النشأة











النشأة



رافق عليّ عليه السلام رسول اللَّه صلي الله عليه و آله منذ السنين الاُولي من عمره؛ فقد عسرت الحياة علي أبي طالب برهة، وضاقت به الاُمور، فاقترح رسول اللَّه صلي الله عليه و آله علي إخوة أبي طالب أن يأخذوا منه بعض أولاده إلي بيوتهم؛ لتخفيف عب ء العيش عن کاهله.

وشاءت إرادة اللَّه تعالي أن يکون عليّ عليه السلام في بيت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فتولّي تربيته منذ نعومة أظفاره.

وکان النبيّ صلي الله عليه و آله يحبّ هذا الطفل الصغير؛ يضمّه إلي صدره، ويُمِسّه عَرْفَه، ويُلقمه الطعام، ويرعي حياته لحظة لحظة، وينفحه بالأنوار الإلهيّة المشعّة.

وهکذا تربّي الإمام عليه السلام في حجر النبوّة، وارتوي من منهل فضائلها الرائق، وأمضي أيّامه ملازماً لها ملازمة الظلّ لصاحبه.

وحين سطعت القبسات الاُولي للوحي صدّق بالرسالة المحمّديّة موقناً؛ إذ

[صفحه 92]

کانت روحه قد تواشجت هي وروح صاحبها. من هنا کان أوّل من صدّقه صلي الله عليه و آله.

ونجد في الخطبة البليغة الرفيعة «القاصعة» أجمل تصوير لهذه الملازمة، ولدور رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في تربيته وإعداده عليه السلام، وحبِّه إيّاه، واستنارةِ الإمام عليه السلام بهذه الملازمة. وهو ما تقرؤونه في سياق النصوص التي يشتمل عليها هذه الفصل.

60- کشف اليقين عن يزيد بن قعنب: ولدت [فاطمة بنت أسد] عليّاً ولرسول اللَّه صلي الله عليه و آله ثلاثون سنة، فأحبّه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله حبّاً شديداً، وقال لها: اجعلي مهده بقرب فراشي.

وکان صلي الله عليه و آله يلي أکثر تربيته، وکان يطهّر عليّاً في وقت غسله، ويُوجِره[1] اللبن عند شربه، ويحرّک مهده عند نومه، ويناغيه في يقظته، ويجعله علي صدره.[2] .

61- شرح نهج البلاغة عن الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين عليهماالسلام: سمعت زيداً- أبي- يقول: کان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يمضغ اللحمة والتمرة حتي تلين، ويجعلهما في فم عليّ عليه السلام وهو صغير في حِجْره.[3] .

62- أنساب الأشراف: قالوا: کان أبوطالب قد أقلّ وأقتر، فأخذ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عليّاً ليخفّف عنه مؤنته، فنشأ عنده.[4] .

63- مجالس ثعلب عن ابن سلّام: لمّا أمعَرَ[5] أبوطالب قالت بنو هاشم: دعنا فليأخذ کلّ رجلٍ منّا رجلاً من ولدک، قال: اصنعوا ما أحببتم إذا خلّيتم لي عقيلاً.

[صفحه 93]

فأخذ النبيّ صلي الله عليه و آله عليّاً، فکان أوّل من أسلم ممّن تلتفّ عليه خِبْطاته.[6] .

64- مقاتل الطالبيّين عن زيد بن عليّ: کان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أخذ عليّاً من أبيه وهو صغير في سنةٍ[7] أصابت قريشاً وقحطٍ نالَهم، وأخذ حمزة جعفراً، وأخذ العبّاس طالباً؛ ليکفوا أباهم مؤنتهم، ويخفّفوا عنه ثقلهم، وأخذ هو عقيلاً لميله کان إليه. فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: اخترت من اختار اللَّه لي عليکم؛ عليّاً.[8] .

65- المستدرک علي الصحيحين عن مجاهد بن جبر أبي الحجّاج: کان من نِعَم اللَّه علي عليّ بن أبي طالب عليه السلام ما صنع اللَّه له وأراده به من الخير؛ أنّ قريشاً أصابتهم أزمة شديدة، وکان أبوطالب في عيالٍ کثير، فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لعمّه العبّاس- وکان من أيسر بني هاشم: يا أباالفضل، إنّ أخاک أباطالب کثير العيال، وقد أصاب الناس ما تري من هذه الأزمة، فانطلق بنا إليه نخفّف عنه من عياله؛ آخذ من بنيه رجلاً، وتأخذ أنت رجلاً، فنکفلهما عنه. فقال العبّاس: نعم.

فانطلقا حتي أتيا أباطالب، فقالا: إنّا نريد أن نخفّف عنک من عيالک حتي تنکشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبوطالب: إذا ترکتما لي عقيلاً فاصنعا ما شئتما.

فأخذ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عليّاً فضمّه إليه، وأخذ العبّاس جعفراً فضمّه إليه. فلم يزل عليّ مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله حتي بعثه اللَّه نبيّاً، فاتّبعه وصدّقه، وأخذ العبّاس جعفراً،

[صفحه 94]

ولم يزل جعفر مع العبّاس حتي أسلم واستغني عنه.[9] .

66- الإمام عليّ عليه السلام- في خطبته المسمّاة بالقاصعة-: أنا وضعت في الصغر بکَلاکِل[10] العرب، وکسرت نَواجِم[11] قرون ربيعة ومضر، وقد علمتم موضعي من رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة؛ وضعني في حجره وأنا ولد يضمّني إلي صدره، ويکنفني في فراشه، ويُمِسّني جسدَه، ويُشِمّني عَرْفَه،[12] وکان يمضغ الشي ء ثمّ يُلقِمنِيه، وما وجد لي کذبة في قول، ولا خَطْلة[13] في فعل.

ولقد قرن اللَّه به صلي الله عليه و آله من لدن أن کان فطيماً أعظم ملک من ملائکته؛ يسلک به طريق المکارم، ومحاسن أخلاق العالَم، ليلَه ونهاره. ولقد کنت أتّبعه اتّباع الفَصِيل[14] أثر اُمّه، يرفع لي في کلّ يوم من أخلاقه علَماً، ويأمرني بالاقتداء به. ولقد کان يجاور في کلّ سنة بحِراء، فأراه ولا يراه غيري. ولم يجمع بيتٌ واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وخديجة وأنا ثالثهما، أري نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوّة.[15] .

[صفحه 95]

67- السيرة النبويّة عن ابن إسحاق: کان ممّا أنعم اللَّه به علي عليّ بن أبي طالب أنّه کان في حِجر رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قبل الإسلام.[16] .

68- شرح نهج البلاغة عن الفضل بن عبّاس: سألت أبي عن ولد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله الذکور، أيّهم کان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله له أشدَّ حبّاً؟ فقال: عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقلت له: سألتک عن بنيه! فقال: إنّه کان أحبّ إليه من بنيه جميعاً وأرأف، ما رأيناه زايَله يوماً من الدهر منذ کان طفلاً، إلّا أن يکون في سفر لخديجة، وما رأينا أباً أبرّ بابنٍ منه لعليّ، ولا ابناً أطوع لأبٍ من عليٍّ له....

وروي جبير بن مُطعِم قال: قال أبي مُطعِم بن عديّ لنا ونحن صبيان بمکّة: ألا ترون حبّ هذا الغلام- يعني عليّاً- لمحمّد واتّباعه له دون أبيه؟! واللات والعُزّي! لوددتُ أنّ ابني بفتيان بني نوفل جميعاً![17] .

راجع: القسم التاسع/عليٌّ عن لسان النبيّ/المکانة السياسيّة والاجتماعيّة/خيرة اللَّه.

[صفحه 97]



صفحه 92، 93، 94، 95، 97.





  1. وَجَرْته الدواءَ: جعلته في فِيه (لسان العرب: 279:5).
  2. کشف اليقين: 12:32.
  3. شرح نهج البلاغة: 200:13؛ بحارالأنوار: 323:38.
  4. أنساب الأشراف: 346:2.
  5. أمْعَرَ: افتقر (النهاية: 342:4).
  6. الخِبطَة: القطعة من البيوت والناس (لسان العرب: 284:7)، مجالس ثعلب: 29:1.
  7. السَّنَة: الجَدْب، يقال: أخذتْهم السَّنة: إذا أجدَبوا واُقحِطوا (النهاية: 413:2).
  8. مقاتل الطالبيّين: 41، شرح نهج البلاغة: 15:1 نحوه.
  9. المستدرک علي الصحيحين: 6463:666:3، السيرة النبويّة لابن هشام: 262:1، تاريخ الطبري: 313:2، الکامل في التاريخ: 484:1، تاريخ الإسلام للذهبي: 136:1، دلائل النبوّة للبيهقي: 162:2، المناقب للخوارزمي: 14:51، البداية والنهاية: 25:3 والأربعة الأخيرة نحوه؛ علل الشرائع: 1:169، المناقب لابن شهر آشوب: 179:2، إعلام الوري: 105:1 کلاهما نحوه، روضة الواعظين: 98.
  10. الکَلْکَل: الصدر من کلّ شي ء (لسان العرب: 596:11).
  11. نَجَم النبتُ: إذا طَلَع، وکلّ ما طَلَع وظَهَر فقد نجم (النهاية: 24:5).
  12. العَرْف: الريح... وأکثر استعماله في الطَّيِّبة (تاج العروس: 375:12).
  13. خَطِلَ في منطقه ورأيه خَطَلاً: أخطأ (المصباح المنير: 174).
  14. الفَصيل: ولد الناقة إذا فُصِل عن اُمّه (لسان العرب: 522:11).
  15. نهج البلاغة: الخطبة 192.
  16. السيرة النبويّة لابن هشام: 262:1، تاريخ الطبري: 312:2، تاريخ الإسلام للذهبي: 136:1، اُسد الغابة: 3789:89:4 وفيه «رُبّي في حِجْر»، دلائل النبوّة للبيهقي: 161:2، المناقب للخوارزمي: 13:51، البداية والنهاية: 24:3؛ روضة الواعظين: 98.
  17. شرح نهج البلاغة: 201:13؛ بحارالأنوار: 324:38.