بغض الإمام عليّ











بغض الإمام عليّ



علي قدر ما تکون شخصيّة عليّ الطالعة المهيبة بالغة الروعة والجمال لذوي النفوس الزکيّة، موحية أخّاذة لذوي الأفکار الرفيعة، محبوبة خلاّبة لذوي الفِطَر النقيّة والطباع الکريمة، فهي تثير الغيظ في النفوس المدلهمّة المظلمة، وتستجيش عداوة الوصوليّين النفعيّين، وبغضاء ذوي الأغراض الدنيئة الهابطة، والنوازع المنحطّة.

إنّ التاريخ يجهر أنّ أعداء عليّ بن أبي طالب کانوا من حيث التکوين الروحي سقماء غير أسوياء نفسيّاً، ومن حيث التکوين الفکري کانوا منحرفين بعيدين عن الصواب. أمّا من حيث مکوّنات الشخصيّة فقد کانوا اُناساً تستحوذ عليهم الأنانيّة والأثَرة، يُنبئ باطنهم عن الفساد والأغراض الهابطة.

هذا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يستشرف مستقبل الإسلام عبر مرآة الزمان، يعلم بالفتن ويعرف مثيريها وأصحابها. وهو ذا يؤکّد في کلّ موقعٍ موقعٍ من

[صفحه 39]

أشواط حياته المملوءة عزماً وتوثّباً والتزاماً علي حبّ عليّ بن أبي طالب، ويحذّر الناس من بغضه، وينهاهم عن عداوته وشنآنه.

يسجّل رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بصراحةٍ لا يشوبها لبسٌ أنّ بغض عليّ بن أبي طالب کفر، وأنّ مَن آذي عليّاً فقد آذاه.

ليس هذا وحده، بل مضي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يرسم ثغور الجبهة الاجتماعيّة ويحدّد اصطفافاتها العامّة بما يُظهر أنّ مَن هو مع عليّ وعلي حبّ عليّ فهو مع النبيّ نفسه، ومَن يناهض عليّاً ويعاديه فموقعه في الجبهة التي تعادي النبيّ وتُناهض رسالته.

لقد أفصحت النصوص المعتبرة عند الفريقين ممّا تقصّاها هذا القسم، علي أنّ أعداء عليّ بن أبي طالب بعيدون عن رحمة اللَّه سبحانه، وأنّ خسرانهم وسوء منقلبهم أمر قطعي لا ريب فيه. فمن يمُت علي بغض عليّ عليه السلام يمُت ميتة جاهليّة، وبغض عليّ علامة تُجهر بنفاق صاحبها وفسقه وشقائه.

وإذا کان بغض عليّ عليه السلام يستتبع ميتة جاهليّة؛ فإنّ إنساناً کهذا لن ينتفع شيئاً من تظاهره بالإسلام، وهو يُحشر في القيامة أعمي، ليس من مصير يؤول إليه سوي نار جهنّم.

يضع هذا القسم بين يدي القارئ نصوصاً حديثيّة وروائيّة کثيرة، فيها دلالة علي ما سلفت الإشارة إليه. وهو- علاوة علي ذلک- يعرّف بعدد من ألدّ أعداء الإمام وأعنف المبغضين له، کما يمرّ علي جماعة

[صفحه 40]

من المنحرفين عنه، وعلي القبائل التي کانت تکنُّ له البغضاء، ولا غرابة فقد قيل: «تُعرف الأشياء بأضدادها».

هذا عليٌّ، ولا يلحق به لاحق، واسمه الآن يصدح عبر اُفق المکان والزمان، ويعلو شاهقاً علي ذري التاريخ، وهذه تعاليمه وکلماته مسفرة کضوء الفجر متألّقة علي مدار الزمان.

أما والأمر کذلک؛ فقد کان حريّاً بهذا القسم أن يلبث عند تلک الجهود المحمومة کاللهب، وعند تلک الصدور الموبوءة بالحقد، وقد نفثت أحقادها علّها تُطفئ الشعلة المتوقّدة، أو عساها تنال من وهجها شيئاً، حتي تستيقن النفوس بوعد اللَّه الذي وعَده، وکي لا يستريب أحد بقوله سبحانه: «يُرِيدُونَ لِيُطْفُِواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَ هِهِمْ وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ي وَ لَوْ کَرِهَ الْکَفِرُونَ».[1] وهکذا کان.



صفحه 39، 40.





  1. الصفّ: 8.