النشاطات في فتح مكّة











النشاطات في فتح مکّة



تمّ الاتّفاق في صلح الحديبيّة علي أن يکفّ کلّ من الطرفين عن شنّ الحرب، وألّا يحرّضا حلفاءهما علي ذلک، وألّا يدعماهم في حرب من الحروب. لکنّ قريش نکثت مقرّرات ذلک الصلح بتجهيز بني بکر- حلفائهم- علي قبيلة خزاعة حليفة المسلمين، أو بالاشتراک ليلاً في قتالٍ ضدّها.[1] .

وتناهي إلي أسماع النبيّ صلي الله عليه و آله استشهاد عدد من المسلمين مظلومين، واستنجاد عمرو بن سالم- رئيس قبيلة خزاعة- بأبيات مؤثّرة، فأنجده.

وهکذا عزم علي فتح مکّة، ومحو معالم الشرک من مرکز التوحيد، إذ لا مانع يحول دون ذلک حينئذٍ. فسيطر رسول اللَّه صلي الله عليه و آله علي مکّة عبر خطّة عسکريّة

[صفحه 246]

عجيبة، وفتحها بلا إراقة دمٍ، ومعه أکثر من عشرة آلاف مقاتل.[2] .

وشهد الإمام عليّ عليه السلام هذا النصر، وکان حضوره فيه لافتاً للنظر من وجوه:

1- کان حاطب بن أبي بلتعة قد کتب إلي قريش کتاباً يخبرهم فيه بعزم النبيّ صلي الله عليه و آله علي فتح مکّة، وأرسله مع إحدي النساء. فاستدعي النبيّ صلي الله عليه و آله عليّاً عليه السلام، وبعثه مع اثنين للقبض علي تلک المرأة. ولمّا لقوها وطلبوا منها دفع الکتاب إليهم أنکرت ذلک أشدّ إنکار، ففتّشوها عدّة مرّات فلم يجدوا عندها شيئاً، ودلّ تفتيشهم علي صحّة ما تدّعيه. فقال لها الإمام عليه السلام: واللَّه ما کَذَبنا رسولُ اللَّه صلوات اللَّه عليه... واللَّه لتُظهرنّ الکتاب أو لأردنّ رأسک إلي رسول اللَّه! فاستسلمت المرأة وأخرجته من ضفيرتها، ودفعته إليه.[3] .

2- کان سعد بن عبادة يحمل راية الإسلام، وينادي: اليوم يوم الملحمة....

فنادي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله نداء الرحمة والرأفة، وقال: اليوم يوم المرحمة...،[4] ثمّ دعا عليّاً عليه السلام وأمره أن يرفع الراية مکان سعد.[5] .

[صفحه 247]

3- أعطي النبيّ صلي الله عليه و آله الأمان للجميع بعد فتح مکّة إلّا شرذمة من سود الضمائر المعاندين فقد أهدر دمهم، منهم الحويرث- الذي کان يؤذيه کثيراً يوم کان في مکّة- وامرأة مغنّية کانت تهجوه صلي الله عليه و آله، فقتلهما الإمام عليه السلام.[6] .

224- تاريخ الطبري عن عروة بن الزبير وغيره: لمّا أجمع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله المسير إلي مکّة کتب حاطب بن أبي بلتعة کتاباً إلي قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله من الأمر في السير إليهم، ثمّ أعطاه امرأة... وجعل لها جُعلاً علي أن تبلّغه قريشاً، فجعلته في رأسها، ثمّ فتلت عليه قرونها، ثمّ خرجت به. وأتي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث عليّ بن أبي طالب والزبير ابن العوّام، فقال: أدرکا امرأة قد کتب معها حاطب بکتاب إلي قريش، يحذّرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم.

فخرجا حتي أدرکاها بالحليفة- حليفة ابن أبي أحمد- فاستنزلاها، فالتمسا في رحلها، فلم يجدا شيئاً، فقال لها عليّ بن أبي طالب: إنّي أحلف ما کذب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ولا کذبنا، ولتخرِجِنّ إليّ هذا الکتاب أو لنکشفنّکِ. فلمّا رأت الجدّ منه قالت: أعرض عنّي. فأعرض عنها، فحلّت قرون رأسها، فاستخرجت الکتاب منه، فدفعته إليه، فجاء به إلي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله.[7] .

[صفحه 248]

225- صحيح البخاري عن عبيد اللَّه بن أبي رافع: سمعت عليّاًرضي الله عنه يقول: بعثني رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أنا والزبير والمقداد، فقال: انطلقوا حتي تأتوا روضة خاخ،[8] فإنّ بها ظعينة[9] معها کتاب، فخذوه منها. فانطلقنا تَعادَي بنا خيلنا حتي أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، قلنا لها: أخرجي الکتاب. قالت: ما معي کتاب! فقلنا: لتُخرِجِنّ الکتاب أو لنُلقينّ الثياب. فأخرجته من عقاصها.[10] فأتينا به رسول اللَّه صلي الله عليه و آله.[11] 226- تاريخ الطبري عن عبداللَّه بن أبي نجيح: إنّ النبيّ صلي الله عليه و آله حين فرّق جيشه من ذي طوي، أمر الزبير أن يدخل في بعض الناس من کديً،[12] وکان الزبير علي المجنِّبة[13] اليسري، فأمر سعد بن عبادة أن يدخل في بعض الناس من کداء.[14] فزعم بعض أهل العلم أن سعداً قال حين وجّه داخلاً: «اليوم يوم الملحمة، اليوم تُستحلّ الحُرمة» فسمعها رجل من المهاجرين، فقال: يا رسول اللَّه، اسمع ما قال سعد بن عبادة! وما نأمن أن تکون له في قريش صولة!! فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لعليّ

[صفحه 249]

ابن أبي طالب: أدرکه فخذ الراية، فکُن أنت الذي تدخل بها.[15] .

227- أنساب الأشراف: أمّا الحويرث بن نقيذ، فکان يعظم القول في رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وينشد الهجاء فيه، ويکثر أذاه، وهو بمکّة. فلمّا کان يوم الفتح هرب من بيته، فلقيه عليّ بن أبي طالب فقتله.[16] .

راجع: القسم العاشر/الخصائص العقائديّة/امتحن اللَّه قلبه للإيمان.

[صفحه 251]



صفحه 246، 247، 248، 249، 251.





  1. الطبقات الکبري: 134:2، تاريخ الطبري: 44:3، تاريخ الإسلام للذهبي: 521:2، الکامل في التاريخ: 609:1، السيرة النبويّة لابن هشام: 36:4، أنساب الأشراف: 449:1.
  2. الطبقات الکبري: 135:2 و ص 139، تاريخ الطبري: 50:3، السيرة النبويّة لابن هشام: 42:4، الکامل في التاريخ: 612:1.
  3. صحيح البخاري: 4025:1557:4، صحيح مسلم: 161:1941:4، مسند ابن حنبل: 600:173:1، المستدرک علي الصحيحين: 5309:341:3، الطبقات الکبري: 134:2، تاريخ الطبري: 48:3، تاريخ الإسلام للذهبي: 525:2، الکامل في التاريخ: 611:1، السيرة النبويّة لابن هشام: 40:4؛ تاريخ اليعقوبي: 58:2.
  4. اُسد الغابة: 2012:442:2، کنز العمّال: 30173:513:10 نقلاً عن ابن عساکر.
  5. تاريخ الإسلام للذهبي: 532:2، تاريخ الطبري: 56:3، السيرة النبويّة لابن هشام: 49:4، الکامل في التاريخ: 614:1؛ الإرشاد: 135:1، شرح الأخبار: 305:1، إعلام الوري: 385:1، المناقب لابن شهر آشوب: 207:1 و 208.
  6. أنساب الأشراف: 456:1 و 457؛ الإرشاد: 136:1.
  7. تاريخ الطبري: 48:3، السيرة النبويّة لابن هشام: 40:4 وفيه «خليقة» بدل «حليفة» وراجع المستدرک علي الصحيحين: 5309:341:3 والکامل في التاريخ: 611:1.
  8. روضة خاخ: موضع بين الحرمين بقرب حمراء الأسد من المدينة (معجم البلدان: 335:2).
  9. الظعينة: المرأة في الهودج (لسان العرب: 271:13).
  10. العَقْص: ضرب من الضَّفر؛ وهو أن يلوي الشعر علي الرأس؛ ولهذا تقول النساء: لها عِقْصة، ف وجمعها عِقَص وعِقاص وعقائص، ويقال: هي التي تتّخذ من شعرها مثل الرمّانة (لسان العرب: 56:7).
  11. صحيح البخاري: 4025:1557:4، صحيح مسلم: 161:1941:4، مسند ابن حنبل: 600:173:1، تاريخ الإسلام للذهبي: 525:2.
  12. کُدا- بالضمّ والقصر: الثنية السفلي مما يلي باب العمرة (لسان العرب: 218:15).
  13. المُجنِّبتان من الجيش: الميمنة والميسرة (لسان العرب: 276:1).
  14. کَداء- بالفتح والمد: الثنية العليا بمکّة ممّا يلي المقابر، وهو المعلي (لسان العرب: 218:15).
  15. تاريخ الطبري: 56:3، السيرة النبويّة لابن هشام: 48:4، الکامل في التاريخ: 614:1 وراجع المغازي: 821:2 والإرشاد: 134:1 وشرح الأخبار: 305:1، وإعلام الوري: 385:1 والمناقب لابن شهر آشوب: 207:1.
  16. أنساب الأشراف: 456:1، الکامل في التاريخ: 616:1 وراجع المغازي: 857:2.