النذور لاهل القبور











النذور لاهل القبور



إن لابن تيمية ومن لف؟ لفه في المسألة هثهثة، أتوا فيها بالمهاجر، ورموا مخالفيهم من فرق المسلمين بمهجرات، وقد مر عن القصيمي ص 90 انها من شعائر الشيعة الناشئة عن غلوهم في أئمتهم وتأليههم لعلي وولده. إن هذا إلا اختلاق و ليس إلا الهث والهتر، وما شذت الشيعة في المسألة عما أصفقت عليه الامة الاسلامية

[صفحه 181]

سلفا وخلفا، فقد بسط الخالدي فيها القول في کتابه «صلح الاخوان» ص 102 -109 ومجمل ذلک التفصيل: ان المسألة تدور مدار نيات الناذرين وإنما الاعمال بالنيات فإن کان قصد الناذر الميت نفسه والتقرب إليه بذلک لم يجز قولا واحدا ، وإن کان قصده وجه الله تعالي وانتفاع الاحياء بوجه من الوجوه وثوابه لذلک المنذور له الميت سواء عين وجها من وجوه الانتفاع أو أطلق القول فيه، ويکون هناک ما يطرد الصرف فيه في عرف الناس من مصالح القبر أو أهل بلده أو مجاوريه أو الفقراء عامة أو أقرباء الميت أو نحو ذلک، ففي هذه الصورة يجب الوفاء بالنذور، وحکي القول بذلک عن الاذرعي. والزرکشي. وإبن حجر الهيثمي المکي. والرملي الشافعي. والقباني البصري. والرافعي. والنووي. وعلاء الدين الحنفي. وخير الدين الرملي الحنفي. والشيخ محمد الغزي. والشيخ قاسم الحنفي.

وذکر الرافعي نقلا عن صاحب «التهذيب» وغيره: انه لو نذر أن يتصدق بکذا علي أهل بلد عينه يجب أن يتصدق به عليهم، قال: ومن هذا القبيل ما ينذر بعثه إلي القبر المعروف بجرجان، فإن ما يجتمع منه علي ما يحکي يقسم علي جماعة معلومين، وهذا محمول علي ان العرف اقتضي ذلک فنزل النذر عليه. ولا شک انه إذا کان عرف حمل عليه، وإن لم يکن عرف فيظهر أن يجري فيه خلاف وجهين: أحدهما لا يصح النذر لانه لم يشهد له الشرع بخلاف الکعبة والحجرة الشريفة. والثاني يصح إذا کان مشهورا بالخير، وعلي هذا ينبغي أن يصرف في مصالحه الخاصة به لا يتعداها. واستقرب السبکي بطلان النذر في صورة عدم العرف هناک للصرف راجع فتاوي السبکي 1 ص 294.

وقال العزامي في «فرقان القرآن» ص 133: وقال (يعني إبن تيمية): من نذر شيئا للنبي صلي الله عليه وسلم أو غيره من النبيين والاولياء من أهل القبور أو ذبح له ذبيحة کان کالمشرکين الذين يذبحون لاوثانهم وينذرون لها فهو عابد لغير الله فيکون بذلک کافرا. ويطيل في ذلک الکلام، واغتر بکلامه بعض من تأخر عنه من العلماء ممن ابتلي بصحبته أو صحبة تلاميذه، وهو منه تلبيس في الدين وصرف إلي معني لا يريده مسلم من المسلمين، ومن خبر حال من فعل ذلک من المسلمين وجدهم لا يقصدون

[صفحه 182]

بذبائحهم ونذورهم للميتين من الانبياء والاولياء إلا الصدقة عنهم، وجعل ثوابها إليهم، وقد عملوا أن إجماع أهل السنة منعقد علي ان صدقة الاحياء نافعة للاموات واصلة إليهم، والاحاديث في ذلک صحيحة مشهورة فمنها ما صح عن سعد: انه سأل النبي صلي الله عليه وسلم قال: يا نبي الله إن امي قد أفتلتت وأعلم أنها لو عاشت لتصدقت أفإن تصدقت عنها أينفعها ذلک؟ قال: نعم. فسأل النبي صلي الله عليه وسلم أي الصدقة أنفع يا رسول الله؟ قال: ألماء. فحفر بئرا وقال: هذه لام سعد. فهذه اللام هي الداخلة علي الجهة التي وجهت إليها الصدقة لا علي المعبود المتقرب إليه، وهي کذلک في کلام المسلمين، فهم سعديون لا وثنيون. وهي کاللام في قوله: إنما الصدقات للفقراء. لا کاللام التي في قول القائل: صليت لله ونذرت لله، فإذا ذبح للنبي أو نذر الشئ له فهو لا يقصد إلا أن يتصدق بذلک عنه، ويجعل ثوابه إليه فيکون من هدايا الاحياء للاموات المشروعة المثاب علي إهدائها، والمسألة مبسوطة في کتب الفقه وفي کتب الرد علي هذا الرجل ومن شايعه. اه.

فالنذر بالذبح وغيره للانبياء والاولياء أمر مشروع سائغ من سيرة المسلمين عامة من دون أي اختصاص بفرقة دون اخري، وإنما يثاب به الناذر إن کان لله و ذبح المنذور بالذبح باسم الله. قال الخالدي: بمعني ان الثواب لهم والمذبوح منذور لوجه الله کقول الناس: ذبحت لميتي بمعني تصدقت عنه. وکقول القائل: ذبحت للضيف بمعني انه کان السبب في حصول الذبح. اه د. وليس هناک أي وازع من جواز نذر الذبح ولزوم الوفاء به إن کان علي الوجه المذکور ولا يتصور من مسلم غيره.

وربما يستدل في المقام بما أخرجه أبوداود السجستاني في سننه 2 ص 80 باسناده عن ثابت بن الضحاک قال: نذر رجل علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة[1] فأتي رسول الله صلي الله عليه وسلم فأخبره فقال صلي الله عليه وسلم: هل کان فيها وثن يعبد من أوثان الجاهلية؟ قالوا: لا. قال: فهل کان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:اوف بنذرک فانه لا وفاء لنذر في معصية الله تعالي ولا فيهما لا يملک إبن آدم.

وبما أخرجه أبوداود في السنن 2 ص 81 عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان امرأة قالت: يا رسول الله إني نذرت أن أضرب علي رأسک الدف. قال: اوفي بنذرک.

[صفحه 183]

قالت إني نذرت أن أذبح بمکان کذا وکذا مکان کان يذبح فيه أهل الجاهلية قال: لصنم؟قالت لا. قال: لوثن؟ قالت: لا. قال: اوفي بنذرک[2] وفي «معجم البلدان«2 ص 300: وفي حديث ميمونة بنت کردم ان أباها قال للنبي صلي الله عليه وسلم: إني نذرت أن أذبح خمسين شاة علي بوانة. فقال صلي الله عليه وسلم: هناک شئ من هذه النصب؟ فقال: لا. قال: فاوف بنذرک فذبح تسعا وأربعين وبقيت واحدة فجعل يعدو خلفها ويقول: أللهم أوف بنذري حتي أمسکها فذبحها «وهذا معني الحديث لا لفظه».

قال الخالدي في «صلح الاخوان» ص 109 بعد ذکر حديثي أبي داود: وأما إستدلال الخوارج بهذا الحديث علي عدم جواز النذر في أماکن الانبياء والصالحين زاعمين ان الانبياء والصالحين أوثان والعياذ بالله وأعياد من أعياد الجاهلية فهو من ضلالهم وخرافاتهم وتجاسرهم علي أنبياء الله وأوليائه حتي سموهم أوثانا، وهذا غاية التحقير لهم خصوصا الانبياء فإن من انتقصهم ولو بالکناية يکفر ولا تقبل توبته في بعض الاقوال، وهؤلاء المخذولون بجهلهم يسمون التوسل بهم عبادة، ويسمونهم أوثانا، فلا عبرة بجهالة هؤلاء وضلالاتهم، والله أعلم. اه د. کما لا عبرة بجهالة إبن تيمية ومن لف لفه وضلالاتهم.

أولئک الذين طبع الله علي قلوبهم واتبعوا أهواءهم

[صفحه 184]


صفحه 181، 182، 183، 184.








  1. بضم الموحدة وتخفيف الواو. هضبة وراء ينبع قريبة من ساحل البحر.
  2. علي القاري أن يمعن النظر في صدر هذا الحديث ويعرف مکانة النبي الاقدس في السنن حاشا نبي القداسة عن هذه المخازي.