بطلان حديث الخلة والخوخة











بطلان حديث الخلة والخوخة



وأما مااستصحه من حديث الخلة والخوخة فهو موضوع. تجاه هذا الحديث کما قال إبن أبي الحديد في شرحه 3 ص 17: إن سد الابواب کان لعلي عليه السلام فقلبته البکرية إلي أبي بکر. وآثار الوضع فيه لائحة لاتخفي علي المنقب منها:

أن الاخذ بمجامع هذه الاحاديث يعطي خبرا بأن سد الابواب الشارعة في المسجد کان لتطهيره عن الادناس الظاهرية والمعنوية فلايمر به أحد جنبا ولا يجنب فيه أحد. وأما ترک بابه صلي الله عليه وآله وباب أميرالمؤمنين عليه السلام فلطهارتهما عن کل رجس ودنس بنص آية التطهير، حتي أن الجنابة لاتحدث فيهما من الخبث المعنوي ما تحدث في غيرهما کما يعطي ذلک التنظير بمسجد موسي الذي سأل ربه أن يطهره لهارون وذريته، أو أن ربه أمره أن يبني مسجدا طاهرا لايسکنه إلا هو وهارون، وليس المراد تطهيره من الاخباث فحسب فإنه حکم کل مسجد.

ويعطيک خبرا بما ذکرناه مامر في الاحاديث من: أن أميرالمؤمنين عليه السلام کان يدخل المسجد وهو جنب[1] وربما مر وهو جنب[2] وکان يدخل ويخرج منه وهو

[صفحه 212]

جنب[3] وماورد عن أبي سعيد الخدري من قوله صلي الله عليه وآله وسلم لايحل لاحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرک[4] .

وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: ألا إن مسجدي حرام علي کل حائض من النساء وکل جنب من الرجال إلا علي محمد وأهل بيته: علي وفاطمة والحسن والحسين[5] .

وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: ألا لايحل هذا المسجد بجنب ولا لحائض إلا لرسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين، ألا قد بينت لکم الاسماء أن لاتضلوا. سنن البيهقي 65:7

وقوله صلي الله عليه وآله لعلي: ما أنت فإنه يحل لک في مسجدي ما يحل لي ويحرم عليک مايحرم علي. قال له حمزة بن عبدالمطلب: يارسول الله؟ أناعمک وأنا أقرب إليک من علي. قال: صدقت ياعم؟ إنه والله ما هو عني، إنما هو عن الله تعالي[6] .

وقول المطلب بن عبدالله بن حنطب، إن النبي صلي الله عليه وسلم لم يکن أذن لاحد أن يمر في المسجد ولايجلس فيه وهو جنب إلا علي بن أبي طالب لان بيته کان في المسجد[7] .

م أخرجه الجصاص بالاسناد فقال: فأخبر في هذا الحديث بحظر النبي صلي الله عليه وسلم الاجتياز کما حظر عليهم القعود، وما ذکر من خصوصية علي رضي الله عنه فهو صحيح، و قول الراوي: لانه کان بيته في المسجد ظن منه لان النبي صلي الله عليه وسلم قد أمر في الحديث الاول بتوجيه البيوت الشارعة إلي غيره ولم يبح لهم المرور لاجل کون بيوتهم في

[صفحه 213]

المسجد وإنما کانت الخصوصية فيه لعلي رضي الله عنه دون غيره، کما خص جعفر بان له جناحين في الجنة دون سائر الشهداء، وکما خص حنظلة بغسل الملائکة له حين قتل جنبا، وخص دحية الکلبي بأن جبريل کان ينزل علي صورته، وخص الزبير بإباحة ملبس الحرير لما شکا من أذي القمل، فثبت بذلک أن سائر الناس ممنوعون من دخول المسجد مجتازين وغير مجتازين.

فزبدة المخض من هذه کلها: ان إبقاء ذلک الباب والاذن لاهله بما أذن الله لرسوله مما خص به مبتن علي نزول آية التطهير النافية عنهم کل نوع من الرجاسة، ويشهد لذلک حديث مناشدة يوم الشوري وفيه قال أميرالمؤمنين عليه السلام: أفيکم أحد يطهره کتاب الله غيري حتي سد النبي صلي الله عليه وآله وسلم أبواب المهاجرين جميعا وفتح بابي إليه حتي قام إليه عماه حمزة والعباس وقالا: يارسول الله؟ سددت أبوابنا. وفتحت باب علي. فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: ماأنا فتحت بابه ولا سددت أبوابکم، بل الله فتح بابه وسد أبوابکم؟ فقالوا: لا.

ولم يکن أبوبکر من أهل هذه الآية حتي أن يفتح له باب أو خوخة، فالفضل مخصوص بمن طهره الکتاب الکريم.

ومنها: أن مقتضي هذه الاحاديث انه لم يبق بعد قصة سد الابواب باب يفتح إلي المسجد سوي باب الرسول العظيم وإبن عمه، وحديث خوخة أبي بکر يصرح بأنه کانت هناک أبواب شارعة وسيوافيک البعد الشاسع[8] بين القصتين، وما ذکروه من الجمع بحمل الباب في قصة أميرالمؤمنين عليه السلام علي الحقيقة، وفي قصة إبي بکر بالتجوز بإطلاقه علي الخوخة، وقولهم: کأنهم[9] لما امروا بسد الابواب سدوها وأحدثوا خوخا يستقربون الدخول إلي المسجد منها فامروا بعد ذلک بسدها. تبرعي لاشاهد له، بل يکذبه ان ذلک ماکان يتسني لهم نصب عين النبي وقد أمرهم بسد الابواب لان لايدخلوا المسجد منها، ولا يکون لهم ممر به، فکيف يمکنهم إحداث ماهو بمنزلة الباب في الغاية المبغوضة للشارع، ولذلک لم يترک لعميه: حمزة والعباس

[صفحه 214]

ممرا يدخلان منه وحدهما ويخرجان منه، ولم يترک لمن أراد کوة يشرف بها علي المسجد، فالحکم الواحد لا يختلف باختلاف أسماء الموضوع مع وحدة الغاية، وإرادة الخوخة من الباب لاتبيح المحظور ولا تغير الموضوع.

ومنها: مامر ص 204 من قول عمر بن الخطاب في أيام خلافته: لقد اعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال لان تکون لي خصلة منها أحب إلي من أن اعطي حمر النعم. ألحديث. ومثله قول عبدالله بن عمر في صحيحته التي أسلفناها بلفظه ص 203 فتراهما يعد ان هذه الفضايل الثلاث خاصة لامير المؤمنين لم يحظ بهن غيره، لاسيما ان إبن عمر يري في أول حديثه إن خير الناس بعد رسول الله أبوبکر ثم أبوه لکنه مع ذلک لايشرک أبا بکر مع أميرالمؤمنين عليه السلام في حديث الباب ولا الخوخة.

فلو کان لحديث أبي بکر مقيل من الصحة في عصر الصحابة المشافهين لصاحب الرسالة صلي الله عليه وآله والسامعين حديثه لما تأتي منهما هذا السياق.

علي أن هذه الکلمة علي فرض صدورها منه صلي الله عليه وآله وسلم صدرت أيام مرضه فما الفرق بينها وبين حديث الکتف والدواة المروي في الصحاح والمسانيد، فلماذا يؤمن إبن تيمية ببعض ويکفر ببعض؟

وشتان بين حديث الکتف والدواة وبين فتح الخوخة لابي بکر فإن الاول کما هو المتسالم عليه وقع يوم الخميس، وحديث إبن عباس: يوم الخميس وما يوم الخميس. لايخفي علي أي أحد. فأجازوا حوله ماقيل فيه والنبي يخاطبهم ويقول:لاينبغي عندي تنازع، دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه. وأوصي في يومه ذاک بإخراج المشرکين من جزيرة العرب، وإجازة الوفد بنحو ماکان يجيزهم[10] فلم يقولوا في ذلک کله ماقيل في حديث الکتف والدواة

وأما حديث سد الخوخات ففي اللمعات: لامعارضة بينه وبين حديث أبي بکر لان الامر بسد الابواب وفتح باب علي کان في أول الامر عند بناء المسجد، والامر بسد الخوخات إلا خوخه أبي بکر کان في آخر الامر في مرضه حين بقي من عمره ثلثة

[صفحه 215]

أو أقل[11] وقال العيني في عمدة القاري 7 ص 59: إن حديث سد الابواب کان آخر حياة النبي في الوقت الذي أمرهم أن لايؤمهم إلا أبوبکر. والمتفق عليه من يوم وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله يوم الاثنين فعلي هذا يقع حديث الخوخة يوم الجمعة أوالسبت وبطبع الحال إن مرضه صلي الله عليه وآله کان يشتد کلما توغل فيه، فما بال حديث الخوخة لم يحظ بقسط مما حظي به حديث الکتف والدواة عند المقدسين لمن قال قوله فيه؟ أنا أدري لم ذلک، والمنجم يدري، والمغفل ايضا يدري، وإبن عباس أدري به حيث يقول: ألرزية کل الرزية ماحال بين رسول الله صلي الله عليه وآله وبين أن يکتب لهم ذلک الکتاب من إختلافهم ولغطهم.


صفحه 212، 213، 214، 215.








  1. راجع حديث ابن عباس ص 205.
  2. راجع لفظ جابر بن سمرة ص 206.
  3. راجع مامر عن بريدة الاسلمي ص 208.
  4. أخرجه الترمذي في جامعه 2 ص 214، البيهقي في سننه 7 ص 66، البزار، ابن مردويه، ابن منيع في مسنده، البغوي في المصابيح 2 ص 267، ابن عساکر في تاريخه، محب الدين في الرياض 2 ص 193، ابن کثير في تاريخه 7 ص 342، سبط ابن الجوزي في التذکرة 25، ابن حجر في الصواعق، ابن حجر في فتح الباري 7 ص 12، ألسيوطي في تاريخ الخلفا 115، البدخشي في نزل الابرار 37. ألحلبي في السيرة 3 ص 374.
  5. ألبيهقي في سننه 7 ص 65، الحلبي في السيرة 3 ص 375.
  6. أخرجه أبونعيم في فضايل الصحابة، ومن طريقه الحمويي في الفرايد في ب 41.
  7. أخرجه الجصاص في احکام القرآن 2 ص 248، والقاضي اسماعيل المالکي في أحکام القران کما في القول المسدد لابن حجر 19 وقال: مرسل قوي، ويوجد في تفسير الزمخشري 366:1، وفتح الباري 7 ص 12، ونزل الابرار 37.
  8. يأتي ان الاول في اول الامر والاخر في مرضه حين بقي من عمره ثلثة ايام أو اقل.
  9. تجد هذه العبارة في فتح الباري 7 ص 12. عمدة القاري 7 ص 592. نزل الابرار 37.
  10. طبقات ابن سعد 763.
  11. راجع هامش جامع الترمذي 2 ص 214.