الامّ
احتضنت النبيّ صلي الله عليه و آله في طفولته،[1] فکان يحبّها حبّاً شديداً، حتي قال فيها: «کانت اُمّي بعد اُمّي التي ولدتني».[2] . [صفحه 68] وکان يُثني علي حنانها وشفقتها عليه قائلاً: «لم يکن بعد أبي طالب أبرّ بي منها».[3] . وکانت أوّل امرأة بايعت النبيّ صلي الله عليه و آله.[4] وهاجرت إلي المدينة مع عليّ وفاطمة عليهماالسلام مشياً علي الأقدام. ولمّا توفّيت هذه المرأة العظيمة کفّنها رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بقميصه،[5] وشارک في تشييعها، وصلّي عليها، ثمّ وضعها في قبرها بعدما اضطجع فيه.[6] . وکان عليّ عليه السلام رابع ولدٍ لهذين الوجهين المتألِّقين في التاريخ الإسلامي، إذ زيّن حياتهما بهاءً وسناءً بعد طالب وعقيل وجعفر.[7] . 13- فضائل الصحابة عن مصعب الزبيري: إنّ اُمّ عليّ بن أبي طالب فاطمة بنت أسد بن هاشم بن أعبدمناف بن قصيّ. وهي أوّل هاشميّة ولدت هاشميّاً. وهاجرت إلي النبيّ صلي الله عليه و آله وماتت، وشهدها النبيّ صلي الله عليه و آله.[8] . [صفحه 69] 14- المناقب لابن شهر آشوب: خطب أبوطالب في نکاح فاطمة بنت أسد: الحمد للَّه ربّ العالمين ربّ العرش العظيم، والمقام الکريم، والمشعر والحطيم، الذي اصطفانا أعلاماً وسَدَنة، وعرفاء وخلصاء، وحجّته بَهاليل،[9] أطهار من الخَنا[10] والريب، والأذي والعيب، وأقام لنا المشاعر، وفضّلنا علي العشائر، نخب آل إبراهيم وصفوته، وزرع إسماعيل، في کلام له. ثمّ قال: وقد تزوّجتُ بنت أسد، وسقتُ المهر، ونفّذتُ الأمر، فاسألوه واشهدوا. فقال أسد: زوّجناک ورضينا بک.[11] . 15- الکافي عن أعبداللَّه بن مسکان عن الإمام الصادق عليه السلام: إنّ فاطمة بنت أسد جاءت إلي أبي طالب لتبشّره بمولد النبيّ صلي الله عليه و آله، فقال أبوطالب: اصبري سبتاً اُبشّرک بمثله إلّا النبوّة. وقال: السبت ثلاثون سنة، وکان بين رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وأميرالمؤمنين عليه السلام ثلاثون سنة.[12] . 16- الإمام عليّ عليه السلام: لمّا ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم، کفّنها رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في قميصه، وصلّي عليها، وکبّر عليها سبعين تکبيرة، ونزل في قبرها؛ فجعل يومي في نواحي القبر کأنّه يوسّعه ويسوّي عليها، وخرج من قبرها وعيناه تذرفان، وحثا[13] في قبرها. فلمّا ذهب قال له عمر بن الخطّاب: يا رسول اللَّه، رأيتک فعلت علي هذه [صفحه 70] المرأة شيئاً لم تفعله علي أحد! فقال: يا عمر، إنّ هذه المرأة کانت اُمّي [بعد اُمّي][14] التي ولدتني، إنّ أباطالب کان يصنع الصنيع، وتکون له المأدبة، وکان يجمعنا علي طعامه، فکانت هذه المرأة تفضل منه کلّه نصيباً، فأعود فيه، وإنّ جبريل عليه السلام أخبرني عن ربّي عزّ وجلّ أنّها من أهل الجنّة، وأخبرني جبريل عليه السلام أنّ اللَّه تعالي أمر سبعين ألفاً من الملائکة يصلّون عليها.[15] . 17- الإمام الصادق عليه السلام: إنّ فاطمة بنت أسد اُمّ أميرالمؤمنين کانت أوّل امرأة هاجرت إلي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله من مکّة إلي المدينة علي قدميها. وکانت من أبرّ الناس برسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فسمعتْ رسول اللَّه وهو يقول: إنّ الناس يحشرون يوم القيامة عراة کما وُلدوا، فقالت: وا سوأتاه! فقال لها رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: فإنّي أسأل اللَّه أن يبعثک کاسية. وسمعته يذکر ضغطة القبر، فقالت: وا ضعفاه! فقال لها رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: فإنّي أسأل اللَّه أن يکفيک ذلک. وقالت لرسول اللَّه صلي الله عليه و آله يوماً: إنّي اُريد أن اُعتق جاريتي هذه، فقال لها: إن فعلت أعتق اللَّه بکلّ عضو منها عضواً منک من النار. فلمّا مرضت أوصت إلي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وأمرت أن يعتق خادمها، واعتقل لسانها، فجعلت تومي إلي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إيماءً، فقبل رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وصيّتها. فبينما هو ذات يوم قاعد إذ أتاه أميرالمؤمنين عليه السلام وهو يبکي، فقال له رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: ما يبکيک؟ فقال: ماتت اُمّي فاطمة، فقال رسول اللَّه: واُمّي [صفحه 71] واللَّه! وقام مسرعاً حتي دخل، فنظر إليها وبکي. ثمّ أمر النساء أن يغسِّلنها، وقال صلي الله عليه و آله: إذا فرغتنّ فلا تُحْدثن شيئاً حتي تُعْلمنني، فلمّا فرغن أعلمنه بذلک، فأعطاهنّ أحد قميصيه الذي يلي جسده وأمرهنّ أن يکفّنّها فيه، وقال للمسلمين: إذا رأيتموني قد فعلت شيئاً لم أفعله قبل ذلک فسلوني: لِمَ فعلته؟ فلمّا فرغن من غسلها وکفنها، دخل صلي الله عليه و آله فحمل جنازتها علي عاتقه، فلم يزل تحت جنازتها حتي أوردها قبرها، ثمّ وضعها ودخل القبر فاضطجع فيه، ثمّ قام فأخذها علي يديه حتي وضعها في القبر، ثمّ انکبّ عليها طويلاً يناجيها....[16] .
فاطمة بنت أسد، وکانت امرأة لبيبة، صلبة العقيدة، فتيّة القلب، بَرّة، مبجَّلة.
صفحه 68، 69، 70، 71.