تحقيق و تمحيص











تحقيق و تمحيص



إنّ الأخبار المنقولة حول هذه الحادثة بالغة الکثرة؛ فقد نقلها أئمّة الحديث، والتاريخ، والحفّاظ- علي حدّ تعبير العلّامة الجليل الشيخ الأميني-[1] بدون أن يطعنوا في أسانيدها ويشکّوا في نقلها. وما يتطلّب قليلاً من البحث، ويحتاج إلي التحقيق والتمحيص والتوضيح هو زمن الحادثة؛ فإنّ تبويب الأخبار الکثيرة المنقولة في هذا المجال يدلّ علي أنّها تنقسم إلي أربعة أقسام:

1- بعض الأخبار- وهي کثيرة جدّاً- لم تصرّح بزمن وقوع الحادثة، وجاء في آخرها أنّ الإمام قال: «...فقذفت به [أحد الأصنام] فتکسّر کما تتکسّر

[صفحه 154]

القوارير، ثمّ نزلتُ، فانطلقت أنا ورسول اللَّه صلي الله عليه و آله نستبق حتي توارينا بالبيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس».[2] .

2- أخبار اُخري تُشير إلي أنّها کانت في ليلة خروج النبيّ صلي الله عليه و آله من مکّة.[3] .

3- أخبار اُخري تنصّ علي أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله خرج مع الإمام عليه السلام من بيت خديجة، ثمّ عادا إلي البيت بعد کسر الأصنام.[4] .

4- خبر آخر نصّ علي أنّها تزامنت مع فتح مکّة.[5] .

وتدلّ الطوائف الثلاثة الاُولي من هذه الأخبار علي أنّ الحادثة کانت قبل الهجرة وفي ذروة الإرهاب الذي مارسه المشرکون ضدّ المسلمين، والظنّ القويّ يدعم هذا الرأي، مع أنّه لا يستبعد وقوعها مرّتين؛ أي قام رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بهذه الحرکة العظيمة المضادّة للشرک ومعه الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام في ذلک الجوّ الإرهابي الخانق المظلم قبل الهجرة. ومن الجليّ أنّ المشرکين الذين کانت مکّة، والمسجد الحرام، والکعبة تحت تصرّفهم قد أعادوا الأصنام إلي مکانها، ودنّسوا بها الکعبة، ثمّ وبعد فتح مکّة تکرّرت تلک الحرکة التطهيرية العظيمة للمرّة الأخيرة.

[صفحه 155]

واحتمل بعض المحدّثين والعلماء هذا التعدّد؛ فالعلّامة المجلسي الذي تحدّث في موضع من کتابه «بحارالأنوار» عن فتح مکّة، أشار في موضع آخر إلي أخبار اُخري، وقال:

«أمّا کون کسر الأصنام في فتح مکّة فلا يظهر من هذا الخبر، ولا من أکثر الأخبار الواردة فيه، بل صريح بعض الأخبار وظاهر بعضها کون ذلک قبل الهجرة، فيمکن الجمع بينهما بالقول بتعدّد وقوع ذلک».[6] .

ونقل أحمد بن محمّد بن عليّ بن أحمد العاصمي (م 378) أحد اُدباء القرن الرابع وعلمائه بخراسان أيضاً هذا الاحتمال.[7] .

[صفحه 157]



صفحه 154، 155، 157.





  1. الغدير: 10:7.
  2. مسند ابن حنبل: 644:183:1، المستدرک علي الصحيحين: 3387:398:2، خصائص أميرالمؤمنين للنسائي: 122225، تهذيب الآثار (مسند عليّ بن أبي طالب): 32:237 و 33، مسند أبي يعلي: 287:180:1، المناقب لابن المغازلي: 5:429، المناقب للخوارزمي: 139:123؛ المناقب للکوفي: 1105:606:2 وراجع تاريخ بغداد: 7282:302:13 ومجمع الزوائد: 9836:21:6 والخصال: 30:552 والاحتجاج: 53:311:1.
  3. المستدرک علي الصحيحين: 4265:6:3.
  4. الفضائل لابن شاذان: 83، بحارالأنوار: 4:84:38.
  5. المناقب لابن المغازلي: 2400:202؛ العمدة: 710:364.
  6. بحارالأنوار: 138:59.
  7. زين الفتي: 159:1.