مذهبه











مذهبه



من العويص جدا ألبحث والتنقيب عن مذهب من نشأ في مثل القرن الثالث والرابع عصر التحزب للآراء والنزعات، عصر تشتت الاعتقادات، عصر تکثر النحل، وتوفر الدواعي علي انتحال الرجل لما يخالف عقده القلبي، وتظاهره بما لايظهره سر جنانه، وقد قضت الايام، ومرت الاعوام علي آثارهم، ونتايج أفکارهم مما کان يمکننا منه استظهار المعتقدات، وحکم الدهر علي منشور فلتات ألسن کانت تعرب عن مکنون الضماير، وتقرأ علينا دروس الحقيقة من جانب مذهب الغابرين.

وإضطراب کلمات أرباب المعاجم حول مذهب شاعرنا التنوخي وولده أبي علي منذ عهدهم إلي اليوم ينم عن أنهم کانوا يخفون مختارهم من المذهب، وکانوا يظهرون في کل صقع وناحية نزلوا مايلايم مذهب أهليها، فقال الخطيب البغدادي في تاريخه، والسمعاني في أنسابه، وإبن کثير في تاريخه، وصاحب شذرات الذهب، والسيد العباسي في المعاهد، وشيخنا أبوالحسن الشريف في ضياء العالمين: إن المترجم تفقه علي مذهب أبي حنيفة. ونص اليافعي في مرآة الجنان، والذهبي في ميزان الاعتدال، والسيوطي في البغية، وأبوالحسنات في الفوائد البهية، بأنه حنفي المذهب. وقال الخطيب البغدادي في تاريخه، والسمعاني في أنسابه: إنه کان يعرف الکلام في الاصول علي مذهب المعتزلة، وفي کامل إبن الاثير: کان عالما باصول المعتزلة. وفي لسان الميزان: إنه يرمي بالاعتزال، وعده سيدنا القاضي في مجالس المؤمنين من قضاة الشيعة، وبذلک نص صاحب مطلع البدور، ونقل صاحب نسمة السحر عن المسوري اليمني: إنه کان معتزلي

[صفحه 385]

الاصول متشيعا جدا حنفي المذهب.

والذي يجمع بين هذه الشتات ان الرجل کان معتزلي الاصول، وحنفي الفروع، زيدي المذهب، ويؤکد مذهبه هذا ماذکره معاصره المسعودي في (مروج الذهب) ج 2 ص 519 من قوله: إنه في وقتنا هذا وهو سنة إثنتين وثلاثين وثلثمائة بالبصرة في جملة الزيديين[1] وقصيدته البائية التي ذکرنا شطرا منها ترجح کفة التشيع في ميزانه، کما أن غير واحد من قضايا ذکرها ولده أبوعلي في کتابه (ألفرج بعد الشدة) نقلا عن المترجم يوذن بذلک.


صفحه 385.








  1. في النسخة: اليزيديين. وهو تصحيف واضح.