ما روي عن عليّ في ذلك











ما روي عن عليّ في ذلک



[الترمذي]: ثنا إسماعيل بن موسي، ثنا محمّد بن عمر الرّومي. (ح) و [ابن جرير]: ثني إسماعيل بن موسي السدّي، أنا محمّد بن عمر الرّومي. (ح) و [القطيعي]: ثنا إبراهيم، نا محمّد بن عبد الله الرّومي. (ح) و [الآجرّي]: ثنا أبوبکر بن أبي داود، ثنا بحر بن الفضل العنزي، ثنا محمّد ابن عمر الرّومي. (ح) و [ابن بطّة]: ثنا أبو علي محمّد بن أحمد الصوّاف، ثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله البصري، ثنا محمّد بن عمر الرّومي. (ح) و [أبو نعيم]: ثنا أبو بکر بن خلاد وفاروق الخطّابي، قالا: ثنا أبو مسلم الکشّي، ثنا محمّد بن عمر الرّومي. (ح) و [الحسکاني]: أنا أبو سعيد مسعود بن محمّد القاضي، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد، ثنا محمّد بن سليمان بن فارس، أنا أبو الأزهر، أنا محمّد بن عبد الله الرّومي. (ح) و [أيضا]: ثنا السيّد أبو الحسن الحسني - إملاء، سنة ثمان و تسعين وثلاثمائة - أنا عبد الله بن محمّد بن الحسن، ثنا أبو الأزهر، ثنا محمّد، ثنا - ج: عن - شريک، عن سلمة بن کهيل، عن سويد بن غفلة، عن الصُنابحي، عن عليّ، قال: قال رسول الله: «أنا دار الحکمة وعليّ بابها».

ولفظ الآجرّي: «أنا دار الحکمة وعليّ بابها، فمن أرادها أتاها من بابها». قال: وکان عليّ يقول: إنّ بين أضلاعي لعلماً کثيراً.

وفي لفظ الحسکاني: «أنا دار العلم وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأتها من بابها». وکنت أسمع عليّاً کثيراً ما يقول: إنّ ما بين أضلاعي هذه لعلم کثير[1] .

ثمّ قال الحسکاني: هذا لفظ ابن فارس، ورواه جماعة عن شريک، وهو عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعقبة بن عامر الجهني وأبي ذرّ الغفّاري وأنس و سلمان و غيرهم.

وأخرجه البغوي في المصابيح، وابن عساکر من طريق إسماعيل بن موسي، وابن الجوزي من طريق ابن بطّة العکبري. وعزاه المناوي وغيره لأحمد بن حنبل، ولم أقف علي إسناده. ولم يذکر الحسکاني في سنديه سويد بن غفلة.

قال المناوي: أي عليّ بن أبي طالب هو الباب الّذي يُدْخَل منه إلي الحکمة، فناهيک بهذه المرتبة ما أسناها، وهذه المنقبة ما أعلاها! ومن زعم أنّ المراد بقوله «وعليّ بابها» أنّه مرتفع من العلوّ، وهو الارتفاع، فقد تنحّل لغرضه الفاسد بما لا يجزيه ولا يسمنه ولا يغنيه..[2] .

وقال ابن جرير: { وهذا خبر صحيح سنده، وقد يجب أن يکون علي مذهب الآخرين سقيماً غير صحيح، لعلّتين؛ إحداهما: أنّه خبر لا يُعرف له مخرج عن عليّ عن النبيّ إلاّ من هذا الوجه. والأخري: أنّ سلمة بن کهيل عندهم ممّن لا تثبت بنقله حجّة. وقد وافق عليّاً في رواية هذا الخبر عن النبيّ غيره}.

وقال الغماري: { أصاب ابن جرير رحمه الله في تصحيح هذا الحديث، ولم يصب فيما ذکر؛ أنّه قد يکون فيه علّة عند غيره، لأنّه جعل إحدي العلّتين کونه لم يُرو عن عليّ إلاّ من هذا الوجه، وليس کذلک، بل روي عنه من أربعة أوجه أُخري...} ثمّ ذکر الأوجه الأربعة، وسنذکرها إن شاء الله عن قريب.

ثمّ قال: { وأما العلّة الثانية، وهي کون سلمة بن کهيل لا تقوم به حجّة عندهم، فمدفوعة أيضاً؛ بأنّ سلمة بن کهيل ليس عندهم کذلک، بل احتجّ به البخاري ومسلم والأربعة وغيرهم من أصحاب الصحاح، ووثّقه ابن معين والعجلي وابن سعد وأبوزرعة وأبو حاتم ويعقوب بن شيبة وأحمد وسفيان والنسائي وآخرون. وإنّما توهّم ابن جرير عدم احتجاجهم به من ذلک الأصل الباطل في ردّ حديث الشيعي، خصوصاً إذا روي فضل عليّ، لأنّ سلمة بن کهيل کان کذلک[3] ، وهو أصل باطل بالإجماع کما ستعرفه. فهذا الحديث بمفرده أيضاً علي شرط الصحيح، کما حکم ابن جرير، فإنّ رجاله کلّهم موثّقون.

أمّا شريک ومن فوقه، فکلّهم ثقات من رجال الصحيح. وأمّا محمّد بن عمر الرّومي، فروي عنه البخاري خارج الصحيح، وقال أبوحاتم: صدوق، وذکره ابن حبّان في الثقات، وقال أبوزرعة: شيخ فيه لين، روي حديثاً منکراً عن شريک. فهذا أقصي ما قيل فيه، وقد عرفت أنّ من هذا حاله لا ينزل عن درجة الصحيح، خصوصاً ولم ينفرد بهذا الحديث، بل تابعه عليه عبد الحميد بن بحر، أخرج متابعته أبو نعيم في الحلية..

وأمّا إسماعيل بن موسي الفزاري، فقال أبو حاتم: صدوق، وکذا قال مطيّن، وقال النسائي: ليس به بأس، وذکره ابن حبّان في الثقات، وقال أبو داود: صدوق في الحديث، إلاّ أنه يتشيّع، وقال ابن عديّ: إنّما أنکر عليه الغلوّ في التشيّع.

قلت: ومع هذا فلم ينفرد به أيضاً، بل تابعه الحسن بن سفيان وإبراهيم ابن عبد الله البصري.. فإذا ضمّ إلي هذه الطريق الّتي هي صحيحة، تلک الطرق الأربعة من رواية الشعبي والحسن والأصبغ والحارث کان حديث عليّ بمفرده صحيحاً جزماً، فکيف بانضمامه إلي حديث ابن عبّاس الّذي هو من أصحّ الصحيح، کما عرفت؟ }. انتهي[4] .

قال ابن حبّان: {عمر بن عبد الله الرّومي شيخ يروي عن شريک، يقلّب الأخبار، ويأتي عن الثقات بما ليس من أحاديثهم، لا يجوز الاحتجاج به بحال. رَوَي عن شريک، عن سلمة بن کهيل، عن الصنابحي، عن عليّ، قال: قال رسول الله: «أنا دار الحکمة وعليّ بابها، فمن أراد الحکمة فليأتها من بابها»، رواه عنه أبو مسلم الکجّي. وهذا خبر لا أصل له عن النبيّ عليه الصلاة والسلام، ولا شريک حدّث به، ولا سلمة بن کهيل رواه، ولا الصُنابحي أسنده، ولعلّ هذا الشيخ بلغه حديث أبي الصلت عن أبي معاوية، فحفظه ثمّ أقلبه علي شريک، وحدّث بهذا الإسناد}[5] .

قال الدارقطني في تعليقه علي کلام ابن حبّان: { قول أبي حاتم هاهنا: عمر بن عبد الله الرّومي، إنمّا هو محمّد بن عبد الله بن عمر الرّومي، الّذي روي عنه أبو مسلم ونظراؤه. وأبوه عمر بن عبد الله ثقة، حدّث عنه قتيبة ابن سعيد والأکابر، يحدّث عن أبيه، عن أبي هريرة. وأبوه عبد الله الرّومي حدّث عنه حمّاد بن زيد، وهو ثقة}[6] .

وقال الذّهبي: عمر بن عبد الله الرّومي عن شريک، کذا قال ابن حبّان، فوهم، وقال: يأتي عن الثقات بما ليس من حديثهم. قلت: بل الرّاوي عن شريک هو محمّد بن عمر الرّومي، وهو ولد المذکور، فأمّا الأب فثقة، حدّث عنه سعيد والکبار[7] .

أقول: إنّ ابن حبّان ما وهم في قوله، بل لمّا وقع بصره علي هذا الحديث فقد وعيه وشعوره؛ فلم يدر ما يخرج من رأسه، وخلط بين الأب والابن، ونسب رواية الابن إلي الأب، وحمل بسببه علي ذلک المسکين بذلک الهجوم الفجيع، مع أنّه ذکر کليهما فيما بين ثقاته.

فقال في ترجمة الأب من کتاب الثقات: عمر بن عبد الله بن عبد الرّحمن الرّومي، من أهل البصرة يروي عن الحسن وقتادة، روي عنه البتوذکي وقتيبة بن سعيد[8] .

وترجم له البخاري في الکبير وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل من دون التعرّض لأيّ جرح في حقّه. وقال الحافظ في التقريب: مقبول، ووضع عليه رمز البخاري في الأدب. وقال في اللسان: ثقة، ضعّفه ابن حبّان وحده[9] .

أقول: قد تلاحظ أنّ ابن حبّان لم يضعّفه إلاّ في مقام الرّواية في فضل عليّ، ووثّقه في غيره.

قال الحافظ المزّي: عمر بن عبد الله بن عبد الرّحمن البصري المعروف بالرومي، ذکره ابن حبّان في کتاب الثقات..

وعلّق الحافظ العسقلاني علي کلامه بقوله: قلت: لکن [.......]. وجاء في هامش تهذيبه؛ بياض في الأصل بقدر أربعة أسطر[10] .

أقول: إنّ سرّاق الدّين أرادوا بهذا البياض تبييض وجه ابن حبّان، الّذي سوّده الله تعالي بسبب سطوره الأربعة في کتابه المجروحين؛ فأسقطوا ما نقله الحافظ عنه، بتخيّل أنّهم بهذا العمل سيکشفون عن ابن حبّان الفضيحة الّتي فضحه الله بها، عندما خان الله ورسوله وأهل بيته.

وقال ابن حبّان في ترجمة الابن من ثقاته: {محمّد بن عمر بن عبد الله الرّومي، من أهل البصرة، کنيته أبو عبد الله يروي عن شعبة وزهير بن معاوية، روي عنه أبو موسي الزمن وأهل العراق، وهو مولي لآل رباح بن عبيدة}[11] .

وذکر الحافظان في التهذيبين: أنّه کان ممّن روي عن أبي خيثمة زهير ابن معاوية وشعبة وشريک بن عبد الله. وقال أبو زرعة: شيخ فيه لين، وقال أبو حاتم: صدوق قديم، روي عن شريک حديثاً منکراً. وقال الآجرّي عن أبي داود: محمّد بن الرّومي ضعيف، وذکره ابن حبّان في الثقات..

وقال الحافظ ابن حجر: {قلت لصاحب الکمال: [........]، فقد قال صاحب (الزهرة): محمّد بن عبد الله بن الرّومي اليماني القيسي، روي عنه مسلم ثلاثة عشر حديثاً - کذا وجدت بخطّ الحافظ ابن الطاهر في (الزهرة) - ولم يتعقّبه}[12] .

وترجم له البخاري في تاريخه من دون جرح. وحسّن له الترمذي؛ حيث قال حول حديثه في مناقب زيد بن حارثة: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلاّ من حديث ابن الرّومي، عن علي بن مسهر. قال الذّهبي في سير الأعلام: صدوق، وقال في الکاشف: ضعّفه أبوداود، وقوّاه غيره، وأورد في الميزان حديثه «أنا دار الحکمة وعليّ بابها» من دون أن يتّهمه به، بل قال: فما أدري من وضعه؟! وذکر الحافظ في اللسان: أنّ البخاري روي عنه في غير الصحيح، ووثّقه ابن حبّان[13] .

الحاصل: أنّ الحديث صحيح علي شرط ابن حبّان علي أية حال؛ سواء کان المراد بابن الرّومي الأب أو الإبن، فقد لاحظت أنّه ذکر کليهما في کتاب [الثقات] الّذي قال بالنسبة إليه: { ولا أذکر في هذا الکتاب إلاّ الثقات الّذين يجوز الاحتجاج بخبرهم}.

وأمّا البقيّة من رجاله، فهم: 1- إبراهيم بن عبد الله أبو مسلم الکشّي أو الکجّي، شيخ ابن حبّان والقطيعي، ذکره في المجلّد الثامن من ثقاته. وذکر فيه أيضاً متابع أبي مسلم إسماعيل بن موسي شيخ الترمذي وابن جرير.

وذکر الخطيب في ترجمة أبي مسلم من تاريخه: أنّه کان من أهل الفضل والعلم والأمانة، وحکي توثيق موسي بن هارون والدارقطني وعبد الغني بن سعيد له.

وقال الذّهبي: الشيخ الإمام الحافظ المعمّر شيخ العصر أبو مسلم إبراهيم ابن عبد الله بن مسلم بن ماعز بن مهاجر البصري الکجّي صاحب السنن.. وثّقه الدارقطني وغيره.. مات سنة اثنتين وتسعين ومائتين.

3- وشريک بن عبد الله النخعي، ذکره ابن حبّان في المجلّد السادس 4- وسلمة بن کهيل 5- وسويد بن غفلة، ذکرهما في المجلّد الرابع 6 - والصُنابحي عبد الرّحمن بن عسيلة، ذکره في المجلّد الخامس من ثقاته. وقد تقدّم قول الغماري في حقّ هؤلاء؛ بأنّهم من رجال الصحيح[14] .

ثمّ إنّه لو وقف القارئ علي کتاب [المجروحين]، ورأي فيه کلمات ابن حبّان المتقدّمة - أي [يأتي عن الثقات بما ليس من أحاديثهم]، [لا يجوز الاحتجاج به بحال]، [هذا الخبر لا أصل له عن النبيّ]، [ولا شريک حدّث به]، [و...] - لجزم بلا توقّف علي أنّ هذا الحديث لا أصل له، لأنّه يري أنّ بطلاً من أبطال الدقّة والتحقيق حکم بذلک؛ بتلک الکلمات القاطعة، کما انخدع به أبو الفرج بن الجوزي؛ فاتّکل علي ابن حبّان في طرح الحديث من رواية ابن الرّومي.

وأمّا لو اطّلع القارئ علي کتاب [الثقات]، ورأي أنّ ابن حبّان ذکر راوي الحديث فيما بين ثقاته، لعلم أنّ تحقيقاته کانت سطحيّة، وخالية من الدقّة، خاصّة فيما يتعلّق بفضائل أهل البيت، وَلَفَهمَ أنّ کثيراً من أمثال هذه الکلمات الصادرة عن غير ابن حبّان؛ ممّن يحسبهم الجاهل مدقّقين کانت أيضاً بهذه المثابة.

هذا، مع أنّ ابن الرّومي لم ينفرد بهذا الحديث؛ فقد نقل السيوطي عن الحافظ العلائي أنّه قال: قال الترمذي - بعد إخراج الحديث -: هذا حديث غريب، وقد رَوَي بعضُهم هذا عن شريک، ولم يذکر فيه الصنابحي، ولا نعرف هذا عن أحد من الثقات غير شريک النخعي القاضي. برئ محمّد بن الرّومي من التفرّد به.

وشريک هو ابن عبد الله النخعي القاضي، احتجّ به مسلم، وعلّق له البخاري، ووثّقه يحيي بن معين، وقال العجلي: ثقة، حسن الحديث. وقال عيسي بن يونس: ما رأيت أحداً أورع في علمه من شريک. فعلي هذا يکون تفرّده حسناً، فکيف إذا انضمّ إلي حديث أبي معاوية؟ ولا يرد عليه رواية من أسقط منه الصنابحي، لأنّ سويد بن غفلة تابعي مُخَضْرَمٌ؛ أدرک الخلفاء الأربعة وسمع منهم، وذِکْرُ الصنابحي فيه من المزيد في متّصل الأسانيد. ولم يأت أبو الفرج ولا غيره بعلّة قادحة في حديث شريک سوي دعوي الوضع دفعاً بالصدر. انتهي محکي کلام الحافظ علاء الدين العلائي[15] .

أقول: ورواه عبد الحميد بن بحر البصري، عن شريک، کما أخرجه الآجرّي وأبو نعيم وابن بطّة وغيرهم. ورواه سويد بن سعيد، عن شريک، کما قال ابن کثير، وأخرجه ابن عساکر وابن المغازلي، فلاحظ:

[الآجرّي]: أنا أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن ناجية، ثنا شجاع بن شجاع أبو منصور، ثنا عبد الحميد بن بحر البصري. (ح) و [أبو نعيم]: ثنا أبو أحمد محمّد بن أحمد الجرجاني، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا عبد الحميد ابن بحر. (ح) و [ابن بطّة]: ثنا أبو بکر محمّد بن القاسم النحوي، ثنا عبد الله بن ناجية، ثنا أبو منصور بن شجاع، ثنا عبد الحميد بن بحر البصري. (ح) و [الحسکاني]: أنا أبوحامد أحمد بن محمّد المطوعي، أنا أبو إسحاق الرازي، أنا الحسن بن سفيان، عن عبد الحميد بن بحر، ثنا شريک عن - آج: ثنا - سلمة بن کهيل، عن الصنابحي، عن عليّ قال: قال رسول الله: «أنا مدينة الفقه وعليّ بابها». هذا لفظ الآجرّي وابن بطّة.

ولفظ أبي نعيم: «أنا دار الحکمة وعليّ بابها». ثمّ قال أبو نعيم: رواه الأصبغ بن نباتة والحارث؛ عن عليّ، نحوه، ومجاهد؛ عن ابن عبّاس، مثله.

وأخرجه ابن الجوزي من طريق ابن بطّة، وابنُ الجزري من طريق أبي نعيم[16] .

[ابن عساکر]: أنا أبو المظفّر عبد المنعم بن عبد الکريم وأبو القاسم زاهر ابن طاهر، قالا: أنا أبو سعد محمّد بن عبد الرّحمن، أنا أبو سعيد محمّد ابن بشر بن العبّاس، أنا أبو لبيد محمّد بن إدريس، نا سويد بن سعيد، (ح) و [ابن المغازلي]: أنا محمّد بن أحمد بن عثمان بن الفرج، أنا محمّد بن المظفّر بن موسي بن عيسي الحافظ - إجازة - ثنا الباغندي محمّد بن محمّد ابن سليمان، ثنا سويد، عن - کر: نا - شريک، عن سلمة بن کهيل، عن الصنابحي، عن عليّ، قال: قال رسول الله: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأت باب المدينة».

هذا لفظ ابن عساکر. وذکره ابن کثير بهذا اللفظ في تاريخه.

ولفظ ابن المغازلي: عن عليّ عن، النبيّ، قال: «أنا دار الحکمة وعليّ بابها، فمن أراد الحکمة فليأتها»[17] .

ذکر الحافظان في التهذيبين: أنّ سويد بن سعيد کان ممّن روي عنه مسلم وابن ماجة وعبد الله بن أحمد، وأنّ عبد الله بن أحمد قال: عرضت علي أبي أحاديث سويد عن ضمام بن إسماعيل، فقال لي: اکتبها کلّها، فإنّه صالح، أو قال: ثقة.

وقال الذّهبي في أعلام النبلاء: سويد بن سعيد بن شهريار الإمام المحدّث الصدوق، شيخ المحدّثين.. وحدّث عن مالک وحمّاد بن زيد وشريک. روي عنه مسلم وابن ماجة وابن سعد وأبو زرعة وأبو حاتم وعبد الله بن أحمد و.. ثمّ ذکر محکي کلام أحمد المتقدّم[18] .

وأمّا قول البخاري ومن تابعه - بأنّ سويد بن سعيد کان قد عمي فيلقّن ما ليس من حديثه - فليس بشئ؛ لأنّه إن کان مراده أنّ سويدا هو المُلقِّن - علي الفاعليّة - فلابدّ وأن يکون ما يُلقِّن من حديثه، لأنّه يُلقِّن عن حفظ. وإن کان مراده أنّه هو المُلقَّن - علي المفعوليّة - فيکون أتفه من الأوّل؛ لأنّه إن کان الّذي يُلقِّن لسويد شيخَه، فسيصير ذلک حديثاً له، وإن کان تلميذَهُ، فيکون ذلک قراءة علي الشيخ، لا تحدّثاً عنه، وفيما نحن فيه يقول الرّاوي: حدّثنا سويد، ولا يقول: قرأت عليه، أو قرئ عليه وأنا حاضر، ولم أقف علي من جرح محمّد بن إدريس. وعلي کلّ حال، فلا ربط بين عمي البصر والالتباس في الإلقاء. اللّهم إلاّ إذا ثبت أنّ عادة سويد کانت هي الرواية عن الکتاب، لا التحديث عن حفظ، وثبت أنّ بعض المتّهمين کان يلقن عليه بعد فقدان بصره ما ليس من حديثه، فيقرّ به من دون أن يشعر بواقع الحال، فحينئذ يترک من حديثه ما کان من هذا القبيل، بخلاف ما إذا روي عنه الثقات، فلا موجب لطرحه حينئذ، ولا فرق بين أن تکون روايتهم عنه في صورة التحديث أم في صورة التلقين إذا لم يکن الملقن غيرهم.

نعم، لو کان سويد فاقداً لوعيه بدل بصره؛ لکان من الممکن قبول هذا القول من البخاري، والقول بإمکان إدخال الغير ما ليس من أحاديثه فيما بينها، وتلقينه إيّاها من دون وعي، أو إقراره بما ليس من حديثه حين القراءة عليه.

ثمّ إنّ شريکاً لم ينفرد برواية هذا الحديث عن سلمة بن کهيل، بل تابعه علي ذلک يحيي بن سلمة، کما قال الدارقطني. ويحيي بن سلمة هذا ذکره ابن حبّان في کتاب الثقات[19] .

سئل الدارقطني؛ عن حديث الصنابحي، عن عليّ، عن النبيّ: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها». فقال: هو حديث يرويه سلمة بن کهيل، واختلف عنه؛ فرواه شريک، عن سلمة، عن رجل، عن الصنابحي، عن عليّ. واختلف عن شريک؛ فقيل: عنه، عن سلمة، عن رجل، عن الصنابحي. ورواه يحيي بن سلمة بن کهيل، عن أبيه، عن سويد بن غفلة، عن الصنابحي، ولم يسنده. والحديث مضطرب غير ثابت، وسلمة لم يسمع من الصنابحي[20] .

أقول: إنّ الاضطراب الّذي يدّعيه الدارقطني في الحديث قد حصل من اضطرابه النفسيّ؛ لأنّ مجيء لفظة [رجل] في بعض الطُّرق بدل التصريح باسم سويد بن غفلة غير مخلٍّ بالسند، بعد التصريح به في الطُّرق الأُخري، وعدم ذکر أمير المؤمنين في بعض الروايات لا يضرّ بالسند، بعد ذکره في طرق کثيرة. هذا مع أنّ الصنابحي يُعدّ من الصحابة. وادّعاءه بأن سلمة لم يسمع من الصنابحي بلا دليل.

هذا مع عدم انحصار حديث أمير المؤمنين برواية هؤلاء، بل قد ورد عنه من طرق أُخري، فلاحظ:









  1. الجامع الکبير للترمذي: 6 / 85 - 86 ح: 3723 وفي طبع: 5 / 402 ح: 3744، تهذيب الآثار، من مسند عليّ بن أبي طالب: 4 / 104، الشريعة للآجري: 3 / 232 - 233 ح: 1608، معرفة الصحابة لأبي نعيم: 1 / 88 ح: 347، فضائل الصحابة لأحمد: 2 / 634 - 635 ح: 1081، مصابيح السنّة للبغوي: 2 / 517 ح: 2679 وفي طبع: 2 / 451 ح: 2687، مشکاة المصابيح: 3 / 357 ح: 6096، تحفة الأشراف: 7 / 421 ح: 10209، الجامع الصغير: 1 / 161 ح: 2704 وفي طبع دمشق: 1 / 314 ح: 2719، فيض القدير: 3 / 60 ح: 2704، ضعيف الجامع الصغير / 189ح: 1313، البداية والنهاية: 7 / 395، شواهد التنزيل: 1 / 82 - 83 ح: 119 و 120 و 121، اللآلي المصنوعة: 1 / 301 - 302، الموضوعات لابن الجوزي: 1 / 349، المسند الجامع: 13 / 409 ح: 10339، کنز العمّال: 11 / 600 ح: 32889 - 33978 و13 / 147 ح: 36462، فتح الملک العلي: 24.
  2. فيض القدير: 3 / 60 ح: 2704.
  3. هکذا قال، إلاّ أنّ الشيعة يتبرأون من سلمة بن کهيل، وينسبونه إلي البتريّة، بل يقولون: إنّه ممّن أضلّ کثيراً، فراجع علي المثال جامع الرواة للأردبيلي: 1 / 373، ومنتهي المقال للحائري: 3 / 372 م: 1352. وراجع من مصادر السنّة تاريخ أسماء الثقات لابن شاهين: 150 م: 454، الثقات لابن حبّان: 4 / 317، تاريخ الثقات للعجلي: 197 م: 591، تهذيب التهذيب: 4 / 140 - 141 م: 2602.
  4. فتح الملک العليّ: 22 - 24.
  5. المجروحين: 2 / 94.
  6. تعليقات الدارقطني علي المجروحين: 178 - 179 م: 218.
  7. ميزان الاعتدال: 3 / 212 م: 6159.
  8. الثقات لابن حبّان: 7 / 187.
  9. التاريخ الکبير: 6 / 169 - 170 م: 2064، الجرح والتعديل: 6 / 119 م: 644، تقريب التهذيب / 352 م: 4930، لسان الميزان: 8 / 593 م: 13831.
  10. تهذيب الکمال: 14 / 104 م: 4851، تهذيب التهذيب: 7 / 397 م: 5115.
  11. الثقات لابن حبان: 9 / 71.
  12. تهذيب الکمال: 17 / 92 م: 6084 وليس فيه لفظة [صدوق] عن أبي حاتم، وکذلک ليس في النسخة الموجودة لدينا من کتاب الجرح والتعديل: 8 / 21 - 22 م: 94، تهذيب التهذيب: 9 / 311 - 312 م: 6459. ولعل حديث محمد بن عبد الله الرومي هذا هو السبب الأصلي لفرار أحاديثه ثلاثة عشر من صحيح مسلم.
  13. التاريخ الکبير: 1 / 178 - 179 م: 544، الجامع الکبير للترمذي: 6 / 143 - 144 ح: 3815، سير أعلام النبلاء: 10 / 421 م: 121، ميزان الاعتدال: 3 / 668 م: 8002، الکاشف: 2 / 204 م: 5072، لسان الميزان: 9 / 132 م: 14318.
  14. الثقات لابن حبان: 1 / 11 و4 / 317 و 321 و5 / 74 - 75 و6 / 444 و8 / 89 و 104، تاريخ بغداد: 6 / 119 - 122 م: 3151، سير أعلام النبلاء: 13 / 423 - 425 م: 209.
  15. اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة: 1 / 306.
  16. الشريعة للآجرّي: 3 / 232 ح: 1607، حلية الأولياء: 1 / 64، شواهد التنزيل: 1 / 82

    ح: 121، الموضوعات لابن الجوزي: 1 / 350، اللآلي المصنوعة: 1 / 302، مناقب الأسد الغالب: 30 - 31 ح: 29، فتح الملک العليّ: 23 - 24.

  17. تاريخ دمشق: 42 / 378، مناقب عليّ: 87 ح: 129، البداية والنهاية: 7 / 395.
  18. تهذيب الکمال: 8 / 205 - 209 م: 2626، تهذيب التهذيب: 4 / 247 - 249 م: 2786، سير أعلام النبلاء: 11 / 410 - 411 م: 97.
  19. الثقات لابن حبّان: 7 / 595.
  20. العلل للدارقطني: 3 / 247 س 386.