حبّ الإمام عليّ











حبّ الإمام عليّ



الجمال حبيب إلي الإنسان، والإنسان يهفو إلي الجمال، ولن تجد إنساناً يصدّ عن الجمال أو تنکفئ نفسه عن المکرمات والفضائل السامقة أو يُشيح عن المُثل العليا.

هو ذا عليّ عليه السلام مصدر جميع ضروب الجمال، يتفجّر وجوده بالکمال، وتحتشد فيه جميع الفضائل والمکارم والقيم؛ فأيّ إنسان يبصر کلّ هذا التألّق ولا يشدو قلبه إلي عليّ حبّاً وإيماناً؟ وأيّ إنسان له عين بصيرة ويعمي عن ضوء الشمس؟

دعْ عنک اُولئک النفر الذين ادلهمّت نفوسهم بظلمة حالکة، فعميت أبصارهم عن رؤية هذا الجمال الباهر الممتد، ولم يُبصروا مظاهره الخلّابة.

[صفحه 36]

وإلّا لو خُلّي الإنسان وإنسانيّته لاُلفي باحثاً عن الجمال أبداً متطلّعاً إليه علي الدوام.

کذلک هو عليّ أحبُّ الخلق إلي اللَّه خالق الجمال وواهب العظمة. کما هو الأحبّ عند الملائکة وعند رسول اللَّه صلي الله عليه و آله. وهل يکون هذا إلاّ لجوهر الذات العلويّة، وللمکانة المکينة التي يحظي بها هذا الإنسان الملکوتي الذي تتقرّب الملائکة - أيضاً - إلي اللَّه بمحبّته؟

إنّ لحبّ عليّ في ثقافتنا الدينيّة شأناً عظيماً يُبهِر العقول، ويبعث علي التأمّل.

وما نهض به هذا القسم أنّه وثَّقَ لهذه الحقيقة نصوصَها. وقد جاءت النصوص تفصح دون مواربة ولُبْس أنّ حبّ عليّ حبٌّ للَّه ولرسوله، وتسجِّل بنصاعة وضّاءة أنّ حبّ عليّ «نعمة» و«فريضة» و«عبادة»، وهو «العروة الوثقي» و«أفضل العمل» و«عنوان صحيفة المؤمن».

فحبّه إذاً من دين اللَّه بالصميم.

ومع أنّ هذا القسم لا يدّعي أنّه قد استقصي کلّ النصوص الروائيّة التي لها مساس بعليّ عليه السلام في هذا المجال، إلّا أنّ ما توفّر علي ذکره أسفر بوضوح: أنّ حبّ عليّ هو السبيل إلي بلوغ حقائق المعرفة الدينيّة، وهو الذي يشيع السکينة في أرجاء الحياة، وبحبّ عليّ يکتمل الإيمان والعمل، وبه تُرفع أعمالنا مقبولة إلي اللَّه سبحانه، وبحبّ عليّ يستجاب الدعاء وتُغفر الذنوب.

[صفحه 37]

وبحبّ عليّ عليه السلام تنتشر نسائم السرور علي الإنسان عند الموت، وحبّ عليّ لُقيا يُبصِر بها المحتضر وجه المولي عند الممات، وحبّ عليّ جواز لعبور الصراط وللثبات عليه، وهو الجُنّة التي تقي نار جهنّم.

ومسک الختام: أنّ حبّ عليّ هو الحياة الطيّبة في جنّة الخُلد.

إنّ کلّ ذلک لا يکون إلّا بحبّ عليّ، وفي ظلال حبّ عليّ عليه السلام. لم تتردّد النصوص الروائيّة لحظة وهي تسجّل بثبات راسخ أنّ حبّ عليّ عليه السلام هو دليل طهارة المولد، وعلامة علي الإيمان والتقوي، وهو عنوان شهرة الإنسان ومعروفيّته في السماوات وعند الملأ الأعلي، وهو رمز السعادة.

وبعدُ؛ فإنّ کلّ هذا الحشد من التأکيد علي الحبّ العلوي، ووصله برباط وثيق مع الحبّ الإلهي، وبحبّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لهو دليل شاخص علي أنّ الحبّ المحمّدي الصحيح لن يکون ممکناً من دون الحبّ العلوي. وما ادّعاء حبّه صلي الله عليه و آله من دون حبّ عليّ عليه السلام إلّا عبث جزاف ودعوة باطلة.

علي أنّ هذا القسم يعود ليکشف في جوانب اُخري علي أنّ حبّ عليّ عليه السلام ما کان شعاراً يُرفع وحديثاً يُفتري، بل هو اُسوة يقتدي فيها المحبّ بحياة عليّ، يلتمس هديه في خطاه، يعيش کما يعيش، ويفکّر کما يفکّر، ويمارس معايير عليّ في الحبّ والولاء، وفي البغض والبراءة، ويحثّ خطاه صوب قيَمه دائماً وأبداً، وإلّا کيف يجتمع حبّ عليّ مع حياة سفيانيّة ونهج اُموي؟

[صفحه 38]

آخر ما يشدّ إليه الانتباه في مادّة هذا القسم هو التحذير من الغلوّ؛ فمع کلّ هذا الترکيز المکثّف العريض علي حبّ الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام، وإلي جوار هذه الإشادة بالآثار العظيمة التي يُغدقها هذا الحبّ علي الحياة الماديّة والمعنويّة، جاءت التعاليم النبويّة والعلويّة والدينيّة تشدّد النکير، وتُعلن التحذير الکبير من الغلو بهذا الحبّ. فها هي ذي النصوص الحديثيّة تنهي عن الإفراط وتذمّه، وتعدّه انحرافاً يهيّئ الأجواء إلي انحرافات أکبر.



صفحه 36، 37، 38.