ترجمة ابوالقاسم الزاهي











ترجمة ابوالقاسم الزاهي



أبوالقاسم علي بن إسحاق بن خلف القطان البغدادي النازل بالکرخ في قطيعة الربيع[1] الشهير بالزاهي[2] شاعر عبقري تحيز من شعره إلي أهل بيت الوحي، ودان بمذهبهم، وأدي يمودتهم أجر الرسالة، فکان أکثر شعره الواقع في أربعة أجزاء فيهم مدحا ورثاءا بحيث عد في (معالم العلماء) في طبقة المجاهدين من شعرائهم وصافا، فلم يزل فيه يکافح عنهم ويناطح، وينازل ويناضل، ولذلک لم يلف نشورا بين من کان يناوئهم أولا يقول بأمرهم، فحسبوه مقلا من الشعر کما في (تاريخ بغداد) وغيره، غير ان جزالة شعره، وجودة تشبيهه، وحسن تصويره، لم يدع لارباب المعاجم منتدحا من إطراءه.

وفي فهم المعني الذي لايبارح الخلافة والامامة من لفظ المولي من مثل الزاهي العارف بمعاريض الکلام، والمتسالم علي تضلعه في اللغة والادب العربي، وبثه في نظمه لحجة قوية علي الصواب الذي ترتأيه الشيعة في الاستدلال بحديث الغدير علي إمامة أميرالمؤمنين عليه السلام.

ولد (الزاهي) يوم الاثنين لعشر ليال بقين من صفر سنة 318 کما نص به إبن خلکان نقلا عن (طبقات الشعراء) لعميد الدولة. وتوفي ببغداد يوم الاربعاء لعشر بقين من جمادي الاولي سنة 352 في رواية عميد الدولة ودفن في مقابر قريش. أو بعد سنة 360 فيما قاله الخطيب نقلا عن التنوخي. وأرخه السمعاني کذلک نقلا عن الخطيب.

ولما لم يکن في المعاجم عناية بشعره المذهبي الراقي فنحن نذکر منه شطرا فمن ذلک قوله يمتدح به أميرالمؤمنين عليه السلام:


ياسادتي يا آل ياسين فقط
عليکم الوحي من الله هبط


لو لاکم لم يقبل الفرض ولا
رحنا لبحر العفو من أکرم شط

[صفحه 392]

أنتم ولاة العهد في الذر ومن
هواهم الله علينا قد شرط


ما أحد قايسکم بغيرکم
ومازج السلسل بالشرب اللمط


إلا کمن ضاهي الجبال بالحصا
أو قايس الابحر جهلا بالنقط



صنو النبي المصطفي والکاشف ال
غماء عنه والحسام المخترط


أول من صام وصلي سابقا
إلي المعالي وعلي السبق غبط



مکلم الشمس ومن ردت له
ببابل والغرب منها قد قبط


وراکض الارض ومن أنبع للعسکر
ماء العين في الوادي القحط


بحر لديه کل بحر جدول
يغرف من تياره إذا اغتمط


وليث غاب کل ليث عنده
بنظره العقل صغيرا إذ قلط


باسط علم الله في الارض ومن
بحبه الرحمن للرزق بسط


سيف لو أن الطفل يلقي سيفه
بکفه في يوم حرب لشمط


يخطو إلي الحرب به مدرعا
فکم به قد قد من رجس وقط


قوله: مکلم الشمس

أشاربه إلي ماروي عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إنه قال لعلي: ياأبا الحسن کلم الشمس فإنها تکلمک. قال علي عليه السلام: ألسلام عليک أيها العبد المطيع لله ورسوله. فقالت الشمس: وعليک السلام يا أمير المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين ياعلي أنت وشيعتک في الجنة، ياعلي أو من تنشق عنه الارض محمد ثم أنت، وأول من يحيي محمد ثم أنت، وأول من يکسي محمد ثم أنت. فسجد علي عليه السلام لله تعالي وعيناه تذرفان بالدموع، فانکب عليه النبي فقال: ياأخي وحبيبي إرفع رأسک فقد باهي الله بک أهل سبع سماوات.

أخرجه شيخ الاسلام الحموئي في (فرائد المطين) ب 38. والخوارزمي في (المناقب) ص 68. والقندوزي في (الينابيع) ص 140.

قوله: ومن ردت له ببابل

[صفحه 393]

حديث رد الشمس لعلي عليه السلام ببابل أخرجه نصر بن مزاحم في کتاب صفين ص 152 ط مصر بإسناده عن عبد خير[3] قال کنت مع علي. أسير في أرض بابل و حضرت الصلاة صلاة العصر قال: فجعلنا لانأتي مکانا إلا رأيناه أفيح من الآخر. قال: حتي أتينا علي مکان أحسن مارأينا وقد کادت الشمس أن تغيب. قال: فنزل علي ونزلت معه قال: فدعا الله فرجعت الشمس کمقدارها من صلاة العصر قال: فصلينا العصر ثم غابت الشمس.

قوله: ومن أنبع للعسکر ماء العين

أشار به إلي مارواه نصر بن مزاحم في کتاب صفين ص 162 بإسناده عن أبي سعيد التيمي التابعي المعروف بعقيصا انه قال: کنا مع علي في مسيره إلي الشام حتي إذا کنا بظهر الکوفة من جانب هذا السواد، عطش الناس واحتاجوا إلي الماء، فانطلق بنا علي حتي أتي بنا علي صخرة ضرس من الارض کأنها ربضة عنز فأمرنا فاقتلعناها فخرج لنا ماء، فشرب الناس منه وارتووا، قال: ثم أمرنا فأکفأناها عليه. قال وسار الناس حتي إذا مضينا قليلا قال علي: منکم أحد يعلم مکان هذا الماء الذي شربتم منه؟ قالوا: نعم ياأمير المؤمنين. قال: فانطلقوا إليه. قال فانطلق منا رجال رکبانا و مشاة فاقتصصنا الطريق حتي انتهينا إلي المکان الذي نري أنه فيه. قال: فطلبناها[4] فلم نقدر علي شئ حتي إذا عيل علينا انطلقنا إلي دير قريب منا فسألناهم: أين الماء الذي هو عندکم؟ قالوا: ماقربنا ماء. قالوا: بلي، إنا شربنا منه. قالوا: أنتم شربتم منه؟ قلنا: نعم. قال (صاحب الدير): مابني هذا الدير إلا بذلک الماء، وما استخرجه إلا نبي أو وصي نبي. وأخرجه الخطيب في تاريخه 12 ص 305.

ومن قصيدته الطائية قوله:


وهو لکل الاوصياء آخر
بضبطه التوحيد في الخلق انضبط


باطن علم الغيب والظاهر في
کشف الاشارات وقطب المغتبط


أحيي بحد سيفه الدين کما
أمات ماأبدع أرباب اللغط

[صفحه 394]

مفقه الامة والقاضي الذي
أحاط من علم الهدي مالم يحط


والنبأ الاعظم والحجة والمحنة
والمصباح في الخطب الورط


حبل إلي الله وباب الحطة الفاتح
بالرشد مغاليق الخطط


والقدم الصدق الذي سيط به
قلب امرأ بالخطوات لم يسط


ونهر طالوت وجنب الله والعين
التي بنورها العقل خبط


والاذن الواعية الصماء عن
کل خنا يغلط فيه من غلط


حسن مآب عند ذي العرش ومن
لولا أياديه لکنا نختبط


قوله: ألاذن الواعية

إشارة إلي ماأخرجه الحافظ أبونعيم في (حلية الاولياء) 1 ص 62 عن رسول الله صلي الله عليه وآله انه قال: ياعلي إن الله عزوجل أمرني أن ادنيک واعلمک لتعي وانزلت هذه الآية: وتعيها اذن واعية. فأنت اذن واعية لعلمي. وأخرجه جمع من الحفاظ وقال القاضي عضد الايجي في (المواقف) 3 ص 276: أکثر المفسرون (في قوله تعالي): وتعيها اذن واعية انه علي.

وله في مدح مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام قوله:


وال عليا واستضئ مقباسه
تدخل جنانا ولتسقي کأسه


فمن تولاه نجا ومن عدا
ماعرف الدين ولا أساسه


أول من قد وحد الله وما
ثني إلي الاوثان يوما رأسه


فدي النبي المصطفي بنفسه
إذ ضيقت أعداؤه أنفاسه


بات علي فرش النبي آمنا
والليل قد طافت به أحراسه


حتي إذا ماهجم القوم علي
مستيقظ بنصله أشماسه


ثار إليهم فتولوا مزقا
يمنعهم عن قربه حماسه


مکسر الاصنام في البيت الذي
ازيح عن وجه الهدي غماسه


رقي علي الکاهل من خير الوري
والدين مقرون به أنباسه


ونکس اللات وألقي هبلا
مهشما يقلبه انتکاسه


وقام مولاي علي البيت وقد
طهره إذ قد رمي أرجاسه

[صفحه 395]

واقتلع الباب اقتلاعا معجزا
يسمع في دويه ارتجاسه


کأنه شرارة لموقد
أخرجها من ناره مقباسه


من قد ثني عمرو بن ود ساجيا
إذ جزع الخندق ثم جاسه


من هبط الجب ولم يخش الردي
والماء منحل السقا فجاسه


من أحرق الجن برجم شهبه
أشواظه يقدمها نحاسه


حتي انثنت لامره مذعنة
ومنهم بالعوذ إحتراسه


بيان: أشار بقوله: من هبط الجب. إلي ماأخرجه الامام أحمد في المناقب عن علي عليه السلام قال: لما کان ليلة بدر قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: من يستقي لنا من الماء؟ فاحجم الناس عنه فقام علي فاعتصم بالقربة ثم أتي بئرا بعيدة القعر مظلمة فانحدر فيها فأوحي الله إلي جبرائيل وميکائيل واسرافيل: تأهبوا لنصر محمد وحزبه. فهبطوا من السماء لهم لفظ يزعر من سمعه فلما مروا بالبئر سلموا عليه من أولهم إلي آخرهم إکراما له وتبجيلا. شرح إبن أبي الحديد 1 ص 450.

وله في مدحه صلوات الله عليه قوله:


هذا الذي أردي الوليد وعتبة
والعامري وذا الخمار ومرحبا


هذا الذي هشمت يداه فوارسا
قسرا ولم يک خائفا مترقبا


في کل منبت شعره من جسمه
أسد يمد إلي الفريسة مخلبا


وله فيه سلام الله عليه قوله:


أبا حسن جعلتک لي ملاذا
ألوذ به ويشملني الزماما


فکن لي شافعا في يوم حشري
وتجعل دار قدسک لي مقاما


لاني لم أکن من نعثلي
ولا أهوي عتيق ولا دماما


وله مادحا أهل البيت الطاهر قوله:


يالائمي في الولا هل أنت تعتبر
بمن يوالي رسول الله أو يذر؟


قوم لو أن البحار تنزف بالا قلام
مشقا وأقلام الدنا شجر[5] .

[صفحه 396]

والانس والجن کتاب لفضلهم
والصحف مااحتوت الآصال والبکر


لم يکتبوا العشر بل لم يعد جهدهم
في ذلک الفضل إلا وهو محتقر


أهل الفخار وأقطاب المدار ومن
أضحت لامرهم الايام تأتمر


هم آل أحمد والصيد الجحاجحة
الزهر الغطارفة العلوية الغرر


والبيض من هاشم والاکرمون اولوا
الفضل الجليل ومن سادت بهم مضر


فافطن بعقلک هل في القدر غيرهم؟
قوم يکاد إليهم يرجع القدر


اعطوا الصفا نهلا اعطوا النبوة من
قبل المزاج فلم يحلق بهم کدر


وتوجوا شرفا مامثله شرف
وقلدوا خطرا مامثله خطر


حسبي بهم حججا لله واضحة
يجري الصلاة عليهم أينما ذکروا


هم دوحة المجد والاوراق شيعتهم
والمصطفي الاصل والذرية الثمر[6] .


وله في رثاء أهل البيت قوله:


ياآل أحمد ماذا کان جرمکم؟
فکل أرواحکم بالسيف تنتزع


تلفي جموعکم شتي مفرقة
بين العباد وشمل الناس مجتمع


وتستباحون أقمارا منکسة
تهوي وأرؤسها بالسمر تقترع


ألستم خير من قام الرشاد بکم
وقوضت سنن التضليل والبدع؟!؟!


ووحد الصمد الاعلي بهديکم
إذ کنتم علما للرشد يتبع؟


ما للحوادث لاتجري بظالمکم؟
ما للمصائب عنکم ليس ترتدع


منکم طريد ومقتول علي ظمأ
ومنکم دنف بالسمر منصرع


وهارب في أقاصي الغرب مغترب
ودارع بدم اللبات مندرع


ومقصد من جدار ظل منکدرا
وآخر تحت ردم فوقه يقع


ومن محرق جسم لايزار له
قبر ولا مشهد يأتيه مرتدع


وإن نسيت فلا أنسي الحسين وقد
مالت إليه جنود الشرک تقترع


فجسمه لحوامي الخيل مطرد
ورأسه لسنان السمر مرتفع


وله في رثائهم سلام الله عليهم قوله:

[صفحه 397]

بنو المصطفي تفنون بالسيف عنوة
ويسلمني طيف الهجوع فأهجع؟


ظلمتم وذبحتم وقسم فيئکم
وجار عليکم من لکم کان يخضع


فما بقعة في الارض شرقا ومغربا
وإلا لکم فيه قتيل ومصرع


وله في رثاء الامام السبط الشهيد عليه السلام قوله:


اعاتب عيني إذا أقصرت
وأفني دموعي إذا ماجرت


لذکراکم يابني المصطفي
دموعي علي الخط قد سطرت


لکم وعليکم جفت غمضها
جفوني عن النوم واستشعرت


امثل أجسادکم بالعراق
وفيها الاسنة قد کسرت


امثلکم في عراص الطفوف
بدورا تکسف إذ أقمرت


غدت أرض يثرب من جمعکم
کخط الصحيفة إذ أقفرت


وأضحي بکم کربلا مغربا
کزهر النجوم إذا غورت


کأني بزينب حول الحسين
ومنها الذوائب قد نشرت


تمرغ في نحره وجهها
وتبدي من الوجد ما أضمرت


وفاطمة حملها؟؟ طاير
إذ السوط في جنبها أبصرت


وللسبط فوق الذي جثة
بفيض دم النحر قد عقرت


وفتيته فوق وجه الثري
کمثل الاضاحي إذ اجزرت


وأرؤسهم فوق سمر القنا
کمثل الغصون إذا أثمرت


ورأس الحسين أمام الرفاق
کغرة صبح إذا أسفرت


وله في رثائه صلوات الله عليه قوله:


ابکي ياعين ابکي آل رسول الله
حتي تخد منک الخدود


وتقلب ياقلب في ضرم الحزن
فما في الشجا لهم تفنيد


فهم النخل باسقات کما قال
سوام لهن طلع نضيد


وهم في الکتاب زيتونة النور
وفيها لکل نار وقود


وبأسمائهم إذا ذکر الله
بأسمائه اقتران أکيد


غادرتهم حوادث الدهر صرعي
کل شهم بالنفس منه يجود

[صفحه 398]

لست أنسي الحسين في کربلاء
وهو ظام بين الاعادي وحيد


ساجد يلثم الثرا وعليه
قضب الهند رکع وسجود


يطلب الماء والفرات قريب
ويري الماء وهو عنه بعيد


يابني الغدر من قتلتم؟ لعمري
قد قتلتم من قام فيه الوجود


وله في أهل البيت الطاهر سلام الله عليهم:


قوم سماؤهم السيوف وأرضهم
أعداؤهم ودم النحور بحورها


يستمطرون من العجاج سحائبا
صوب الحتوف علي الزحوف مطيرها


وحنادس الفتن التي إن أظلمت
فشموسها آرائهم وبدورها


ملکوا الجنان بفضلهم فرياضها
طرا لهم وخيامها وقصورها


وإذا الذنوب تضاعفت فبحبهم
يعطي الامان أخا الذنوب غفورها


تلک النجوم الزهر في أبراجها
ومن السنين بهم تتم شهورها


أخذنا ترجمة (الزاهي) من تاريخ بغداد 11 ص 350. يتيمة الدهر 1 ص 198. أنساب السمعاني. مناقب إبن شهر اشوب ومعالمه. تاريخ إبن خلکان 1 ص 390. مرآة الجنان 2 ص 349. مجالس المؤمنين 459. بحار الانوار 10 ص 255 ألکني والالقاب 2 ص 257. دائرة المعارف للبستاني 9 ص 161. ألاعلام للزرکلي 2 ص 659

[صفحه 399]


صفحه 392، 393، 394، 395، 396، 397، 398، 399.








  1. تنسب إلي الربيع بن يونس حاجب المنصور ومولاه ووالد وزير الفضل بن الربيع.
  2. نسبة إلي (زاه) قرية من قري نيسابور يقال في النسبة اليها: زاهي.
  3. مرت ترجمته وثقته في ج 1 ص 63.
  4. أي الصخرة.
  5. أشار إلي ماورد عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من قوله: لو أن الاشجار أقلام، والبحر مداد، والجن حساب، والانس کتاب ما أحصوا فضايل علي بن أبي طالب. مناقب الخوارزمي ص 259:1 کفاية الطالب 123، تذکرة السبط س 8.
  6. فيه ايعاز إلي ما مر في هذا الجزء ص 9 و8.