البعث إلي اليمن











البعث إلي اليمن



لمّا فتح رسول اللَّه صلي الله عليه و آله مکّة، وانتصر علي القبائل المستقرّة حولها في غزوة حنين، أراد توسيع نطاق دعوته؛ فأرسل إلي اليمن معاذ بن جبل، وهناک استعصت مسائل علي معاذ فرجع، وبعث بعده خالد بن الوليد، فلم يحقّق نجاحاً، وأخفق في مهمّته بعد ستّة أشهر من المکوث في اليمن. فانتدب عليّاً عليه السلام، فوجّهه إليها مع کتاب. ولمّا وصل قرأه علي أهلها ببيان بليغ وکلام مؤثِّر، ودعاهم إلي التوحيد، فأسلمت قبيلة «همدان». وأخبر رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بذلک، فسرَّ

[صفحه 279]

ودعا لهم.[1] .

ونقلت أخبار اُخري أنّ الإمام عليه السلام اصطدم بقبيلة «مذحج» وهزمهم، ثمّ دعاهم إلي الإسلام بعد هزيمتهم الأولي، وجمع غنائم الحرب، وسار بها وبصدقات نجران فالتحق بالنّبيّ صلي الله عليه و آله في موسم الحجّ.[2] .

ثمّ فوِّض إليه عليه السلام القضاء في اليمن، ودعا له النبيّ صلي الله عليه و آله بالثّبات في قضائه.[3] و نقلت کتب التاريخ نماذج من قضائه في اليمن. والآن يمکن أن يثار السؤال الآتي: هل حدثت کلّ هذه الوقائع لعليّ عليه السلام في سفرةٍ واحدةٍ أو في عدّة أسفار؟!

ينصّ ابن سعد علي سفرتين له عليه السلام.[4] يضاف إلي هذا أنّ الأخبار المرتبطة باشتباکه مع قبيلة «مذحج» تدلّ علي استقلال تلک «السريّة». وفي النصوص المتعلّقة بذهاب الإمام عليه السلام إلي اليمن، وکيفيّة تنفيذ هذه المهمّة الکبري مناقب وفضائل مسجَّلة له عليه السلام تجدها هنا.

251- تاريخ الطبري عن أبي إسحاق عن البرّاء بن عازب: بعث رسول اللَّه صلي الله عليه و آله خالد بن الوليد إلي أهل اليمن؛ يدعوهم إلي الإسلام. فکنت فيمن سار معه، فأقام عليه ستّة أشهر لا يجيبونه إلي شي ء، فبعث النبيّ صلي الله عليه و آله عليّ بن أبي طالب، وأمره أن يقفل خالداً ومن معه، فإن أراد أحد ممّن کان مع خالد بن الوليد أن يعقّب معه ترکه.

[صفحه 280]

قال البرّاء: فکنت فيمن عقّب معه، فلمّا انتهينا إلي أوائل اليمن بلغ القوم الخبر، فجمعوا له، فصلّي بنا عليٌّ الفجر، فلمّا فرغ صفّنا صفّاً واحداً، ثمّ تقدّم بين أيدينا فحمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ قرأ عليهم کتاب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فأسلمت هَمْدان کلّها في يومٍ واحد. وکتب بذلک إلي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فلمّا قرأ کتابه خرّ ساجداً، ثمّ جلس فقال: السلام علي هَمْدان، السلام علي هَمْدان! ثمّ تتابع أهل اليمن علي الإسلام.[5] .

252- الطبقات الکبري: بعث رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عليّاً إلي اليمن، وعقد له لواءً، وعمّمه بيده، وقال: امضِ ولا تلتفت، فإذا نزلتَ بساحتهم فلا تقاتلهم حتي يقاتلوک. فخرج في ثلاثمائة فارس، وکانت أوّل خيل دخلت إلي تلک البلاد؛ وهي بلاد مذحج. ففرّق أصحابه، فأتوا بنهب وغنائم ونساء وأطفال ونعم وشاءٍ وغير ذلک. وجعل عليّ علي الغنائم بريدةَ بن الحصيب الأسلمي، فجمع إليه ما أصابوا.

ثمّ لقي جمعهم فدعاهم إلي الإسلام، فأبوا ورموا بالنبل والحجارة، فصفّ أصحابه ودفع لواءه إلي مسعود بن سنان السلمي، ثمّ حمل عليهم عليّ بأصحابه فقتل منهم عشرين رجلاً، فتفرّقوا وانهزموا، فکفّ عن طلبهم. ثمّ دعاهم إلي الإسلام، فأسرعوا وأجابوا، وبايعه نفر من رؤسائهم علي الإسلام وقالوا: نحن علي من وراءنا من قومنا، وهذه صدقاتنا فخذ منها حقّ اللَّه.

وجمع عليّ الغنائم فجزّأها علي خمسة أجزاء، فکتب في سهم منها للَّه، وأقرع عليها، فخرج أوّل السهام سهم الخُمس. وقسّم عليّ علي أصحابه بقيّة

[صفحه 281]

المغنم، ثمّ قفل، فوافي النبيّ صلي الله عليه و آله بمکّة قد قدمها للحجّ سنة عشر.[6] .

253- الإمام عليّ عليه السلام: بعثني رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إلي اليمن وقال لي: يا عليّ، لا تقاتلنّ أحداً حتي تدعوه، وايمُ اللَّه لأن يهدي اللَّه علي يديک رجلاً خيرٌ لک ممّا طلعت عليه الشمس وغربت! ولک ولاؤه يا عليّ.[7] .

254- عنه عليه السلام: بعثني رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إلي اليمن، فقلت: يا رسول اللَّه، إنّک تبعثني إلي قوم هم أسنّ منّي لأقضي بينهم!! قال: اذهب فإنّ اللَّه تعالي سيُثبّت لسانک، ويهدي قلبک.[8] .

255- السيرة النبويّة عن أبي عمرو المدني: بعث رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عليّ بن أبي طالب إلي اليمن، وبعث خالد بن الوليد في جُند آخر، وقال: إن التقيتما فالأمير عليّ بن أبي طالب.[9] .

256- الإرشاد: انصرف عَمرو [ بن معديکرب ] مرتدّاً، فأغار علي قومٍ من بني الحارث بن کعب ومضي إلي قومه. فاستدعي رسولُ اللَّه صلي الله عليه و آله عليّ بن أبي طالب عليه السلام فأمّره علي المهاجرين، وأنفذه إلي بني زبيد، وأرسل خالد بن الوليد في طائفة من الأعراب وأمره أن يقصد الجعفي، فإذا التقيا فأمير الناس عليّ بن أبي طالب.

[صفحه 282]

فسار أميرالمؤمنين واستعمل علي مقدّمته خالد بن سعيد بن العاص، واستعمل خالدٌ علي مقدّمته أبا موسي الأشعري.

فأما جُعفي فإنّها لمّا سمعت بالجيش افترقت فرقتين؛ فذهبت فرقة إلي اليمن، وانضمّت الفرقة الاُخري إلي بني زبيد. فبلغ ذلک أميرالمؤمنين عليه السلام، فکتب إلي خالد بن الوليد أن قف حيث أدرکک رسولي، فلم يقف. فکتب إلي خالد بن سعيد: تعرّض له حتي تحبسه، فاعترض له خالد حتي حبسه، وأدرکه أميرالمؤمنين عليه السلام فعنّفه علي خلافه.

ثمّ سار حتي لقي بني زبيد بوادٍ يقال له: کُشر،[10] فلمّا رآه بنو زبيد قالوا لعمرو: کيف أنت- يابا ثور- إذا لقيک هذا الغلامُ القرشي فأخذ منک الإتاوة؟[11] قال: سيعلم إن لقيني.

قال: وخرج عمرو فقال: هل من مبارز؟ فنهض إليه أميرالمؤمنين عليه السلام، فقام خالد بن سعيد فقال له: دعني يا أبا الحسن- بأبي أنت واُمّي- اُبارزه! فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام: إن کنت تري أنّ لي عليک طاعة فقف مکانک، فوقف، ثمّ برز إليه أميرالمؤمنين عليه السلام فصاح به صيحة فانهزم عمرو، وقُتل أخوه وابن أخيه، واُخذت امرأته رکانة بنت سلامة، وسُبي منهم نسوان، وانصرف أميرالمؤمنين عليه السلام، وخلّف علي بني زبيد خالد بن سعيد؛ ليقبض صدقاتهم، ويؤمِنَ من عاد إليه من هُرّابهم مسلماً.[12] .

[صفحه 283]



صفحه 279، 280، 281، 282، 283.





  1. تاريخ الطبري: 131:3، تاريخ الإسلام للذهبي: 690:2، الکامل في التاريخ: 651:1.
  2. الطبقات الکبري: 169:2.
  3. مسند ابن حنبل: 666:190:1، المستدرک علي الصحيحين: 4658:146:3، الطبقات الکبري: 337:2، تاريخ الإسلام للذهبي: 691:2.
  4. الطبقات الکبري: 169:2.
  5. تاريخ الطبري: 131:3، تاريخ الإسلام للذهبي: 690:2 نحوه.
  6. الطبقات الکبري: 169:2 وراجع المغازي: 1079:3.
  7. الکافي: 4:28:5 عن السکوني عن الإمام الصادق عليه السلام، تهذيب الأحکام: 240:141:6 عن السکوني عن الإمام الصادق عن آبائه عنه عليهم السلام.
  8. مسند ابن حنبل: 666:190:1، تاريخ دمشق: 9001:389:42، خصائص أميرالمؤمنين للنسائي: 36:97 کلّها عن حارثة بن مضرب و ص 33:93 عن أبي البختري؛ العمدة: 398:256 عن حارثة بن مضرب نحوه وراجع فضائل الصحابة لابن حنبل: 984:581:2 والمستدرک علي الصحيحين: 4658:146:3 والطبقات الکبري: 337:2 وتاريخ الإسلام للذهبي: 691:2.
  9. السيرة النبويّة لابن هشام: 290:4 وراجع الإرشاد: 159:1.
  10. کُشَر- بوزن زُفَر: من نواحي صنعاء اليمن (معجم البلدان: 462:4).
  11. الإتاوة: الخراج (النهاية: 22:1).
  12. الإرشاد: 159:1.