نعرات الجاهلية الأولي- نقد كتاب: حياة محمد











نعرات الجاهلية الأولي- نقد کتاب: حياة محمد



إن الذين ارتدوا علي أدبارهم من بعد ماتبين لهم الهدي ألشيطان سول لهم وأملي لهم

ربما يجد الباحث في بعض تآليف المستشرقين في التاريخ الاسلامي رمزا من النزاهة في الکتابة والامانة في النقل وخلو کل محکي عن أي مصدر (هبه غير وثيق) من التحريف والتصرف فيه، وتجرده عن سوء صنيع الکتبة، وبعده من الاستهتار، وهذا جمال کل تأليف وشأن کل مؤلف مهما کان شريف النفس، وهو حق کل رائد، و الرائد لايکذب أهله.

غير أن في القوم من ألف وسخف فما أغني عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شئ إذا کانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ماکانوا به يستهزئون. فکأن الجهل لم يمت بعد وقدمات أبوجهل، ولهب الضلال لم يخمد بعد وقد اتقد أبولهب في درک الجحيم، وکأن الدنيا ترجع إلي ورائها ألقهقري، وعاد الاسلام کشمس کادت تکون صلاء[1] .

جاء من القوم بعد لاي من الدهر من يدعو الناس إلي الجاهلية الاولي وإلي حميتها البائدة، ولا بقيا للحمية بعد الحرائم[2] نهض يبشر عن مسيح مرکب من طبيعتين: (لهية وبشرية) ويحسب نفسه قد أبهر في تأليفه وأتي بأمر جديد، فأخذ کالمتفلسف يتتعتع ويتلعثم، ويحرف الکلم عن مواضعه، ويؤول الکتاب الکريم برأيه الضئيل، ويتحکم في الحديث بفکرته الخائرة، ويري النبي الاعظم من المبشرين بنصرانيته الصحيحة التي ليست هي إلا الضلال المحض، وهو مع ذلک مائن في نقله، خائن في حکايته، غاش في نصحه، مدنس في کتابته، مهاجم علي قدس صاحب الرسالة

[صفحه 11]

مجانب عن الحق والحقيقة، کل ذلک باسم کتاب «حياة محمد»

ألا؟ وهو الاستاذ إميل در منغم.

إن الرجل لما شاهد ان الاسلام علا هتافه اليوم، ودوخ أرجاء العالم صيته، وأطلت سمائه علي الارض کلها شرقا وغربا، وشع نوره في کل طلل ووهد، و عمت أشعته کل طارف وتليد، وملا الکون صراخ قومه بالثناء البالغ علي الاسلام المقدس ونبيه الاقدس، وکثر إعجابهم بکتابه السماوي، وقانونه الاجتماعي، وشرعه السوي، وحکمه السياسي، ودستوره الاصلاحي، ومشعبه الحق المشعب.

عز عليه کما عز علي سلفه الغوغاء أن يشاهد هذا السلطان العالمي العظيم، وهذه السيطرة الباهرة، وهذه الشرعة العادلة الجبارة القاهرة للاکاسرة والتابعة والقياصرة والفراعنة، ألحاکمة علي آراء الاقباط والاقسة وآباء الکنائس وزعماء البيع ومعتقداتهم.

عز عليه أن يري في بيئته الغربية بزوغ الاسلام الشرقي، وتنور أفکار المثقفين من قومه بلمعات القرآن العربي المجيد، وانتشار معارف الاسلام الخالدة في عواصم اوروبا کالسيل الجارف لاصول الضلال، وأهواء الغرب، وماهناک من فساد الخلايق، ومضلات البدع.

عز عليه أن يسمع بأذنيه من قلب العالم الاروبي بألسنة فلاسفتها نداء أن محمدا قاوم الوثنية بعزم واحد طول الحياة ولم يتردد لحظة واحدة بينها وبين عبادة الواحد الاحد[3] .

أو أن يسمع عن آخر منهم وهو ينادي: ان القرآن هو القانون العام لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهو صالح لکل مکان وزمان[4] .

أو أن يسمع عن ثالث من قومه وقد ملا الدنيا صوته وهو يقول: استقرت قواعد الاسلام علي أساس مکين من الآيات البينات التي انزلت تباعا وکان ختامها: أليوم أکملت لکم دينکم وأتمت عليکم نعمتي ورضيت لکم الاسلام دينا[5] .

[صفحه 12]

أو أن يسمع بأذنيه القرآن العزيز وهو يتلي في الاذاعات کل يوم بکرة و عشيا، وتقرع آيه مسامع خلق الدنيا دون کتاب قومه وکتاب أي ملة.

م- ونادي لسان الکون في الارض رافعا
عقيرته في الخافقين ومنشدا


: أعباد عيسي إن عيسي وحزبه
وموسي جميعا يخدمون محمدا[6] .


فهناک تعصب الرجل وتشزر، وشزر إلي الاسلام وکتابه ونبيه، ونظر إليها بصدر عينه[7] وتشذر للدفاع عن نحلته والذب عن مبدءه الباطل، فعلي نحيمه بصدر واغر علي الحق، وهو يشوب ولايروب[8] وشرع يدعو إلي النصرانية باسم الاسلام وحياة محمد، ويري النبي محمدا جاء بکتاب عربي کمالو کان نصرانيا ذاکرا انه واحدا من الانبياء ص 100.

ويري للنصرانية أثرا في محمد ويزعم ان النصاري قد أيقظت شعور النبي الديني قبل بعثه ص 100. ويجد في القرآن اصول النصرانية ص 106.

ويري تأييد روح القدس لعيسي ذاتيا دون موسي ومحمد.

ويعتقد لعيسي من عصمة مالم تکن لمحمد ويراه قد جاء في القرآن[9] 107 ويري النصرانية تشمل الاسلام وتضيف إليه بعض الشئ 118.

ويري المسيح إبن الله الوحيد بمعني عرفاني يلائم الذوق الخرافي 110.

ويري القرآن يدعو إلي النصرانية الصحيحة وهوالقول بالوهيته وبشريته و کون الطبيعين في شخص واحد 112 و107.

ويعزو آراءه السخيفة جلها إلي القرآن المقدس، ويري القرآن لم يحط بکل ماهو حق في الامر 109.

ويري آخر مصحف اعتمد عليه صنع الحجاج بن يوسف الثقفي، وإمکان تلاوة المصحف الشريف علي غير ماهو عليه.

[صفحه 13]

ويري علماء التوحيد قائلين بالوهية المسيح 109.

ويري الهوة بين المسلمين والنصاري نتيجة سوء التفاهم.

ويري التباعد بين الملتين من فکرة مفسري القرآن وعلماء الاسلام.

ويري العقل والتاريخ يستغربان عدم صلب المسيح.

ويري اعتقاد المسلمين بعدم صلب المسيح باطلا والآية الدالة عليه غامضة 111.

ويؤول قوله تعالي: وماقتلوه وما صلبوه ولکن شبه لهم. بما يلائم تعاليم والنصرانية112.

ويعد من ضلال جزيزة العرب إنکار الوهية المسيح والقول ببشريته فحسب 113.

ويري النبي قد وضع نفسه فوق جميع المعتقدات مادام علي غير علم بالنصرانية الصحيحة 114.

ويعبر عن النبي الاعظم ب«البدوي الحمس» 115.

فهذه جملة من خرافاته الراجعة إلي التبشير والدعوة إلي النصرانية، وبهايقف الباحث علي غاية الکاتب وقيمة کتابه، ويعرف انه يحط في هواه، ويحطب في حبله[10] جاهلا يأن حماة الدين (دين البدوي الحمس) نابهون يحومون حول الحمي، ويعرفون حول الصلبان الزمزمة[11] ويدافعون عن بيضة الاسلام المقدسة کل سخب وصخب ولغط وکذب وإفک وقول زور، وينزهون ساحته عن أرجاس الجاهلية وأنجاسها، إنما يفتري الکذب الذين لايؤمنون بآيات الله واولئک هم الکاذبون.

ولو أردت الوقوف علي الحقيقة في کل مالفقه الرجل من إفک شائن فعليک بکتاب الهدي إلي دين المصطفي، وکتاب الرحلة المدرسية وغيرهما من تآليف شيخنا العلم المجاهد الحجة الشيخ محمد جواد البلاغي النجفي وما ألفه غيره من أعلام الامة.


صفحه 11، 12، 13.








  1. مثل يضرب في قلة الانتفاع بالشئ.
  2. الحربمة مافات من کل مطموع فيه.
  3. کلمةالکونت هنري دي کاستري.
  4. کلمة مسيو سنايس.
  5. کلمة الدکتور نجيب الارمنازي.
  6. من ابيات للشاعر المفلق ابي الوفاء راجح الحلي المتوفي 627.
  7. مثل مشهور يضرب.
  8. الشوب: الخلط. والروب: الاصلاح. مثل يضرب.
  9. ليته دلنا علي الاية الدالة عليه.
  10. مثل ساير.
  11. مثل يضرب لمن يروم الشي ولا يظهر مرامه.