حديث حفظه وذكائه











حديث حفظه وذکائه



کان المترجم آية في الحفظ والذکاء، قال ولده القاضي أبوعلي المحسن في (نشوار المحاضرة) ص 176: حدثني أبي قال: سمعت أبي ينشد يوما وسني إذ ذاک خمس عشرة سنة بعض قصيدة دعبل الطويلة التي يفتخر فيها باليمن ويعدد مناقبهم ويرد علي الکميت مناقبه بنزار أولها:


أفيقي من ملامک ياظعينا
کفاني اللوم مر الاربعينا


وهي نحو ستمائة بيت فاشتهيت حفظها لما فيها من مفاخر اليمن وأهلي فقلت: يا سيدي تخرجها إلي حتي أحفظها، فدافعني فألحت عليه فقال: کأني بک تأخذها فتحفظ منها خمسين بيتا أو مائة بيت ثم ترمي بالکتاب وتخلقه علي. فقلت: إدفعها إلي. فأخرجها وسلمها إلي وقد کان کلامه أثر في فدخلت حجرة کانت برسمي من داره فخلوت فيها ولم أتشاغل يومي وليلتي بشئ غير حفظها فلما کان في السحر کنت قد فرغت من جميعها وأتقنتها فخرجت إليه غدوة علي رسمي فجلست بين يديه فقال: هي، کم حفظت من القصيدة؟ فقلت: قد حفظتها بأسرها. فغضب وقد رآني قد کذبته وقال لي: هاتها، فأخرجت الدفتر من کمي فأخذه وفتحه ونظر فيه وأنا أنشد إلي أن مضيت في أکثر من مائة بيت فصفح منها عدة أوراق وقال: أنشد من هيهنا. فأنشدت مقدار مائة بيت إلي آخرها، فهاله مارآه من حسن حفظي فضمني إليه وقبل رأسي وعيني وقال: بالله يابني لاتخبر بها أحدا فإني أخاف عليک من العين. وذکر إبن کثير هذه القصة ملخصا في تاريخه 11 ص 227.

[صفحه 383]

وقال أبوعلي ايضا: حفظني أبي وحفظت بعده من شعره أبي تمام والبحتري سوي ماکنت أحفظ لغيرهما من المحدثين والقدماء مائتي قصيدة قال: وکان أبي وشيوخنا بالشام يقولون: من حفظ للطائيين أربعين قصيدة ولم يقل الشعر فهو حمار في مسلاخ إنسان، فقلت الشعر وسني دون العشرين، وبدأت بعمل مقصورتي التي أولها:


لولا التناهي لم أطع نهي
النهي أي مدي يطلب من حاز المدي


وقال أبوعلي: کان أبي يحفظ للطائيين سبعمائة قصيدة ومقطوعة سوي مايحفظ لغيرهم من المحدثين والمخضرمين والجاهليين، ولقد رأيت له دفترا بخطه هو عندي يحتوي علي رؤس ما يحفظه من القصايد مأتين وثلاثين ورقة أثمان منصوري لطاف، وکان يحفظ من النحو واللغة شيئا عظيما من ذلک (إلي أن قال): وکان مع ذلک يحفظ ويجيب فيما يفوق عشرين ألف حديث، وما رأيت أحدا أحفظ منه، ولولا أن حفظه افترق في جميع هذه العلوم لکان أمرا هائلا.


صفحه 383.