ترجمة شمس الدين محفوظ











ترجمة شمس الدين محفوظ



ألشيخ شمس الدين محفوظ بن وشاح بن محمد أبومحمد الحلي الاسدي. قطب من أقطاب الفقاهة، وطود راس للعلم والادب، کان متکئا علي أريکة الزعامة الدينية، ومرجعا في الفتوي، ومنتجعا لحل المشکلات، وکهفا تأوي إليه العفاة، والحکم الفاصل للدعاوي، ومن مشايخ الاجازة الراوين عن الشيخ نجم الدين المحقق الحلي المتوفي 667، ويروي عنه الحافظ المحقق کمال الدين علي بن الشيخ شرف الدين الحسين بن حماد الليثي الواسطي. ويروي عن شارح القصائد السبع العلويات لابن أبي الحديد بشرحه الموسوم بغرر الدلائل قال في أول الشرح: کنت قرأت هذه القصائد علي شيخي الامام العالم الفقيه المحقق شمس الدين أبي محمد محفوط بن وشاح قدس الله روحه وذلک بداره بالحلة في صفر من سنة ثمانين وستمائة، ورواها لي عن ناظمها وراقم علمها. قال الاميني: أحسب أن شارح القصائد هو صفي الدين محمد بن الحسن بن أبي الرضا العلوي البغدادي صاحب البائية في رثاء المترجم. والله العالم.

جرت بين شيخنا المترجم وبين شيخه المحقق الحلي مکاتبات منها ما ذکره شيخنا صاحب المعالم في إجازة الکبيرة[1] قال نقلا عن الشهيد الاول[2] انه کتب إلي الشيخ

[صفحه 440]

المحقق نجم الدين السعيد أبياتا من جملتها:


أغيب عنک وأشواقي تجاذبني
إلي لقائک جذب المغرم العاني


إلي لقاء حبيب شبه بدر دجي
وقد رماه بإعراض وهجران


ومنها: قلبي وشخصک مقرونان في قرن
عند انتباهي وعند النوم يغشاني


حللت عني حل الروح في جسدي
فأنت ذکري في سري وإعلاني


لولا المخافة من کره ومن ملل
لطال نحوک تردادي وإتياني


يا جعفر بن سعيد يا إمام هدي
يا أوحد الدهر يا من ماله ثاني


إني محبک مغري غير مکترث
لم يختلف أبدا في فضلک اثنان


ومنها: في قلبک العلم مخزون بأجمعه
تهدي به من ضلال کل حيران


وفوک فيه لسان حشوه حکم
تروي به بزلال کل ظمآن


وفخرک الراسخ الراسي وزنت به
رضوي فزاد علي رضوي وثهلان


وحسن أخلاقک اللاتي فضلت بها
کل البرية من قاص ومن دان


تغني عن المأثرات الباقيات ومن
يحصي جواهر أجبال وکثبان


يا من علا درج العلياء مرتقيا
أنت الکبير العظيم القدر والشأن


فأجابه المحقق بقوله:


لقد وافت قصائدک الغوالي
تهز معاطف اللفظ الرشيق


فضضت ختامهن فخلت أني
فضضت بهن عن مسک فتيق


وجال الطرف منها في رياض
کسين بناظر الزهر الانيق


فکم أبصرت من لفظ بديع
يدل به علي المعني الدقيق


وکم شاهدت من علم خفي
يقرب مطلب الفضل السحيق


شربت بها کؤسا من معاني
غنيت بشربهن عن الرحيق


ولکني حملت بها حقوقا
أخاف لنقلهن من العقوق


فسير يا أبا الفضائل بي رويدا
فلست أطيق کفران الحقوق

[صفحه 441]

وحمل ما اطيق به نهوضا
فإن الرفق أنسب بالصديق


فقد صيرتني لعلاک رقا
ببرک بل أرق من الرقيق


وکتب بعدها نثرا توجد جملة منه في الاجازات.

لم نقف علي تاريخي ولادة شيخنا شمس الدين ووفاته غير انا نقطع بحياته إلي سنة 680، وقد قرب العلامة السماوي وفاته سنة تسعين بعد الستمائة، وللباحث أن يقف علي مواقفه العظيمة في الفضايل بالقصائد التي رثاه بها أعلام عصره منها رثاء العلامة الحجة الفقيه الصالح صفي الدين محمد بن الحسن أبي الرضا العلوي البغدادي يقول في قصيدته:


مصاب أصاب القلب منه وجيب
وصابت لجفن العين فيه غروب


يعز علينا فقد مولي لفقده
غدت زهرة الايام وهي شحوب


وطاب له في الناس ذکر ومحتد
کما طاب منه مشهد ومغيب


ألا ليت شمس الدين بالشمس يقتدي
فيصبح فينا طالعا ويغيب


فمن ذا يحل المشکلات ومن إذا
رمي غرض المعني الدقيق تصيب


ومن يکشف الغماء عنا ومن له
نوال إذا ضن الغمام يصوب


فلا قام جنح الليل بعدک خاشع
ولا صام في حر الهجير منيب


ولو سال فوق الطرس من کف کاتب
يراع عن السمر الطوال ينوب


وبعدک لاسح الغمام ولا شدا
الحمام ولا هبت صبا وجنوب


ومنها قصيدة الفقيه الحجة الشيخ مهذب الدين محمود بن يحيي بن محمد الشيباني الحلي:


عز العزاء ولات حين عزاء
من بعد فرقة سيد الشعراء


ألعالم الحبر الامام المرتضي
علم الشريعة قدوة العلماء


أکذا المنون تهد أطواد الحجا
ويفيض منها بحر کل عطاء


ما للفتاوي لا يرد جوابها
ما للدعاوي غطيت بغطاء


ما ذاک إلا حين مات فقيهنا
شمس المعالي أوحد الفضلاء


ذهب الذي کنا نصول بعزه
ولسانه الماضي علي الاعداء

[صفحه 442]

من للفتاوي المشکلات يحلها
ويبينها بالکشف والامضاء


من للکلام يبين من أسراره
معني جلالة خالق الاشياء


من ذا لعلم النحو واللغة التي
جاءت غرائبها عن الفصحاء


ما خلت قبل يحط في قلب الثري
إن البدور تغيب في الغبراء


أيموت محفوظ وأبقي بعده؟
غدر لعمرک موته وبقائي


مولاي شمس الدين يا فخر العلا!
مالي انادي لا تجيب ندائي


ومنها: قصيدة العلامة المحقق الشيخ تقي الدين ابن داود الحلي أحد شعراء الغدير الآتي ذکره في القرن الثامن:


لک الله أي بناء تداعي
وقد کان فوق النجوم ارتفاعا


وأي علاء دعاه الخطوب
فلبي ولولا الردي ما أطاعا


وأي ضياء ثوي في الثري
وقد کان يخفي النجوم التماعا


لقد کان شمس الدين کاسمه
فأرخي الکسوف عليه قناعا


فوا أسفا أين ذاک اللسان
إذا رام معنا أجاب إتباعا


وتلک البحوث التي ما تمل
إذا مل صاحب بحث سماعا


فمن ذا يجيب سؤال الوفود
إذا عرضوا أو تعاطوا نزاعا


ومن لليتامي ولابن السبيل
إذا قصدوه عراة جياعا


ومن للوفاء وحفظ الاخاء
وراعي العهود إذا الغدر شاعا؟


سقي الله مضجعه رحمة
تروي ثراه وتأبي انقطاعا؟[3] .


وولد المترجم أبوعلي محمد الشهير بتاج الدين بن وشاح کان قاضي الحلة، ولصفي الدين الحلي الآتي ذکره في الجزء السادس قصيدة يرثيه بها توجد في ديوانه 256 مطلعها:


لو أفادتنا العزائم حالا
لم نجد حسن العزاء محالا


ويقول فيها:


أسد خلف شبلي عرين
شيدا مجدا له لن ينالا

[صفحه 443]

ظل زين الدين للدهر زينا
وجمال الدين فيها جمالا


فأرانا الله أقصي الاماني
فيهما إن جار دهر ومالا 49 بيتا


ولصفي الدين قصيدة اخري ذات 53 بيتا توجد في ديوانه ص 410 يعتذر بها إلي القاضي تاج الدين بن وشاح عن قيل فيه وعزوه إليه أولها:


حذرا عليک من الفعال الجافي
ادنيک مجتهدا إلي الانصاف


ويقول في آخرها:


شکرا لواش أوجبت أقواله
حجي لکعبة ربعکم وطوافي


بعد جنيت القرب من أغصانه
وسکينة حصلت من الارجاف


ولربما عوت الکلاب فأرشدت
نحو الکرام شوارد الاضياف


دع عنک ما اختلف الوري في نقله
عني وخذ مدحا بغير خلاف


مدحا أتاک ولا يروم إجازة
إلا المودة والضمير الصافي


ولآل محفوظ بقية صالحة في سوريا والعراق، وللاستاذ الحسين بن الشيخ علي ابن الشيخ محمد الجواد بن الشيخ موسي آل محفوظ الکاظمي رسالة في تراجم أعلام اسرته الکريمة، وتوجد ذکري عمد هذا البيت الرفيع في تکملة أمل الآمل لسيدنا الصدر الکاظمي، وفي وفيات الاعلام لشيخنا الرازي صاحب «الذريعة».

توجد في أمل الآمل وغيره ترجمة باسم سديد الدين سالم بن محفوظ بن عزيزة بن وشاح السوراني، قرأ عليه المحقق الحلي المتوفي 667، ويروي عنه السيد بن طاوس المتوفي 664، ووالد العلامة الحلي وقد ولد العلامة 648، واستظهر صاحب «روضات الجنات» في ص 301 انه ولد شاعرنا شمس الدين محفوظ وهذا الاستظهار ليس في محله لان المترجم نفسه أحد الرواة عن المحقق الحلي فکيف يکون سالم الذي قرأ عليه المحقق الحلي ابنه ثم طبقة الرواة عن سالم هي طبقة مشايخ شمس الدين المترجم فيستدعي ذلک أن يکون متقدما علي والده بطبقة غير طبقة والده.

ويويد ما ذکرناه أن ولد المترجم أبا علي محمدا تاج الدين بن محفوظ المترجم في أمل الآمل يروي عنه السيد تاج الدين ابن معية المتوفي 776، ورثاه صفي الدين المتوفي 752، فلو کان سالم أخاه لوجب أن يکون الرواة عنه من أهل هذه الطبقة لا قبلها بقرن.

[صفحه 444]


صفحه 440، 441، 442، 443، 444.








  1. توجد في اجازات البحار للعلامة المجلسي ص 100.
  2. شمس الدين محمد بن جمال مکي بن محمد العاملي النبطي الجزيني المستشهد سنة 786 توجد ترجمته وترجمة اولاده واحفاده في کتابنا شهداء الفضيلة ص 80 -98.
  3. راجع أمل الام د، بحار الانوار ج 25، مستدرک الوسائل، تتميم الامل لابن ابي شبانه، روضات الجنات.