المقاومة الرائعة في غزوة حنين











المقاومة الرائعة في غزوة حنين



ألقي فتح مکّة الرعب في قلوب المشرکين، والذعر والفزع في نفوسهم؛ فتشاورت قبيلتا الطائف المهمّتان هوازن وثقيف مع بعض القبائل الاُخري، فعزمتا علي المسارعة إلي مواجهة جيش الإسلام قبل أن يقبل عليهم، وجمعتا جيشاً ضخماً بقيادة شابّ باسل شجاع يدعي: مالک بن عوف النصري، وسار الجيش نحو المسلمين.[1] .

وبادر النبيّ صلي الله عليه و آله إلي مواجهتهم علي رأس جيش عظيم يتألّف من اثني عشر ألفاً؛ عشرة آلاف من يثرب، وألفين من المسلمين الجدد، وبلغت عظمة الجيش درجةً جعلت البعض يصاب بغرور زائف حتي قال: لا نُغلب اليوم من قلّة.[2] .

[صفحه 252]

وأمر مالک جيشه بالاختباء خلف الأحجار والصخور وشعاب الجبال والنقاط المرتفعة في آخر الوادي الذي کان ممرّاً إلي منطقة حنين. ولمّا وصل الجيش الإسلامي هناک رُشق بالسهام والحجارة، فمُني بالهزيمة والانکسار، وحدث ما حدث، وفرّ کثير من جيش رسول اللَّه صلي الله عليه و آله،[3] حتي قال أبوسفيان مستهزئاً: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر.[4] .

وفي ساعة العسرة هذه لم يبقَ مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إلّا قليل؛ قرابة عشرة، فاستماتوا في الدفاع عنه، وفيهم أميرالمؤمنين عليه السلام فکان لا يفتأ يحوم حوله مدافعاً، وهزم من کان يريد قتل النبيّ صلي الله عليه و آله، وأجبرهم علي الفرار.[5] .

وصاح النبيّ صلي الله عليه و آله بصوتٍ عالٍ في خضمّ تلک الشدائد والنوازل قائلاً: يا أنصار اللَّه وأنصار رسوله، أنا عبداللَّه ورسوله! ثمّ ساق بغلته نحو العدوّ ومعه عدد من الصحابة، وأمر عمّه العبّاس أن ينادي المسلمين بصوته الجهوريّ ويدعوهم إلي نصرته. وهکذا انتظم أمر الجيش مرّة اُخري.[6] .

إنّ ثبات عليّ عليه السلام وقتاله بلا هوادة في هذه المعرکة لافتان للنظر أيضاً، فقد قتل

[صفحه 253]

أربعين من هوازن،[7] وفيهم أبوجرول؛ وهو أحد شجعانهم، وکان هلاکه بداية لانهيار جيشهم.[8] ولاحق النبيّ صلي الله عليه و آله الفارّين، وحاصر قلعتهم بالطائف. وفي هذا الحصار اشتبک الإمام عليه السلام مع نافع بن غيلان فقتله، فولّي جمع من المشرکين مدبرين، وأسلم آخرون.[9] .

يضاف إلي هذا أنّ الإمام عليه السلام کلّف عند الحصار بکسر الأصنام التي کانت حول الطائف، وقد أنجز هذه المهمّة بأحسن ما يکون.[10] .

قال الشيخ المفيد رضوان اللَّه عليه في حضور الإمام عليه السلام هذه الغزوة: «فانظر الآن إلي مناقب أميرالمؤمنين عليه السلام في هذه الغزاة وتأملّها وفکّر في معانيها تجده قد تولّي کلّ فضل کان فيها، واختصّ من ذلک بما لم يشرکه فيه أحد من الاُمّة».[11] .

ويتسنّي لنا الآن- بناءً علي ما ذکرنا وما جاء في الوقائع التاريخيّة- أن نسجّل دور الإمام عليه السلام في النقاط الآتية:

1- حمله راية المهاجرين.

2- حضوره المهيب في احتدام القتال وهجوم العدوّ بلا هوادة، ودفعه الخطر

[صفحه 254]

عن النبيّ صلي الله عليه و آله في أحرج اللحظات التي فرّ فيها الکثيرون.

3- قتلُه أبا جرول والذي استتبع انهيار جيش هوازن.

4- قتله أربعين من مقاتلي هوازن.

5- قيادته لکتيبة کانت قد تعبّأت من أجل إزالة الأصنام.

6- مبارزة شهاب- من قبيلة خثعم- الذي لم يجرأ أحد من المسلمين علي مبارزته، فهبّ الإمام عليه السلام إليه وقضي عليه.

7- قتله نافعاً، الذي أدّي إلي إسلام الکثيرين.

228- تاريخ اليعقوبي: بلغ رسول اللَّه وهو بمکّة أنّ هوازن قد جمعت بحنين جمعاً کثيراً، ورئيسهم مالک بن عوف النصري، ومعهم دريد بن الصمّة من بني جشم؛ شيخ کبير يتبرّکون برأيه، وساق مالک مع هوازن أموالهم وحرمهم. فخرج إليهم رسول اللَّه في جيش عظيم عدّتهم اثنا عشر ألفاً؛ عشرة آلاف أصحابه الذين فتح بهم مکّة، وألفان من أهل مکّة ممّن أسلم طوعاً وکرهاً، وأخذ من صفوان بن اُميّة مائة درع وقال: «عارية مضمونة». فأعجبت المسلمين کثرتُهم، وقال بعضهم: ما نؤتي من قلّة. فکره رسول اللَّه ذلک من قولهم.

وکانت هوازن قد کمنت في الوادي، فخرجوا علي المسلمين؛ وکان يوماً عظيم الخطب، وانهزم المسلمون عن رسول اللَّه، حتي بقي في عشرة من بني هاشم، وقيل تسعة، وهم: عليّ بن أبي طالب، والعبّاس بن عبدالمطّلب، وأبوسفيان بن الحارث، ونوفل بن الحارث، وربيعة بن الحارث، وعتبة ومعتّب ابنا أبي لهب، والفضل بن العبّاس، وعبداللَّه بن الزبير بن عبدالمطّلب، وقيل:

[صفحه 255]

أيمن بن اُمّ أيمن. قال اللَّه عزّوجلّ: «وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْکُمْ کَثْرَتُکُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنکُمْ شَيًْا وَضَاقَتْ عَلَيْکُمُ الأَْرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ × ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَکِينَتَهُ و عَلَي رَسُولِهِ ي وَعَلَي الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا».[12] .

229- تاريخ الإسلام عن الواقديّ: سار رسول اللَّه صلي الله عليه و آله من مکّة لستٍّ خلونَ من شوّال في اثني عشر ألفاً، فقال أبوبکر: لا نُغلب اليوم من قلّة. فانتهوا إلي حُنين لعشر خلونَ من شوّال. وأمر النبيّ صلي الله عليه و آله أصحابه بالتعبئة، ووضع الألوية والرايات في أهلها، ورکب بغلته، ولبس دِرعين والمِغفر والبيضة. فاستقبلهم من هوازن شي ءٌ لم يرَوا مثله من السواد والکثرة، وذلک في غبش الصبح. وخرجت الکتائب من مضيق الوادي وشعبه، فحملوا حملةً واحدة، فانکشفت خيل بني سليم مُولّيةً، وتبعهم أهل مکّة، وتبعهم الناس.[13] .

230- السيرة النبويّة عن جابر بن عبداللَّه: لمّا استقبلنا وادي حنين انحدرنا في وادٍ من أودية تهامة أجوف حَطُوط،[14] إنّما ننحدر فيه انحداراً،- قال:- وفي عَماية الصبح.[15] وکان القوم قد سبقونا إلي الوادي، فکمنوا لنا في شِعابه وأحنائه ومضايقه، وقد اجمعوا وتهيّؤوا وأعدّوا. فواللَّه ما راعنا ونحن منحطّون إلّا الکتائب قد شدُّوا علينا شدّة رجلٍ واحد، وانشمر الناس راجعين لا يلوي أحد علي أحدٍ، وانحاز رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ذات اليمين، ثمّ قال: أين!! أيّها الناس هلمُّوا

[صفحه 256]

إليّ! أنا رسول اللَّه، أنا محمّد بن عبداللَّه. قال: فلا شي ء؛ حمَلت الإبل بعضها علي بعضٍ، فانطلق الناس، إلّا أنّه قد بقي مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته. وفيمن ثبت معه... من أهل بيته عليّ بن أبي طالب.[16] .

231- مسند أبي يعلي عن جابر: کان أيّام هوازن رجل جسيم، علي جمل أحمر، في يده راية سوداء، إذا أدرک طعن بها، وإذا فاته شي ء من بين يديه دفعها من خلفه فأبعده. فعمد له عليّ بن أبي طالب ورجل من الأنصار کلاهما يريده- قال:- فضربه عليّ علي عرقوبي الجمل، فوقع علي عجزه،- قال:- وضرب الأنصاري ساقه- قال:- فطرح قدمه بنصف ساقه، فوقع، واقتتل الناس.[17] .

232- الإرشاد: أقبل رجل من هوازن علي جمل له أحمر، بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام القوم، إذا أدرک ظفراً من المسلمين أکبّ عليهم، وإذا فاته الناس رفعه لمن وراءه من المشرکين فاتّبعوه، وهو يرتجز ويقول:


أنا أبوجرول لا بَراحُ[18] .
حتي نُبيحَ القومَ أو نُباحُ


فصمد له أميرالمؤمنين عليه السلام، فضرب عجز بعيره فصرعه، ثمّ ضربه فقطره، ثمّ قال:


قد عَلم القومُ لدَي الصباحِ
أنّيَ في الهيجاء ذو نصاحِ


فکانت هزيمة المشرکين بقتل أبي جرول لعنه اللَّه.[19] .

[صفحه 257]

233- الإرشاد: لمّا قتل أميرالمؤمنين عليه السلام أبا جرول وخُذل القوم لقتله، وضع المسلمون سيوفهم فيهم، وأميرالمؤمنين عليه السلام يقدمهم حتي قتل أربعين رجلاً من القوم، ثمّ کانت الهزيمة والأسر حينئذٍ.[20] .

234- مسند أبي يعلي عن أنس: کان عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يومئذٍ [أي يوم حنين ]أشدّ الناس قتالاً بين يديه [صلي الله عليه و آله].[21] .

235- الإمام الصادق عليه السلام: قتل عليّ بن أبي طالب عليه السلام بيده يوم حنين أربعين.[22] .

236- الإرشاد- في ذکر وقايع بعد غزوة حنين- ثمّ سار بنفسه إلي الطائف فحاصرهم أيّاماً...-: ثمّ خرج من حصن الطائف نافع بن غيلان بن معتب في خيل من ثقيف، فلقيه أميرالمؤمنين عليه السلام ببطن وَجٍّ[23] فقتله، وانهزم المشرکون، ولحق القوم الرعب، فنزل منهم جماعة إلي النبيّ صلي الله عليه و آله فأسلموا. وکان حصار النبيّ صلي الله عليه و آله الطائفَ بضعة عشر يوماً.[24] .

[صفحه 259]



صفحه 252، 253، 254، 255، 256، 257، 259.





  1. السيرة النبويّة لابن هشام: 80:4، الطبقات الکبري: 149:2، تاريخ الطبري: 70:3، الکامل في التاريخ: 624:1.
  2. الطبقات الکبري: 150:2، السيرة النبويّة لابن هشام: 83:4 و ص 87، الکامل في التاريخ: 625:1، تاريخ الطبري: 73:3، تاريخ الإسلام للذهبي: 574:2؛ تاريخ اليعقوبي: 62:2، الإرشاد: 140:1.
  3. الطبقات الکبري: 151:2، تاريخ الطبري: 74:3، السيرة النبويّة لابن هشام: 85:4، الکامل في التاريخ: 625:1.
  4. تاريخ الطبري: 74:3، الکامل في التاريخ: 626:1، تاريخ الإسلام للذهبي: 576:2.
  5. الطبقات الکبري: 151:2، تاريخ الطبري: 74:3، السيرة النبويّة لابن هشام: 85:4، الکامل في التاريخ: 625:1.
  6. تاريخ الطبري: 75:3، الطبقات الکبري: 151:2، السيرة النبويّة لابن هشام: 87:4؛ الإرشاد: 142:1.
  7. الکافي: 566:376:8، الإرشاد: 144:1 و ص 150.
  8. الإرشاد: 143:1 و ص 150 وراجع مسند أبي يعلي: 1858:344:2 وتاريخ الطبري: 76:3 والسيرة النبويّة لابن هشام: 88:4.
  9. الإرشاد: 153:1.
  10. الإرشاد: 152:1، تاريخ اليعقوبي: 64:2.
  11. الإرشاد: 149:1.
  12. التوبة: 25 و 26، تاريخ اليعقوبي: 62:2، الإرشاد: 140:1 نحوه.
  13. تاريخ الإسلام للذهبي: 574:2 وراجع المغازي: 890:3.
  14. أجوف: واسع الجوف والحَطُوط: الأکمة الصعبة الانحدار (لسان العرب: 35:9 و ج 274:7).
  15. عَماية الصبح: بقيّة ظلمة الليل (لسان العرب: 98:15).
  16. السيرة النبويّة لابن هشام: 85:4، تاريخ الطبري: 74:3.
  17. مسند أبي يعلي: 1858:344:2، تاريخ الطبري: 76:3، السيرة النبويّة لابن هشام: 88:4 کلاهما نحوه.
  18. البراح: الظهور والبيان (لسان العرب: 409:2).
  19. الإرشاد: 142:1، کشف الغمّة: 222:1.
  20. الإرشاد: 144:1، کشف الغمّة: 223:1، إعلام الوري: 387:1، کشف اليقين: 175 نحوه.
  21. مسند أبي يعلي: 3594:443:3، المعجم الأوسط: 2758:148:3 وفيه «مِن أشدّ» بدل «أشدّ».
  22. الکافي: 566:376:8 عن عجلان، کشف الغمّة: 83:2 من دون إسناد إلي معصوم.
  23. وَجٌّ: الطائف (معجم البلدان: 361:5).
  24. الإرشاد: 153:1، المناقب لابن شهر آشوب: 145:3، إعلام الوري: 233:1 وليس فيهما من «ولحق القوم...».