ترجمة قطب الدين الأقساسي











ترجمة قطب الدين الأقساسي



وخلف علم الدين ولده قطب الدين أبا عبدالله الحسين نقيب نقباء العلويين في بغداد، وکان عالما شاعرا مطلعا علي السير والتواريخ قلد النقابة بعد عزل قوام الدين «أبي علي الحسن بن معد المتوفي 636» عن النقابة سنة 624.

[صفحه 9]

وفي الحوادث الجامعة ص 220: توفي فيها «يعني سنة 645» النقيب قطب الدين أبوعبدالله الحسين بن الحسن بن علي المعروف بابن الاقساسي العلوي ببغداد، وکان أديبا فاضلا يقول شعرا جيدا، بدرت منه کلمة في أيام الخليفة الناصر علي وجه التصحيف وهي:- أردنا خليفة جديد- فبلغت الناصر فقال: لا يکفي حلقة لکن حلقتين، وأمر بتقييده وحمله إلي الکوفة فحمل وسجن فيها فلم يزل محبوسا إلي أن استخلف الظاهر «سنة 623» فأمر باطلاقه، فلما استخلف المستنصر بالله «624» رفق عليه فقربه وأدناه ورتبه نقيبا وجعله من ندمائه ، وکان ظريفا خليعا طيب الفکاهة حاضر الجواب.

وصل الملک الناصر ناصر الدين داود بن عيسي في المحرم سنة 633 إلي بغداد واجتاز بالحلة السيفية وبها الامير شرف الدين علي، ثم توجه منها إلي بغداد فخرج إلي لقائه النقيب الطاهر قطب الدين أبوعبدالله الحسين إبن الاقساسي، وفي سلخ ربيع الاول من السنة المذکورة وصل الامير رکن الدين إسماعيل صاحب الموصل إلي بغداد وخرج إلي لقائه النقيب الحسين بن الاقساسي وخادمان من خدم الخليفة.

قصد الخليفة المستنصر بالله سنة 634 مشهد الامام موسي بن جعفر عليهماالسلام في ثالث رجب فلما عاد أبرز ثلاثة آلاف دينار إلي أبي عبدالله بن الحسين الاقساسي نقيب الطالبيين وأمره أن يفرقها علي العلويين المقيمين في مشهد أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب والحسين وموسي بن جعفر عليهم السلام[1] .

حضر في سنة 637[2] ألامير سليمان بن نظام الملک متولي المدرسة النظامية مجلس أبي الفرج عبدالرحمن بن الجوزي بباب بدر، فتاب وتواجد وخرق ثيابه و کشف رأسه، وقام وأشهد الواعظ والجماعة علي انه قد أعتق جميع ما يمکه من رقيق، ووقف أملاکه، وخرج ما يملکه، فکتب إليه النقيب الطاهر أبوعبدالله الحسين إبن الاقساسي أبياتا طويلة يقول فيها:[3] .


يا ابن نظام الملک يا خير من
تاب ومن لاقي به الزهد

[صفحه 10]

يا ابن وزير الدولتين الذي
يروح للمجد کما يغدو


يا بن الذي أنشأ من ماله
مدرسة طالعها سعد


قد سرني زهدک عن کل ما
يرغب فيه الحر والعبد


بان لک الحق وأبصرت ما
أعيننا عن مثله رمد


وقلت للدنيا: إليک ارجعي
ما عن نزوعي عنک لي بد


ما لذلي بعدک حتي استوي
في في منک الصاب والشهد


شيمتک الغدر کما شيمتي
حسن الوفاء المحض والود


إلي أن قال:


لا يقصد الناس إلي دورهم
لکن إلي منزلک القصد


وخدمة الناس لها حرمة
وکان ما تفعله يبدو


والناس قد کانوا رقودا وقد
أيقظتهم فانتبه الضد


وقسمت فيک ظنون الوري
وکلهم للقول يعتد


فبعضهم قال: يدوم الفتي
وبعضهم قد قال: يرتد


وقد أتي تشرين وهو الذي
إليه عين العيش تمتد


ما يسکن البيت وقد جاءه
إلا مريض مسه الجهد


وکل ما يفعله حيلة
منه ونصب ماله حد


فقلت: لا والله ما رأيه
هذا ولا فيکم له ند


وإنما هذا سليمان قد
صفا له في زهده الورد


مثل سليمان الذي أعرضت
يوما عليه الضمر الجرد


فعاف أن يدخلها قلبه
والهزل لا يشبهه الجد


ويقول فيها:


ليهنک الرشد إلي کل ما
يضل عنه الجاهل الوغد


أسقطت من جيش أبي مرة[4] .
وأکثر الناس له جند


وقمت لله بما يرتجي
بمثله الجنة والخلد

[صفحه 11]

فاصبر فما يدرک غايات ما
يطلب إلا الحازم الجلد


وفي سنة (643)[5] تقدم الخليفة (المستعصم أبوأحمد عبدالله) بارسال طيور من الحمام إلي أربع جهات لتصنيف أربعة أصناف منها مشهد حذيفة بن اليمان بالمداين، ومشهد العسکري بسر من رأي، ومشهد غني بالکوفة، والقادسية، ونفذ مع کل عدة من الطيور عدلان ووکيلا، وکتب بذلک سجل شهد فيه العدول علي القاضي بثبوته عنده، وسميت هذه الاصناف باليمانيات. والعسکريات. والغنويات. و القادسيات. ونظم النقيب الطاهر قطب الدين الحسين بن الاقساسي في ذلک أبياتا و عرضها علي الخليفة أولها:


خليفة الله يا من سيف عزمته
موکل بصروف الدهر يصرفها


ويقول فيها:


إن الحمام التي صنفتها شرفت
علي الحمام التي من قبل نعرفها


والقادسيات أطيار مقدسة
إذ أنت يا مالک الدنيا مصنفها


وبعدها غنويات تنال بها
غني الحياة وما يهوي مؤلفها


والعسکريات أطيار مشرفة
وليس غيرک في الدنيا يشرفها


ثم الحمام اليمانيات ما جعلت
إلا سيوفا علي الاعداء ترهفها


لازلت مستعصما بالله في نعم
يهدي لمجدک أسناها وألطفها


ثم سأل أن يقبض منها من يد الخليفة فأجاب سؤاله وأحضره بين يديه وقبضه فلما عاد إلي داره نظم أبياتا أولها:


إمام الهدي أوليتني منک أنعما
رددن علي العيش فينان أخضرا


وأحضرتني في حضرة القدس ناظرا
إلي خير خلق الله نفسا وعنصرا


وعليت قدري بالحمام وقبضها
مناولة من کف أبلج أزهرا


رفعت بها ذکري وأعليت منصبي
فحزت بها عزا ومجدا علي الوري


حمام إذا خفت الحمام ذکرتها
فصرت بذاک الذکر منها معمرا


ويقول في آخرها:

[صفحه 12]

قضي الله أن يبقي إماما معظما
مدي الدهر مالاح الصباح وأسفرا


فدم يا أميرالمؤمنين مخلدا
علي الملک منصور الجيوش مظفرا


في المحرم من سنة 630[6] قلد العدل مجد الدين أبوالقاسم هبة الدين بن المنصوري الخطيب نقابة نقباء العباسيين والصلاة والخطابة، وخلع عليه قميص أطلس بطراز مذهبا ودراعة خارا أسود، وعمامة ثوب خارا أسود مذهب بغير ذوابة، وطيلسان قصب کحلي، وسيف محلي بالذهب، وامتطي فرسا بمرکب ذهبا وقرئ بعض عهده في دار الوزارة وسلم إليه، ورکب في جماعة إلي دار أنعم عليه بسکناها في المطبق من دار الخلافة وأنعم عليه بخمسمائة دينار، وهو من أعيان عدول مدينةالسلام وأفاضل أرباب الطريقة المتکلمين بلسان أهل الحقيقة، کان يصحب الفقراء دائما ويأخذ نفسه بالرياضة والسياحة والصوم الدائم والتخشن والتباعد من العالم، وکان الموفق عبد الغافر ابن الفوطي من جملة تلامذته فعمل فيه أبياتا طويلة، ولما انتهي حالها إلي الديوان أنکر ذلک عليه ووکل به أياما ولم يخرج إلا بشفاعته وأول الابيات:


ناديت شيخي من شدة الحرب
وشيخنا في الحرير والذهب


في دسته جالسا ببسملة
بين يديه من قام في أدب


ورکبة منه کنت أعهده
يذم أربابها علي الرتب


وکان أبناؤها لديه علي
سخط من الله شامل الغضب


أصاب في الرأي من دعاک لها
وأنت لما أجبت لم تسب


أول صوت دعاک عن عرض
لبيته مقبلا علي السبب


ويقول فيها:


قد کنت ذاک الذي تظن به
لو لم تکن مسرعا إلي الرتب


شيخي أين الذي يعلمنا الز
هد ويعتده من القرب؟


أين الذي لم يزل يسلکنا
إلي خروج عن کل مکتسب؟


أين الذي لم يزل يعرفنا
فضل التمري بالجوع والتعب؟


ومنها:

[صفحه 13]

أين الذي لم يزل يرغبنا
في الصوف لبساله وفي الجشب؟


وأين من غرنا بزخرفة
متي اعتقدناه زاهد العرب؟


وأي ذاک التجريد يشعرنا
إن سواه في السعي لم يخب؟


وأين من لم يزل يذم لنا
الدنيا وقول المحال والکذب؟


وأين من لم يزل بأدمعه
يخدعنا باکيا علي الخشب؟


وأين من کان في مواعظه
يصول زجرا عن کل مجتنب؟


ويقطع القول لا يتممه
منغلبا بالسماع والطرب؟


ويقسم الغمر انه رجل
ليس له في الوجود من أرب


لو کانت الارض کلها ذهبا
أعرض عنها إعراض مکتئب أسفر


أسفر ذاک الناموس مختيلا
عن راغب في التراث مستلب


وکان ذاک الصراخ يزعجنا
شکوي فقير علي الدنا وصب


شيخي بعد الذم الصريح لما
أبيته جئته علي طلب


نسيت ما قلته علي ورع
عني لما اکتسبت بالدأب


ويل له إن يمت بخدمته
يمت کفورا وليس بالعجب


ما کان مال السلطان مکتسبا
لمسلم سالم من العطب[7] .

فکتب النقيب قطب الدين الحسين بن الاقساسي إلي النقيب مجد الدين المذکور أبياتا کالمعتذر عنه والمسلي له يقول في أولها:


إن صاحب النبي کلهم
غير علي وآله النجب


مالوا إلي الملک بعد زهدهم
واضطربوا بعده علي الرتب


وکلهم کان زاهدا ورعا
مشجعا في الکلام والخطب


فأخذ عليه مآخذ فيما يرجع إلي ذکر الصحابة والتابعين وتصدي له جماعة وعملوا قصايد في الرد عليه، وبالغوا في التشنيع عليه، حتي ان قوما استفتوا عليه الفقهاء ونسبوه إلي انه طعن في الصحابة والتابعين ونسبهم إلي قلة الدين فأفتاهم الفقهاء بموجب ما صدرت به الفتيا.

[صفحه 14]

وقال إبن أبي الحديد في شرح «نهج البلاغة» ج 2 ص 45: سألت بعض من أثق به من عقلاء شيوخ أهل الکوفة عما ذکره الخطيب أبوبکر في تاريخه (ج 1 ص 138) إن قوما يقولون: إن هذا القبر الذي تزوره الشيعة إلي جانب الغري هو قبر المغيرة بن شعبة؟ فقال: غلطوا في ذلک قبر المغيرة وقبر زياد بالثوية من أرض الکوفة ونحن نعرفهما وننقل ذلک عن آبائنا وأجدادنا وأنشدني قول الشاعر يرثي زيادا وقد ذکره أبوتمام في الحماسة.


صلي الآله علي قبر وطهره
عند الثوية يسفي فوقه المور[8] .


زفت اليه قريش نعش سيدها
فالحلم والجود فيه اليوم مقبور


أبا المغيرة والدنيا مفجعة
وان من غره الدنيا لمغرور


إلخ

وسألت قطب الدين نقيب الطالبيين أبا عبدالله الحسين بن الاقساسي رحمه الله تعالي عن ذلک فقال: صدق من أخبرک، نحن وأهلها کافة نعرف مقابر ثقيف إلي الثوية وهي إلي اليوم معروفة وقبر المغيرة فيها إلا أنها لا تعرف قد ابتلعها السبخ وزبد الارض وفورانها فطمست واختلط بعضها ببعض، ثم قال: إن شئت أن تتحقق أن قبر المغيرة في مقابر ثقيف فانظر إلي کتاب «الاغاني» لابي الفرج علي بن الحسين، والمح ما قاله في ترجمة المغيرة وأنه مدفون في مقابر ثقيف، ويکفيک قول أبي الفرج فإنه الناقد البصير والطبيب الخبير فتصفحت ترجمة المغيرة في الکتاب المذکور فوجدت الامر کما قاله النقيب.

توجد ترجمة قطب الدين الاقساسي في تاريخ إبن کثير 13 ص 173، قد أثني عليه وقال: أورد له إبن الساعي أشعارا کثيرة رحمه الله.


صفحه 9، 10، 11، 12، 13، 14.








  1. الحوادث الجامعة 79 -77 ملخصا.
  2. الحوادث الجامعة ص 95.
  3. الحوادث الجامعة ص 124.
  4. أبومرة کنية لابليس.
  5. الحوادث الجامعة 203.
  6. الحوادث الجامعة ص 38.
  7. بعد هذا البيت أربعة عشر بيتا ضربنا عنها صغحا.
  8. المور: التراب تثيره الريح.