تكرار الحادثة في الحديبية











تکرار الحادثة في الحديبية



[الترمذي]: ثنا سفيان بن وکيع، قال: حدثنا أبي، عن شريک. (ح) و [النسائي]: أنا محمّد بن عبد الله بن المبارک، ثنا الأسود بن عامر، ثنا شريک. (ح) و [الضياء]: من طريق أحمد بن حنبل، ثنا الأسود بن عامر، أنا شريک، عن منصور، عن ربعي، عن عليّ - واللفظ للنسائي - قال: جاء النبيَّ أُناس من قريش، فقالوا: يا محمّد، إنّا جيرانک وحلفاؤک، وإنّ أُناساً من عبيدنا قد أتوک ليس بهم رغبة في الدّين، ولا رغبة في الفقه، إنّما فرّوا من ضياعنا وأموالنا، فارددهم إلينا، فقال لأبي بکر: «ما تقول؟» فقال: صدقوا؛ إنّهم لجيرانک وحلفاؤک، فتغيّر وجه النبيّ، ثمّ قال لعمر: «ما تقول؟» قال: صدقوا؛ إنّهم لجيرانک وحلفاؤک، فتغيّر وجه النبيّ، ثمّ قال: «يا معشر قريش! والله ليبعثن الله عليکم رجلاً منکم، امتحن الله قلبه للإيمان، فيضربکم علي الدّين، أويضرب بعضکم». قال أبو بکر: أنا هو، يا رسول الله؟ قال: «لا». قال عمر: أنا هو، يا رسول الله؟ قال: «لا، ولکن ذلک الّذي يخصف النعل». وقد کان أعطي عليّاً نعلاً، يخصفها.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه، إلاّ من حديث ربعي، عن عليّ. وأورده الألباني في الأحاديث الصحيحة, وعزاه للترمذي والنسائي في الخصائص والضياء في المختارة، ثمّ قال: شريک سيّئ الحفظ، ولکنّه يصلح للاستشهاد به والتقوية، وقد تابعه أبان بن صالح، عن منصور بن المعتمر، به. أخرجه أبوداود، وعنه الضياء[1] .

ثمّ إنّ المرء ليتعجّب عند الوقوف علي أمثال هذا الموقف من أبي بکر وعمر. نعم، قد ورد في بعض الروايات کلمة (أناس) بدل (أبي بکر وعمر)، تخفيفاً لثقل المقام، کما في رواية أبي داود. وقد ورد هذا الحديث عن ربعي ابن حراش من وجه آخر، فلاحظ:

[الخطيب]: أنا الحسن بن أبي بکر. (ح) و [أيضاً]: أنا صالح بن محمّد المؤدّب، نا أحمد بن کامل القاضي، نا أبو يحيي زکريا بن يحيي بن مروان الناقد، نا محمّد بن جعفر الفيدي، ثنا محمّد بن فضيل، عن الأجلح، نا قيس بن مسلم وأبو کلثوم، عن ربعي بن حِراش، قال: سمعت عليّاً يقول - وهو بالمدائن -: جاء سهيل بن عمرو إلي النبيّ، فقال: إنّه قد خرج إليک ناس من أرقّائنا، ليس بهم الدين تعبّداً، فارددهم علينا. فقال له أبو بکر وعمر: صدق، يا رسول الله، فقال رسول الله: «لن تنتهوا - معشر قريش - حتي يبعث الله عليکم رجلاً امتحن الله قلبه بالإيمان، يضرب أعناقکم، وأنتم مجفلون عنه إجفال النعم». فقال أبو بکر: أنا هو، يا رسول الله؟ قال: «لا». قال عمر: أنا هو، يا رسول الله؟ قال: «لا، ولکنّه خاصف النعل». وفي کفّ عليّ نعل يخصفها لرسول الله.

وأخرجه ابن عساکر من طريق الخطيب في تاريخه. وأورده الألباني في الأحاديث الصحيحة، وعزاه للخطيب وابن عساکر، ثمّ قال: {وإسناده حسن إن کان الفيدي قد حفظه، فإنّ له أحاديث خولف فيها، کما قال الحافظ في التهذيب، ومال إلي أنّه ليس هو الّذي حدّث عنه البخاري في صحيحه، وإنّما هو القومسي، ولذلک لم يوثّقه في التقريب، بل قال فيه: مقبول، يعني عند المتابعة، وفيه إشارة إلي أنّه لم يعتدّ بإيراد ابن حبّان إيّاه في الثقات، ولم يتابع عليه فيما علمت. والله أعلم}[2] .

أقول: إنّ الحديث صحيح، کما حکم به الترمذي، وتشکيک الحافظ في غير محلّه؛ فإنّ الّذي أخرج عنه البخاري في صحيحه هو محمّد بن جعفر الفيدي، حيث قال البخاري: حدّثنا محمّد بن جعفر أبو جعفر، حدّثنا ابن فضيل، عن أبيه.. الي آخره[3] وقال البخاري في الکبير: محمّد بن جعفر أبو جعفر، نزل فيد، أري أصله کوفي، سمع ابن فضيل[4] .

فأنت تلاحظ أنّ الّذي قال البخاري بأنّه سمع ابنَ فضيل، هو الفيدي، لا القُومَسي. وقد ترجم الحافظ المزّي للقومسي في التهذيب، وذکر أسماء الّذين روي عنهم، ولم يذکر من بينهم ابن فضيل[5] .

هذا، وقد ذکر الکلاباذي محمّد بن جعفر الفيدي في [رجال صحيح البخاري]، وقال: روي عنه البخاري في الهبة. وذکره ابن حبّان في الثقات. وعن يحيي بن معين: ثقة، مأمون. وذکره المزّي في التهذيب، وعدّه ممّن روي عنه البخاري وغيره. وکذلک ذکره الذهبي في الکاشف، وعدّه ممّن روي عنه البخاري ومُطَيَّن وجماعة[6] .

ولا يخفي أنّ هذه القصّة مغايرة للقصّة السابقة، وأنّ هذا الکلام قد صدر من النبيّ مرّتين؛ مرّة في يوم الحديبيّة، وأُخري في المدينة، کما لاحظت. وقد ورد منه نحو من هذا الکلام عند محاصرة الطائف أيضاً، إلاّ أنّ صياغة ذلک مغايرة لما ذکرنا، فأعرضنا عن ذکره وذکر طرقه.

فإن قلت: إنّه قد يکون من البعيد تکرّر خصف عليّ لنعل النبيّ، مع تکرّر ذلک الکلام منه.

قلت: إنّه من الممکن إناطة النبيّ لبعض المسائل المهمّة ببعض الوقائع المعروفة، کي يکون ذکرها علامة علي تلک المسائل، خاصّة إذا کانت الواقعة مثل مباشرة أکمل إنسان لأنزل الحرف، فيقابل النبيّ عمله ذلک برئاسته الربّانيّة الآتية، ويکرّرها عند تکرّر العمل کي يکون أبلغ في التأثير وأشدّ في التذکير. وقد تشعر بذلک الرواية التالية.

[القطيعي]: ثنا عبد الله بن محمّد بن عبد العزيز البغوي، ثنا أحمد بن منصور، ثنا الأحوص بن جواب، نا عمّار بن رزيق، عن الأعمش، عن إسماعيل. (ح) و [ابن عساکر]: أنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنا أبو الحسن عاصم بن الحسن، أنا أبو عمرو الفارسي، أنا أبو العباس بن عقدة، نا يعقوب بن يوسف بن زياد، نا أحمد بن حمّاد الهمداني، نا فطر بن خليفة ويزيد بن معاوية العِجْلي، عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري - واللفظ للقطيعي - قال: کنّا جلوساً في المسجد، فخرج علينا رسول الله، وعليّ في بيت فاطمة، وانقطع شسع رسول الله، فأعطاها عليّاً يصلحها، ثمّ جاء فقام علينا، فقال: «إنّ منکم من يقاتل علي تأويل القرآن کما قاتلت علي تنزيله». فقال أبو بکر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: «لا». فقال عمر: أنا هو، يا رسول الله؟ قال: «لا، ولکنّه صاحب النعل».

قال إسماعيل: فحدّثني أبي: أنّه شهد - يعني عليّاً - بالرحبة، فأتاه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، هل کان من حديث النعل شيء؟ قال: وقد بلغک؟ قال: نعم. قال: اللّهمّ إنّک تعلم أنّه ممّا کان يخفي إليّ رسول الله.

ولفظ ابن عساکر: قال إسماعيل بن رجاء: فحدثني أبي عن جدي - أبي أمي - حِزاَم بن زهير، أنه کان عند عليّ في الرّحبة، فقام إليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، هل کان في النعل حديث؟ فقال: اللّهمّ إنّک تعلم أنّه کان ممّا يسرّه إليّ رسول الله، وأشار بيديه، ورفعهما.

وقال وصيّ الله بن محمّد في تعليقه علي فضائل أحمد: إسناده صحيح[7] .

[ابن السکن] و [الدارقطني]: عن الأخضر الأنصاري، عن النبيّ: «أنا أُقاتل علي تنزيل القرآن، وعليّ يقاتل علي تأويل القرآن».

أورده في الکنز عن ابن السکن، عن الأخضر الأنصاري، وقال: في إسناده نظر، والأخضر غير مشهور في الصحابة، وعند الدارقطني في الإفراد، وقال: تفرّد به جابر الجعفي، وهو رافضي[8] .

[الديلمي]: عن أبي ذرّ، عن النبيّ: «والّذي نفسي بيده! إنّ فيکم لرجلاً يقاتل الناس من بعدي علي تأويل القرآن کما قاتلت المشرکين علي تنزيله، وهم يشهدون أن لا إله إلاّ الله، فيکبر قتلهم علي الناس، حتي يطعنوا علي وليّ الله ويسخطوا عمله، کما سخط موسي أمر السفينة والغلام والجدار، فکان ذلک کلّه رضا الله تعالي»[9] .









  1. سنن أبي داود: 2 / 72 ح: 2700، السنن الکبري للنسائي: 5 / 115 - 116 ح: 8416، الجامع الکبير للترمذي: 6 / 80 - 81 ح: 3715، سلسلة الأحاديث الصحيحة: 5 / 639 - 643 ح: 2487، الأحاديث المختارة للضياء: 2 / 68 - 69 ح: 445.
  2. تاريخ بغداد: 1 / 144 في ترجمة عليّ، و 8 / 432 م: 4540 في ترجمة ربعي بن حراش. تاريخ دمشق: 42 / 341 - 342، سلسلة الأحاديث الصحيحة: 5 / 639 - 643

    ح: 2487.

  3. صحيح البخاري، الهبة، باب هدية ما يکره لبسه: 2 / 240 ح: 2613.
  4. التاريخ الکبير: 1 / 57 م: 118.
  5. تهذيب الکمال: 25 / 13 - 14 م: 5122، وفي طبع: 16 / 177 م: 5709، تهذيب التهذيب: 9 / 83 م: 6034.
  6. الثقات لابن حبّان: 9 / 110، رجال صحيح البخاري: 2 / 642 م: 1020، تهذيب الکمال: 24 / 586 - 587 م: 5119، وفي طبع: 16 / 172 م: 5706، الکاشف: 3 / 26 م: 4842، المستدرک: 3 / 127، فتح الملک العليّ: 14.
  7. فضائل الصحابة لأحمد: 2 / 637 ح: 1083، تاريخ دمشق: 42 / 453.
  8. کنزل العمّال: 11 / 613 ح: 32968.
  9. الفردوس بمأثور الخطاب: 4 / 368 ح: 7068، کنز العمّال: 11 / 613 ح: 32969.