ترجمة شمس الدين محفوظ
جرت بين شيخنا المترجم وبين شيخه المحقق الحلي مکاتبات منها ما ذکره شيخنا صاحب المعالم في إجازة الکبيرة[1] قال نقلا عن الشهيد الاول[2] انه کتب إلي الشيخ [صفحه 440] المحقق نجم الدين السعيد أبياتا من جملتها: أغيب عنک وأشواقي تجاذبني إلي لقاء حبيب شبه بدر دجي ومنها: قلبي وشخصک مقرونان في قرن حللت عني حل الروح في جسدي لولا المخافة من کره ومن ملل يا جعفر بن سعيد يا إمام هدي إني محبک مغري غير مکترث ومنها: في قلبک العلم مخزون بأجمعه وفوک فيه لسان حشوه حکم وفخرک الراسخ الراسي وزنت به وحسن أخلاقک اللاتي فضلت بها تغني عن المأثرات الباقيات ومن يا من علا درج العلياء مرتقيا فأجابه المحقق بقوله: لقد وافت قصائدک الغوالي فضضت ختامهن فخلت أني وجال الطرف منها في رياض فکم أبصرت من لفظ بديع وکم شاهدت من علم خفي شربت بها کؤسا من معاني ولکني حملت بها حقوقا فسير يا أبا الفضائل بي رويدا [صفحه 441] وحمل ما اطيق به نهوضا فقد صيرتني لعلاک رقا وکتب بعدها نثرا توجد جملة منه في الاجازات. لم نقف علي تاريخي ولادة شيخنا شمس الدين ووفاته غير انا نقطع بحياته إلي سنة 680، وقد قرب العلامة السماوي وفاته سنة تسعين بعد الستمائة، وللباحث أن يقف علي مواقفه العظيمة في الفضايل بالقصائد التي رثاه بها أعلام عصره منها رثاء العلامة الحجة الفقيه الصالح صفي الدين محمد بن الحسن أبي الرضا العلوي البغدادي يقول في قصيدته: مصاب أصاب القلب منه وجيب يعز علينا فقد مولي لفقده وطاب له في الناس ذکر ومحتد ألا ليت شمس الدين بالشمس يقتدي فمن ذا يحل المشکلات ومن إذا ومن يکشف الغماء عنا ومن له فلا قام جنح الليل بعدک خاشع ولو سال فوق الطرس من کف کاتب وبعدک لاسح الغمام ولا شدا ومنها قصيدة الفقيه الحجة الشيخ مهذب الدين محمود بن يحيي بن محمد الشيباني الحلي: عز العزاء ولات حين عزاء ألعالم الحبر الامام المرتضي أکذا المنون تهد أطواد الحجا ما للفتاوي لا يرد جوابها ما ذاک إلا حين مات فقيهنا ذهب الذي کنا نصول بعزه [صفحه 442] من للفتاوي المشکلات يحلها من للکلام يبين من أسراره من ذا لعلم النحو واللغة التي ما خلت قبل يحط في قلب الثري أيموت محفوظ وأبقي بعده؟ مولاي شمس الدين يا فخر العلا! ومنها: قصيدة العلامة المحقق الشيخ تقي الدين ابن داود الحلي أحد شعراء الغدير الآتي ذکره في القرن الثامن: لک الله أي بناء تداعي وأي علاء دعاه الخطوب وأي ضياء ثوي في الثري لقد کان شمس الدين کاسمه فوا أسفا أين ذاک اللسان وتلک البحوث التي ما تمل فمن ذا يجيب سؤال الوفود ومن لليتامي ولابن السبيل ومن للوفاء وحفظ الاخاء سقي الله مضجعه رحمة وولد المترجم أبوعلي محمد الشهير بتاج الدين بن وشاح کان قاضي الحلة، ولصفي الدين الحلي الآتي ذکره في الجزء السادس قصيدة يرثيه بها توجد في ديوانه 256 مطلعها: لو أفادتنا العزائم حالا ويقول فيها: أسد خلف شبلي عرين [صفحه 443] ظل زين الدين للدهر زينا فأرانا الله أقصي الاماني ولصفي الدين قصيدة اخري ذات 53 بيتا توجد في ديوانه ص 410 يعتذر بها إلي القاضي تاج الدين بن وشاح عن قيل فيه وعزوه إليه أولها: حذرا عليک من الفعال الجافي ويقول في آخرها: شکرا لواش أوجبت أقواله بعد جنيت القرب من أغصانه ولربما عوت الکلاب فأرشدت دع عنک ما اختلف الوري في نقله مدحا أتاک ولا يروم إجازة ولآل محفوظ بقية صالحة في سوريا والعراق، وللاستاذ الحسين بن الشيخ علي ابن الشيخ محمد الجواد بن الشيخ موسي آل محفوظ الکاظمي رسالة في تراجم أعلام اسرته الکريمة، وتوجد ذکري عمد هذا البيت الرفيع في تکملة أمل الآمل لسيدنا الصدر الکاظمي، وفي وفيات الاعلام لشيخنا الرازي صاحب «الذريعة». توجد في أمل الآمل وغيره ترجمة باسم سديد الدين سالم بن محفوظ بن عزيزة بن وشاح السوراني، قرأ عليه المحقق الحلي المتوفي 667، ويروي عنه السيد بن طاوس المتوفي 664، ووالد العلامة الحلي وقد ولد العلامة 648، واستظهر صاحب «روضات الجنات» في ص 301 انه ولد شاعرنا شمس الدين محفوظ وهذا الاستظهار ليس في محله لان المترجم نفسه أحد الرواة عن المحقق الحلي فکيف يکون سالم الذي قرأ عليه المحقق الحلي ابنه ثم طبقة الرواة عن سالم هي طبقة مشايخ شمس الدين المترجم فيستدعي ذلک أن يکون متقدما علي والده بطبقة غير طبقة والده. ويويد ما ذکرناه أن ولد المترجم أبا علي محمدا تاج الدين بن محفوظ المترجم في أمل الآمل يروي عنه السيد تاج الدين ابن معية المتوفي 776، ورثاه صفي الدين المتوفي 752، فلو کان سالم أخاه لوجب أن يکون الرواة عنه من أهل هذه الطبقة لا قبلها بقرن. [صفحه 444]
ألشيخ شمس الدين محفوظ بن وشاح بن محمد أبومحمد الحلي الاسدي. قطب من أقطاب الفقاهة، وطود راس للعلم والادب، کان متکئا علي أريکة الزعامة الدينية، ومرجعا في الفتوي، ومنتجعا لحل المشکلات، وکهفا تأوي إليه العفاة، والحکم الفاصل للدعاوي، ومن مشايخ الاجازة الراوين عن الشيخ نجم الدين المحقق الحلي المتوفي 667، ويروي عنه الحافظ المحقق کمال الدين علي بن الشيخ شرف الدين الحسين بن حماد الليثي الواسطي. ويروي عن شارح القصائد السبع العلويات لابن أبي الحديد بشرحه الموسوم بغرر الدلائل قال في أول الشرح: کنت قرأت هذه القصائد علي شيخي الامام العالم الفقيه المحقق شمس الدين أبي محمد محفوط بن وشاح قدس الله روحه وذلک بداره بالحلة في صفر من سنة ثمانين وستمائة، ورواها لي عن ناظمها وراقم علمها. قال الاميني: أحسب أن شارح القصائد هو صفي الدين محمد بن الحسن بن أبي الرضا العلوي البغدادي صاحب البائية في رثاء المترجم. والله العالم.
إلي لقائک جذب المغرم العاني
وقد رماه بإعراض وهجران
عند انتباهي وعند النوم يغشاني
فأنت ذکري في سري وإعلاني
لطال نحوک تردادي وإتياني
يا أوحد الدهر يا من ماله ثاني
لم يختلف أبدا في فضلک اثنان
تهدي به من ضلال کل حيران
تروي به بزلال کل ظمآن
رضوي فزاد علي رضوي وثهلان
کل البرية من قاص ومن دان
يحصي جواهر أجبال وکثبان
أنت الکبير العظيم القدر والشأن
تهز معاطف اللفظ الرشيق
فضضت بهن عن مسک فتيق
کسين بناظر الزهر الانيق
يدل به علي المعني الدقيق
يقرب مطلب الفضل السحيق
غنيت بشربهن عن الرحيق
أخاف لنقلهن من العقوق
فلست أطيق کفران الحقوق
فإن الرفق أنسب بالصديق
ببرک بل أرق من الرقيق
وصابت لجفن العين فيه غروب
غدت زهرة الايام وهي شحوب
کما طاب منه مشهد ومغيب
فيصبح فينا طالعا ويغيب
رمي غرض المعني الدقيق تصيب
نوال إذا ضن الغمام يصوب
ولا صام في حر الهجير منيب
يراع عن السمر الطوال ينوب
الحمام ولا هبت صبا وجنوب
من بعد فرقة سيد الشعراء
علم الشريعة قدوة العلماء
ويفيض منها بحر کل عطاء
ما للدعاوي غطيت بغطاء
شمس المعالي أوحد الفضلاء
ولسانه الماضي علي الاعداء
ويبينها بالکشف والامضاء
معني جلالة خالق الاشياء
جاءت غرائبها عن الفصحاء
إن البدور تغيب في الغبراء
غدر لعمرک موته وبقائي
مالي انادي لا تجيب ندائي
وقد کان فوق النجوم ارتفاعا
فلبي ولولا الردي ما أطاعا
وقد کان يخفي النجوم التماعا
فأرخي الکسوف عليه قناعا
إذا رام معنا أجاب إتباعا
إذا مل صاحب بحث سماعا
إذا عرضوا أو تعاطوا نزاعا
إذا قصدوه عراة جياعا
وراعي العهود إذا الغدر شاعا؟
تروي ثراه وتأبي انقطاعا؟[3] .
لم نجد حسن العزاء محالا
شيدا مجدا له لن ينالا
وجمال الدين فيها جمالا
فيهما إن جار دهر ومالا 49 بيتا
ادنيک مجتهدا إلي الانصاف
حجي لکعبة ربعکم وطوافي
وسکينة حصلت من الارجاف
نحو الکرام شوارد الاضياف
عني وخذ مدحا بغير خلاف
إلا المودة والضمير الصافي
صفحه 440، 441، 442، 443، 444.