العبّاس
وُلد في سنة (26 ه )[2] من اُمّ عظيمة تنتسب إلي قبيلة بني کلاب التي أنجبت أشجع الصناديد الأفذاذ في زمانها، وتربّي في حجرها، ونشأ مع إخوته الذين لا مثيل لهم؛ کالحسنين عليهماالسلام. کانت کنيته: أباالفضل،[3] وأباقِربة.[4] ولقبه: السقّاء،[5] وقمر بني هاشم. [صفحه 132] وأمّا صفته: فقد کان ممشوق[6] القامة، عريض الصدر، عَبْل الذراعين،[7] جميل المحيّا، حتي سُمّي: قمر بني هاشم.[8] . وکان مع أبي أعبداللَّه الحسين عليه السلام منذ بداية الثورة. وهو صاحب لوائه في کربلاء.[9] وتولّي سقاية الجيش والأطفال في ساعة العسرة التي کان فيها الإمام وأصحابه محاصرين.[10] . وعندما طلب الإمام عليه السلام من أصحابه وأهل بيته أن يذهبوا ويترکوه وحده في ليلة العاشر من المحرّم، کان أبوالفضل أوّل من هبّ ليخبره بملازمته إيّاه وتفانيه من أجله عبر کلمات طافحة بالعشق والإيمان والإيثار.[11] . أتاه وإخوته الثلاثة شمرُ بن ذي الجوشن ومعه کتاب الأمان، فامتعضوا منه وکرهوا لقاءه، وقالوا في ردّ ما عرضه عليهم: لعنک اللَّه ولعن أمانک!... أتؤمننا وابن رسول اللَّه لا أمان له؟![12] . أثني عليه المعصومون عليهم السلام ووصفوه بالإيثار، والبصيرة النافذة، والثبات علي الإيمان، والجهاد العظيم، والبلاء الحسن، والمنزلة التي يُغبَط عليها يوم [صفحه 133] القيامة.[13] . استُشهد هذا البطل المهيب والعضد الصامد لأبي أعبداللَّه عليه السلام عندما عزم علي إيصال الماء إلي الأفواه اليابسة الظامئة للنساء والأطفال حين ظلّ الإمام عليه السلام وحيداً فريداً. فعزّ مصرعه علي الحسين عليه السلام، وجلس عند جثمانه المضرّج بالدماء، ورثاه بحرقة وألم: «الآن انکسر ظهري، وقلّت حيلتي».[14] . 103- الإمام زين العابدين عليه السلام: رحم اللَّه العبّاس- يعني ابن عليّ- فلقد آثر وأبلي وفدي أخاه بنفسه حتي قُطعت يداه، فأبدله اللَّه بهما جناحين يطير بهما مع الملائکة في الجنّة کما جعل لجعفر بن أبي طالب. وإنّ للعبّاس عند اللَّه تبارک وتعالي لمنزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة.[15] . 104- عنه عليه السلام- في ذکر ليلة عاشوراء-: لمّا کان الليل، قال [الحسين عليه السلام]: هذا الليل قد غَشِيکم، فاتّخِذوه جملاً،[16] ثمّ ليأخذ کلّ رجل منکم بيد رجل من أهل بيتي؛ تفرّقوا في سوادکم ومدائنکم حتي يفرّج اللَّه؛ فإنّ القوم إنّما يطلبوني، ولو قد أصابوني لهَوْا عن طلب غيري. فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا أعبداللَّه ابن جعفر: لِمَ نفعل؟! لِنبقي بعدک؟! لا أرانا اللَّه ذلک أبداً! بدأهم بهذا القول العبّاس بن عليّ عليه السلام.[17] . [صفحه 134] 105- الإمام الصادق عليه السلام: کان عمّنا العبّاس نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أبي أعبداللَّه عليه السلام، وأبلي بلاءً حسناً، ومضي شهيداً.[18] . 106- تاريخ الطبري عن أعبداللَّه بن شريک العامري- في ذکر أحداث واقعة کربلاء-: قال أعبداللَّه بن أبي المحلّ- لابن زياد-:... أصلح اللَّه الأمير! إنّ بني اُختنا مع الحسين، فإن رأيت أن تکتب لهم أماناً فعلت، قال: نعم ونعمة عين. فأمر کاتبه، فکتب لهم أماناً. فبعث به أعبداللَّه بن أبي المحلّ مع موليً له يقال له: کُزمان، فلمّا قدم عليهم دعاهم، فقال: هذا أمان بعث به خالکم. فقال له الفتية: أقرِئ خالنا السلام، وقل له: أن لا حاجة لنا في أمانکم، أمان اللَّه خيرٌ من أمان ابن سميّة!... وجاء شمر حتي وقف علي أصحاب الحسين، فقال: أين بنو اُختنا؟ فخرج إليه العبّاس وجعفر وعثمان بنو عليّ عليه السلام، فقالوا له: ما لَکَ وما تريد؟ قال: أنتم يا بني اُختي آمِنون. قال له الفتية: لعنک اللَّه ولعن أمانک! لئن کنت خالنا أتؤمننا وابن رسول اللَّه لا أمان له؟![19] .
مظهر العشق والإيثار، ومثال الرجولة والصفاء والوقار، ورمز الشجاعة والشهامة والکرامة. وکانت له بين أبطال کربلاء وشهداء التاريخ منزلة رفيعة، ومکانة سامقة، حتي قال سيّد الساجدين زين العابدين عليه السلام في حقّه: «إنّ للعبّاس عند اللَّه تبارک وتعالي لمنزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة».[1] .
صفحه 132، 133، 134.