه، و هذا لفظه قال أبو طالب لرسول الله صلي الله عليه و آله لما أخافته قريش: و الله لن يصلوا إليک بجمعهم حتي أوسد في التراب دفينا فانفذ لامرک ما عليک غضاضة فکفي بنا دنيا لديک و دينا و دعوتني و زعمت أنک ناصح فلقد صدقت و کنت قبل أمينا و عرضت دينا قد علمت بانه من خير أديان البرية دينا (قال المؤلف) ذکر ابن ابي الحديد و غيره أشعار ابي طالب عليه السلام المتقدمة و لم يذکروا سبب إنشاد أبي طالب عليه السلام لهذه الابيات و لو ذکروا سببه لکان موجبا لمعرفة معني الابيات و کان إليق و أقرب لفهم

[صفحه 51]

المراد، و لکن القلوب القاسية و الضماير الفاسدة لم تترک للناس أمانة فغيروا و بدلوا و زادوا و نقصوا (يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم و الله متم نوره).

(قال ابن کثير) في البداية و النهاية (ج 3 ص 42) قبل نقله الابيات و لعله يريد بيان السبب لما أنشده أبو طالب عليه السلام (روي) يونس بن بکير بن طلحة بن يحيي عن عبد الله بن موسي بنم طلحة، أخبرني عقيل بن ابي طالب، قال: جاءت قريش إلي أبي طالب فقالوا: ان ابن اخيک هذا، قد آذانا في نادينا و مسجدنا فانهه عنا، فقال يا عقيل انطلق فأتني بمحمد، قال: فانطلقت اليه فاستخرجته من کنس، أو قال خنس (هو بيت صغير) فجاء به في الظهيرة في شدة الحر فلما أتاهم قال (أبو طالب له): ان بني عمک هؤلاء زعموا أنک تؤذيهم في ناديهم و مسجدهم، فانته عن أذاهم، فحلق رسول الله صلي الله عليه و آله ببصره إلي السماء، فقال: ترون هذه الشمس؟ قالوا: نعم، قال: " فما انا باقدر أن ادع ذلک منکم علي أن تشتعلوا منه بشعلة " فقال أبو طالب و الله ما کذب ابن اخي قط فارجعوا، ثم روي الحديث بلفظ آخر و قال إن قريشا حين قالت لابي طالب هذه المقالة (اي شکايتهم عنه) بعث إلي رسول الله صلي الله عليه و آله فقال: يا ابن اخي إن قومک قد جاؤني و قالوا: کذا و کذا، فابق علي و علي نفسک و لا تحملني من الامر ما لا أطيق أنا و لا أنت، فاکفف عن قومک ما يکرهون من قولک فظن رسول الله صلي الله عليه و آله أن قد بدا لعمه فيه، و أنه خاذله و مسلمه، و ضعف عن القيام معه، فقال رسول الله لو وضعت الشمس في يميني و القمر في يساري ما ترکت هذا الامر حتي يظهره الله أو أهلک في طلبه، ثم استعبر رسول الله صلي الله عليه و آله فبکي فلما ولي قال له (أبو طالب) حين رأي ما بلغ الامر برسول الله

[صفحه 52]

صلي الله عليه و آله: يا ابن اخي فاقبل عليه فقال: أمض علي امرک فافعل ما أحببت فو الله لا أسلمک لشيء ابدا، قال ابن إسحاق: ثم قال أبو طالب في ذلک: و الله لن يصلوا إليک بجمعهم حتي أوسد في التراب دفينا فامض لامرک ما عليک غضاضة أبشر وقر بذاک منک عيونا و دعوتني و علمت أنک ناصحي فلقد صدقت و کنت ثم أمينا و عرضت دينا قد عرفت بانه من خير أديان البرية دينا لو لا الملامة أو حذاري سبة لوجدتني سمحا بذاک مبينا (قال المؤلف) و من علماء الشافعية الذين خرجوا الابيات زيني دحلان الشافعي في (اسني المطالب (ص 18) الطبع الثاني و ذکر سببا آخر لانشاد أبي طالب عليه السلام للابيات، و هذا نصه: قال (و اجتمع) مرة کفار قريش و جاؤا أبا طالب و معهم عمارة بن الوليد بن المغيرة و کان من أحسن فتيان قريش و قالوا لابي طالب: خذ هذا بدل محمد، يکون کالا بن لک، و أعطنا محمدا نقتله، فقال ما أنصفتموني يا معشر قريش آخذ ابنکم أربيه و أعطيکم ابني تقتلونه، ثم قال: و الله لن يصلوا إليک بجمعهم حتي أوسد في التراب دفينا فاصدع بأمرک ما عليک غضاضة و أبشر بذاک وقر منک عيونا و دعوتني و علمت أنک صادق و لقد صدقت و کنت ثم أمينا و لقد علمت بان دين محمد من خير أديان البرية دينا (قال المؤلف) جعل زيني دحلان سبب إنشاد أبي طالب عليه السلام الابيات قضية طلب قريش من أبي طالب عليه السلام مبادلة عمارة بالنبي صلي الله عليه و آله و سلم حتي يقتلوه، و هذه القضيه القضايا السابقة التي ذکرت سببا لانشاد ابي طالب الابيات، و من الممکن أن

[صفحه 53]

أبا طالب في جميع هذه القضايا أنشد هذه الابيات التي مفادها طمأنينة قلب الرسول الاکرم صلي الله عليه و آله بان أبا طالب عليه السلام يحاميه حتي الموت، و أمره بالقيام بما أمر به، و أن لا يرتدع عما هو عليه من تبليغ ما أرسل به بما يراه من الايذاء من مشرکي قريش و غيرهم.

و من علماء الشافعية الذين أخرجوا الابيات المتقدمة زيني دحلان ايضا في کتابه الآخر المعروف بالسيرة النبوية المطبوع بهامش السيرة الحلبية (ج 1 ص 97 وص 98) و خرحها في طلبة الطالب (ص 5) و في بلوغ الارب (ج 1 ص 325) و في السيرة الحلبية (ج 1 ص 312) ذکر بيتا واحدا و ترک البقية، و ذکرها الالوسي في بلوغ الارب، و ابن ابي الحديد في شرحه لنهج البلاغة کما يلي: و الله لن يصلوا إليک بجمعهم حتي أوسد في التراب رهينا فانفذ لامرک ما عليک مخافة و أبشر وقر بذاک منه عيونا و دعوتني و زعمت انک ناصحي و لقد صدقت و کنت قبل أمينا و عرضت دينا قد علمت بانه من خير أديان البرية دينا لو لا الملامة أو حذاري سبة لوجدتني سمحا بذاک مبينا (قال المؤلف) إن لهذه الابيات التي أنشدها أبو طالب مقدمة ذکرها ابن ابي الحديد قبل هذه الابيات (ج 14 ص 53 ص 54 الطبعة الثانية) و هذا نصها: قال محمد بن إسحاق: و لم تکن قريش تنکر أمره (أي أمر رسول الله صلي الله عليه و آله) و هو ما کان يأمرهم بترک الشرک بالله و الاعتراف بالوحدانية، (لله تعالي) حينئذ کل الانکار حتي ذکر آلهتهم و عابها فاعظموا ذلک و أنکروه، و أجمعوا علي عداوته و خلافه، و حدب عليه عمه أبو طالب فمنعه (من أن يصيبه بشيء) و قام دونه (يحميه و يذب عنه)

[صفحه 54]

حتي بکون مظهرا لامر الله لا يرده عنه شيء، قال: فلما رأت قريش محاماة أبي طالب عنه، و قيامه دونه، و امتناعه من أن يسلمه (إليهم ليقتلوه) مشي اليه رجال من أشراف قريش ذکر اسماءهم و هم ثمانية، فقالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيک قد سب آلهتنا، و عاب ديننا، و سفه أحلامنا و ضلل آراءنا، فاما أن تکفه عنا، و إما أن تخلي بيننا و بينه،.

فقال لهم أبو طالب: قولا رفيقا، وردهم ردا جميلا، فانصرفوا عنه، و مضي رسول الله صلي الله عليه و آله علي ما هو عليه يظهر دين الله، و يدعو اليه، ثم شرق (ثم شري) الامر بينه و بينهم (أي تزايد) تباعدا و تضاغنا (أي معاداة) حتي أکثرت قريش ذکر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بينها، و تذامروا فيه، و حض بعضهم بعضا عيله، فمشوا إلي أبي طالب مرة ثانية، فقالوا: يا أبا طالب ان لک سنا و شرفا و منزلة فينا، و انا قد استنهيناک من ابن اخيک فلم تنهه عنا، و انا و الله لا نصبر علي شتم آبائنا و تسفيه أحلامنا و عيب آلهتنا، فاما ان تکفه عنا أو ننازله و إياک (أي نحاربکما) حتي يهلک أحد الفريقين، ثم انصرفوا، فعظم علي أبي طالب فراق قومه و عداوتهم، و لم تطب نفسه بإسلام ابن اخيه لهم و خذلانه فبعث اليه، فقال يا ابن اخي إن قومک قد جاؤني فقالوا لي کذا و کذا للذي قالوا فابق علي و علي نفسک، و لا تحملني من الامر ما لا أطيقه، قال: فظن رسول الله صلي الله عليه و آله أنه قد بدا لعمه فيه بداء، و انه خاذله و مسلمه، و أنه قد ضعف عن نصرته و القيام دونه، فقال: يا عم، و الله لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في شمالي علي أن اترک هذا الامر ما ترکته حتي يظهره الله أو أهلک، ثم استعبر باکيا و قام، فلما ولي ناداه أبو طالب: أقبل يا ابن اخي، فاقبل راجعا فقال له إذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت فو الله لا أسلمک لشيء

[صفحه 55]

أبدا، ثم أنشد الابيات المتقدمة.

(قال المؤلف) خرج الابيات المتقدمة جمع کثير من علماء السنة و الامامية عليهم الرحمة من تقدم ذکرهم، و من علماء السنة الذين أخرجوا الابيات القرطبي في تفسيره (ج 6 ص 406) فانه خرجها مع اختلاف قي بعض کلماتها و هذا نصها.

و الله لن يصلوا إليک بجمعهم حتي أوسد في التراب دفينا فاصدع بأمرک ما عليک غضاضة إبشر بذاک وقر منک عيونا و دعوتني و زعمت انک ناصحي فلقد صدقت و کنت قبل أمينا و عرضت دينا قد عرفت بانه من خير أديان البرية دينا لو لا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحا بذاک يقينا (قال المؤلف) هذه الالفاظ أوضح و أصرح في الاعتراف بنبوة سيد المرسلين، و لا فرق في الاعتراف بالاسلام في النثر أو الشعر، فابو طالب عليه السلام في شعره هذا اعترف بصدق ما جاء به ابن اخيه محمد صلي الله عليه و آله و الاعتراف هو الاسلام، و لکن يعتذر عليه السلام من المشارکة معه في العبادة و الصلاة في الظاهر حتي يتمکن من حفظه و حفظ أصحابه فحاله عليه السلام حال أصحاب الکهف الذين کانوا يخفون الاسلام و التدين بدين نبي عصرهم الذي کان يجب عليهم اتباعه فأعطاهم الله أجرهم مرتين.

(و منهم) الزمخشري في تفسير الکشاف ج 1 ص 448 فقد خرج الابيات، و قال في مقدمتها: روي أنهم (أي کفار قريش) اجتمعوا إلي أبي طالب و أرادوا برسول الله صلي الله عليه و آله سوء فقال الابيات، و لفظه يقرب من لفظ القرطبي، و فيه اختلاف، و هذا نصه: و الله لن يصلوا إليک بجمعهم حتي أوسد في التراب دفينا

[صفحه 56]

فاصدع بأمرک ما عليک غضاضة و أبشر بذاک وقر منه عيونا و دعوتني و زعمت أنک ناصح و لقد صدقت و کنت ثم أمينا و عرضت دينا لا محالة أنه من خير أديان البرية دينا لو لا الملامة أو حذاري سبة لوجدتني سمحا بذاک مبينا و من العلماء الذين خرجوا الابيات العلامة محمد بن علي بن شهر اشوب فانه خرج الابيات الخمسة، و لفظه يقرب لفظ الزمخشري مع اختلاف يسير، و قال في البيت الخامس.

لو لا المخافة أو يکن معرة لوجدتني سمحا بذاک مبينا (قال المؤلف) لو فرضنا صحة نسبة البيت الخامس إلي ابي طالب عليه السلام لکان لفظه في البيت الاخير أحسن الالفاظ و أصحها، و الله العالم.

(و منهم) علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم البغدادي المعروف بالخازن، فقد أخرج الابيات في تفسيره (لباب التأويل في معاني التنزيل) ج 2 ص 10، و قال: روي أن النبي صلي الله عليه و آله دعا أبا طالب إلي الايمان فقال: لو لا تعيرني قريش لاقررت بها عينک، و لکن أذب عنک ما حييت، و قال في ذلک (ثم ذکر الابيات) و لفظه يقرب من لفظ ابن ابي الحديد إلا في البيت الثاني فانه قال: (فاصدع بأمرک ما عليک غضاضة) و قال ابن ابي الحديد: (فانفذ لامرک ما عليک مخافة) و قال في البيت الخامس: (لو لا الملامة أو حذار مسبة) و قال ابن ابي الحديد: (لو لا الملامة أو حذاري سبة)

[صفحه 57]

(و منهم) احمد بن ابي يعقوب بن جعفر بن وهب الکاتب المعروف بإبن واضح الاخباري المتوفي سنة 292 فانه خرج الابيات في کتابه المعروف بتاريخ اليعقوبي (ج 2 ص 22 طبع النجف الاشرف)، و لم يذکر إلا ثلاثة أبيات، و ذلک يدل علي ان البيت الاخير ليس من أبياته قال: وهمت قريش بقتل رسول الله (صلي الله عليه و آله) و أجمع ملاها علي ذلک و بلغ أبا طالب فقال: و الله لن يصلوا إليک بجمعهم حتي أوسد في التراب دفينا و دعوتني و زعمت أنک ناصح و لقد صدقت و کنت ثم أمينا و عرضت دينا قد علمت بانه من خير أديان البرية دينا ثم قال اليعقوبي فلما علمت قريش أنهم لا يقدرون علي قتل رسول الله (صلي الله عليه و آله) و أن ابا طالب لا يسلمه، و سمعت بهذا من قول ابي طالب، کتبت الصحيفة القاطعة الظالمة.

أن لا يبايعوا احدا من بني هاشم و لا يناکحوهم و لا يعاملوهم حتي يدفعوا إليهم محمدا فيقتلوه فتعاقدوا علي ذلک، و تعاهدوا، و ختموا علي الصحيفة بثمانين خاتما، و کان الذي کتبها منصور بن عکرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار فشلت يده، ثم حصرت قريش رسول الله (صلي الله عليه و آله) و أهل بيته من بني هاشم و بني عبد المطلب بن عبد مناف في الشعب الذي يقال له شعب بني هاشم (و کان ذلک) بعد ست سنين من مبعثة (صلي الله عليه و آله و سلم) فأقام و معه جميع بني هاشم و بني المطلب في الشعب ثلاث سنين.

حتي أنفق رسول الله (صلي الله عليه و آله) ماله و أنفق أبو طالب ماله و أنفقت خديجة بنت خويلد مالها، و صاروا إلي حد الضر و الفاقة، ثم نزل جبرئيل علي رسول الله (صلي الله عليه و آله) فقال: إن الله بعث الارضة علي صحيفة قريش فاکلت کل ما فيها

[صفحه 58]

من قطيعة و ظلم: إلا المواضع التي فيها ذکر الله، فخبر رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) أبا طالب بذلک، ثم خرج أبو طالب و معه رسول الله (صلي الله عليه و آله) و أهل بيته حتي صاروا إلي الکعبة فجلس بفنائها.

و أقبلت قريش من کل أوب فقالوا: قد آن لک يا أبا طالب أن تذکر العهد و أن تشتاق إلي قومک و تدع اللجاج في ابن اخيک، فقال لهم: يا قوم أحضروا صحيفتکم، فلعلنا أن نجد فرجا و سببا لصلة الارحام و ترک القطيعة، و أحضروها و هي بخواتيمهم فقال: هذه صحيفتکم علي العهد لم تنکروها؟ قالوا: نعم، قال: فهل أحدثتم فيها حدثا؟ قالوا: أللهم لا، قال فان محمدا أعلمني عن ربه أنه بعث الارضة فاکلت کل ما فيها إلا ذکر الله، أ فرأيتم إن کان صدقا ماذا تصنعون؟ قالوا: نکف و نمسک: قال: فان کان کاذبا دفعته إليکم تقتلونه: قالوا قد أنصفت و اجملت: و فضت الصحيفة فإذا الارضة قد أکلت کل ما فيها إلا مواضع بسم الله عز و جل.

فقالوا: ما هذا إلا سحر، و ما کنا قط أجد في تکذيبه منا ساعتنا هذه، و أسلم يومئذ خلق من الناس عظيم، و خرج بنو هاشم من الشعب و بنو عبد المطلب فلم يرجعوا اليه.

(قال المؤلف) رأيت في مطالعاتي لکتب التفسير عند ذکرهم الآية المبارکة في سورة الانعام آية (26) (و هم ينهون عنه و ينأون) ذکروا أن الابيات التي أنشدها أبو طالب عليه السلام کانت ثلاثة و زيدت عليها يد الکذب و الظلم البيت الخامس أو البيت الاخير و هو: (لو لا الملامة، الخ) فکثر عجبي من ذلک فلما راجعت تأريخ اليعقوبي فإذا الابيات التي يذکرها ثلاثة ليس فيها البيت الرابع و الخامس فتحقق لدي أن البيت الخامس من زيادة المحرفين من أعداء أبي طالب و أولاده، و يؤيد ما قلنا في الابيات من أن البيت الاخير من زيادة الاعداء، ما خرجه العلامة الملک المؤيد

[صفحه 59]

إسماعيل أبو الفدا صاحب حماه المتوفي سنة 732 ه، کما في کشف الظنون (ص 401) و اسم التاريخ (المختصر في أخبار البشر) فقد خرج في الجزء الاول (ص 122) الابيات و قال (ذکر وفاة ابي طالب) ثم قال توفي في شوال سنة عشر من النبوة، و لما اشتد مرضه قال له رسول الله صلي الله عليه و آله: يا عم أقلها أستحل لک بها الشفاعة يوم القيامة (يعني الشهادة) فقال أبو طالب: يا ابن أخي لو لا مخافة السبة و أن تظن قريش إنما قلتها جزعا من الموت لقلتها (قال): فلما تقارب من أبي طالب الموت جعل يحرک شفتيه فاصغي اليه العباس باذنه و قال: و الله يا ابن اخي لقد قال الکلمة التي أمرته أن يقولها، فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الحمد لله الذي هداک يا عم، هکذا روي عن ابن عباس ثم قال: و من شعر أبي طالب مما يدل عل أنه کان مصدقا لرسول الله صلي الله عليه و آله قوله: و دعوتني و علمت أنک صادق و لقد صدقت و کنت ثم أمينا و لقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا و الله لن يصلوا إليک بجمعهم حتي أوسد في التراب دفينا قال: توفي و کان عمر أبي طالب بضعا و ثمانين سنة.

(قال المؤلف) لو کان للابيات بقية لذکرها الملک المؤيد أبو الفداء فعدم ذکره البيت الخامس أو الاخير دليل علي أن البيت من زيادة الاعداء و من تأمل في البيت الاخير و کان من أهل البصيرة بالشعر و الادب عرف أن البيت الاخير يختلف مع الابيات المتقدمة في أسلوبه الشعري، و ليس فيه لطافة کما في الابيات الثلاثة المتقدمة، و اختلاف النقل في البيت دليل آخر علي أنها موضوعة منسوبة اليه، و ليست من أشعاره عليه السلام و قد صرح بان البيت الرابع أو الخامس من زيادة المحرفين المفسر المعروف

[صفحه 60]


صفحه 48، 49، 50، 51، 52، 53، 54، 55، 56، 57، 58، 59، 60.








  1. هذه الابيات خرجها العسکري في کتاب الاوائل مع ما فيها من زيادة.