فروع علي زيارة النبي











فروع علي زيارة النبي



هذه الفروع تعطينا درس التسالم من أئمة المذاهب علي رجحان زيارة النبي صلي الله عليه وآله واستحبابها ومحبوبية شد الرحال إليها من أرجاء الدنيا ألاوهي:

1- إختلفت الآراء من فقهاء المذاهب الاربعة في تقديم أي من الحج و والزيارة علي الآخر. فقال تقي الدين السبکي في «شفاء السقام» ص 42:

[صفحه 126]

اختلف السلف رحمهم الله في أن الافضل البداءة بالمدينة قبل مکة، أو بمکة قبل المدينة، و ممن نص علي هذه المسألة وذکر الخلاف فيها الامام أحمد رحمه الله في کتاب المناسک الکبير من تأليفه. وهذه المناسک رواها الحافظ أبوالفضل (باسناده)[1] عن عبدالله بن أحمد عن أبيه وفي هذه المناسک سئل عمن يبدأ بالمدينة قبل مکة؟ فذکر باسناده عن عبدالرحمن بن يزيد وعطاء ومجاهد انهم قالوا: إذا أردت مکة فلا تبدأ بالمدينة وابدأ بمکة، وإذا قضيت حجک فامرر بالمدينة إن شئت. وذکر باسناده عن الاسود قال: احب أن يکون نفقتي وجهازي وسفري أن أبدأ بمکة، وعن ابراهيم النخعي: إذا أردت مکة فاجعل کل شيئ لها تبعا. وعن مجاهد: إذا أردت الحج أو العمرة فابدأ بمکة واجعل کل شيئ لها تبعا. وعن إبراهيم: قال إذا حججت فابدأ بمکة ثم مر بالمدينة بعد.

وذکر الامام أحمد ايضا باسناده عن عدي بن ثابت ان نفرا من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم کانوا يبدأون بالمدينة إذا حجوا يقولون: فهل من حيث أحرم رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ وذکر إبن أبي شيبة في فضيلة هذا الامر ايضا وذکر باسناده عن علقمة والاسود و عمرو بن ميمون: انهم بدأوا بالمدينة قبل مکة. إلي أن قال:

وممن نص علي هذه المسألة من الائمة أبوحنيفة رحمه الله وقال: والاحسن أن يبدأ بمکة.

وقال الشيخ علي القاري في شرح «المشکاة» 3 ص 284: ألانسب أن تکون الزيارة بعد الحج کما هو مقتضي القواعد الشرعية من تقديم الفرض علي السنة[2] وقد روي الحسن عن أبي حنيفة تفصيلا حسنا وهو: انه إن کان الحج فرضا فالاحسن للحاج أن يبدأ بالحج ثم يثني بالزيارة، وإن بدأ بالزيارة جاز وإن کان الحج نفلا فهو بالخيار فيبدأ بأيهما شاء. اه د. ثم قال: والاظهر أن الابتداء بالحج أولي لاطلاق الحديث[3] ولتقديم حق الله علي حقه صلي الله عليه وسلم ولذا تقدم تحية المسجد

[صفحه 127]

النبوي علي زيارة المشهد المصطفوي.

2- من المتسالم عليه بين فرق المسلمين سلفا وخلفا جواز استنابة النائب و استيجار الاجير لزيارة النبي صلي الله عليه وسلم لمن عاقه عنها عذر، وقد استفاض عن عمر بن عبدالعزيز: انه کان يبرد إليه صلي الله عليه وسلم البريد من الشام ليقرأالسلام علي النبي صلي الله عليه وسلم ثم يرجع. وفي لفظ: کان يبعث بالرسول قاصدا من الشام إلي المدينة.

ذکره البيهقي في شعب الايمان. وأبوبکر أحمد بن عمرو النيلي المتوفي 287 في مناسکه. والقاضي عياض في «الشفاء». والحافظ إبن الجوزي في (مثير الغرام الساکن)وتقي الدين السبکي في «شفاء السقام» ص 41. وغيرهم.

وقال يزيد بن أبي سعيد مولي المهري قدمت علي عمر بن عبدالعزيز فلما ودعته قال: لي إليک حاجة إذا أتيت المدينة ستري قبر النبي صلي الله عليه وسلم فاقرأ مني السلام (ألشفاء للقاضي. والشفاء للسبکي ص 41).

وقال أبوالليث السمرقندي الحنفي في الفتاوي في باب الحج: قال أبوالقاسم: لما أردت الخروج إلي مکة قال القاسم بن غسان: إن لي إليک حاجة إذا أتيت قبر النبي صلي الله عليه وسلم فاقرأه مني السلام. فلما وضعت رجلي في مسجد المدينة ذکرت. (شفاء السقام ص 41).

قال عبدالحق بن محمد الصقلي المالکي المتوفي 466 في «تهذيب الطالب»: رأيت في بعض المسائل التي سئل عنها الشيخ أبومحمد بن إبي زيد قيل له في رجل استوجر بمال ليحج به وشرطوا عليه الزيارة فلم يستطع تلک السنة أن يزور لعذر منعه من تلک؟ قال: يرد من الاجرة بقدر مسافة الزيارة. قال عبدالحق: وقال غيره من شيوخنا: عليه أن يرجع نائبه حتي يزور. ثم قال: إن استوجر للحج لسنة بعينها فهاهنا يسقط من الاجرة ما يخص بالزيارة، وإن استوجر علي حجة مضمونة في ذمته فهاهنا يرجع ويزور، وقد اتفق النقلان

وقالت الشافعية: إن الاستيجار والجعالة إن وقعا علي الدعاء عند قبر النبي صلي الله عليه وسلم أو علي إبلاغ السلام فلا شک في جواز الاجارة والجعالة کما کان عمر بن عبدالعزيز يفعل وإن کانا علي الزيارة لا يصح لانها عمل غير مضبوط.

[صفحه 128]

(شفاء السقام ص 50)

وقال أبوعبدالله عبيدالله بن محمد العکبري الحنبلي الشهير بابن بطة المتوفي 387 في کتاب «الابانة»: بحسبک دلالة علي إجماع المسلمين واتفاقهم علي دفن أبي بکر و عمر مع النبي صلي الله عليه وسلم أن کل عالم من علماء المسلمين وفقيه من فقهائهم ألف کتابا في المناسک ففصله فصولا وجعله أبوابا يذکر في کل باب فقهه ولکل فصل علمه وما يحتاج الحاج إلي علمه «إلي أن قال»: حتي يذکر زيارة قبر النبي صلي الله عليه وسلم فيصف ذلک فيقول: ثم تأتي القبر فتستقبله وتجعل القبلة وراء ظهرک. إلي أن قال: وبعد أدرکنا الناس ورأيناهم وبلغنا عمن لم نره أن الرجل إذا اراد الحج فسلم عليه أهله وصحابته قالوا له: وتقرأ علي النبي صلي الله عليه وسلم وأبي بکر وعمر مناالسلام. فلا ينکر ذلک أحد ولا يخالفه (شفاء السقاء 45).

قال الاميني: وذکر أبومنصور الکرماني الحنفي. والغزالي في «الاحياء». والفاخوري في «الکفاية». وشرنبلالي في مراقي الفلاح. والسبکي. والسمهودي. والقسطلاني. والحمزاوي العدوي وغيرهم: أن النائب يقول: ألسلام عليک يا رسول الله من فلان بن فلان يستشفع بک إلي ربک بالرحمة والمغفرة فاشفع له.

3- قال العبدري المالکي في شرح رسالة إبن إبي زيد: وأما النذر للمشي إلي المسجد الحرام أو المشي إلي مکة فله أصل في الشرع وهو الحج والعمرة، و إلي المدينة لزيارة قبر النبي صلي الله عليه وسلم أفضل من الکعبة ومن بيت المقدس، وليس عندهم حج ولا عمرة، فإذا نذر المشي إلي هذه الثلاثة لزمه، فالکعبة متفق عليها، واختلف أصحابنا وغيرهم في المسجدين الآخرين. قال إبن الحاج في «المدخل» بعد نقل هذه العبارة: وهذا الذي قاله مسلم صحيح لا يرتاب فيه إلا مشرک أو معاند لله ولرسوله صلي الله عليه وسلم.

وقال تقي الدين السبکي في «شفاء السقام» ص 53 بعد ذکر کلام العبدري المذکور قلت: ألخلاف الذي أشار إليه في نذر إتيان المسجدين لا في الزيارة. وقال ص 71 بعد کلام طويل حول نذر العبادات وجعلها أقساما: إذا عرفت هذا فزيارة قبر النبي صلي الله عليه وسلم قربة لحث الشرع عليها وترغيبه فيها، وقد قدمنا أن فيها جهتين: جهة عموم وجهة

[صفحه 129]

خصوص فأما من جهة الخصوص، وکون الادلة الخاصة وردت فيها بعينها، فيظهر القطع بلزومها بالنذر إلحاقا لها بالعبادات المقصودة التي لا يؤتي بها إلا علي وجه العبادة کالصلاة والصدقة والصوم والاعتکاف، ولهذا المعني والله أعلم قال القاضي إبن کج رحمه الله: إذا نذر أن يزور قبر النبي صلي الله عليه وسلم فعندي انه يلزمه الوفاء وجها واحدا إلي أن قال: وإذا نظرنا إلي زيارة النبي صلي الله عليه وسلم من جهة العموم خاصة واجتماع المعاني التي يقصد بالزيارة فيه فيظهر أن يقال: إنه يلزم بالنذر قولا واحدا. ويحتمل علي بعد أن يقال: إنه کما لو نذر زيارة القادمين وإنشاء السلام فيجري في لزومها بالنذر ذلک الخلاف، مع کونها قربة في نفسها قبل النذر وبعده، وقد بان لک بهذا انها يلزم بالنذروقبل هذه کلها تنبأک عما نرتأيه الآداب المسنونة الآتية للزائر فانها تتفرع علي استحباب الزيارة ومندوبية شد الرحال إلي روضة النبي الاقدس صلي الله عليه وآله.

[صفحه 130]


صفحه 126، 127، 128، 129، 130.








  1. ذکره کملا ونحن حذفناه روما للاختصار.
  2. هذه القاعدة انما تؤخذ في موارد تزاحم الامرين لا مطلقا والمقام ليس منها کما لا يخفي فان الحج فريضة موقوتة فلا باس بتقديم المندوب عليها قبل ظرفها.
  3. يعني الحديث الثالث من أحاديث الزيارة وقد مر في صفحة 98.