رسائل ابن الرومي
[صفحه 36] ألم تجدوني آل وهب لمدحکم فلا بد انه کان يکتب ويمارس الصناعة النثرية إلا ما استجمعناه من منثوراته لايعدو نبذا معدودة موجزة، منها: رسالة إلي القاسم بن عبيد الله يقول فيها متنصلا 1- ترفع عن ظلمي إن کنت بريئا، وتفضل بالعفو إن کنت مسيئا، فوالله إني لاطالب عفو ذنب لم أجنه، وألتمس الاقالة مما لا أعرفه، لتزداد تطولا وازداد تذللا، وأنا أعيذ حالي عندک بکرمک من واش يکيدها، وأحرسها بوفاءک من باغ يحاول إفسادها، وأسأل الله تعالي أن يجعل حظي منک بقدر ودي لک ومحلي من رجائک بحيث أستحق منک. والسلام. 2- رسالة کتبها يعود صديقا: أذن الله في شفائک، وتلقي داءک بدوائک، ومسح بيد العافية عليک، ووجه وفد السلامة إليک، وجعل علتک ماحية لذنوبک، مضاعفة لثوابک. 3.تب إلي صديق له قدم من «سيراف»[1] فأهدي إلي جماعة من إخوانه ونسيه: أطال الله بقاءک وأدام عزک وسعادتک وجعلني فداءک، لولا أنني في حيرة من أمري وشغل من فکري لما افترقنا، وشوقي علم الله فغالب، وظمأي فشديد، وإلي الله الرغبة في أن يجعل القدرة علي اللقاء حسب المحبة انه قادر جواد. ومکاننا من جميل رايک أيدک الله يبعثنا علي تقاضي حقوقنا قبلک، وکريم سجاياک وأخلاقک يشجعنا علي إمضاء العزم في ذلک، وما تطولت به من الايناس يؤنسنابک و يبسطنا إليک، وآثار يديک تدلنا عليک، وتشهد لنا بسماحتک، والله يطيل بقاءک و يديم لنافيک وبک السعادة. وبلغني أدام الله عزک أن سحائب تفضلک أمطرت منذ أيام مطرا عم إخوانک بهدايا مشتملة علي حسن وطيب، فأنکرت علي عدلک وفضلک خروجي منها مع دخولي في جملة من يعتدک ويعتقدک وينحوک ويعتمدک، وسبق إلي قلبي من ألم سوء الظن برأيک أضعاف ماسبق إليه من الالم بفوت الحظ من لطفک، فرأيت مداوات قلبي من ظنه، وقلبک من سهوه، واستبقاء الود بيننا بالعتاب الذي يقول فيه القائل: (ويبقي [صفحه 37] الود مابقي العتاب) وفيما عاتبت کفاية عند من له اذنک الواعية وعينک الراعية. 4- وقال في تفضيل النرجس علي الورد: ألنرجس يشبه الاعين والمضاحک، والورد يشبه الخدود، والاعين والمضاحک أشرف من الخدود، وشبيه الاشرف أشرف من شبيه الادني، والورد صفة لانه لون والنرجس يضارعه في هذا الاسم، لان النرجس هو الريحان الوارد أعني أنه أبدا في الماء، والورد خجل، والنرجس مبتسم، وانظر أدناهما شبها بالعيون فهو أفضل. هذه نماذج من منثوراته لانعرف غيرها فيما بين أيدينا، وخليق بمن يکتب بهذا الاسلوب أن يعد في بلغاء الکتاب وإن لم يعد في أبلغهم، علي أن إبن الرومي لم يکن يحسب نفسه إلا مع الشعراء إذا اختلفت الطوائف، فإنه يقول عن نفسه وهو يمدح أبا الحسين کاتب إبن أبي الاصبع: ونحن معاشر الشعراء تنمي وإن کانوا أحق بکل فضل أبونا عندنسبتنا أبوهم أما حظه من علوم العربية والدين فمن المفضول أن نتعرض لاحصاء الشواهد عليه في کلامه، لانه أبين من أن يحتاج إلي تبيين. وندرفي قصائده المطولة أو الموجزة قصيدة تقرأها ولا تخرج منها وأنت موقن باستبحار ناظمها في اللغة وإحاطته الواسعة بغريب مفرداتها وأوزان إشتقاقها وتصريفها وموقع أمثالها وأسماء مشاهرها، ومايصحب ذلک من أحکام في الدين ومقتبسات من أدب القرآن، فليس في شعر العربية من تبدو هذه الشواهد في کلامه بهذه الغزارة والدقة غير شاعرين إثنين: أحد هما صاحبنا والثاني المعري، وقد کان يمدح الرؤساء والادباء أمثال عبيد الله بن عبدالله، وعلي بن يحيي، وإسماعيل بن بلبل فيفسر غريب کلماته في القرطاس الذي يثبت فيه قصايده کأنه کان يشفق أن تفوتهم دقايق لفظه وأسرار لغته ثم يعود إلي الاعتذار من ذلک إذا انس منهم الجفوة والتغير. لم افسر غريبها لک لکن لغيرک لالک التفسير أني [صفحه 38] وکانوا لشهرته باللغة وعلم أسرارها ولطيف نکاتها يختلقون له الکلمات النافرة يسألونه عنها ليعبثوا به أو يعجزوه، وقصة «الجرامض» إحدي هذه المعابثات التي تدل علي غيرها من قبيلها، فقد سأله بعضهم في مجلس القاسم بن عبيد الله: ما الجرامض؟! فارتجل مجيبا: وسألت عن خبر الجرا وهو الخزا کل والغوا وهو السلجکل شئت إذ وکلها کلمات من مادة الجرامض لامعني لها ولا وجود، وإذا صح إستقراؤنا وکان من أساتذته أمثال ثعلب وقتيبة فضلا عن الاستاذية الثابتة لابن حبيب فلاجرم يصير ذلک علمه بالغريب والانساب والاخبار، هؤلاء کلهم من نخبة النخبة في هذه المطالب، ولا سيما إذا أعانهم تلميذ ذو فطنة متوقدة الفهم وذاکرة سريعة الحفظ کهذا التلميذ، فقد مر بک انه کان يحفظ الابيات الخمسة من قراءة واحدة فهب في الرواية بعض مبالغة التي تتعرض لها أمثال هذه الروايات فهو بعد سريع الحفظ و هذا مما يعينه علي تحصيل اللغة وتعليق المفردات. عاش إبن الرومي حياته کلها في بغداد لايفارقها قليلا حتي يعود سريعا وقد نازعه إليها الشوق وغلبه نحوها حنين، وکانت بغداد يومئذ عاصمة الدنيا غير مدافع، و کان صاحب صنيعة ومالک دارين وثراء وتحف موروثة منها قدح زعم انه کان للرشيد ووصفه في شعره لما أهداه إلي علي بن المنجم يحيي قدح کان للرشيد اصطفاه کفم الحب في الحلاوة بل أحلي صيغ من جوهر مصفي طباعا تنفذ العين فيه حتي تراها کهواه بلا هباء مشوب ثم استوعب الکلام في البحث عن مزاجه وأخلاقه ومعيشته وما کانت تملکه يده وذکري مطايباته ومفاکهاته وهجاؤه وفشله وطيرته من ص 102 -203 فشرع [صفحه 39] في بيان عقيدته وهناک مواقع للنظر.
وقد وردت في أبياته الهمزية إشارة إلي حذقه في الکتابة ومشارکته في البلاغة المنثورة تعززها إشارة مثلها في هذا البيت:
بشعري ونثري أخطلا ثم جاحضا؟!
إلي نسب من الکتاب دان
وأبلغ باللسان وبالبيان
عطارد السماوي المکان
لامرئ يجهل الغريب سواکا
يفسر لابن بجدتها الغريب
مض طالبا علم الجرامض
مض قد تفسر بالغوامض
لک أم أبيت بفرض فارض
خلف من ذکوره غير خلف
وإن کان لايناغي بحرف
لاعلاجا بکيمياء مصف
أخطأته من رقة المستشف
بضياء أرقق بذاک وأصف
صفحه 36، 37، 38، 39.