نفي السنخية بين الخالق و المخلوق في الصفات











نفي السنخية بين الخالق و المخلوق في الصفات



وبهذا التفصيل في وجوه العلم يعلم عدم التعارض نفيا وإثباتا بين أدلة المسألة کتابا وسنة، فکل من الادلة النافية والمثبتة ناظر إلي ناحية منها، والموضوع المنفي من علم الغيب في لسان الادلة غير المثبت منه وکذلک بالعکس. وقد يوعز إلي الجهتين في بعض النصوص الواردة عن أهل البيت العصمة عليهم السلام مثل قول الامام أبي الحسن موسي الکاظم عليه السلام مجيبا يحيي بن عبدالله بن الحسن لما قاله: جعلت فداک انهم يزعمون انک تعلم الغيب؟ فقال عليه السلام: سبحان الله ضع يدک علي راسي فوالله ما بقيت شعرة فيه ولا في جسدي إلا قامت، ثم قال: لا والله ما هي إلا وراثة عن رسول الله صلي الله عليه وآله[1] .

وکذلک الحال في بقية الصفات الخاصة بالمولي العزيز سبحانه وتعالي فإنها تمتاز عن مضاهاة ما عند غيره تعالي من تلکم الصفات بقيودها المخصصة، فلو کان عيسي علي نبينا وآله وعليه السلام يحيي کل الموتي بإذن الله، أو کان خلق عالما بشرا من الطين باذن ربه بدل ذلک الطير الذي أخبر عنه بقوله: إني أخلق لکم من الطين کهيئة الطير فأنفخ فيه فيکون طيرا بإذن الله «آل عمران 49» لم يکن يشارک المولي سبحانه في صفته الاحياء والخلق، والله هو الولي، وهو محيي الموتي، وهو الخلاق العليم.

وإن الملک المصور في الارحام مع تصويره ما شاء الله من الصور وخلقه سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها[2] لم يکن يشارک ربه في صفته، والله هو الخالق

[صفحه 59]

البارئ المصور، وهو الذي يصور في الارحام کيف يشاء.

والملک المبعوث إلي الجنين الذي يکتب رزقه وأجله وعمله ومصائبه وما قدر له من خير وشر وشقاوته وسعادته ثم ينفخ في الروح[3] لا يشارک ربه، والله هو الذي لم يکن له شريک في الملک وخلق کل شئ فقدره تقديرا

و ملک الموت مع انه يتوفي الانفس، وأنزل الله فيه القرآن وقال: قل يتوفاکم ملک الموت الذي وکل بکم «السجدة 11» صح مع ذلک الحصر في قوله تعالي: ألله يتوفي الانفس حين موتها، والله هو المميت ولا يشارکه ملک الموت في شئ من ذلک، کما صحت النسبة في قوله تعالي: ألذين تتوفاهم الملائکة ظالمي أنفسهم «النحل 28» وفي قوله تعالي: ألذين تتوفاهم الملائکة طيبين «النحل 32» ولا تعارض في کل ذلک ولا إثم ولا فسوق في إسناد الاماتة إلي غيره تعالي.

والملک لا يغشاه نوم العيون[4] ولا تأخذه سنة الراقد بتقدير من العزيز العليم وجعله، ومع ذلک لا يشارک الله فيما مدح نفسه بقوله: لا تأخذه سنة ولا نوم. ولو أن أحدا مکنه المولي سبحانه من إحياء موتان الارض برمتها لم يشارکه تعالي والله هو الذي يحيي الارض بعد موتها.

فهلم معي نسائل القصيمي عن أن قول الشيعة بأن الائمة إذا شاءوا أن يعلموا شيئا أعلمهم الله إياه کيف يتفرع عليه القول بأن الائمة يشارکون الله في هذه الصفة صفة علم الغيب؟ وما وجه الاشتراک بعد فرض کون علمهم بإخبار من الله تعالي وإعلامه؟ وقد ذهب علي الجاهل أن الحکم بأن القول بعلم الائمة بما کان وما يکون وليس هو کل الغيب ولا جله وعدم خفاء شئ من ذلک عليهم يستلزم الشرک بالله في صفة علمه بالغيب. تحديد لعلم الله، وقول بالحد في صفاته سبحانه، ومن حده

[صفحه 60]

فقد عده، تعالي الله عن ذلک علوا کبيرا. والنصوص الموجودة في الکتاب والسنة علي أن لا يعلم الغيب إلا الله قد خفيت مغزاها علي المغفل ولم يفهم منها شيئا، ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع کل شيطان مريد.


صفحه 59، 60.








  1. أخرجه شيخنا المفيد في المجلس الثالث من أماليه.
  2. عن حذيفة مرفوعا: اذا مر بالنطفة اثنتان واربعون ليلة بعث الله اليها ملکا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب أذکر أم انثي؟ فيقضي ربک ما شاء ويکتب الملک،ثم يقول: يا رب أجله؟ فيقضي ربک ما شاء ويکتب الملک ثم يقول: يا رب رزقه؟ فيقضي ربک ما شاء ويکتب الملک ثم يخرج الملک بالصحيفة في يده فلا يزيد علي ذلک شيئا ولا ينقص. أخرجه ابوالحسين مسلم في صحيحه، وذکره ابن الاثير في جامع الاصول. وابن الدبيع في التيسير 4 ص 40 وفي حديث آخر ذکره ابن الدبيع في تيسير الوصول 4 ص 40: اذا بلغت «يعني المضغة» أن تخلق نفسا بعث الله ملکا يصورها، فيأتي الملک بتراب بين اصبعيه فيخط في المضغة ثم يعجنه ثم يصورها کما يؤمر فيقول: أذکر أم انثي؟ أشقي أم سعيد؟ وما عمره؟ وما رزقه؟ وما أثره؟ وما مصائبه؟ فيقول الله فيکتب الملک.
  3. عن ابن مسعود مرفوعا: ان خلق أحدکم يجمع في بطن امه أربعين يوما، ثم يکون علقة مثل ذلک، ثم يکون مضغة مثل ذلک، ثم يبعث الله ملکا باربع کلمات يکتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد ثم ينفخ فيه الروح. أخرجه البخاري في باب ذکر الملائکة في صحيحه ومسلم وغيرهما من ائمة الصحاح الا النسائي وأحمد في مسنده 1 ص 430 و 414 و 374، وابوداود في مسنده 5 ص 38، وذکره ابن الاثير في جامعه، وابن الدب د؟ ع في التيسير 4 ص 39.
  4. راجع الخطبة الاولي من نهج البلاغة وشروحها.