علوم الإمام عليّ











علوم الإمام عليّ



عليّ عليه السلام أعظم تلميذ بزغ في مدرسة محمّد صلي الله عليه و آله. أبصر فيه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله من الجدارة والاستعداد ما يفوق به کلّ إنسان، ومن القدرة علي التعلّم ما

[صفحه 31]

لا مدي له، ففاض علي روحه علماً غزيراً لا ينضب، وأراه الحقائق الکبري الناصعة؛ وبتعبير النصوص الروائيّة والتاريخيّة لقّنه «ألف باب»، و«ألف حرف»، و«ألف کلمة»، و«ألف حديث»[1] في مضمار معرفة الحقائق وتحرّي العلوم.

عليّ عليه السلام باب حکمة النبيّ، ومدخل علم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وهو خزانة علمه، ووارث علوم جميع النبيّين.

عليّ المؤتمن علي حکمة النبيّ الحافظ لعلمه، ومن ثَمَّ هو أعلم الاُمّة.

أميرالمؤمنين عليه السلام اُذن واعية، لذا فهو لا ينسي ما يقرع فؤاده من العلم، وبذلک راحت الحکمة تتفجّر من بين جوانحه، وتفيض نفسه الطهور بحقائق المعرفة.

لکن أسفاً وما أعظمها لوعة أن تکون مقادير الحياة قد غيّبت اُولئک الرجال الذين يهيب بهم استعدادهم الوجودي لتلقّي المعرفة العلويّة الناصعة. ولو کانوا هناک لفاض عليهم الإمام بقبضة من شعاع علمه الباهر، ولأشرق الوجود بقبسٍ من نور معرفته.

کان عليّ عليه السلام يحظي من «علم الکتاب» بعلمه الکامل کلّه، في حين لم يکن لآصف بن برخيا من «علم الکتاب» إلّا بعضه، فأهّله أن يأتي إلي

[صفحه 32]

سليمان عليه السلام بعرش بلقيس في طرفة عين أو أقلّ.[2] .

لم يعرف علم عليّ عليه السلام مديً، ولم يوقفه حدّ، بل امتدّ سعةً حتي تخطّي کلّ العلوم. فهو في الذروة القصوي في علوم القرآن، وفي معارف الشريعة، وعلوم الدين، وعلم البلايا والمنايا، وهو السنام الأعلي في کلّ معرفة.

هل تجد لعليّ نظيراً في معرفة اللَّه، وهو ذا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول: «ما عرف اللَّه إلّا أنا وأنت»؟

أجل؛ هو ذا کما يقول النبيّ الأقدس؛ فهذا کلامه في التوحيد ومراتبه، وفي إثبات الصانع وطرق الاستدلال عليه، وفي معرفة اللَّه وصفاته يقف في الذروة العليا، وله في نظر الفلاسفة والمتکلِّمين مرتبة سامقة لا تُضاهي.

إنّ ما نطق به الإمام عليّ عليه السلام حول الوجود، وما ذکره عن المخلوقات، وما توفّر علي إظهاره من نقاط بديعة حيال الخليقة لهو ينمّ عن إحاطة علميّة بضروب المعرفة البشريّة.

فکلمات الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام عن بدء الخليقة، وخلق الملائکة والسماوات والأرضين والحيوان، وما فاض به عن المجتمع والنفس وحرکة التاريخ، وما أدلي به من إشارات عن الرياضيّات والفيزياء وعلم

[صفحه 33]

الأرض (الجيولوجيا) وغير ذلک ممّا يعدّ في حقيقته تنبّؤات علميّة، ويدخل في المعجزات العلميّة للإمام، لهو قمين بالإعجاب، وخليق أن يملأ النفس خضوعاً ودهشة.

لم يعرف التاريخ علي امتداده رجلاً، عالماً کان أم فيلسوفاً أم مفکِّراً، ينهض بعلوّ قامته، ويقول بثبات: سلوني ما تشاؤون. ثمّ لم يعجزه الجواب أبداً، ولم يلبث حتي لحظة واحدة کي يتأمّل بما يجيب.

وهذا القسم ليس أکثر من إيماءة إلي علوم عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وهو إشارة علي استحياء إلي بحره الزخّار، ونظرة عابرة تومض من بعيد إلي اُفق المعرفة العلويّة.



صفحه 31، 32، 33.





  1. جاءت هذه الألفاظ في نصوص مختلفة، ويمکن أن يکون المقصود فيها واحداً.
  2. قوله سبحانه: «قَالَ الَّذِي عِندَهُ و عِلْمٌ مِّنَ الْکِتَبِ أَنَاء َاتِيکَ بِهِ ي قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْکَ طَرْفُکَ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ و قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي» (النمل: 40).