الكلام حول العلم بالغيب











الکلام حول العلم بالغيب



و في الکتاب نصوص اخري ايضا في المعني، فالائمة يشارکون الله في هذه الصفة صفة علم الغيب، وعلم ما کان وما سيکون، وانه لا يخفي عليهم شئ، والمسلمون کلهم يعلمون ان الانبياء والمرسلين لم يکونوا يشارکون الله في هذه الصفة، والنصوص في الکتاب والسنة وعن الائمة في انه لا يعلم الغيب إلا الله متواترة لا يستطاع حصرها في کتاب. إلخ.

ج- ألعلم بالغيب أعني الوقوف علي ما وراء الشهود والعيان من حديث ما غبر أو ما هو آت إنما هو أمر سائغ ممکن لعامة البشر کالعلم بالشهادة يتصور في کل ما ينبأ الانسان من عالم غابر، أو عهد قادم لم يره ولم يشهده، مهما أخبره بذلک عالم خبير، أخذا من مبدأ الغيب والشهادة، أو علما بطرق اخري معقولة، وليس هناک أي وازع من ذلک، وأما المؤمنون خاصة فأغلب معلوماتهم إنما هو الغيب من الايمان بالله وملائکته وکتبه ورسله واليوم الآخر وجنته وناره ولقاءه والحياة بعد الموت

[صفحه 53]

والبعث والنشور ونفخ الصور والحساب والحور والقصور والولدان وما يقع في العرض الاکبر، إلي آخر ما آمن من به المؤمن وصدقه، فهذا غيب کله، واطلق عليه الغيب في الکتاب العزيز، وبذلک عرف الله المؤمنين في قوله تعالي: ألذين يؤمنون بالغيب «البقرة 3» وقوله تعالي: ألذين يخشون ربهم بالغيب «الانبياء 49» وقوله: إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب «فاطر 18» وقوله: إنما تنذر من اتبع الذکر وخشي الرحمن بالغيب «يس 11» وقوله: من خشي الرحمن بالغيب «ق 33» وقوله: إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة «الملک 12» وقوله: جنات عدن وعد الله عباده بالغيب «مريم 61».

ومنصب النبوة والرسالة يستدعي لمتوليه العلم بالغيب من شتي النواحي مضافا إلي ما يعلم منه المؤمنون، وإليه يشير قوله تعالي: کلا نقص عليک من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادک وجاءک في هذه الحق وموعظة وذکري للمؤمنين «هود» ومن هنا قص علي نبيه القصص، وقال بعد النبأ عن قصة مريم: ذلک من أنباء الغيب نوحيه إليک «آل عمران 44» وقال بعد سرد قصة نوح: تلک من أنباء الغيب نوحيها إليک. «هود 49» وقال بعد قصة إخوان يوسف: ذلک من أنباء الغيب نوحيه إليک «يوسف 102».

وهذا العلم بالغيب الخاص بالرسل دون غيرهم ينص عليه بقوله تعالي: عالم الغيب فلا يظهر علي غيبه أحدا إلا من ارتضي من رسول. نعم: ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء، وما اوتيتم من العلم إلا قليلا. فالانبياء والاولياء والمؤمنون کلهم يعلمون الغيب بنص من الکتاب العزيز، ولکل منهم جزء مقسوم، غير أن علم هؤلاء کلهم بلغ ما بلغ محدود لا محالة کما وکيفا، وعارض ليس بذاتي، ومسبوق بعدمه ليس بأزلي، وله بدء ونهاية ليس بسرمدي، ومأخوذ من الله سبحانه وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو والنبي ووارث علمه في امته[1] يحتاجون في العمل والسير علي طبق علمهم بالغيب

[صفحه 54]

من البلايا، والمنايا، والقضايا، وإعلامهم الناس بشئ من ذلک، إلي أمر المولي سبحانه ورخصته، وإنما العلم، والعمل به، وإعلام الناس بذلک، مراحل ثلاث لا دخل لکل مرحلة بالاخري، ولا يستلزم العلم بالشئ وجوب العمل علي طبقه، ولا ضرورة ألاعلام به، ولکل منها جهات مقتضية ووجوه مانعة لابد من رعايتها، وليس کلما يعلم يعمل به، ولا کلما يعلم يقال.


صفحه 53، 54.








  1. أجمعت الامة الاسلامية علي أن وارث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في علمه هو أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليهماالسلام راجع الجزء الثالث من کتابنا ص 95 -101.