ترجمة ابوالقاسم الصنوبري











ترجمة ابوالقاسم الصنوبري



أبوالقاسم وأبوبکر وأبوالفضل[1] أحمد بن محمد بن الحسن بن مرار الجزري الرقي[2] الضبي[3] الحلبي الشهير بالصنوبري.

شاعر شيعي مجيد. جمع شعره بين طرفي الرقة والقوة، ونال من المتانة وجودة الاسلوب حظه الاوفر، ومن البراعة والظرف نصيبه الاوفي، وتواتر في المعاجم وصفه بالاحسان تارة[4] وبه وبالاجادة اخري[5] وإن شعره في الذروة العليا ثالثة[6] وکان يسمي حبيبا الاصغر لجودة شعره[7] وقال الثعالبي: تشبيهات إبن المعتز. و أوصاف کشاجم، وروضيات الصنوبري، متي اجتمعت إجتمع الظرف والطرف، وسمع السامع من الاحسان العجب.

وله في وصف الرياض والانوار تقدم باهر، وذکر إبن عساکر: أن أکثر شعره فيه. وقال إبن النديم في فهرسته: إن الصولي عمل شعر الصنوبري علي الحروف في مأتي ورقة. فيکون المدون علي ماالتزم به إبن النديم من تحديد کل صفحة من الورقة بعشرين بيتا ثمانية آلاف بيت، وسمع الحسن بن محمد الغساني من شعره مجلدا.[8] .

[صفحه 370]

وله في وصف حلب ومنتزهاتها قصيدة تنتهي إلي مائة وأربعة أبيات توجد في (معجم البلدان) للحموي 3 ص 321 -317، وقال البستاني في (دائرة المعارف) 7 ص 137: هي أجود ماوصف به حلب، مستهلها:


إحبسا العيس احبساها
وسلا الدار سلاها


وأما نسبته إلي الصنوبر فقد ذکر إبن عساکر عن عبدالله الحلبي الصفري إنه قال: سألت الصنوبري عن السبب الذي من أجله نسب جده إلي الصنوبر حتي صار معروفا به. فقال لي: کان جدي صاحب بيت حکمة من بيوت حکم المأمون فجرت له بين يديه مناظرة فاستحسن کلامه وحدة مزاجه وقال له: إنک لصنوبري الشکل. يريد بذلک الذکاء وحدة المزاج. اه د. وذکر له النويري في (نهاية الارب) ج 11 ص 98 في نسبته هذه قوله:


وإذا عزينا إلي الصنوبر لم
نعز إلي خامل من الخشب


لابل إلي باسق الفروع علا
مناسبا في ارومة الحسب


مثل خيام الحرير تحملها
أعمدة تحتها من الذهب


کأن مافي ذراه من ثمر
طير وقوع علي ذري القضب


باق علي الصيف والشتاء إذا
شابت رؤوس النبات لم يشب


محصن الحب في جواشن قد
أمن في لبسها من الحرب


حب حکي الحب صين في قرب ال
أصداف حتي بدا من القرب


ذو نثة ماينال من عنب
مانيل من طيبها ولا رطب


ياشجرا حبه حداني أن
أفدي بامي محبة وأبي


فالحمد لله إن ذا لقب
يزيد في حسنه علي النسب


وأما تشيعه فهو الذي يطفح به شعره الرائق کما وقفت علي شطر منه وستقف فيما يلي علي شطر آخر، ونص بذلک اليماني في نسمة السحر، وعد إبن شهر اشوب له من مادحي أهل البيت عليهم السلام يوذن بذلک. وأما دعوي صاحب النسمة أنه کان زيديا واستظهاره ذلک من شعره فأحسب انها فتوي مجردة فإنه لم يدعمها. بدليل، وشعره الذي ذکره هو وغيره خال من أي ظهور ادعاه، وإليک نبذا مما وقفنا عليه في

[صفحه 371]

المذهب.قال في قصيدة يمدح بها عليا أميرالمؤمنين عليه السلام:


واخي حبيبي حبيب الله لاکذب
وابناه للمصطفي المستخلص ابنان


صلي إلي القبلتين المقتدي بهما
والناس عن ذاک في صم وعميان


مامثل زوجته اخري يقاس بها
ولايقاس علي سبطيه سبطان


فمضمر الحب في نور يخص به
ومضمر البغض مخصوص بنيران


هذا غدا مالک في النار يملکه
وذاک رضوان يلقاه برضوان


ردت له الشمس في أفلاکها فقضي
صلاته غير ماساه ولا وان


أليس من حل منه في اخوته
محل هارون من موسي بن عمران؟!


وشافع الملک الراجي شفاعته
إذ جاءه ملک في خلق ثعبان


قال النبي له: أشقي البرية يا
علي إذ ذکر الاشقي شقيان


هذا عصي صالحا في عقر ناقته
وذاک فيک سيلقاني بعصيان


ليخضبن هذه من ذا أبا حسن
في حين يخضبها من أحمر قان


ويرثي فيها أميرالمؤمنين وولده السبط الشهيد بقوله:


نعم الشهيدان رب العرش يشهد لي
والخلق انهما نعم الشهيدان


من ذا يعزي النبي المصطفي بهما
من ذا يعزيه من قاص ومن دان؟


من ذا لفاطمة اللهفاء ينبئها
عن بعلها وابنها إنباء لهفان؟


من قابض النفس في المحراب منتصبا
وقابض النفس في الهيجاء عطشان؟


نجمان في الارض بل بدران قد أفلا
نعم وشمسان إما قلت شمسان


سيفان يغمد سيف الحرب إن برزا
وفي يمينيهما للحرب سيفان


وله يرثي الامام السبط الشهيد عليه السلام[9] .


ياخير من لبس النبوة
من جميع الانبياء


وجدي علي سبطيک وجد
ليس يؤذن بانقضاء


هذا قتيل الاشقياء
وذا قتيل الادعياء


يوم الحسين هرقت دمع
الارض بل دمع السماء

[صفحه 372]

يوم الحسين ترکت با ب
العز مهجور الفناء


ياکربلاء خلقت من
کرب علي ومن بلاء


کم فيک من وجه تشرب
ماؤه ماء البهاء


نفسي فداء المصطلي نار
الوغي أي اصطلاء


حيث الاسنة في الجواشن
کالکواکب في السماء


فاختار درع الصبر حيث
الصبر من لبس السناء


وأبي إباء الاسد إن
الاسد صادقة الاباء


وقضي کريما إذ قضي
ظمآن في نفر ظماء


منعوه طعم الماء لا
وجدوا لماء طعم ماء


من ذا لمعفور الجواد
ممال أعواد الخباء؟


من للطريح الشلوعر
يانا مخلي بالعراء؟


من للمحنط بالتراب
وللمغسل بالدماء؟


من لابن فاطمة المغيب
عن عيون الاولياء؟


ويؤکد ماذکرنا للمترجم من المذهب شدة الصلة بينه وبين کشاجم المسلم تشيعه، وتؤکد المواخاة بينهما کما ستقف عليه في ترجمة کشاجم، ويعرب عن الولاء الخالص بينهما قول کشاجم في الثناء عليه:


لي من أبي بکر أخي ثقة
لم استرب بإخائه قط


ماحال في قرب ولا بعد
سيان فيه الثوب والشط


جسمان والروحان واحدة
کالنقطتين حواهما خط


فإذا افتقرت فلي به جدة
وإذا اغتربت فلي به رهط


ذاکره أو حاوله مختبرا
تر منه بحرا ماله شط


في نعمة منه جلبت بها
لا الشيب يبلغها ولا القرط


وبدلة بيضاء ضافية
مثل الملاءة حاکها القبط


متذلل سهل خلايقه
وعلي عدو صديقه سلط


ونتاج مغناه متممة
ونتاج مغني غيره سقط

[صفحه 373]

وجنان آداب مثمرة
ماشأنها أثل ولا خمط


وتواضع يزداد فيه علا
والحر يعلو حين ينحط


وإذا أمرؤ شيبت خلائقه
غدرا فما في وده خلط


وقصيدته الاخري وقد کتبها إليه:


ألا أبلغ أبا بکر
مقالا من أخ بر


يناديک بإخلاص
وإن ناداک من عقر


أظن الدهر أعداک
فاخلدت إلي الغدر


فما ترغب في وصل
ولاتعرض من هجر


ولاتخطرني منک
علي بال من الذکر


أتنسي زمنا کنا
به کالماء في الخمر؟!


أليفين حليفين
علي الايسار والعسر


مکبين علي اللذات
في الصحو وفي السکر


تر ي في فلک الآداب
کالشمس وکالبدر


کما ألفت الحکمة
بين العود والزمر


فألهتک بساتينک
ذات النور والزهر


وماشيدت للخلوة
من دار ومن قصر

(ألقصيدة)

کان المترجم يسکن حلب دمشق وبها أنشد شعره ورواه عنه أبوالحسن محمد ابن أحمد بن جميع الغساني کما في أنساب السمعاني، وتوفي في سنة 334 کما أرخه صاحب (شذرات الذهب) وغيره.

وعده إبن کثير في تاريخه 11 ص 119 ممن توفي في حدود الثلمائة، وهذا بعيد عن الصحة جدا من وجوه، منها: أنه اجتمع[10] مع أبي الطيب المتنبي بعد ما نظم القريض وقد ولد بالکوفة سنة 303. ومنها: مدحه سيف الدولة الحمداني وقد ولد سنة 303.

أعقب المترجم ولده أبا علي الحسين، حکي إبن الجني[11] قال حدثني أبوعلي

[صفحه 374]

الحسين بن أحمد الصنوبري قال: خرجت من حلب اريد سيف الدولة فلما برزت من الصور إذا أنا بفارس متلثم قد أهوي نحوي برمح طويل، وسدده إلي صدري، فکدت أطرح نفسي عن الدابة فرقا، فلما قرب مني ثني السنان وحسر لثامه فإذا المتنبي (ألشاعر ألمعروف) وأنشدني:


نثرنا رؤوسا بالاحيدب منهم
کما نثرت فوق العروس الدراهم


ثم قال: کيف تري هذا القول؟ أحسن هو؟ فقلت له: ويحک قد قتلتني يارجل؟ قال إبن جني: فحکيت أنا هذه الحکاية بمدينةالسلام لابي الطيب فعرفها وضحک لها.

وتوفيت للصنوبري بنت في حياته رثاها زميله (کشاجم) وعزاه بقوله:


أتأسي يا أبا بکر
لموت الحرة البکر


وقد زوجتها قبرا
وما کالقبر من صهر


وعوضت بها الاجر
وما للاجر من مهر


زفاف اهديت فيه
من الخدر إلي القبر


فتاة أسبل الله
عليها أسبغ الستر


ورده أشبه النعم دة
في الموقع والقدر


وقد يختار في المکروه
للعبد وما يدري


فقابل نعمة الله التي
أولاک بالشکر


وعز النفس مما فات
بالتسليم والصبر


وکتب المترجم علي کل جانب من جوانب قبة قبرها الستة بيتين توجد الابيات في تاريخ إبن عساکر 1 ص 457 و456.


صفحه 370، 371، 372، 373، 374.








  1. کناه به کشاجم زميله في شعره.
  2. نسبة إلي الرقة: مدينة مشهورة بشط الفرات عمرها هارون الرشيد.
  3. نسبة إلي ضبة أبي قبيلة.
  4. تاريخ ابن عساکر 1 ص 456.
  5. انساب السمعاني.
  6. شذرات الذهب 2 ص 335.
  7. عمدة ابن رشيق 1 ص 83.
  8. انساب السمعاني.
  9. ج 2 ص 232 من مناقب ابن شهر اشوب.
  10. عمدة ابن رشيق 1 ص 83.
  11. کما في يتيمة الدهر ج 1 ص 97.