البعث لإعلان البراءة من المشركين











البعث لإعلان البراءة من المشرکين



إنّ آيات البراءة، وإعلان الاستياء من الشرک والصنميّة، ولزوم تطهير أرض الوحي من معالم الشرک، کلّ ذلک يعدّ من أعظم الفصول في التاريخ الإسلامي. فقد نزلت سورة «براءة» في موسم الحجّ سنة (9 ه ) وکُلّف أبوبکر بقراءتها علي الحجّاج، مع بيان يتألّف من أربع موادّ، وتوجّه أبوبکر إلي مکّة، لکن لم يمضِ علي تحرّکه إلّا وقت قصير حتي هبط الوحي مبلّغاً النبيّ صلي الله عليه و آله أن:

«لا يؤدّي عنک إلّا أنت أو رجل منک».

فدعا عليّاً عليه السلام وأخبره بالأمر، وأعطاه راحلته، وأمره أن يعجّل في ترک المدينة، ويأخذ السورة من أبي بکر، ويقرأها علي الناس في حشدهم الغفير يوم العاشر من ذي الحجّة. وهکذا کان. فاُضيفت بذلک منقبة اُخري إلي مناقبه

[صفحه 269]

العظيمة، وثبت للأجيال والأعصار المختلفة سلفاً أنّه من النبيّ صلي الله عليه و آله، وأنّه نفسه.[1] .

243- الإمام عليّ عليه السلام: لمّا نزلت عشر آيات من براءة علي النبيّ صلي الله عليه و آله، دعا النبيّ صلي الله عليه و آله أبا بکر فبعثه بها ليقرأها علي أهل مکّة، ثمّ دعاني النبيّ صلي الله عليه و آله فقال لي: أدرک أبا بکر فحيثما لحقته فخُذ الکتاب منه، فاذهب به إلي أهل مکّة فاقرأه عليهم. فلحقته بالجحفة، فأخذت الکتاب منه، ورجع أبوبکر إلي النبيّ صلي الله عليه و آله فقال: يا رسول اللَّه، نزل فيَّ شي ء؟! قال: لا، ولکنّ جبريل جاءني فقال: لن يؤدّي عنک إلّا أنت أو رجل منک.[2] .

244- مسند ابن حنبل عن أنس بن مالک: إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بعث ببراءة مع أبي بکر إلي أهل مکّة- قال:- ثمّ دعاه فبعث بها عليّاً، قال: لايبلّغها إلّا رجل من أهلي.[3] .

245- فضائل الصحابة عن أنس بن مالک: إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بعث ببراءة مع أبي بکر إلي أهل مکّة، فلمّا بلغ ذا الحليفة بعث إليه فردّه، وقال: لايذهب بها

[صفحه 270]

إلّا رجل من أهل بيتي؛ فبعث عليّاً.[4] .

246- خصائص أميرالمؤمنين عن زيد بن يثيع عن الإمام عليّ عليه السلام: إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بعث ببراءة إلي أهل مکّة مع أبي بکر، ثمّ أتبعه بعليّ، فقال له: خذ الکتاب فامضِ به إلي أهل مکّة. قال: فلحقته وأخذت الکتاب منه، فانصرف أبوبکر وهو کئيب، فقال: يا رسول اللَّه: أنزل فيَّ شي ء؟! قال: لا، إلّا أنّي اُمرت أن اُبلّغه أنا أو رجل من أهل بيتي.[5] .

247- مسند ابن حنبل عن زيد بن يثيع عن أبي بکر: إنّ النبيّ صلي الله عليه و آله بعثه ببراءة لأهل مکّة: لا يحجّ بعد العام مشرکٌ، ولا يطوف بالبيت عريانٌ، ولا يدخل الجنّة إلّا نفسٌ مسلمةٌ، من کان بينه وبين رسول اللَّه صلي الله عليه و آله مدّة فأجله إلي مدّته، واللَّه بري ء من المشرکين ورسوله. قال: فسار بها ثلاثاً، ثمّ قال لعليّ رضي الله عنه: الحقه فرُدّ عليَّ أبا بکر وبلّغها أنت. قال: ففعل، قال: فلمّا قدم علي النبيّ صلي الله عليه و آله أبوبکر بکي، قال: يا رسول اللَّه، حدث فيَّ شي ءٌ؟! قال: ما حدث فيک إلّا خير، ولکن اُمرت أن لا يبلّغه إلّا أنا أو رجل منّي.[6] .

248- المستدرک علي الصحيحين عن جميع بن عمير الليثي: أتيت عبداللَّه بن عمر فسألته عن عليّ رضي الله عنه فانتهرني، ثمّ قال: ألا اُحدّثک عن عليّ؟ هذا بيت

[صفحه 271]

رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في المسجد، وهذا بيت عليّ رضي الله عنه. إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بعث أبا بکر وعمر ببراءة إلي أهل مکّة، فانطلقا، فإذا هما براکب، فقالا: من هذا؟ قال: أنا عليّ، يا أبا بکر هاتِ الکتاب الذي معک. قال: وما لي!! قال: واللَّه ما علمت إلّا خيراً، فأخذ عليّ الکتاب فذهب به، ورجع أبوبکر وعمر إلي المدينة، فقالا: ما لنا يا رسول اللَّه؟! قال: ما لکما إلّا خير، ولکن قيل لي: إنّه لا يبلّغ عنک إلّا أنت أو رجل منک.[7] .

249- الإرشاد: جاء في قصّة البراءة وقد دفعها النبيّ صلي الله عليه و آله إلي أبي بکر لينبذ بها عهد المشرکين، فلمّا سار غير بعيد نزل جبرئيل عليه السلام علي النبيّ صلي الله عليه و آله فقال له: إنّ اللَّه يُقرئک السلام ويقول لک: لا يؤدّي عنک إلّا أنت أو رجل منک. فاستدعي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عليّاً عليه السلام وقال له: ارکب ناقتي العضباء والحَق أبا بکر، فخُذ براءة من يده وامضِ بها إلي مکّة، فانبذ عهد المشرکين إليهم، وخيّر أبا بکر بين أن يسير مع رکابک أو يرجع إليّ.

فرکب أميرالمؤمنين عليه السلام ناقة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله العضباء، وسار حتي لحق أبا بکر، فلمّا رآه فزع من لحوقه به، واستقبله وقال: فيمَ جئت يا أبا الحسن، أسائر معي أنت أم لغير ذلک؟! فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام: إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أمرني أن ألحقک فأقبض منک الآيات من براءة وأنبذ بها عهد المشرکين إليهم، وأمرني أن اُخيّرک بين أن تسير معي أو ترجع إليه. فقال: بل أرجع إليه.

وعاد إلي النبيّ صلي الله عليه و آله، فلمّا دخل عليه قال: يا رسول اللَّه، إنّک أهّلتني لأمرٍ طالت الأعناق فيه إليّ، فلمّا توجّهت له رددتني عنه، ما لي، أنزل فيَّ قرآن؟! فقال

[صفحه 272]

النبيّ صلي الله عليه و آله: لا، ولکنّ الأمين هبط إليّ عن اللَّه جلّ جلاله بأنّه لا يؤدّي عنک إلّا أنت أو رجل منک، وعليّ منّي، ولا يؤدّي عنّي إلّا عليّ.[8] .

250- تاريخ دمشق عن ابن عبّاس: بينا أنا مع عمر بن الخطّاب في بعض طرق المدينة- يده في يدي- إذ قال لي: يابن عبّاس، ما أحسب صاحبک إلّا مظلوماً! فقلت: فردّ إليه ظلامته يا أميرالمؤمنين!! قال: فانتزع يده من يدي، ونفر منّي يهمهم، ثمّ وقف حتي لحقته، فقال لي: يابن عبّاس، ما أحسب القوم إلّا استصغروا صاحبک. قلت: واللَّه ما استصغره رسول اللَّه صلي الله عليه و آله حين أرسله وأمره أن يأخذ براءة من أبي بکر فيقرأها علي الناس!! فسکت.[9] .

راجع: القسم التاسع /عليٌّ عن لسان أصحاب النبيّ/عمر بن الخطّاب.

کتاب «تاريخ دمشق»: 344:42 تا 349.

[صفحه 273]



صفحه 269، 270، 271، 272، 273.





  1. راجع الغدير: 338:6 تا 350 فقد جمع المؤلّف الطرق المختلفة لهذا الحديث، وذهب إلي تواترها المعنوي.
  2. مسند ابن حنبل: 1296:318:1، فضائل الصحابة لابن حنبل: 1203:703:2، تاريخ دمشق: 8929:348:42 کلّها عن حنش، الطبقات الکبري: 168:2، تاريخ الطبري: 122:3 و ص 123، الکامل في التاريخ: 644:1، المغازي: 1077:3، السيرة النبويّة لابن هشام: 190:4 والخمسة الأخيرة نحوه وراجع الأمالي للمفيد: 2:56 وشرح الأخبار: 284:304:1 والمناقب للکوفي: 376:473:1.
  3. مسند ابن حنبل: 14021:564:4، المصنّف لابن أبي شيبة: 72:506:7 وفيه «أهل بيتي» بدل «أهلي»، تاريخ دمشق: 8917:344:42 و ح 8918.
  4. فضائل الصحابة لابن حنبل: 946:562:2، مسند ابن حنبل: 13213:423:4 نحوه وراجع السيرة النبويّة لابن هشام: 190:4.
  5. خصائص أميرالمؤمنين للنسائي: 76:147، أنساب الأشراف: 384:2 عن يزيد بن يثيع، تفسير الطبري: 6:الجزء 64:10، تفسير ابن کثير: 49:4 کلاهما عن زيد بن يشيع وکلّها نحوه من دون إسناد إليه عليه السلام وراجع تاريخ اليعقوبي: 76:2.
  6. مسند ابن حنبل: 4:18:1، تاريخ دمشق: 8928:347:42.
  7. المستدرک علي الصحيحين: 4374:53:3.
  8. الإرشاد: 65:1، المناقب لابن شهر آشوب: 126:2 عن ابن عبّاس نحوه وراجع الخصال: 1578 وتفسير القمّي: 282:1 وتفسير العيّاشي: 4:73:2 والمناقب للکوفي: 371:469:1.
  9. تاريخ دمشق: 349:42، شرح نهج البلاغة: 45:6 وفيه «ما استصغره اللَّه» و ج 46:12 وفيه «ما استصغره اللَّه ورسوله»، کنز العمّال: 36357:109:13؛ الدرجات الرفيعة: 105 کلّها نحوه وراجع فرائد السمطين: 258:334:1.