ترجمة قطب الدين الأقساسي
[صفحه 9] وفي الحوادث الجامعة ص 220: توفي فيها «يعني سنة 645» النقيب قطب الدين أبوعبدالله الحسين بن الحسن بن علي المعروف بابن الاقساسي العلوي ببغداد، وکان أديبا فاضلا يقول شعرا جيدا، بدرت منه کلمة في أيام الخليفة الناصر علي وجه التصحيف وهي:- أردنا خليفة جديد- فبلغت الناصر فقال: لا يکفي حلقة لکن حلقتين، وأمر بتقييده وحمله إلي الکوفة فحمل وسجن فيها فلم يزل محبوسا إلي أن استخلف الظاهر «سنة 623» فأمر باطلاقه، فلما استخلف المستنصر بالله «624» رفق عليه فقربه وأدناه ورتبه نقيبا وجعله من ندمائه ، وکان ظريفا خليعا طيب الفکاهة حاضر الجواب. وصل الملک الناصر ناصر الدين داود بن عيسي في المحرم سنة 633 إلي بغداد واجتاز بالحلة السيفية وبها الامير شرف الدين علي، ثم توجه منها إلي بغداد فخرج إلي لقائه النقيب الطاهر قطب الدين أبوعبدالله الحسين إبن الاقساسي، وفي سلخ ربيع الاول من السنة المذکورة وصل الامير رکن الدين إسماعيل صاحب الموصل إلي بغداد وخرج إلي لقائه النقيب الحسين بن الاقساسي وخادمان من خدم الخليفة. قصد الخليفة المستنصر بالله سنة 634 مشهد الامام موسي بن جعفر عليهماالسلام في ثالث رجب فلما عاد أبرز ثلاثة آلاف دينار إلي أبي عبدالله بن الحسين الاقساسي نقيب الطالبيين وأمره أن يفرقها علي العلويين المقيمين في مشهد أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب والحسين وموسي بن جعفر عليهم السلام[1] . حضر في سنة 637[2] ألامير سليمان بن نظام الملک متولي المدرسة النظامية مجلس أبي الفرج عبدالرحمن بن الجوزي بباب بدر، فتاب وتواجد وخرق ثيابه و کشف رأسه، وقام وأشهد الواعظ والجماعة علي انه قد أعتق جميع ما يمکه من رقيق، ووقف أملاکه، وخرج ما يملکه، فکتب إليه النقيب الطاهر أبوعبدالله الحسين إبن الاقساسي أبياتا طويلة يقول فيها:[3] . يا ابن نظام الملک يا خير من [صفحه 10] يا ابن وزير الدولتين الذي يا بن الذي أنشأ من ماله قد سرني زهدک عن کل ما بان لک الحق وأبصرت ما وقلت للدنيا: إليک ارجعي ما لذلي بعدک حتي استوي شيمتک الغدر کما شيمتي إلي أن قال: لا يقصد الناس إلي دورهم وخدمة الناس لها حرمة والناس قد کانوا رقودا وقد وقسمت فيک ظنون الوري فبعضهم قال: يدوم الفتي وقد أتي تشرين وهو الذي ما يسکن البيت وقد جاءه وکل ما يفعله حيلة فقلت: لا والله ما رأيه وإنما هذا سليمان قد مثل سليمان الذي أعرضت فعاف أن يدخلها قلبه ويقول فيها: ليهنک الرشد إلي کل ما أسقطت من جيش أبي مرة[4] . وقمت لله بما يرتجي [صفحه 11] فاصبر فما يدرک غايات ما وفي سنة (643)[5] تقدم الخليفة (المستعصم أبوأحمد عبدالله) بارسال طيور من الحمام إلي أربع جهات لتصنيف أربعة أصناف منها مشهد حذيفة بن اليمان بالمداين، ومشهد العسکري بسر من رأي، ومشهد غني بالکوفة، والقادسية، ونفذ مع کل عدة من الطيور عدلان ووکيلا، وکتب بذلک سجل شهد فيه العدول علي القاضي بثبوته عنده، وسميت هذه الاصناف باليمانيات. والعسکريات. والغنويات. و القادسيات. ونظم النقيب الطاهر قطب الدين الحسين بن الاقساسي في ذلک أبياتا و عرضها علي الخليفة أولها: خليفة الله يا من سيف عزمته ويقول فيها: إن الحمام التي صنفتها شرفت والقادسيات أطيار مقدسة وبعدها غنويات تنال بها والعسکريات أطيار مشرفة ثم الحمام اليمانيات ما جعلت لازلت مستعصما بالله في نعم ثم سأل أن يقبض منها من يد الخليفة فأجاب سؤاله وأحضره بين يديه وقبضه فلما عاد إلي داره نظم أبياتا أولها: إمام الهدي أوليتني منک أنعما وأحضرتني في حضرة القدس ناظرا وعليت قدري بالحمام وقبضها رفعت بها ذکري وأعليت منصبي حمام إذا خفت الحمام ذکرتها ويقول في آخرها: [صفحه 12] قضي الله أن يبقي إماما معظما فدم يا أميرالمؤمنين مخلدا في المحرم من سنة 630[6] قلد العدل مجد الدين أبوالقاسم هبة الدين بن المنصوري الخطيب نقابة نقباء العباسيين والصلاة والخطابة، وخلع عليه قميص أطلس بطراز مذهبا ودراعة خارا أسود، وعمامة ثوب خارا أسود مذهب بغير ذوابة، وطيلسان قصب کحلي، وسيف محلي بالذهب، وامتطي فرسا بمرکب ذهبا وقرئ بعض عهده في دار الوزارة وسلم إليه، ورکب في جماعة إلي دار أنعم عليه بسکناها في المطبق من دار الخلافة وأنعم عليه بخمسمائة دينار، وهو من أعيان عدول مدينةالسلام وأفاضل أرباب الطريقة المتکلمين بلسان أهل الحقيقة، کان يصحب الفقراء دائما ويأخذ نفسه بالرياضة والسياحة والصوم الدائم والتخشن والتباعد من العالم، وکان الموفق عبد الغافر ابن الفوطي من جملة تلامذته فعمل فيه أبياتا طويلة، ولما انتهي حالها إلي الديوان أنکر ذلک عليه ووکل به أياما ولم يخرج إلا بشفاعته وأول الابيات: ناديت شيخي من شدة الحرب في دسته جالسا ببسملة ورکبة منه کنت أعهده وکان أبناؤها لديه علي أصاب في الرأي من دعاک لها أول صوت دعاک عن عرض ويقول فيها: قد کنت ذاک الذي تظن به شيخي أين الذي يعلمنا الز أين الذي لم يزل يسلکنا أين الذي لم يزل يعرفنا ومنها: [صفحه 13] أين الذي لم يزل يرغبنا وأين من غرنا بزخرفة وأي ذاک التجريد يشعرنا وأين من لم يزل يذم لنا وأين من لم يزل بأدمعه وأين من کان في مواعظه ويقطع القول لا يتممه ويقسم الغمر انه رجل لو کانت الارض کلها ذهبا أسفر ذاک الناموس مختيلا وکان ذاک الصراخ يزعجنا شيخي بعد الذم الصريح لما نسيت ما قلته علي ورع ويل له إن يمت بخدمته ما کان مال السلطان مکتسبا فکتب النقيب قطب الدين الحسين بن الاقساسي إلي النقيب مجد الدين المذکور أبياتا کالمعتذر عنه والمسلي له يقول في أولها: إن صاحب النبي کلهم مالوا إلي الملک بعد زهدهم وکلهم کان زاهدا ورعا فأخذ عليه مآخذ فيما يرجع إلي ذکر الصحابة والتابعين وتصدي له جماعة وعملوا قصايد في الرد عليه، وبالغوا في التشنيع عليه، حتي ان قوما استفتوا عليه الفقهاء ونسبوه إلي انه طعن في الصحابة والتابعين ونسبهم إلي قلة الدين فأفتاهم الفقهاء بموجب ما صدرت به الفتيا. [صفحه 14] وقال إبن أبي الحديد في شرح «نهج البلاغة» ج 2 ص 45: سألت بعض من أثق به من عقلاء شيوخ أهل الکوفة عما ذکره الخطيب أبوبکر في تاريخه (ج 1 ص 138) إن قوما يقولون: إن هذا القبر الذي تزوره الشيعة إلي جانب الغري هو قبر المغيرة بن شعبة؟ فقال: غلطوا في ذلک قبر المغيرة وقبر زياد بالثوية من أرض الکوفة ونحن نعرفهما وننقل ذلک عن آبائنا وأجدادنا وأنشدني قول الشاعر يرثي زيادا وقد ذکره أبوتمام في الحماسة. صلي الآله علي قبر وطهره زفت اليه قريش نعش سيدها أبا المغيرة والدنيا مفجعة إلخ وسألت قطب الدين نقيب الطالبيين أبا عبدالله الحسين بن الاقساسي رحمه الله تعالي عن ذلک فقال: صدق من أخبرک، نحن وأهلها کافة نعرف مقابر ثقيف إلي الثوية وهي إلي اليوم معروفة وقبر المغيرة فيها إلا أنها لا تعرف قد ابتلعها السبخ وزبد الارض وفورانها فطمست واختلط بعضها ببعض، ثم قال: إن شئت أن تتحقق أن قبر المغيرة في مقابر ثقيف فانظر إلي کتاب «الاغاني» لابي الفرج علي بن الحسين، والمح ما قاله في ترجمة المغيرة وأنه مدفون في مقابر ثقيف، ويکفيک قول أبي الفرج فإنه الناقد البصير والطبيب الخبير فتصفحت ترجمة المغيرة في الکتاب المذکور فوجدت الامر کما قاله النقيب. توجد ترجمة قطب الدين الاقساسي في تاريخ إبن کثير 13 ص 173، قد أثني عليه وقال: أورد له إبن الساعي أشعارا کثيرة رحمه الله.
وخلف علم الدين ولده قطب الدين أبا عبدالله الحسين نقيب نقباء العلويين في بغداد، وکان عالما شاعرا مطلعا علي السير والتواريخ قلد النقابة بعد عزل قوام الدين «أبي علي الحسن بن معد المتوفي 636» عن النقابة سنة 624.
تاب ومن لاقي به الزهد
يروح للمجد کما يغدو
مدرسة طالعها سعد
يرغب فيه الحر والعبد
أعيننا عن مثله رمد
ما عن نزوعي عنک لي بد
في في منک الصاب والشهد
حسن الوفاء المحض والود
لکن إلي منزلک القصد
وکان ما تفعله يبدو
أيقظتهم فانتبه الضد
وکلهم للقول يعتد
وبعضهم قد قال: يرتد
إليه عين العيش تمتد
إلا مريض مسه الجهد
منه ونصب ماله حد
هذا ولا فيکم له ند
صفا له في زهده الورد
يوما عليه الضمر الجرد
والهزل لا يشبهه الجد
يضل عنه الجاهل الوغد
وأکثر الناس له جند
بمثله الجنة والخلد
يطلب إلا الحازم الجلد
موکل بصروف الدهر يصرفها
علي الحمام التي من قبل نعرفها
إذ أنت يا مالک الدنيا مصنفها
غني الحياة وما يهوي مؤلفها
وليس غيرک في الدنيا يشرفها
إلا سيوفا علي الاعداء ترهفها
يهدي لمجدک أسناها وألطفها
رددن علي العيش فينان أخضرا
إلي خير خلق الله نفسا وعنصرا
مناولة من کف أبلج أزهرا
فحزت بها عزا ومجدا علي الوري
فصرت بذاک الذکر منها معمرا
مدي الدهر مالاح الصباح وأسفرا
علي الملک منصور الجيوش مظفرا
وشيخنا في الحرير والذهب
بين يديه من قام في أدب
يذم أربابها علي الرتب
سخط من الله شامل الغضب
وأنت لما أجبت لم تسب
لبيته مقبلا علي السبب
لو لم تکن مسرعا إلي الرتب
هد ويعتده من القرب؟
إلي خروج عن کل مکتسب؟
فضل التمري بالجوع والتعب؟
في الصوف لبساله وفي الجشب؟
متي اعتقدناه زاهد العرب؟
إن سواه في السعي لم يخب؟
الدنيا وقول المحال والکذب؟
يخدعنا باکيا علي الخشب؟
يصول زجرا عن کل مجتنب؟
منغلبا بالسماع والطرب؟
ليس له في الوجود من أرب
أعرض عنها إعراض مکتئب أسفر
عن راغب في التراث مستلب
شکوي فقير علي الدنا وصب
أبيته جئته علي طلب
عني لما اکتسبت بالدأب
يمت کفورا وليس بالعجب
لمسلم سالم من العطب[7] .
غير علي وآله النجب
واضطربوا بعده علي الرتب
مشجعا في الکلام والخطب
عند الثوية يسفي فوقه المور[8] .
فالحلم والجود فيه اليوم مقبور
وان من غره الدنيا لمغرور
صفحه 9، 10، 11، 12، 13، 14.