لفت نظر حول الكذابين











لفت نظر حول الکذابين



هذا غيض من فيض ولعل القارئ يستکثره أو يستعظمه ذاهلا عن أن وضع الحديث والکذب علي النبي الاعظم وعلي الثقات من الصحابة الاولين والتابعين لهم باحسان لا ينافي عند کثير من القوم الزهد والورع واتصاف الرجل بالتقوي، بل هو شعار الصالحين ويتقربون به إلي المولي سبحانه، ومن هنا قال يحيي بن سعيد القطان: ما رأيت الصالحين في شيئ أکذب منهم في الحديث[1] وعنه: لم نر أهل الخير في شئ أکذب منهم في الحديث[2] وعنه: ما رأيت الکذب في أحد أکثر منه فيمن ينسب إلي الخير والزهد[3] وقال القرطبي في التذکار ص 155: لا التفات لما وضعه الواضعون واختلقه المختلقون من الاحاديث الکاذبة والاخبار الباطلة في فضل سورة القرآن وغير ذلک من فضائل الاعمال، وقد ارتکبها جماعة کثيرة وضعوا الحديث حسبة کما زعموا، يدعون الناس إلي فضائل الاعمال کما روي عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم المروزي، ومحمد بن عکاشة الکرماني، وأحمد بن عبدالله الجويباري، وغيرهم. قيل لابي عصمة: من أين لک عن عکرمة عن إبن عباس في فضل سور القرآن سورة سورة؟ فقال: إني رأيت الناس قد

[صفحه 276]

أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق فوضعت هذا الحديث حسبة.

وقال في ص 156: قد ذکر الحاکم وغيره من شيوخ المحدثين: إن رجلا من الزهاد انتدب في وضع أحاديث في فضل القرآن وسوره فقيل له: لم فعلت هذا؟ فقال: رأيت الناس زهدوا في القرآن فأحببت أن ارغبهم فيه فقيل: فإن النبي صلي الله عليه وسلم قال: من کذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. فقال: أنا ما کذبت عليه إنما کذبت له[4] .

وقال في التحذير من الموضوعات: وأعظمهم ضررا قوم منسوبون إلي الزهد وضعوا الحديث حسبة فيما زعموا، فتقبل الناس موضوعاتهم ثقة منهم بهم ورکونا إليهم فضلوا وأضلوا.

وسمعت في ص 268 قول ميسرة بن عبد ربه لما قيل له: من أين جئت بهذه الاحاديث ؟ قال: وضعتها ارغب الناس فيها. وقوله: إني أحتسب في ذلک. وقال الحاکم: کان الحسن- الراوي عن المسيب بن واضح- ممن يضع الحديث حسبة «لم 5 ص 288» وکان نعيم بن حماد يضع الحديث في تقوية السنة، راجع ص 269.

فکأن الکذب والافک وقول الزور ليست من الفواحش، ولم تکن فيها أي منقصة ومغمزة، ولا تنافي شيئا من فضائل النفس، ولا تمس کرامة ذويها، فهذا حرب بن ميمون مجتهد عابد وهو أکذب الخلق.

وهذا الهيثم الطائي يقوم عامة الليل بالصلاة وإذا أصبح يجلس ويکذب.

وهذا محمد بن إبراهيم الشامي کان من الزهاد وهو الکذاب الوضاع.

وهذا الحافظ عبدالمغيث الحنبلي موصوف بالزهد والثقة والدين والصدق والامانة والصلاح والاجتهاد واتباع السنة والآثار وهو يؤلف من الموضوعات کتابا في فضائل يزيد بن معاوية.

وهذا معلي بن صبيح من عباد الموصل وکان يضع ويکذب.

وهذا معلي بن هلال عابد وهو کذاب.

وهذا محمد بن عکاشة بکاء عند القراءة وهو وضاع أي وضاع.

[صفحه 277]

وهذا أبوعمر الزاهد ألف من الموضوعات کتابا في فضائل معاوية بن أبي سفيان. وهذا أحمد الباهلي من کبار الزهاد وهو ذلک الکذاب الوضاع. قال إبن الجوزي: کان يتزهد ويهجر شهوات الدنيا فحسن له الشيطان هذا الفعل القبيح.

وهذا البرداني رجل صالح ويضع الحديث في فضل معاوية.

وهذا وهب بن حفص من الصالحين ومکث عشرين سنة لا يکلم أحدا، وکان يکذب کذبا فاحشا.

وهذا أبوبشر المروزي الفقيه أصلب أهل زمانه في السنة، وأذبهم عنها، وأخفهم لمن خالفها، وکان يضع الحديث ويقلبه.

وهذا أبوداود النخعي أطول الناس قياما بليل وأکثرهم صياما بنهار وهو وضاع.

وهذا أبويحيي الوکار من الکذابين الکبار وکان من الصلحاء العباد الفقهاء.

وهذا إبراهيم بن محمد الآمدي أحد الزهاد وأحاديثه موضوعة «لم 1 ص 99».

وهذا رشدين مقلب متون الحديث وکان صالحا عابدا کما قاله الذهبي.

وهذا إبراهيم بن أبوإسماعيل الاشهلي کان عابدا صام ستين سنة، لا يتابع علي شيئ من حديثه کان يقلب الاسانيد ويرفع المراسيل «يب 1 ص 104».

وهذا جعفر بن الزبير کان مجتهدا في العبادة وهو وضاع[5] .

م- وهذا أبان بن أبي عياش رجل صالح کان من العباد[6] وهو کذاب.

فمن هنا تري کثيرا من الوضاعين المذکورين بين إمام مقتدي، وحافظ شهير وفقيه حجة، وشيخ في الرواية، وخطيب بارع. وکان فريق منهم يتعمدون الکذب خدمة لمبدء، أو تعظيما لامام، أو تأييدا لمذهب، ولذلک کثر الافتعال ووقع التضارب في المناقب والمثالب بين رجال المذاهب، وکان من تقصر يده عن الفرية علي رسول الله صلي الله عليه وآله بالحديث عنه فإنه يبهت الناس باختلاق أطياف حول المذاهب ورجالاتها.

تري اناسا افتعلوا علي رسول الله صلي الله عليه وآله روايات في مناقب أبي حنيفة مثل رواية:سيأتي من بعدي رجل يقال له: النعمان بن ثابت ويکني أبا حنيفة ليحيين دين الله

[صفحه 278]

وسنتي علي يديه[7] .

ورواية: في کل قرن من امتي سابقون وأبوحنيفة سابق في زمانه. أخرجه الخوارزمي في کتابه مناقب أبي حنيفة 1 ص 16 بهذا اللفظ. وفي جامع مسانيد أبي حنيفة 1 ص 18 بلفظ: وأبوحنيفة سابق هذه الامة. والسند مرسل عن ابن لهيعة المتوفي 174 عن رسول الله صلي الله عليه وآله من طريق حامد بن آدم الکذاب کذبه الجوزجاني وابن عدي، وعده أحمد السليماني فيمن اشتهر بوضع الحديث، وقال ابن معين: کذاب لعنه الله. مات 339.

ورواية: إن في امتي رجلا اسمه النعمان وکنيته أبوحنيفة هو سراج امتي هو سراج امتي. هو سراج امتي. أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه 13 ص 335 وقال: حديث موضوع.

ورواية: يکون في آخر الزمان رجل يکني بأبي حنيفة هو خير هذه الامة[8] .

ورواية: سيکون في امتي رجل يقال له: أبوحنيفة هو سراج امتي[9] .

ورواية: يکون في امتي رجل يقال له: النعمان يکني أبا حنيفة يجدد الله له سنتي علي يديه. عده ابن عدي من موضوعات أحمد الجويباري الکذاب الوضاع. «لم 1 ص 193، لي 1 ص 238».

ورواية: أبوحنيفة سراج أهل الجنة. في أسني المطالب ص 14: موضوع باطل.

ورواية: سيأتي رجل من بعدي يقال له: النعمان بن ثابت ويکني أبا حنيفة يحيا دين الله وسنتي علي يديه[10] .

[صفحه 279]

ورواية: يجيئ رجل فيحيي سنتي ويميت البدعة اسمه النعمان بن ثابت[11] .

ورواية: إن سائر الانبياء تفتخر بي وأنا أفتخر بأبي حنيفة، وهو رجل تقي عند ربي، وکانه جبل من العلم، وکأنه نبي من أنبياء بني إسرائيل، فمن أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد أبغضني. قال إبن الجوزي: موضوع. وقال العجلوني: لا يصلح وإن تعددت طرقه. کشف الخفاء ج 1 ص 33.

ورواية: إن آدم إفتخر بي وأنا أفتخر برجل من امتي إسمه نعمان، وکنيته أبوحنيفة، هو سراج امتي. قال العجلوني: موضوع، کشف الخفاء 1 ص 33.

ورواية: لو کان في امة موسي وعيسي مثل أبي حنيفة لما تهودوا وما تنصروا[12] .

ورواية: يخرج في امتي رجل يقال له أبوحنيفة بين کتفيه خال يحيي الله تعالي علي يديه السنة. مرسل عن مجاهيل ذکره الخوارزمي في مناقب أبي حنيفة 1 ص 16.

ورواية إبن عباس: يطلع بعد رسول الله بدر علي جميع خراسان يکني بأبي حنيفة[13] .

ورواية أبي البختري الکذاب قال. دخل أبوحنيفة علي جعفر بن محمد الصادق فلما نظر إليه جعفر قال: کأني أنظر إليک وأنت تحيي سنة جدي صلي الله عليه وسلم بعدما اندرست، وتکون مفزعا لکل ملهوف، وغياثا لکل مهموم، بک يسلک المتحيرون إذا وقفوا، و تهديهم الواضح من الطريق إذا تحيروا، فلک من الله العون والتوفيق حتي يسلک الربانيون بک الطريق. أخرجه الخطيب الخوارزمي في مناقب أبي حنيفة ج 19: 1 عن أبي البختري ما عساني أن أقول في رجل[14] يؤلف کتابا ضخما في مناقب أبي حنيفة من هذه المخازي، ويأتي بهذه الاکاذيب الشائنة ويبثها في الملا الديني کحقائق راهنة غير مکترث بمغبة دجله، ولا مبال بالکشف عن سوءته.

وقد بلغت مغالاة امة من الحنفية إلي حد زعمت انه أعلم من رسول الله صلي الله عليه وآله

[صفحه 280]

قال علي بن جرير: کنت في الکوفة فقدمت البصرة وبها عبدالله بن المبارک فقال لي: کيف ترکت الناس؟ قال: قلت ترکت بالکوفة قوما يزعمون أنا ابا حنيفة أعلم من رسول الله صلي الله عليه وسلم. قال قلت: إتخذوک في الکفر إماما. قال: فبکي حتي ابتلت لحيته- يعني انه حدث عنه- طب 13 ص 413.

وعن علي بن جرير قال: قدمت علي ابن المبارک فقال له رجل: إن رجلين تماريا عندنا في مسألة فقال أحدهما: قال أبوحنيفة. وقال الآخر: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: کان أبوحنيفة أعلم بالقضاء. فقال إبن المبارک: أعد علي.فأعاد عليه، فقال: کفر کفر. قلت: بک کفروا، وبک اتخذوا الکافر إماما قال: ولم؟ قلت: بروايتک عن أبي حنيفة. قال: أستغفر الله من رواياتي عن أبي حنيفة «طب 13 ص 414».

وعن فضيل بن عياض قال: إن هؤلاء اشربت قلوبهم حب أبي حنيفة وأفرطوا فيه حتي لا يرون ان احدا کان أعلم منه «حل 6 ص 358».

م- وکان محمد بن شجاع أبوعبدالله فقيه أهل العراق يحتال في إبطال الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ورده نصرة لابي حنيفة ورأيه. طب 5 ص 351.

وهناک قوم قابلوا هؤلاء بالطعن علي إمامهم وشنوا عليه الغارات وتحاملوا عليه بالوقيعة فيه، لا يسعنا ذکر جل ما وقفنا عليه من ذلک فضلا عن کله غير أنا نذکر منه النزر اليسير. قال عبدالبر:[15] فممن طعن عليه أبوعبدالله محمد بن اسماعيل البخاري- صاحب الصحيح- فقال في کتابه في الضعفاء والمتروکين: أبوحنيفة النعمان بن ثابت الکوفي قال نعيم بن حماد: نا يحيي بن سعيد ومعاذ بن معاذ سمعا سفيان الثوري يقول: قيل: استتيب أبوحنيفة من الکفر مرتين[16] وقال نعيم عن الفزاري: کنت عند سفيان بن عيينة فجاء نعي أبي حنيفة فقال: لعنه الله کان يهدم الاسلام عرة عروة، وما ولد في الاسلام مولود أشر منه. هذا ما ذکره البخاري.

وقال في ص 150 من الانتقاء: وذکر الساجي في کتاب العلل في باب أبي حنيفة:

[صفحه 281]

إنه استتيب في خلق القرآن فتاب. والساجي ممن کان ينافس أصحاب أبي حنيفة.

وقال إبن الجارود في کتابه في الضعفاء والمتروکين: ألنعمان بن ثابت أبوحنيفة جل حديثه وهم قد اختلف في إسلامه.

وروي عن مالک رحمه الله انه قال في أبي حنيفة نحو ما ذکر سفيان: إنه شر مولود ولد في الاسلام، وانه لو خرج علي هذه الامة بالسيف کان أهون.

وذکر الساجي قال: نا ابوالسائب قال: سمعت وکيع بن الجراح يقول: وجدت أبا حنيفة خالف مائتي حديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم. وذکره الخطيب في تاريخه 13 ص 390.

وذکر الساجي قال: ني محمد بن روح المدايني قال: ني معلي بن أسد قال: قلت لابن المبارک: کان الناس يقولون إنک تذهب إلي قول أبي حنيفة؟ قال: ليس کل ما يقول الناس يصيبون فيه، کنا نأتيه زمانا ونحن لا نعرفه فلما عرفناه ترکناه. قال: وني محمد بن أبي عبدالرحمن المقري قال: سمعت أبي يقول دعاني أبوحنيفة إلي الارجاء غير مرة فلم اجبه.

وفي ص 152. قال أبوعمر: سمع الطحاوي أبوجعفر رجلا ينشده:


إن کنت کاذبة بما حدثتني
فعليک إثم أبي حنيفة أو زفر[17] .


ألواثبين علي القياس تعديا
والناکبين عن الطريقة والاثر


وقال أبوجعفر: وددت ان لي حسناتهما واجورهما وعلي إثمهما.

وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل: أصحاب أبي حنيفة لا ينبغي أن يروي عنهم شئ وسئل عبدالله بن أحمد عن أبي حنيفة يروي عنه؟ قال: لا[18] .

وعن منصور بن أبي مزاحم قال سمعت مالک بن أنس وذکر أبوحنيفة قال: کاد الدين ومن کاد الدين فليس من إهله «حل 6 ص 325» وذکره الخطيب في تاريخه 13 ص 400.

وعن الوليد بن مسلم قال قال لي مالک بن أنس: يذکر أبوحنيفة ببلدکم؟ قلت: نعم. قال: ما ينبغي لبلدکم أن يسکن. حل 6 ص 325

[صفحه 282]

کان إبن أبي ليلي يتمثل بأبيات منها:[19] .


إلي شنآن المرجئين ورأيهم
عمر بن ذر وإبن قيس الماصر


وعتيبة الدباب لا يرضي به
وأبي حنيفة شيخ سوء کافر


وعن يوسف بن اسباط: رد أبوحنيفة علي رسول الله صلي الله عليه وسلم أربعمائة حديث أو أکثر. وعن مالک انه قال: ما ولد في الاسلام مولود أضر علي أهل الاسلام من أبي حنيفة. وعنه: کانت فتنة أبي حنيفة أضر علي هذه الامة من فتنة إبليس في الوجهين جميعا: في الارجاء. وما وضع من نقض السنن.

وعن عبدالرحمن بن مهدي: ما أعلم في الاسلام فتنة بعد فتنة الدجال أعظم من رأي أبي حنيفة

وعن شريک: لان يکون في کل حي من الاحياء خمار خير من أن يکون فيه رجل من أصحاب أبي حنيفة.

وعن الاوزاعي: عمد أبوحنيفة إلي عري الاسلام فنقضها عروة عروة، ما ولد مولود في الاسلام أضر علي الاسلام منه.

وعن سفيان الثوري إنه قال: إذ جاءه نعي أبي حنيفة: ألحمد لله الذي أراح المسلمين منه، لقد کان ينقض عري الاسلام عروة عروة، ما ولد في الاسلام مولود أشأم علي أهل الاسلام منه.

وعنه وذکر عنده أبوحنيفة: يتعسف الامور بغير علم ولا سنة.

وعن عبدالله بن إدريس: أبوحنيفة ضال مضل.

وعن إبن أبي شيبة- وذکر أبا حنيفة-: أراه کان يهوديا.

وعن أحمد بن حنبل إنه قال: کان أبوحنيفة يکذب. وقال: أصحاب أبي حنيفة ينبغي أن لا يروي عنهم شئ. طب 7 ص 17.

وعن أبي حفص عمرو بن علي: أبوحنيفة صاحب الرأي ليس بالحافظ مضطرب الحديث، واهي الحديث، وصاحب هوي.

وتري آخرين افتعلوا علي رسول الله صلي الله عليه وسلم رواية: عالم قريش يملا طباق الارض

[صفحه 283]

علما[20] وحملوه علي محمد بن إدريس إمام الشافعية.

وزعم المزني انه رأي رسول الله صلي الله عليه وسلم في المنام فسأله عن الشافعي فقال: من أراد محبتي وسنتي فعليه بمحمد بن إدريس الشافعي المطلبي فإنه مني وأنا منه. طب 2 ص 69.

م- وعن محمد بن نصر الترمذي أنه قال: کتبت الحديث تسعا وعشرين سنة و سمعت مسائل مالک وقوله، ولم يکن لي حسن رأي في الشافعي، فبينا أنا قاعد في مسجد النبي صلي الله عليه وسلم بالمدينة إذ غفوت غفوة فرأيت النبي صلي الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رسول الله أکتب رأي أبي حنيفه؟ قال: لا. قلت: أکتب رأي مالک؟ قال: ما وافق حديثي. قلت له: أکتب رأي الشافعي؟ فطأطأ رأسه شبه الغضبان لقولي وقال: ليس هذا بالرأي هذا رد علي من خالف سنتي. فخرجت علي اثر هذه الرؤيا إلي مصر فکتبت کتب الشافعي. طب 1 ص 366

وقال أحمد بن نصر: رأيت النبي في منامي فقلت: يا رسول الله بمن تأمرنا أن نقتدي به من امتک في عصرنا، ونرکن إلي قوله، ونعتقد مذهبه؟! فقال: عليکم بمحمد بن إدريس الشافعي فإنه مني، وإن الله قد رضي عنه وعن جميع أصحابه ومن يصحبه و يعتقد مذهبه إلي يوم القيامة. قلت له: وبمن؟! قال: بأحمد بن حنبل فنعم الفقيه الورع الزاهد. کر 2 ص 48.

وعن أحمد بن الحسن الترمذي قال: کنت في الروضة فاغفيت فإذا النبي صلي الله عليه وسلم قد أقبل فقمت إليه فقلت: يا رسول الله قد کثر الاختلاف في الدين فما تقول في رأي أبي حنيفة فقال: اف. ونقض يده، قلت: فما تقول في رأي مالک؟فرفع يده وطأطأ، وقال: أصاب وأخطأ، قلت: فما تقول في رأي الشافعي؟ قال بأبي إبن عمي أحيي سنتي. طب 6 ص 69.

وعنه قال: رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رسول الله أما تري ما في الناس من اختلاف قال فقال لي: في أي شئ قلت: أبوحنيفة ومالک والشافعي. فقال: أما أبوحنيفة فما أدري من هو. وأما مالک فقد کتب العلم. وأما الشافعي

[صفحه 284]

فمني وإلي. طب 4 ص 231.

ويأتي حنفي محاج يتقرب إلي إمامه بوضع الحديث علي النبي الاعظم من طريق أبي هريرة إنه قال: سيکون في امتي رجل يقال له: أبوحنيفة هو سراج امتي. و سيکون في امتي رجل يقال له: محمد بن إدريس فتنته علي امتي أضر من فتنة ابليس، وفي لفظ: أضر علي امتي من ابليس[21] .

وکان محمد بن موسي الحنفي القاضي بدمشق المتوفي 506 يقول: لو کان لي أمر لاخذت الجزية من الشافعية. يه 12 ص 175، لم 5 ص 402.

م- وکان محب الدين محمد بن محمد الدمراقي الحنفي المتوفي 789 (ذاک العالم الورع الذي کان يقرأ کل يوم ختمة) شديد العصبية يقع في الشافعي ويري ذلک عبادة. هب 6 ص 310

وتأتي المالکية بالزعمات فتروي ما وضعه بعضهم علي رسول الله صلي الله عليه وآله من رواية: يکاد الناس يضربون أکباد الابل فلا يجدون أعلم من عالم المدينة[22] وطبقوها علي مالک بن أنس فکأن المدينة لم تکن عاصمة الاسلام، ولم يکن هناک عالم يقصد قبل مالک وبعده، وکأن عايلة النبوة التي جعلها النبي صلي الله عليه وآله قرينة القرآن في الاستخلاف وقال: إني مخلف فيکم الثقلين: کتاب الله وعترتي أهل بيتي. لم ترث علم النبي الاعظم، وکأن صادق آل محمد- وکلهم صادقون- لم يکن هو المنتجع الوحيد في العلم لائمة الدنيا في ذلک اليوم، وکأن مالک لم يکن من تلامذته.

فيأتي الرجل[23] بدعوي الاجماع المجردة من المسلمين علي أن مالک هو المراد من ذلک الحديث المزور. ذاهلا عن قول محمد بن عبدالرحمن: إن أحمد کان أفضل من مالک بن انس. طب 2 ص 298.

[صفحه 285]

م- وعن قول أحمد- إمام الحنابلة-: کان إبن أبي ذئب أفضل من مالک بن أنس طب 2 ص 298.

وعن قول يحيي بن سعيد: إن سفيان فوق مالک من کل شئ- في الحديث و الفقه والزهد- طب 9 ص 164.

وعن قول عطية بن اسباط: إن أبا حنيفة أفقه من ملا الارض مثل مالک[24] .

وعن قول الشافعي وابن بکير: إن ليث بن سعيد الفهمي شيخ الديار المصرية أفقه من مالک. صه ص 275. بق 1 ص 208.

م- وعن قول أبي موسي الانصاري قال: سألت سفيان بن عيينة فحدثنا عن إبن جريج مرفوعا: يوشک أن يضرب الرجل أکباد الابل في طلب العلم فلا يجد عالما أعلم من عالم المدينة. قال أبوموسي: فقلت لسفيان: أکان إبن جريج يقول: نري انه مالک بن أنس: فقال: إنما العالم من يخشي الله، ولا نعلم أحدا کان أخشي لله من العمري- يعني عبدالله ابن عبدالعزيز العمري- «طب 6 ص 377».

وعن قول يحيي بن صالح: محمد بن الحسن- الشيباني- أفقه من مالک «طب 2 ص 175».

وعن قول أحمد بن حنبل: بلغ إبن أبي ذئب: ان مالکا لم يأخذ بحديث ألبيعين بالخيار قال: يستتاب وإلا ضربت عنقه، ومالک لم يرد الحديث ولکن تأوله علي غير ذلک، فقال: شامي: من أعلم مالک أو إبن أبي ذئب؟! فقال: إبن أبي ذئب في هذا أکبر من مالک، وابن أبي ذئب أصلح في دينه وأورع ورعا وأقوم بالحق من مالک عن السلاطين «طب 2 ص 302»

وللمالکية حول إمامهم منامات زعموا رؤية رسول الله صلي الله عليه وآله وثناءه علي مالک يوجد شطر منها في «حلية الاولياء» 6 ص 317 وغيرها.

وللحنابلة أشواط بعيدة وخطوات واسعة في الدعاية إلي المذهب وإلي إمامهم فقد افتعلوا أطيافا تصم منها المسامع، ويقصر عن مغزاها کل غلو، وقد أسلفنا يسيرا منها في هذا الجزء ص 198 -201، ومنها ما أخرجه إبن الجوزي في مناقب احمد ص 455

[صفحه 286]

باسناده عن علي بن عبدالعزيز الطلحي قال قال لي الربيع بن سليمان: قال لي الشافعي: يا ربيع: خذ کتابي وامض به وسلمه إلي عبدالله أحمد بن حنبل واتني بالجواب قال الربيع: فدخلت بغداد ومعي الکتاب ولقيت أحمد بن حنبل صلاة الصبح فصليت معه الفجر فلما انفتل من المحراب سلمت الکتاب وقلت له: هذا کتاب أخيک الشافعي من مصر. فقال أحمد: نظرت فيه؟ قلت: لا. وکسر أحمد الخاتم وقرأ الکتاب فتغرغرت عيناه بالدموع فقلت له: أي شئ فيه يا أبا عبدالله فقال:يذکر إنه رأي النبي صلي الله عليه وسلم في المنام فقال له: اکتب إلي أبي عبدالله أحمد بن حنبل واقرأ عليه مني السلام وقل: إنک ستمتحن وتدعي إلي خلق القرآن فلا تجبهم يرفع الله لک علما إلي يوم القيامة. قال الربيع فقلت: ألبشارة. فخلع قميصه الذي يلي جلده فدفعه إلي فأخذته وخرجت إلي مصر وأخذت جواب الکتاب وسلمته إلي الشافعي فقال لي: يا ربيع أي شئ الذي دفع إليک قلت: ألقميص الذي يلي جلده. فقال لي الشافعي: ليس نفجعک به ولکن بله و ادفع إلينا الماء حتي اشرکک فيه[25] ورواه بطريق آخر وفيه: قال الربيع فغسلته فحملت ماءه إليه فترکته في قنينة وکنت أراه في کل يوم يأخذ منه ويمسح علي وجهه تبرکا بأحمد ابن حنبل. وذکره إبن کثير في تاريخه 10 ص 331

نقلا عن البيهقي. وقال الفقيه أحمد بن محمد أبوبکر اليازودي: دخلت العراق فکتبت کتب أهل العراق وکتبت کتب أهل الحجاز فمن کثرة اختلافهما لم أدر بأيهما آخذ، إلي أن قال: فمن کثرة إختلافهما ترکت الجماعة وخرجت فأصابني غم وبت مغموما فلما کان في جوف الليل قمت وتوضأت وصليت رکعتين وقلت: أللهم اهدني إلي ما تحب و ترضي ثم آويت إلي فراشي فرأيت النبي صلي الله عليه وسلم فيما يري النائم دخل من باب بني شيبة فأسند ظهره إلي الکعبة ورأيت الشافعي واحمد بن حنبل علي يمين النبي صلي الله عليه وسلم يتبسم إليهما، ورأيت بشر المريسي علي يسار النبي صلي الله عليه وسلم مکلح الوجه فقلت: يا رسول الله من کثرة اختلاف هذين الرجلين لم أدر بأيهما آخذ فأومأ إلي الشافعي وأحمد بن حنبل وقال: أولئک الذين آتيناهم الکتاب والحکم والنبوة. ثم أومأ إلي بشر المريسي و قال: فإن يکفر بها هؤلاء فقد وکلنا بها قوما ليسوا بها بکافرين. قال أبوبکر: والله

[صفحه 287]

لقد رأيت هذه الرؤيا وتصدقت من الغد بألف دينار وعلمت أن الحق مع الشيخين إلخ. رواه ابن عساکر في تاريخه 1 ص 454 نقلا عن الحافظين البيهقي والجوزقي.

وبلغ غلو الحنابلة في إمامهم إلي حد قال المديني: إن الله أعز هذا الدين برجلين ليس لهما ثالث: أبوبکر الصديق يوم الردة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة[26] .

وقال: ما قام أحد بأمر الاسلام بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم ما قام به أحمد بن حنبل قال: الميموني قلت له: يا أبا الحسن! ولا أبوبکر الصديق؟ قال:ولا أبوبکر الصديق إن أبا بکر الصديق کان له أعوان واصحاب وأحمد بن حنبل لم يکن له أعوان واصحاب طب 4 ص 418

م- وهناک مثل أبي علي الحسين بن علي الکرابيسي الشافعي المتوفي 8-245 يتحامل علي الامام أحمد ويتکلم فيه ويقول لما سمع قوله في القرآن: ايش نعمل بهذا الصبي إن قلنا: مخلوق. قال: بدعة، وإن قلنا: غير مخلوق. قال: بدعة[27] .

ومثل مرجان الخادم المتفقه لمذهب الشافعي المتوفي 560 کان يتعصب علي الحنابلة ويکرههم حتي أن الحطيم الذي برسم الوزير إبن هبيرة بمکة يصلي فيه إبن الطباخ الحنبلي[28] مضي مرجان وأزاله من غير تقدم بغضا للقوم، وکان يقول لابن الجوزي الحنبلي: مقصودي قلع مذهبکم وقطع ذکرکم. ولما توفي مرجان فرح إبن الجوزي فرحا شديدا «ظم 10 ص 213، يه 12 ص 250».

وقال إبن الجوزي في «المنتظم» 10 ص 224: کان أبوسعد السمعاني المتوفي 563 يتعصب علي مذهب أحمد ويبالغ فذکر من أصحابنا جماعة وطعن فيهم بما لا يوجب الطعن. ولابن الجوزي في «المنتظم» ج 8 ص 267 کلمة ضافية حول تعصب أبي بکر الخطيب البغدادي صاحب التاريخ علي مذهب أحمد وأصحابه إلي أن قذفه بعدم الحياء وقلة الدين.

[صفحه 288]

وکان محمد بن محمد أبوالمظفر الدوي المتوفي 567 يتکلم في الحنابلة وتعصب عليهم وبالغ في ذمهم وقال: لو کان لي أمر لوضعت عليهم الجزية. فدسوا الحنابلة عليه سما فمات منه هو وزوجته وولد له صغير «ظم 10 ص 239».

نعم: هناک من لم تزحزحه النزعات والاهواء عن الهتاف بالصدق نظراء الفيروز آبادي صاحب «القاموس» والعجلوني، فقال الاول في خاتمة کتابه «سفر السعادة» والثاني في «کشف الخفاء» 2 ص 420: باب فضائل أبي حنيفة والشافعي وذمهم ليس فيه شئ صحيح، وکل ما ذکر من ذلک فهو موضوع ومفتري. وقال إبن درويش الحوت في «أسني المطالب» ص 14: لم يرد في أحد من الائمة بعينه نص لا صحيح ولا ضعيف.


صفحه 276، 277، 278، 279، 280، 281، 282، 283، 284، 285، 286، 287، 288.








  1. مقدمة صحيح مسلم. تاريخ بغداد 2 ص 98.
  2. مقدمة صحيح مسلم.
  3. اللئالي المصنوعة للسيوطي ج 2 في خاتمة الکتاب.
  4. انظر إلي فقه الحديث واعجب، فمال هؤلاء القوم لا يکادون يفقهون حديثا؟.
  5. راجع سلسلة الکذابين والوضاعين.
  6. تهذيب التهذيب 1 ص 99.
  7. أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه 2 ص 289 من طريق محمد بن يزيد المستملي الکذاب الوضاع وقال: هو موضوع باطل.
  8. أخرجه الخطيب الخوارزمي في مناقب ابي حنيفة 1 ص 14 باسناد باطل.
  9. قال الشيخ علي القاري في موضوعاته الکبري: هو موضوع باتفاق المحدثين. کشف الخفاء ج 1 ص 33.
  10. قال الخطيب في تاريخه 2 ص 289: باطل موضوع، ومحمد بن يزيد متروک الحديث ووسليمان بن قيس وأبوالمعلي مجهولان، وأبان بن أبي عياش رمي بالکذب وعده ابن حجر في الخيرات الحسان من الموضوعات کما في کشف الخفاء 1 ص 33. قال الاميني: محمد بن يزيد راوي الحديث هو أبوبکر الطرسوسي أحد الوضاعين الکذابين کما مر في سلسلتهم.
  11. أخرجه الخوارزمي في مناقب أبي حنيفة 1 ص 15 من طريق ابراهيم بن أحمد الخزاعي قال ابن حبان: يخطئ ويخالف. وعن أبي هدية: ابراهيم الکذاب الوضاع الخبيث.
  12. عده العجلوني من الموضوعات. کشف الخفاء 1 ص 33.
  13. أخرجه الخوارزمي في مناقب ابي حنيفه ص 18، وجامع المسانيد 1 ص 17 باسناد باطل.
  14. مثل الخوارزمي المترجم في الجزء الرابع ص 407 -398، وشمس الدين الشامي المتوفي صاحب عقود الجمان في مناقب ابي حنيفة النعمان.
  15. في الانتقاء في فضائل الثلاثة الائمة الفقهاء: مالک والشافعي وابي حنيفة ص 149.
  16. ذکر الخطيب البغدادي استتابته من الکفر عن جمع کثير في تاريخه ج 13 ص 384 -379 وحکي عن شريک انه قال: علمت ذاک العواتق في خدورهن.
  17. زفر بن الهذيل العنبري ثم التميمي أحد أکابر أصحاب أبي حنيفة وأفقههم وأحسنهم قياسا ولي قضاء البصرة وقد خلف أبا حنيفة في حلقته اذ مات توفي سنة 158.
  18. طب 14 ص 260 و 259.
  19. أخذنا ما يأتي من تاريخ الخطيب البغدادي ج 13 ص 380.
  20. قال ابن الحوت في أسني المطالب ص 14: خبر لم يصح، فهو ضعيف.
  21. أخرجه الخطيب في تاريخه 5 ص 309، وعده من أفحش ما وضعه البورقي محمد بن سعيد الکذاب المتوفي 318 علي الثقات. وعده العجلوني في کشف الخفاء 1 ص 33: من الموضوعات وکذا السيوطي في لي 1 ص 237.
  22. عده ابن الحوت في أسني المطالب ص 14 من الموضوعات. وقال: سمعته من المالکية ولم أره.
  23. صاحب الديباج المذهب.
  24. مناقب أبي حنيفه للشيخ علي القاري المطبوع مع الجواهر المضية في طبقات الحنفية ص 461.
  25. في لفظ ابن کثير: ولکن بله بالماء وأعطنيه حتي أتبرک به.
  26. هل خفي علي ابن المديني ما أخرجه الحفاظ من الصحيح المکذوب علي رسول الله: انه صلي الله عليه وآله قال: أللهم اعز الاسلام بعمر بن الخطاب خاصة. والصحيح المختلق عليه صلي الله عليه وآله: أللهم أيد الدين بعمر. فجعل الله دعوة رسول الله صلي الله عليه وآله لعمر فبني عليه ملک الاسلام وهدم به الاوثان «مستدرک الحاکم 3 ص 83».
  27. طب 8 ص 64.
  28. أبومحمد المبارک بن علي بن الحسين البغدادي نزيل مکة ومجاورها المتوفي 575.