ما روي عن أبي بكر بن أبي قحافة











ما روي عن أبي بکر بن أبي قحافة



[ابن حبّان]: عن الحسن بن علي العدويّ، عن أبي الربيع الزهراني ومحمّد بن عبد الأعلي الصنعاني، قالا: ثنا عبد الرزّاق، أنبأ معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، عن أبي بکر الصدّيق، قال: قال رسول الله: «النظر إلي وجه عليّ عبادة».

ثمّ قال ابن حبّان: { وهذا شيء لايشکّ أصحاب الحديث أنّه موضوع، ما رَوَي الصدّيق هذا الخبر قطّ، ولا الصدّيقة رَوتْه، ولا عروة حدّث به، ولا الزهري ذکره، ولا معمر قاله، فمن وضع مثل هذا الحديث علي الزهراني والصنعاني وهما متقنا أهل البصرة، لبالحريّ أن يُهجَر في الروايات}.

وأخرجه ابن الجوزي من طريق ابن حبّان، مقتدياً به في اتّهام الحسن ابن عليّ العدويّ بوضعه[1] .

أقول: هذه هي العادة المستمرّة لابن حبّان، فکلّما وصل إلي فضائل عليّ أظهر من نفسه موقف المتجبّرين وتکلّم بمنطق المتکبّرين، وتلفّظ بتلک الکلمات القاطعة، فيحسب الجاهل أنّ هناک حجّة قطعيّة علي دعواه، وإلاّ فکيف يجوز لأهل العلم أن ينطق بمثل ذلک بسبب توهّم شخصيّ؟ ويبدو أن الذهبي تنبّه لعادة ابن حبّان هذه؛ حيث ذکر في ترجمة عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي من ميزانه مستهزئاً بابن حبّان قائلاً: {وأمّا ابن حبّان؛ فإنّه تقعقع کعادته فقال: يروي عن قوم ضعاف أشياء يدلّسها عن الثقات، حتي إذا سمعها المستمع لم يشکّ في وضعها، فلمّا کثر ذلک في أخباره الزقت به تلک الموضوعات، وحمل الناس عليه في الجرح، فلا يجوز عندي الاحتجاج بروايته کلّها بحال}[2] وليس المقصود من حکاية کلام الذهبي تأييد ما دفع به عن عثمان الطرائفي، لإمکان أن يکون ولاؤه لبني أُميّة هو الّذي حمل الذهبي علي الدفاع عنه.

ثمّ إنّه لو کانت رواية الحديث منحصرة بطُرق العدويّ لحکمنا مثل ابن حبّان وابن الجوزي بعدم صحّته؛ لاتّفاق السنّة والشيعة علي ضعفه وسقوطه. إلاّ أنّ هذا الحديث ورد عن ثلاثة عشر صحابيّاً من عدّة وجوه.

[ابن الجوزي]: ثني محمّد بن ناصر الحافظ، ثني محمّد بن علي النرسي، ثني أبو عبد الله محمّد بن الحسن، ثني القاضي محمّد بن عبد الله الجعفي، ثني أبو الحسين محمّد بن أحمد بن مخزوم، ثني محمّد بن الحسن الرقّي، ثني مؤمّل بن أهاب، ثني عبد الرزّاق، ثني معمر، ثني الزهري، عن عروة، عن عائشة، عن أبي بکر، قال: قال رسول الله: «النظر إلي عليّ بن أبي طالب عبادة»[3] .

ثمّ اتّهم ابن الجوزي واحداً من الجعفي أو شيخه علي سبيل الترديد. وتعقّب الحافظ السيوطي بقوله: له طريق آخر عن مؤمّل، قال ابن النجّار في تاريخه: کتب إليّ أبو زرعة عبيد الله بن أبي بکر اللفتوائي، نا أبو الخير شعبة بن أبي شکر بن عمر الصبّاغ، ثنا أبو القاسم هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي، نا أبو القاسم الطيّب بن أحمد بن الطيّب بن عبد الله الشاهد، نا أبو القاسم عبد العزيز بن عليّ بن أحمد الورّاق، ثنا أبو بکر محمّد بن أحمد الحافظ، ثنا أبو العبّاس بن الوشّاء التنيسي في جامعه، ثنا مؤمّل بن أهاب، ثنا عبد الرزّاق، به. فبرئ منه الجعفي وشيخه.

وقال ابن عساکر: نا أبو العبّاس أحمد بن الفضل بن أحمد الخيّاط، نا أبو بکر بن الفضل الباطرقاني، ثني أحمد بن محمّد بن عبد الله، ثني أبو عمرو عثمان بن عمر بن عبد الرحمن الشافعي المعروف بابن أخي النجّار، ثني أحمد بن عيسي الوشّاء، ثني مؤمّل بن أهاب، به. والله أعلم[4] .

أقول: وله طريق آخر عن مؤمّل، ورُوي عن عبد الرزّاق من وجه آخر، وقد رُوي عن عروة من غير هذا الوجه، فلاحظ:

[الحاکم]: ثني أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن عبد الله الفارسي وحدي، ثني أبو الحسين أحمد بن محمّد بن مخزوم الحافظ وحدي، ثني محمّد بن موسي العسکري وحدي، ثني مؤمّل بن أهاب وحدي، ثني عبد الرزّاق وحدي، ثني معمر وحدي، ثني الزهري، عن عروة، عن عائشة أنّ النبيّ قال: «النظر إلي عليّ عبادة».

قال الحاکم: لم نکتبه من حديث الزهري عن عروة، إلاّ بهذا الإسناد. أخرجه ابن عساکر من طريق الحاکم في تاريخه[5] .

[ابن المغازلي]: أنا أبو القاسم الفضل بن محمد بن عبد الله الأصفهاني - قدم علينا واسطاً في شهر رمضان، سنة أربع وثلاثين وأربعمائة - ثنا أبو بکر محمّد بن إبراهيم، ثنا أبو القاسم عبد الله بن إبراهيم، ثنا أحمد بن محمّد. (ح) و [أيضاً]: أنا أبو القاسم عبد الواحد بن عليّ بن العبّاس البزّار، ثنا أبو القاسم عبد الله بن إبراهيم بن محمّد بن عبد الله بن تميم الفامي القاضي، ثنا أحمد بن محمّد بن الحسن بمصر، ثنا محمّد بن حمّاد الطهراني، أنا عبد الرزّاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: رأيت أبا بکر يکثر النظر إلي وجه عليّ، فقلت: يا أبة، أراک تکثر النظر إلي وجه عليّ؟! فقال: يا بنيّة، سمعت رسول الله يقول: «النظر إلي وجه عليّ عبادة»[6] .

[ابن عساکر]: أنا أبو الحسين بن أبي الحديد وأبو الحسن عليّ بن عساکر بن سرور، قالا: أنا أبو عبد الله بن حديد. (ح) وأخبرنا أبو القاسم هبة الله بن مسلم بن نصر بن أحمد الرّحبي، أنا خال أبي المرجا سعد الله ابن صاعد بن المرجا الرّحبي، قالا: أنا مسدّد بن عليّ الحمصي بدمشق، نا إسماعيل بن القاسم الحلبي، نا أبو أحمد، نا أبو عليّ الحسن بن عبد الغفّار ابن عمر الأزدي، نا دحيم، نا شعيب بن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: رأيت أبا بکر الصدّيق يکثر النظر إلي وجه عليّ بن أبي طالب، فقلت: يا أبة، إنّک لتکثر النظر إلي عليّ بن أبي طالب؟! فقال لي: يا بنية، سمعت رسول الله يقول: «النظر إلي وجه عليّ عبادة»[7] .

[ابن عساکر]: أنا أبو القاسم العلويّ، أنا أبو الحسن المقرئ، أنا أبو محمّد المصري، أنا أبو بکر المالکي، نا عليّ بن سعيد، نا محمّد بن عبد الله القاضي، نا أبو أُسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة الصدّيقة ابنة الصدّيق حبيبة حبيب الله، قالت: قلت لأبي: إنّي أراک تطيل النظر إلي عليّ بن أبي طالب؟! فقال لي: يا بنيّة، سمعت رسول الله يقول: «النظر في وجه عليّ عبادة»[8] .









  1. المجروحين: 1 / 241، الموضوعات: 1 / 358، اللآلي المصنوعة: 1 / 313، سمط النجوم: 3 / 58 ح: 115.
  2. ميزان الاعتدال: 3 / 45 - 46 م: 5532، وکلام ابن حبّان الّذي ذکره الذهبي في المجروحين: 2 / 96 - 97.
  3. الموضوعات: 1 / 358، اللآلي المصنوعة: 1 / 313.
  4. اللآلي المصنوعة: 1 / 313 - 314.
  5. تاريخ دمشق: 42 / 355.
  6. مناقب أمير المؤمنين 210 - 211 ح: 252 و 253.
  7. تاريخ دمشق: 42 / 349 - 350، الرياض النضرة: 2 / 197.
  8. تاريخ دمشق: 42 / 350.