نصوص العامة حول المحدث











نصوص العامة حول المحدث



أخرج البخاري في صحيحه في باب مناقب عمر بن الخطاب ج 2 ص 194 عن أبي هريرة قال: قال النبي صلي الله عليه وسلم: لقد کان فيمن کان قبلکم من بني إسرائيل رجال يکلمون من غير أن يکونوا أنبياء، فإن يکن من امتي منهم أحد فعمر. قال إبن عباس رضي الله عنهما: من نبي ولا محدث.

قال القسطلاني:[1] ليس قوله «فإن يکن» للترديد بل للتأکيد کقولک: إن يکن لي صديق ففلان. إذ المراد إختصاصه بکمال الصداقة لا نفي الاصدقاء، وإذا ثبت ان هذا وجد في غير الامة المفضولة فوجوده في هذه الامة الفاضلة أحري. وقال في شرح قول إبن عباس «من نبي ولا محدث»: قد ثبت قول إبن عباس هذا لابي ذر وسقط لغيره ووصله سفيان بن عيينة في أواخر جامعه وعبد بن حميد بلفظ: کان إبن عباس يقرأ: وما أرسلنا من قبلک من رسول ولا نبي ولا محدث.

[صفحه 43]

وأخرج البخاري في صحيحه بعد حديث الغار ج 2 ص 171 عن أبي هريرة مرفوعا: انه قد کان فيما مضي قبلکم من الامم محدثون إن کان في امتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب.

قال القسطلاني في شرحه 5 ص 431: قال المؤلف: يجري علي ألسنتهم الصواب من غير نبوة. وقال الخطابي: يلقي الشئ في روعه، فکأنه قد حدث به يظن فيصيب ويخطر الشيئ بباله فيکون، وهي منزلة رفيعة من منازل الاولياء.

وقال في قوله «إن کان في امتي»: قاله صلي الله عليه وسلم علي سبيل التوقع وکأنه لم يکن إطلع[2] علي أن ذلک کائن وقد وقع، وقصة: يا سارية الجبل[3] مشهورة مع غيرها.

وأخرج مسلم في صحيحه في باب فضائل عمر عن عايشة عن النبي صلي الله عليه وسلم قد کان في الامم قبلکم محدثون، فإن يکن في امتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم. قال إبن وهب: تفسير محدثون: ملهمون

ورواه إبن الجوزي في «صفة الصفوة» 1 ص 104 وقال: حديث متفق عليه وأخرجه أبوجعفر الطحاوي في «مشکل الآثار» 2 ص 257 بطرق شتي عن عايشة وأبي هريرة، وأخرج قراءة ابن عباس: وما أرسلنا من قبلک من رسول ولا نبي ولا محدث. قال: معني قوله محدثون أي ملهمون، فکان عمر رضي الله عنه ينطق بما کان ينطق ملهما، ثم عد من ذلک ما قد روي عن أنس بن مالک قال قال عمر بن الخطاب: وافقني ربي أو وافقت ربي في ثلاث: قلت: يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلي. فنزلت: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلي. وقلت: يا رسول الله إن نساءک يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب. واجتمع علي رسول الله صلي الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة فقلت: عسي ربي إن طلقکن أن يبدله أزواجا خيرا منکن، فنزلت کذلک قال الاميني: إن کان هذا من القول بإلهام فعلي الاسلام السلام، وما أجهل القوم بالمناقب حتي أتوا بالطامات الکبري کهذه وعدوها فضيلة، وعليهم إن عقلوا

[صفحه 44]

صالحهم إنکار مثل هذا القول علي عمر، وفيه حط لمقام النبوة، ومسة علي کرامة صاحب الرسالة صلي الله عليه وآله.

قال النووي في شرح صحيح مسلم: اختلف تفسير العلماء للمراد بمحدثون فقال ابن وهب: ملهمون، وقيل: مصيبون إذا ظنوا فکأنهم حدثوا بشيئ فظنوه. وقيل: تکلمهم الملائکة، وجاء في رواية: مکلمون. وقال البخاري: يجري الصواب علي ألسنتهم وفيه إثبات کرامات الاولياء

وقال الحافظ محب الدين الطبري في «الرياض» 1 ص 199: ومعني محدثون والله أعلم أي يلهمون الصواب، ويجوز أن يحمل علي ظاهره وتحدثهم الملائکة لا بوحي وإنما بما يطلق عليه اسم حديث، وتلک فضيلة عظيمة.

وقال القرطبي في تفسيره ج 12 ص 79: قال إبن عطية: وجاء عن إبن عباس إنه کان يقرأ: وما أرسلنا من قبلک من رسول ولا نبي ولا محدث. ذکره مسلمة بن القاسم بن عبدالله ورواه سفيان عن عمرو بن دينار عن إبن عباس. قال مسلمة: فوجدنا المحدثين معتصمين بالنبوة- علي قراءة إبن عباس- لانهم تکلموا بامور عالية من أنباء الغيب خطرات، ونطقوا بالحکمة الباطنة، فأصابوا فيما تکلموا، وعصموا فيما نطقوا کعمر بن الخطاب في قصة سارية[4] وما تکلم به من البراهين العالية.

وأخرج الحافظ أبوزرعة حديث أبي هريرة في طرح التثريب في شرح التفريب 1 ص 88 بلفظ: لقد کان فيمن کان قبلکم من بني إسرائيل رجال مکلمون من غير أن يکونوا أنبياء فإن يکن في امتي أحد فعمر. وأخرجه البغوي في «المصابيح» 2 ص 270، والسيوطي في «الجامع الصغير»، وقال المناوي في شرح الجامع الصغير 4 ص 507: قال القرطبي: «محدثون» بفتح الدال اسم مفعول جمع محدث بالفتح أي ملهم أو صادق الظن، وهو من القي في نفسه شئ علي وجه الالهام والمکاشفة من

[صفحه 45]

الملا الاعلي، أو من يجري الصواب علي لسانه بلا قصد، أو تکلمه الملائکة بلا نبوة أو من إذا رأي رأيا أو ظن ظنا أصاب کأنه حدت به، والقي في روعه من عالم الملکوت فيظهر علي نحو ما وقع له، وهذه کرامة يکرم الله بها من شاء من صالح عباده، وهذه منزلة جليلة من منازل الاولياء.

فإن يکن من امتي منهم أحد فإنه عمر، کأنه جعله في انقطاع قرينة في ذلک کأنه نبي، فلذلک أتي بلفظ إن بصورة الترديد. قال القاضي: ونظير هذا التعليق في الدلالة علي التأکيد والاختصاص قولک: إن کان لي صديق فهو زيد، فإن قائله لا يريد به الشک في صداقته بل المبالغة في ان الصداقة مختصة به لا تتخطاه إلي غيره.

وقال القرطبي: قوله «فإن يکن» دليل علي قلة وقوعه وندرته، وعلي أنه ليس المراد بالمحدثين المصيبون فيما يظنون لانه کثير في العلماء بل وفي العوام من يقوي حدسه فتصح إصابته فترتفع خصوصية الخبر وخصوصية عمر، ومعني الخبر قد تحقق ووجد في عمر قطعا وإن کان النبي صلي الله عليه وآله لم يجزم بالوقوع، وقد دل علي وقوعه لعمر أشياء کثيرة کقصة: ألجبل يا سارية! الجبل. وغيره، وأصح ما يدل علي ذلک شهادة النبي صلي الله عليه وآله له بذلک حيث قال: إن الله جعل الحق علي لسان عمر وقلبه[5] .

قال ابن حجر: وقد کثر هؤلاء المحدثون بعد العصر الاول وحکمته زيادة شرف هذه الامة بوجود أمثالهم فيها ومضاهاة بني إسرائيل في کثرة الانبياء، فلما فات هذه الامة المحمدية کثرة الانبياء لکون نبيهم خاتم الانبياء عوضوا تکثير الملهمين.

تنبيه قال الغزالي: قال بعض العارفين سألت بعض الابدال عن مسألة من مشاهد النفس فالتفت إلي شماله وقال: ما تقول رحمک الله؟ ثم إلي يمينه کذلک، ثم أطرق إلي صدره فقال: ما تقول؟ ثم أجاب فسألته عن إلتفاته؟ فقال: لم يکن عندي علم فسألت الملکين فکل قال: لا أدري فسألت قلبي فحدثني بما أجبت فإذا هو أعلم منهما. قال الغزالي: وکأن هذا معني هذا الحديث. اه.

ويجد الباحث في طي کتب التراجم جمعا من کلمتهم الملائکة منهم: عمران بن

[صفحه 46]

الحصين الخزاعي المتوفي سنة 52، أخرج أبوعمر في «الاستيعاب» 2 ص 455: انه کان يري الحفظة وکانت تکلمه حتي اکتوي. وذکره إبن حجر في الاصابة 3 ص 26.

وقال إبن کثير في تاريخه 8 ص 60: قد کانت الملائکة تسلم عليه فلما اکتوي انقطع عنه سلامهم، ثم عادوا قبل موته بقليل، فکانوا يسلمون عليه رضي الله عنه. و في شذرات الذهب 1 ص 58: انه کان يسمع تسليم الملائکة عليه، ثم اکتوي بالنارفلم يسمعهم عاما، ثم أکرمه الله برد ذلک.

وذکر تسليم الملائکة عليه ألحافظ العراقي في «طرح التثريب» ج 1 ص 90، وأبوالحجاج المزي في «تهذيب الکمال» کما في تلخيصه ص 250، وقال إبن سعد وإبن الجوزي في «صفة الصفوة» 1 ص 283: کانت الملائکة تصافحه. وذکره إبن حجر في «تهذيب التهذيب» 8 ص 126.

ومنهم: أبوالمعالي الصالح المتوفي 427، أخرج الحافظان إبنا الجوزي وکثير أن ابا المعالي أصابته فاقة شديدة في شهر رمضان فعزم علي الذهاب إلي رجل من ذوي قرابته ليستقرض منه شيئا قال: فبينما أنا اريده فنزل طائر فجلس علي منکبي وقال: يا أبا المعالي أنا الملک الفلاني، لا تمضي إليه نحن نأتيک به. قال: فبکر إلي الرجل «صف 2 ص 280، ظم 9 ص 136، يه 12 ص 163».

م- وقال أبوسليمان الخطابي: قال النبي صلي الله عليه وسلم: «قد کان في الامم ناس محدثون، فإن يکن في امتي فعمر» وأنا أقول: فإن کان في هذا العصر أحد کان أبوعثمان المغربي «طب 113».

ومن هذا القبيل تکلم الحوراء مع أبي يحيي الناقد، أخرج الخطيب البغدادي وإبن الجوزي عن أبي يحيي زکريا بن يحيي الناقد المتوفي 285 «أحد أثبات المحدثين» قال اشتريت من الله حوراء بأربعة آلاف ختمة، فلما کان آخر ختمة سمعت الخطاب من الحوراء وهي تقول: وفيت بعهدک فها أنا التي قد اشتريتني[6] .


صفحه 43، 44، 45، 46.








  1. ارشاد الساري شرح صحيح البخاري 6 ص 99.
  2. انظر إلي التناقض بين قوله هذا وبين ما مر من أن إن للتأکيد لا للترديد.
  3. سيوافيک في مناقب عمر: ان قصة: يا سارية الجبل. موضوعة مکذوبة.
  4. هو سارية بن زنيم بن عبدالله وکان من؟ صته ان عمر رضي الله عنه أمره علي جيش وسيره إلي فارس سنة ثلاث وعشرين، فوقع في خاطر سيدنا عمر وهو يخطب يوم الجمعة أن الجيش المذکور لاقي العدو وهم في بطن واد وقد هموا بالهزيمة وبالقرب منهم جبل فقال في أثناء خطبته: يا سارية ألجبل ألجبل. ورفع صوته فالقاه الله في سمع سارية فانحاز بالناس إلي الجبل، وقاتلوا العدو من جانب واحد ففتح الله عليهم. کذا في هامش تفسير القرطبي.
  5. لم يصدق الخبر الخبر، بل: يکذبه التاريخ الصحيح وسيرة عمر المحفوظة في صفحات الکتب والمعاجم.
  6. طب 8 ص 362، ظم 6 ص 8، صف 2 ص 234، مناقب أحمد لابن الجوزي ص 510.