التبرك بالقبر النبي











التبرک بالقبر النبي



لم نجد في المقام قولا بالحرمة لاحد من أعلام المذاهب الاربعة ممن لهم ولآرائهم قيمة في المجتمع، وإنما القائل بالنهي عنه من أولئک يراه تنزيها لا تحريما ويقول بالکراهة مستندا إلي زعم ان الدنو من القبر الشريف يخالف حسن الادب، ويحسب ان البعد منه أليق به، وليس من شأن الفقيه النابه أن يفتي في دين الله بمثل هذه الاعتبارات التي لا تبني علي أساس وتختلف باختلاف الانظار والآراء.

نعم: هناک اناس[1] شذت عن شرعة الحق وحکموا بالحرمة، قولا بلا دليل، وتحکما بلا برهان، ورأيا بلا بينة، وهم معروفون في الملا بالشذوذ، لا يعبأ بهم وبآرائهم.

[صفحه 147]

فها نحن نقدم بين يدي القارئ ما يوقفه علي الحقيقة، ويريه صواب الرأي، وجدد الطريق، وعند جهينة الخبر اليقين.

1- أخرج الحافظ إبن عساکر في «التحفة» من طريق طاهر بن يحيي الحسيني قال: حدثني أبي عن جدي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي الله تعالي عنه قال: لما رمس رسول الله صلي الله عليه وسلم جاءت فاطمة رضي الله تعالي عنها فوقفت علي قبره صلي الله عليه وسلم وأخذت قبضة من تراب القبر ووضعت علي عينيها وبکت وأنشأت تقول:


ماذا علي من شم تربة أحمد
أن لا يشم مدي الزمان غواليا


صبت علي مصائب لو أنها
صبت علي الايام عدن لياليا


ورواه إبن الجوزي في «الوفاء» وابن سيد الناس في السيرة النبوية 2 ص 340. والقسطلاني في «المواهب» مختصرا. والقاري في شرح «الشمائل» 2 ص 210. والشبراوي في «الاتحاف» ص 9. والسمهودي في وفاء الوفاء 2 ص 444. والخالدي في صلح الاخوان ص 57. والحمزاوي في «مشارق الانوار» 63. والسيد أحمد زيني دحلان في السيرة النبوية 3 ص 391. وعمر رضا کحالة في «أعلام النساء» 3 ص 1205. وذکر البيتين لها سلام الله عليها إبن حجر في الفتاوي الفقهية 2 ص 18. والخطيب الشربيني في تفسيره 1 ص 349. والقسطلاني في «إرشاد الساري» 2 ص 390.

2- عن أبي الدرداء قال: إن بلالا (مؤذن النبي صلي الله عليه وآله) رأي في منامه رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو يقول: ما هذه الجفوة يا بلال؟! أما آن لک أن تزورني يا بلال؟ فانتبه حزينا وجلا خائفا فرکب راحلته وقصد المدينة فأتي قبر النبي صلي الله عليه وسلم فجعل يبکي عنده ويمرغ وجهه عليه فأقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما فجعل يضمهما ويقبلهما.

ألحديث أخرجه الحافظ إبن عساکر في «تاريخ الشام» مسندا بطريق في موضعين- کما في «شفاء السقام»- ص 39 و 40 في ترجمة إبراهيم بن محمد الانصاري ج 2 ص 256 وفي ترجمة بلال. غير أن مهذب الکتاب حذف الاسناد في الموضع الاول وأبقي المتن، وأسقطه رأسا سندا ومتنا في الثاني، وقد أخطأ وأساء علي الحديث وعلي الکتاب ورواه الحافظ أبومحمد عبدالغني المقدسي في «الکمال» في ترجمة بلال. وأبو الحجاج المزي في «التهذيب». والسبکي في «شفاء السقام» ص 39 وقال: روينا

[صفحه 148]

ذلک بإسناد جيد ولا حاجة إلي النظر في الاسنادين اللذين رواه إبن عساکر بهما، وإن کان رجالهما معروفين مشهورين. وذکره إبن الاثير في «اسد الغابة» 1 ص 208. والسمهودي في «وفاء الوفاء» 2 ص 408 وقال: سند جيد. وص 443 وقال: إسناده جيد. والقسطلاني في «المواهب اللدنية». والخالدي في «صلح الاخوان» ص 57. والحمزاوي في «مشارق الانوار» ص 57.

3- عن علي أميرالمؤمنين عليه السلام قال. قدم علينا أعرابي بعدما دفنا رسول الله صلي الله عليه وآله بثلاثة أيام فرمي بنفسه علي قبر النبي صلي الله عليه وآله وسلم وحثا من ترابه علي رأسه وقال: يا رسول الله قلت فسمعنا قولک، ووعيت عن الله سبحانه فوعينا عنک، وکان فيما أنزل عليک: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤک. الآية. وقد ظلمت وجئتک تستغفر لي. فنودي من القبر: قد غفر لک. أخرجه:

1- ألحافظ أبوسعيد عبدالکريم السمعاني المتوفي 573.

2- ألحافظ أبوعبدالله إبن نعمان المالکي المتوفي 683 في «مصباح الظلام».

3- أبوالحسن علي بن إبراهيم بن عبدالله الکرخي.

4- ألشيخ شعيب الحريفيش المتوفي 801 في «الروض الفائق» 2 ص 137

5- ألسيد نور الدين السمهودي المتوفي 911 في «وفاء الوفاء» 2 ص 412.

6- أبوالعباس القسطلاني المتوفي 922 في «المواهب اللدنية».

7- ألشيخ داود الخالدي المتوفي 1299 في «صلح الاخوان» ص 540.

8- ألشيخ حسن الحمزاوي المالکي المتوفي 1303 في «مشارق الانوار» 57

4- عن داود بن أبي صالح: أقبل مروان يوما فوجد رجلا واضعا وجهه (جبهته) علي القبر فأخذ مروان برقبته ثم قال: هل تدري ما تصنع؟ فأقبل عليه فإذا أبو أيوب الانصاري، فقال: نعم إني لم آت الحجر إنما جئت رسول الله صلي الله عليه وسلم ولم آت الحجر سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: لا تبکوا علي الدين إذا وليه أهله ولکن ابکوا علي الدين إذا وليه غير أهله

أخرجه الحاکم في «المستدرک» 4 ص 515، وصححه هو والذهبي في تلخيصه، ورواه أبوالحسين يحيي بن الحسن الحسيني في (أخبار المدينة) باسناد آخر عن

[صفحه 149]

المطلب بن عبدالله بن حنطب کما في «شفاء السقام» للسبکي ص 113 قال السبکي بعد حکايته: فإن صح هذا الاسناد لم يکره مس جدار القبر، وإنما أردنا بذکره القدح في القطع بکراهة ذلک.

وذکره السيد نور الدين السمهودي في «وفاء الوفاء» ج 2 ص 443 و 410، نقلا عن إمام الحنابلة أحمد قال: رأيته بخط الحافظ أبي الفتح المراغي المدني. وأخرجه الحافظ الهيثمي في «مجمع الزوائد» 4 ص 2 نقلا عن أحمد

قال الاميني: إن هذا الحديث يعطينا خبرا بان المنع عن التوسل بالقبور الطاهرة إنما هو من بدع الامويين وضلالاتهم منذ عهد الصحابة، ولم تسمع اذن الدنيا قط صحابيا ينکر ذلک غير وليد بيت امية مروان الغاشم، نعم: ألثور يحمي انفه بروقه، نعم: بعلة الورشان يأکل رطب الوشان. نعم: لبني امية عامة ولمروان خاصة ضغينة علي رسول الله صلي الله عليه وآله منذ يوم لم يبق صلي الله عليه وآله في الاسرة الاموية حرمة إلا هتکها، ولا ناموسا إلا مزقه، ولا رکنا إلا أباده، وذلک بوقيعته صلي الله عليه وآله فيهم وهو لا ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي علمه شديد القوي. فقد صح عنه صلي الله عليه وآله قوله: إذا بلغت بنو امية أربعين اتخذوا عباد الله خولا، ومال الله نحلا، وکتاب الله دغلا

وصح عنه صلي الله عليه وآله قوله: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا دين الله دغلا، وعباد الله خولا، ومال الله دولا

وصح عنه صلي الله عليه وآله وسلم قوله: إني اريت في منامي کأن بني الحکم بن أبي العاص ينزون علي منبري کما تنزو القردة. قال: فما رؤي النبي صلي الله عليه وآله مستجمعا ضاحکا حتي توفي.

وصح عنه صلي الله عليه وآله قوله: لما استأذن الحکم بن أبي العاص عليه: عليه لعنة الله وعلي من يخرج من صلبه إلا المؤمن منهم وقليل ما هم، يشرفون في الدنيا و يضعون في الآخرة، ذوو مکر وخديعة، يعطون في الدنيا ومالهم في الآخرة من خلاق.

وصح عنه صلي الله عليه وآله قوله لما ادخل عليه مروان بن الحکم: هو الوزغ إبن الوزغ، ألملعون إبن الملعون.

وصح عن عايشة قولها: إن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: لعن الله أبا مروان ومروان في صلبه، فمروان فضض من لعنة الله عزوجل.

[صفحه 150]

وصح عن عبدالله بن الزبير: ان رسول الله صلي الله عليه وآله لعن الحکم وولده.[2] فحقيق علي مروان أن يري الامة الاسلامية انه يحامي عن التوحيد وقد رام أن يخذلها عن نبيها ويصغره عندها، وکيف يروقه نبي کان هذا هتافه فيه وفي أبيه وجده وأصله وشجرته؟ تلک الشجرة الملعونة التي اجتثت من فوق الارض مالها من قرار.

فلا يحق لمسلم أن يحذو حذو تلک الامة الملعونة ويقول بقولهم ويتخذ برأيهم ويتبع إثر اولئک الرجال الذين اتخذوا دين الله دغلا، وعباد الله خولا، و کتاب الله حولا.

5- عن أبي خيثمة (زهير بن حرب الثقة المأمون المتوفي 234) قال: حدثنا مصعب بن عبدالله، حدثنا إسماعيل بن يعقوب التيمي قال: کان إبن المنکدر[3] يجلس مع أصحابه قال: وکان يصيبه الصمات فکان يقوم کما هو يضع خده علي قبر النبي صلي الله عليه وسلم ثم يرجع فعوتب في ذلک فقال: إنه ليصيبني خطرة فإذا وجدت ذلک استشفيت بقبر النبي صلي الله عليه وسلم، وکان يأتي موضعا من المسجد في الصحن فيتمرغ فيه ويضطجع فقيل له في ذلک فقال: إني رأيت النبي صلي الله عليه وسلم في هذا الموضع (يعني في النوم)[4] .

6- قال العز بن جماعة الحموي الشافعي المتوفي 819 في کتاب «العلل والسؤالات» لعبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه رواية أبي علي بن الصوف عنه، قال عبدالله، سألت أبي عن الرجل يمس منبر رسول الله صلي الله عليه وسلم ويتبرک بمسه ويقبله ويفعل بالقبر مثل ذلک رجاء ثواب الله تعالي؟ قال: لا بأس به (وفاء الوفاء 2 ص 443).

7- قال العلامة أحمد بن محمد المقري المالکي المتوفي 1041 في (فتح المتعال بصفة النعال) نقلا عن ولي الدين العراقي: قال: أخبر الحافظ أبوسعيد بن العلا قال: رأيت في کلام أحمد بن حنبل في جزء قديم عليه خط إبن ناصر[5] وغيره من الحفاظ

[صفحه 151]

ان الامام أحمد سئل عن تقبيل قبر النبي صلي الله عليه وسلم وتقبيل منبره؟ فقال: لا بأس بذلک قال: فأريناه التقي إبن تيمية فصار يتعجب من ذلک ويقول: عجبت من أحمد عندي جليل هذا کلامه أو معني کلامه. وقال: وأي عجب في ذلک وقد روينا عن الامام أحمد انه غسل قميصا للشافعي وشرب الماء الذي غسله به؟[6] وإذا کان هذا تعظيمه لاهل العلم فما بالک بمقادير الصحابة؟ وکيف بآثار الانبياء عليهم الصلاة والسلام؟ وما أحسن ما قاله مجنون ليلي


أمر علي الديار ديار ليلي
اقبل ذا الجدار وذا الجدارا


وما حب الديار شغفن قلبي
ولکن حب من سکن الديارا


8- ذکر الخطيب إبن حملة ان عبدالله بن عمر رضي الله تعالي عنهما کان يضع يده اليمني علي القبر الشريف[7] وان بلالا رضي الله تعالي عنه وضع خديه عليه ايضا. ورأيت في کتاب «السؤالات» لعبد الله بن الامام أحمد( وذکر ما تقدم عن إبن جماعة ثم قال:) ولا شک ان الاستغراق في المحبة يحمل علي الاذن في ذلک، والمقصود من ذلک کله الاحترام والتعظيم والناس تختلف مراتبهم في ذلک کما کانت تختلف في حياته، فاناس حين يرونه لا يملکون أنفسهم بل يبادرون إليه، واناس فيهم أناة يتأخرون والکل محل خير[8] .

9- قال شيخ مشايخ الشافعية الشافعي الصغير محمد بن أحمد الرملي المتوفي 1004 في شرح «المنهاج»: ويکره أن يجعل علي القبر مظلة، وأن يقبل التابوت الذي يجعل فوق القبر واستلامه وتقبيل الاعتاب عند الدخول لزيارة الاولياء. نعم: إن قصد التبرک لا يکره کما أفتي به الوالد رحمه الله تعالي فقد صرحوا[9] بأنه إذا عجز عن استلام الحجر سن له أن يشير بعصا وأن يقبلها[10] .

[صفحه 152]

10- قال أبوالعباس أحمد الرملي الکبير الانصاري شيخ الشيوخ في حاشية «روض الطالب» المطبوعة في هامش «أسني المطالب» ج 1 ص 331 عند قول المصنف في أدب مطلق زيارة القبور (أن يدنو منه دنوه منه حيا): قال في المجموع: ولا يستلم القبر ولا يقبله، ويستقبل وجهه للسلام، والقبلة للدعاء، وذکره أبوموسي الاصبهاني قال شيخنا: نعم: إن کان قبر نبي أو ولي أو عالم واستلمه أو قبله بقصد التبرک فلا بأس به.

11- نقل الطيب الناشري عن محب الدين الطبري الشافعي: انه يجوز تقبيل القبر ومسه، وقال: وعليه عمل العلماء الصالحين وأنشد:


لو رأينا لسليمي أثرا
لسجدنا ألف ألف للاثر[11] .

12- قال القاضي عياض المالکي في «الشفاء» بعد کلام طويل في تعظيم قبر النبي صلي الله عليه وآله: وجدير لمواطن عمرت بالوحي والتنزيل، وتردد بها جبرئيل وميکائيل، و عرجت منها الملائکة والروح، وضجت عرصاتها بالتقديس والتسبيح، واشتملت تربتها علي سيد البشر، وانتشر عنها من دين الله وسنة نبيه ما انتشر،مدارس آيات و مساجد وصلوات، ومشاهد الفضائل والخيرات، ومعاهد البراهين والمعجزات، و مناسک الدين، ومشاعر المسلمين، ومواقف سيد المرسلين، ومتبوء خاتم النبيين حيث انفجرت النبوة، وأين فاض عبابها، ومواطن تهبط الرسالة، وأول أرض مس جلد المصطفي ترابها، أن تعظم[12] عرصاتها، وتنسم نفحاتها، وتقبل ربوعها وجدرانها.


يا دار خير المرسلين ومن به
هدي الانام وخص بالآيات


عندي لاجلک لوعة وصبابة
وتشوق متوقد الجمرات


وعلي عهد إن ملات محاجري
من تلکم الجدران والعرصات


لاعفرن مصون شيبي بينها
من کثرة التقبيل والرشفات


لولا العوادي والاعادي زرتها
أبدا ولو سحبا علي الوجنات


لکن سأهدي من حفيل تحيتي
لقطين تلک الدار والحجرات. إلخ

[صفحه 153]

13- قال قاضي القضاة شهاب الدين الخفاجي الحنفي المتوفي 1069 في شرح «الشفاء» 3 ص 577 عند قول القاضي:- ونقل من کتاب أحمد بن سعيد الهندي فيمن وقف بالقبر أن لا يلصق به ولا يمسه-: بشئ من جسده فلا يقبله فيکره مسه وتقبيله وإلصاق صدره لانه ترک أدب، وکذا کل ضريح يکره فيه، وهذا أمر غير مجمع عليه، ولذا قال أحمد والطبري: لا بأس بتقبيله والتزامه. وروي أن أبا أيوب الانصاري کان يلتزم القبر الشريف، قيل: وهذا لغير من لم يغلبه الشوق والمحبة. وهو کلام حسن.

وقال في ج 3 ص 571 عند قول إبن أبي مليکة- من أحب أن يکون وجاه النبي فيجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر علي رأسه-: هو إرشاد لکيفية الزيارة وأن يکون بينه وبين القبر فاصل، فقيل: إنه يبعد عنه بمقدار أربعة أذرع وقيل: ثلاثة، وهذا مبني علي ان البعد أولي وأليق بالادب کما کان في حياته صلي الله عليه وسلم وعليه الاکثر، وذهب بعض المالکية إلي أن القرب أولي، وقيل: يعامله معاملته في حياته فيختلف ذلک باختلاف الناس، وهذا باعتبار ما کان في العصر الاول، وأما اليوم فعليه مقصورة تمنع من دنو الزائر فيقف عند الشباک.

14- نقل عن إبن أبي الصيف اليماني أحد علماء مکة من الشافعية: جواز تقبيل المصحف وأجزاء الحديث وقبور الصالحين.

15- قال الحافظ إبن حجر: استنبط بعضهم من مشروعية تقبيل الحجر الاسود جواز تقبيل کل من يستحق التعظيم من آدمي وغيره، فأما تقبيل يد الآدمي فسبق في الادب، وأما غيره فنقل عن أحمد انه سئل عن تقبيل منبر النبي صلي الله عليه وسلم وقبره فلم ير به بأسا واستبعد[13] بعض أتباعه صحته عنه[14] .

16- قال الزرقاني المصري المالکي في شرح «المواهب» 8 ص 315: تقبيل القبر الشريف مکروه إلا لقصد التبرک فلا کراهة کما اعتقده الرملي.

17- قال الشيخ إبراهيم الباجوري الشافعي في حاشيته علي شرح إبن قاسم

[صفحه 154]

الغزي علي متن ابي شجاع في الفقة الشافعي ج 1 ص 276.

يکره تقبيل القبر و استلامه و مثله التابوت الذي يجعل فوقه و کذالک تقبيل الأعتاب عند الدخول لزيارة الاولياء إلا أن قصد به التبرک بهم فلا يکره، وإذا عجز عن ذلک لازدحام ونحوه کاختلاط الرجال بالنساء کما يقع في زيارة سيدي أحمد البدوي وقف في مکان يتمکن فيه من الوقوف بلا مشقة وقرأ ما تيسر وأشار بيده أو نحوها ثم قبل ذلک فقد صرحوا بانه إذا عجز عن استلام الحجر الاسود يسن له أن يشير بيده أو عصا ثم يقبلها.

18- قال الشيخ حسن العدوي الحمزاوي المالکي في «کنز المطالب» ص 20 و «مشارق الانوار» ص 66 بعد نقل عبارة الرملي المذکور: ولا مرية حينئذ أن تقبيل القبر الشريف لم يکن إلا للتبرک، فهو أولي من جواز ذلک لقبور الاولياء عند قصد التبرک، فيحمل ما قاله العارف علي هذا المقصد، لا سيما وان قبره الشريف روضة من رياض الجنة.

19- قال الشيخ سلامة العزامي الشافعي في «فرقان القرآن» ص 133: وقال (يعني إبن تيمية): من طاف بقبور الصالحين أو تمسح بها کان مرتکبا أعظم العظائم. وأتي بکلام ملتبس فمرة يجعله من الکبائر، واخري من الشرک إلي مسائل من أشباه ذلک، قد فرغ العلماء المحققون والفقهاء المدققون من بحثها وتدوينها قبل أن يولد هو بقرون، فيأبي إلا أن يخالفهم، وربما ادعي الاجماع علي ما يقول، وکثيرا ما يکون الاجماع قد انعقد قبله علي خلاف قوله کما يعلم ذلک من أمعن في کلامه وکلام من قبله و کلام من بعده ممن تعقبه من أهل الفهم المستقيم والنقد السليم، وإليک مثالا: ألتمسح بالقبر أو الطواف به من عوام المسلمين فأهل العلم فيه علي ثلاثة أقوال: ألجواز مطلقا والمنع مطلقا علي وجه کراهة التنزيه الشديدة، ولکنها لا تبلغ حد التحريم. و التفصيل بين من غلبه شدة شوق إلي المزور فتنتفي عنه هذه الکراهة ومن لا، فالادب ترکه. وأنت إذا تأملت في الامور التي کفر بها المسلمين وجعلها عبادة لغير الله وجدت حجته ترجع إلي مقدمتين صدقت کبراهما وهي: کل عبادة لغير الله شرک. وهي معلومة من الدين بالضرورة، ثم يسوق عليه الادلة بالآيات الواردة في المشرکين

[صفحه 155]

وکذبت صغراهما وهي قوله: کل نداء لميت أو غائب أو طواف بقبر أو تمسح به أو ذبح أو نذر لصاحبه- إلخ- فهو عبادة لغير الله. ثم يسوق الآيات والاحاديث الصحيح التي لم يفهمها أو تعمد في تأويلها علي غير وجهها، ثم يخرج من هذا القياس الذي فسدت إحدي مقدمتيه بنتيجة لا محالة کاذبة وهي: أن جمهور المسلمين إلا إياه ومن شايعه مشرکون کافرون، وقد أجاد تلخيص هذا المذهب وأدلته وتزييفها منطقيا واصوليا کل الاجادة سيد أهل التحقيق وتاج أهل التدقيق ألامام أبوعبدالله محمد بن عبدالمجيد الفاسي المتوفي سنة تسع وعشرين ومائتين وألف في مؤلف رد به علي ذلک المذهب، ينطق بعلو کعب هذا الامام. (إلي أن قال):

ولقد تعدي هذا الرجل حتي علي الجناب المحمدي فقال: إن شد الرحال إلي زيارته معصية، وان من ناداه مستغيثا به عليه الصلاة والسلام بعد وفاته فقد أشرک فتارة يجعله شرکا أصغر. واخري يجعله شرکا أکبر، وإن کان المستغيث ممتلئ القلب بأنه لا خالق ولا مؤثر إلا الله، وان النبي صلي الله عليه إنما ترفع إليه الحوائج ويستغاث به، علي أن الله جعله منبع کل خير، مقبول الشفاعة، مستجاب الدعاء، صلي الله عليه وسلم کما هي عقيدة جميع المسلمة مهما کانوا من العامة. اه.

وأخبر جمال الدين عبدالله بن محمد الانصاري المحدث قال: رحلنا مع شيخنا تاج الدين الفاکهاني[15] إلي دمشق فقصد زيارة نعل سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم التي بدار الحديث الاشرفية بدمشق وکنت معه فلما رأي النعل المکرمة حسر عن رأسه وجعل يقبله ويمرغ وجهه عليه ودموعه تسيل وأنشد:


فلو قيل للمجنون: ليلي ووصلها
تريد أم الدنيا وما في طواياها؟


لقال: غبار من تراب نعالها
أحب إلي نفسي وأشفي لبلواها[16] .


م 20- أخرج محب الدين الطبري في «الرياض النضرة» 2 ص 54 حديثا طويلا فيما اتفق بالابواء بين عمر بن الخطاب لما خرج حاجا في نفر من أصحابه وبين شيخ استغاث به وفيه: لما انصرف عمر ونزل ذلک المنزل واستخبر عن الشيخ وعرف موته

[صفحه 156]

فکأني أنظر إلي عمر وقد وثب مباعدا ما بين خطاه حتي وقف علي القبر- قبر الشيخ- فصلي عليه ثم اعتنقه وبکي.

فلو جاز لمثل عمر الوقوف علي قبر رجل عادي واعتناقه والبکاء عليه فما وازع الامة عن الوقوف علي قبر رسولها الکريم واعتناقه والبکاء عليه أو قبور عترته الطاهرة.

أولئک الذين هدي الله فبهداهم اقتده

(ألانعام 90)


صفحه 147، 148، 149، 150، 151، 152، 153، 154، 155، 156.








  1. هم ابن تيمية ومن لف لفه.
  2. هذه الاحاديث أخرجها جمع من الحفاظ بطرقهم، وقد جمعها الحاکم وصححها في «المستدرک» ج 4 ص 479 -482.
  3. محمد بن المنکدر القرشي التيمي أبوعبدالله المدني أحد الائمة الاعلام من التابعين توفي 130.
  4. وفاء الوفاء 2 ص 444.
  5. هو الحافظ محمد بن ناصر ابوالفضل البغدادي توفي سنة 550، قال ابن الجوزي في المنتظم 10 ص 163: کان حافظا متقنا ثقة لا مغمز فيه.
  6. ذکره ابن الجوزي في مناقب احمد ص 455، وابن کثير في تاريخه 10 ص 331.
  7. وفي «الشفاء» للقاضي: رؤي ابن عمر واضعا يده علي مقعد رسول الله من المنبر ثم وضعها علي وجهه.
  8. وفاء الوفاء للسمهودي 2 ص 444.
  9. أخرج الحميدي في الجمع بين الصحيحين وأبوداود في مسنده أن رسول الله صلي الله عليه وآله کان يشهر إلي الحجر الاسود بمحجنته ويقبل المحجن.
  10. حکاه الشبر املسي الشيخ أبي الضياء المتوفي 1087 في حاشية «المواهب اللدنية» والحمزاوي في «کنز المطالب» ص 19.
  11. .
  12. أن وما بعدها في تأويل مصدر علي انه خبر قوله: (جدير). في اول الکلام.
  13. المستبعد هو ابن تيمية أو من يشاکله من أهل الاهواء المضلة الذين لا يعتنا بهم وبآرائهم في دين الله.
  14. وفاء الوفاء للسمهودي 2 ص 444.
  15. الفقيه المالکي المتضلع من الفقه واصوله والادب له تاليف قيمة توفي 734.
  16. الديباج المذهب ص 187.