ادب الزائر عند الجمهور











ادب الزائر عند الجمهور



نذکر نص ما وقفنا عليه في المصادر[1] .

1- إخلاص النية وخلوص الطوية فإنما الاعمال بالنيات، فينوي التقرب إلي الله تعالي بزيارة رسول الله صلي الله عليه وسلم، ويستحب أن ينوي مع ذلک التقرب بالمسافرة إلي مسجده صلي الله عليه وسلم وشد الرحال إليه والصلاة فيه. قاله إبن الصلاح والنووي من الشافعية، ونقله شيخ الحنفية الکمال بن الهمام عن مشايخهم.

2- أن يکون دائم الاسواق إلي زيارة الحبيب الشفيع.

3- أن يقول إذا خرج من بيته: بسم الله وتوکلت علي الله ولا حول ولا قوة إلا بالله أللهم إليک خرجت وأنت أخرجتني، أللهم سلمني وسلم مني وردني سالما في ديني کما أخرجتني، أللهم إني أعوذ بک أن أضل أو اضل، أو أذل أو اذل، أو أظلم أو اظلم، أو أجهل أو يجهل علي، عز جارک وجل ثناؤک وتبارک اسمک ولا إله غيرک.

4- ألاکثار في المسير من الصلاة والتسليم علي النبي صلي الله عليه وسلم، بل يستغرق أوقات فراغه في ذلک من القربات.

5- يتبع ما في طريقه من المساجد والآثار المنسوبة إلي النبي صلي الله عليه وسلم فيحييها بالزيارة ويتبرک بالصلاة فيها.

6- إذا دنا من حرم المدينة وشاهد أعلامها ورباها وآکامها فليستحضر وظائف الخضوع والخشوع مستبشرا بالهنا وبلوغ المني، وإن کان علي دابة حرکها تباشرا بالمدينة، ولا بأس بالترجل والمشي عند رؤية ذلک المحل الشريف کما يفعله بعضهم، لان وفد عبدالقيس لما رأوا النبي صلي الله عليه وسلم نزلوا عن الرواحل ولم ينکر عليهم، وتعظيمه بعد الوفاة کتعظيمه في الحياة. وقال أبوسليمان داود المالکي في الانتصار: إن ذلک يتأکد فعله لمن

[صفحه 131]

أمکنه من الرجال، وانه يستحب تواضعا لله تعالي وإجلالا لنبيه صلي الله تعالي عليه وسلم وحکي القاضي عياض في «الشفاء»: إن أبا الفضل الجوهري[2] لما ورد المدينة زائرا وقرب من بيوتها ترجل باکيا منشدا:


ولما رأينا رسم من لم يدع لنا
فؤادا لعرفان الرسوم ولا لبا


نزلنا عن الاکوار نمشي کرامة
لمن بان عنه أن نلم به رکبا


وقد ضمنها القاضي عياض في قصيدة نبوية له يقول بعدهما:


وتهنا بأکناف الخيام تواجدا
نقبلها طورا ونرشفها حبا


ونبدي سرورا والفؤاد بحبها
تقطع والاکباد أوري بها لهبا


اقدم رجلا بعد رجل مهابة
وأسحب خدي في مواطنها سحبا


وأسکب دمعي في مناهل حبها
وارسل حبا في أماکنها النجبا


وأدعو دعاء البائس الواله الذي
براه الهوي حتي بدا شخصه شجبا


7- إذا بلغ حرم المدينة الشريفة فليقل بعد الصلاة والتسليم: أللهم هذا حرم رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي حرمته علي لسانه، ودعاک أن تجعل فيه من الخير والبرکة مثلي ما في حرم البيت الحرام، فحرمني علي النار، وآمني من عذابک يوم تبعث عبادک، وارزقني من برکاته ما رزقته أولياءک وأهل طاعتک، ووفقني لحسن الادب وفعل الخيرات وترک المنکرات ثم تشتغل بالصلاة والتسليم.

وقال الغزالي في الاحياء 1 ص 246: إذا وقع بصره علي حيطان المدينة وأشجارها قال: أللهم هذا حرم رسولک فاجعله لي وقاية من النار، وأمانا من العذاب وسوء الحساب.

وفي «مراقي الفلاح» للفقيه شرنبلالي: فإذا عاين حيطان المدينة المنورة يصلي علي النبي صلي الله عليه وسلم ثم يقول: أللهم هذا حرم نبيک ومهبط وحيک، فامنن علي بالدخول فيه، واجعله وقاية لي من النار وأمانا من العذاب، واجعلني من الفائزين بشفاعة المصطفي يوم المآب.

8- إن کانت طريقه علي ذي الحليفة فلا يجاوز المعرس حتي ينيخ به وهو مستحب

[صفحه 132]

کما قاله أبوبکر الخفاف في کتاب (الاقسام والخصال) والنووي وغيرهما.

9- ألغسل لدخول المدينة المنورة من بئر الحرة أو غيرها، والتطيب ولبسالزائر أحسن ثيابه. وقال الکرماني من الحنفية، فإن لم يغتسل خارج المدينة فليغتسل بعد دخولها.

قال إبن حجر: ويسن له کمالا في الادب أن يلبس أنظف ثيابه، والاکمل الابيض إذ هو أليق بالتواضع المطلوب متطيبا، وقد يقع لبعض الجهلة عند الرؤية للمدينة نزولهم عن رواحلهم مع ثياب المهنة والتجرد عن الملبوس فينبغي زجره، نعم: ألنزول عن الرواحل عند رؤية المدينة من کمال الادب لکن بعد التطيب ولبس النظيف. وقال الفقيه شرنبلالي في «مراقي الفلاح»: ويغتسل قبل الدخول أو بعده قبل التوجه للزيارة إن أمکنه، ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه تعظيما للقدوم علي النبي صلي الله عليه وسلم، ثم يدخل المدينة ماشيا إن أمکنه بلا ضرورة.

10- أن يقول عند دخوله من باب البلد: بسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله، رب أدخلني مدخل صدق، وأخرجني مخرج صدق، واجعل لي من لدنک سلطانا نصيرا، حسبي الله آمنت بالله توکلت علي الله لا حول ولا قوة إلا بالله، أللهم إني أسألک بحق السائلين عليک، وبحق ممشاي هذا إليک فإني لم أخرج بطرا ولا اشرا ولا رياء ولا سمعة خرجت اتقاء سخطک وابتغاء مرضاتک، أسألک أن تنقذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.

وقال شيخ زاده في «مجمع الانهر» 1 ص 157: إذا دخل المدينة قال: رب أدخلني مدخل صدق. الآية. أللهم افتح لي أبواب فضلک ورحمتک فارزقني زيارة قبر رسولک المجتبي عليه السلام ما رزقت أولياءک وأهل طاعتک واغفر لي وارحمني يا خير مسئول.

11- لزوم الخشوع والخضوع لما شاهد القبة مستحضرا عظمتها يمثل في نفسه مواقع أقدام رسول الله، فلا يضع قدمه عليه إلا مع الهيبة والسکينة والوقار.

12- عدم الاخلال بشئ مما أمکنه من الامر بالمعروف والنهي عن المنکر والغضب عند انتهاک حرمة من حرمه أو تضييع شئ من حقوقه صلي الله عليه وسلم.

13- إذا شاهد المسجد والحرم الشريف فليزدد خضوعا وخشوعا يليق بهذا

[صفحه 133]

المقام ويقتضيه هذا المحل الذي ترتعد دونه الاقدام ويجتهد في أن يوفي للمقام حقه من التعظيم والقيام.

14- ألافضل أن يدخل الزائر إلي الحضرة الشريفة من باب جبرئيل، وجرت عادة القادمين من ناحية باب السلام بالدخول.

15- يقف بالباب لحضة لطيفة کما يقف المستأذن في الدخول علي العظماء قاله الفاکهي في «حسن الادب» ص 56، والشيخ عبدالمعطي السقا في «الارشادات السنية»ص 261.

16- إذا أراد الدخول فليفرغ قلبه وليصف ضميره، ويقدم رجله اليمني ويقول: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الکريم وبنوره القديم من الشيطان الرجيم، بسم الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله ما شاء الله لا قوة إلا بالله، أللهم صل علي سيدنا محمد عبدک ورسولک وعلي آله وصحبه وسلم تسليما کثيرا، أللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتک، رب وفقني وسددني وأصلحني وأعني علي ما يرضيک عني، ومن علي بحسن الادب في هذه الحضرة الشريفة،السلام عليک أيها النبي ورحمة الله تعالي وبرکاته،السلام علينا وعلي عباد الله الصالحين. ولا يترک ذلک کلما دخل المسجد أو خرج منه إلا انه يقول عند خروجه:و افتح لي أبواب فضلک. بدل قوله: أبواب رحمتک.

وقال القاضي عياض: قال إبن حبيب: يقول إذا دخل مسجد الرسول: بسم الله و سلام علي رسول الله، ألسلام علينا من ربنا، وصلي الله وملائکته علي محمد، أللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتک وجنتک، واحفظني من الشيطان الرجيم.

17- قال القاضي في «الشفاء»: ثم اقصد إلي الروضة وهي ما بين القبر والمنبر وارکع فيهما رکعتين قبل وقوفک بالقبر تحمد الله تعالي فيهما وتسأله تماما ما خرجت إليه والعون عليه، وإن کانت رکعتاک في غير الروضة أجزأتاک وفي الروضة أفضل. وقال القسطلاني في «المواهب»: يستحب أن يصلي رکعتين قبل الزيارة، قيل: وهذا ما لم يکن مروره من جهة وجهه الشريف وإلا استحب الزيارة أولا، قال في «تحقيق النصرة» وهو استدراک حسن، ورخص بعضهم تقديم الزيارة مطلقا، و

[صفحه 134]

قال إبن الحاج: کل ذلک واسع.

وقال شرنبلالي في «مراقي الفلاح»: فتسجد شکرا لله تعالي بأداء رکعتين غير تحية المسجد شکرا لما وفقک الله تعالي ومن عليک بالوصول إليه.

وقال الحمزاوي في «کنز المطالب» ص 211: يبدا بتحية المسجد رکعتين خفيفتين بقل يا أيها الکافرون وقل هو الله أحد، وأن يکون بمصلاه صلي الله عليه وسلم فإن لم يتيسر له فما قرب منه مما يلي المنبر من جهة الروضة.

18- ينبغي للزائر أن يکون واقفا وقت الزيارة کما هو الاليق بالادب، فإذا طال فلا بأس متأدبا جاثيا علي رکبتيه غاضا لطرفه في مقام الهيبة والاجلال، فارغ القلب مستحضرا بقلبه جلالة موقفه، وأنه صلي الله عليه وسلم حي ناظر إليه ومطلع عليه. وقال الخفاجي في شرح «الشفاء» 3 ص 571: ويستحب القيام في حال الزيارة کما نبه عليه المصنف (يعني القاضي عياض) بقوله: يقف. وهو أفضل من الجلوس عند الجمهور، ومن خير بينهما أراد الجواز دون المساواة، فإن جلس فالافضل أن يجثو علي رکبتيه ولا يفترش ولا يتربع لانه أليق بالادب.

19- يقف کما يقف في الصلاة واضعا يمينه علي شماله. قاله الکرماني الحنفي وشيخ زاده في «مجمع الانهر» وغيرهما ورئاه إبن حجر أليقا.

20- يتوجه إلي القبر الکريم مستعينا بالله تعالي في رعاية الادب في هذا الموقف العظيم، فيقف ممثلا صورته الکريمة في خياله بخشوع وخضوع تامين بين يديه صلي الله عليه وسلم محاذاة الوجه الشريف مستدبر القبلة، ناظرا في حال وقوفه إلي أسفل ما يستقبل من جدار الحجرة الشريفة، ملتزما للحياء والادب التام في ظاهره وباطنه، عالما بأنه صلي الله عليه وسلم عالم بحضوره وقيامه وزيارته وانه يبلغه سلامه وصلاته، وقال إبن حجر: استدبار القبلة واستقبال الوجه الشريف هو مذهبنا ومذهب جمهور العلماء.

وقال الخفاجي في شرح «الشفا» 3 ص 171: إستقبال وجهه صلي الله عليه وسلم واستدبار القبلة مذهب الشافعي والجمهور، ونقل عن أبي حنيفة، وقال إبن الهمام: ما نقل عن أبي حنيفة انه يستقبل القبلة مردود بما روي عن إبن عمران من السنة أن يستقبل القبر المکرم ويجعل ظهره للقبلة، وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة، وقول

[صفحه 135]

الکرماني: إن مذهبه بخلافه ليس بشئ لانه صلي الله عليه وسلم حي في ضريحه يعلم بزائره و من يأتيه في حياته إنما يتوجه إليه.

وقال في شرح قول إبن أبي مليکة[3] من أحب أن يکون وجاه النبي صلي الله عليه وسلم فيجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر علي رأسه: هو إرشاد لکيفية الزيارة، و أن يکون بينه وبين القبر فاصل. فقيل: إنه يبعد عنه بمقدار أربعة أذرع وقيل: ثلاثة وهذا علي أن البعد أولي وأليق بالادب کما کان في حياته صلي الله عليه وسلم وعليه الاکثر، وذهب بعض المالکية إلي أن القرب أولي، وقيل: يعامل معاملته في حياته فيختلف ذلک باختلاف الناس، وهذا باعتبار ما کان في العصر الاول وأما اليوم فعليه مقصورة تمنع من دنو الزائر فيقف عند الشباک.

21- لا يرفع في الزيارة صوته ولا يخفيه بل يقتصد، وخفض الصوت عنده صلي الله عليه أدب للجميع، أخرج القاضي عياض باسناده عن إبن حميد قال: ناظر أبوجعفر أميرالمؤمنين مالکا في مسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال له مالک: يا أميرالمؤمنين لا ترفع صوتک في هذا المسجد فإن الله تعالي أدب قوما فقال:لا ترفعوا أصواتکم فوق صوت النبي. الآية. ومدح قوما فقال: إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله. ألآية. وذم قوما فقال: إن الذين ينادونک من وراء الحجرات. ألآية. وان حرمته ميتا کحرمته حيا، فاستکان لها أبوجعفر وقال: يا أبا عبدالله أستقبل القبلة وأدعوا أم أستقبل رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ فقال: ولم تصرف وجهک عنه وهو وسيلتک ووسيلة أبيک آدم عليه السلام إلي الله تعالي يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعک الله تعالي قال الله تعالي: ولو انهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤک فاستغفروا الله. ألآية.


صفحه 131، 132، 133، 134، 135.








  1. أفرد جمال الدين عبدالله الفاکهي المکي الشافعي المتوفي 972، آداب زيارة النبي صلي الله عليه وآله بالتأليف وسماه (حسن التوسل في آداب زيارة أفضل الرسل) جمع فيه أربعا وتسعين أدبا من آداب الزائر، وقد صفحنا عن کثير منها لکونه أدب المسافر لا يخص بالزيارة، طبع في هامش الاتحاف للشيراوي بمصر سنة 1318.
  2. عبدالله بن الحکيم الرندي الاندلسي من علماء الحديث والقراءات والعربية وله شعر رائق.
  3. عبدالله بن عبيدالله المتوفي 117، أخرج له أصحاب الصحاح الست.