الان حصحص الحق











الان حصحص الحق



ألآن حق علينا أن نميط الستر عن خبيئة أسرارنا، ونعرب عن غايتنا المتوخاة من هذا البحث الضافي حول الکتب، ألآن آن لنا أن ننوه بأن ضالتنا المنشودة هي ايقاظ شعور الامة الاسلامية إلي جانب مهم فيه الصالح العام والوئام والسلام والوحدة الاجتماعية، وحفظ ثغور الاسلام عن تهجم سيل الفساد الجارف.

ياقوم؟ إن کان کبر عليکم مقامي وتکيري بآيات الله فعلي الله توکلت. انشدکم بالله أيها المسلمون هل دعاية أقوي من هذه الکتب إلي تفريق صفوف المسلمين؟ و تمزيق شملهم؟ وفساد نظام المجتمع؟ وذهاب ريح الوحدة العربية؟ وفصم عري الاخوة الاسلامية؟ وإثارة الاحقاد الخامدة؟ وحش نيران الضغاين في نفوس الشعب الاسلامي؟ ونفخ جمرة البغضاء والعداء المحتدم بين فرق المسلمين؟.

ياقوم؟ اتبعوني أهدکم سبيل الرشاد. هذه الکتب يضاد صراخها نداء القرآن البليغ. هذه النعرات المشمرجة[1] تشيع الفحشاء والمنکر في الملا الديني. هذه الکلم الطائشة معاول هدامة لاس مکارم الاخلاق التي بعث لتتميمها نبي الاسلام صلي الله عليه وآله وسلم هذه الالسنة السلاقة اللسابة البذاءة مدرسات الامة بفاحش القول، وسوء الادب، وقبح العشرة، وضد المداراة، وبالشراسة والقحة والشياص. هذه التعاليم الفاسدة فيها دحس لنظام المجتمع، ودحل بين الفرق الاسلامية، وهتک لناموس الشرع المقدس وعبث بسياسة البلاد، وصدع لتوحيد العباد، هذه الاقلام المسمومة تمنع الامة عن سعادتها ورقيها، وتولد العراقيل في مسيرها ومسربها، وتمحو ماخطته يد الاصلاح في صحائف القلوب، وتحيي في النفوس ماعقمته داعية الدين.

ياأيها الناس قد جاءتکم موعظة من ربکم وشفاء لما في الصدور. إن الآراء الدينية الاسلامية إجتماعية يشترک فيها کل معتنق بالاسلام، إذلا تمثل في

[صفحه 335]

الملا إلا باسم الدين الاجتماعي، فيهم کل إسلامي يحمل بين جنبيه عاطفة دينية أن يدافع عن شرف نحلته، وکيان ملته، مهما وجد هناک زلة في رأي، أو خطأ في فکرة، ولا يسعه أن يفرق بين باءة واخري، أو يخص نفسه بحکومة دون غيرها إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآبائکم بل الارض کلها بيئة المسلم الصادق والاسلام حکومته، وهو يعيش تحت راية الحق، وتوحيد الکلمة ضالته، وصدق الاخاء شعاره أينما کان وحيثما کان.

هذا شأن الافراد وکيف بالحکومات العزيزة الاسلامية؟ التي هي شعب تلک الحکومة العالمية الکبري، ومفردات ذلک الجمع الصحيح، ومقطعات حروف تلک الکلمة الواحدة، کلمة الصدق والعدل، کلمة الاخلاص والتوحيد، کلمة العز والشرف، کلمة الرقي والتقدم.

فأني يسوغ لحکومة مصر العزيزة أن ترخص لنشر هذه الکتب في بلادها؟ وتشوه سمعتها في أرجاء الدنيا؟ وهي ثغر الاسلام المستحکم من أول يومه، وهي مدرسة الشرق المؤسسة تحت راية الحق بيد رجال العلم والدين.

أليس عارا علي مصر بعد مامضت عليها قرون متطاولة بحسن السمعة أن تعرف في العالم باناس دجالين، وکتاب مستأجرين، وأقلام مسمومة، وأن يقال: إن فقيهها موسي جار الله، وعالمها القصيمي، ومصلحها أحمد أمين، وعضو مؤتمرها محمد رشيد رضا، ودکتورها طه حسين، ومؤرخها الخضري، واستاذ علوم إجتماعها محمد ثابت، وشاعرها عبد الظاهر أبوالسمح.

أليس عارا علي مصر أن يتملج ويتلمظ بشرفها الدخلاء من إبن نجد ودمشق فيؤلف أحدهم کتابا في الرد علي الامامية ويسميه ( ألصراع بين الاسلام والوثنية) ويأتي آخر يقرظه بشعره لابشعوره ويعرف الشيعة الامامية بقوله:


ويحمل قلبهم بغضا شنيعا
لخير الخلق ليس له دفاع


يقولون: الامين حبا بوحي
وخان. ومالهم عن ذا ارتداع


فهل في الارض کفر بعد هذا؟
ولمن يهوي متاع


فما للقوم دين أو حياء
بحسبهم من الخزي (الصراع)

[صفحه 336]

ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذکر الله؟ أيحسب امرئ مصري ان إشاعة هذه الکتب، وبث هذه المخاريق والنسب المفتعلة، ونشر هذه التآليف التافهة حياة للامة المصرية، وايقاظ لشعور شعبها المثقف، وإبقاء لکيان تلک الحکومة العربية العزيزة، وتقدم ورقي في حرکاتها العلمية. الادبية. الاخلاقية. ألدينية. ألاجتماعية؟.

أسفا علي أقلام مصر النزيهة، وأعلامها المحنکين، ومؤلفيها المصلحين، و کتابها الصادقين، وعباقرتها البارعين، وأساتذتها المثقفين، ورجالها الامناء علي ودايع العلم والدين.

أسفا علي مصر وعلمها المتفق، وأدبها الجم، وروحها الصحيحة، ورأيها الناضج، وعقلها السليم، وحياتها الدينية، وإسلامها القديم، وولائها الخالص، و تعاليمها القيمة، ودروسها العالية، وخلايقها الکريمة، وملکاتها الفاضلة.

أسفا علي مصر وعلي تلکم الفضائل وهي راحت ضحية تلک الکتب المزخرفة، ضحية تلک الاقلام المستأجرة، ضحية تلک النزعات الفاسدة، ضحية تلک الصحائف السوداء، ضحية تلک النعرات الحمقاء، ضحية تلک المطابع المأسوف عليها، ضحية أفکار اؤلئک المحدثين المتسرعين الذين طغوا في البلاد فاکثروا فيها الفساد، وإذا قيل لهم لاتفسدوا في الارض قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولکن لايشعرون.

أليست هذه الکتب بين يدي أعلام مصر ومشايخها المثقفين؟ أم لم يوجد هناک من يحمل عاطفة دينية، وشعورا حيا، وفکرة صالحة يدافع عن ناموس مصره المحبوبة قبل ناموس الشرق کلها؟

والعجب کل العجب ان علامة مصر[2] يري للمجتمع انه الناقد البصير فيقرظ کتابا[3] قيما لعربي صميم عراقي يعد من أعلام العصر ومن عظماء العالم ويناقش دون مافي طيه من الاغلاط المطبعية مما لا يترتب به علي الامة ولا علي

[صفحه 337]

فرد منها أي ضرر وخسارة بمثل قوله: کلما. صوابه: کل ما. شرع. صوابه: شرح. شيخنا. صوابه: شيخا.

مرحبا بهذا الحرص والاستکناه في الاصلاح والتغاضي عن تلکم الکوارث، مرحبا بکلاءة ناموس لغة العرب والصفح عن دينه وصالح ملته، مرحبا بهذه العاطفة المصلحة لتآليف مشايخ الشيعة، والتحامل عليهم بذلک السباب المقذع، مرحبا مرحبا مرحبا.

لم لم يرق أمثال هذا النابه النيقد أن يأخذ بميزان القسط، وقانون العدل، وناموس النصفة، وشرعة الحق، وواجب الخدمة للمجتمع، ويلفت مؤلف مصره العزيزة إلي تلکم الهفوات المخزية في تلکم التآليف التي هي سلسلة بلاء، وحلقات شقاء تنتهي إلي هلاک الامة ودمارها، وتجر عليهاکل سوءة، وتسفها إلي حضيض التعاسة؟.

وإن تعجب فعجب نشر هذه الکتب في العراق وهي تمس بکرامة ناموسها بعد ناموس الاسلام المقدس ورجالها بعد أحياء، وشعبها بعد نابغ، وشعورها بعد حي، ودينها بعد مستقر، وغيرة العرب بعد هي هي، وشهامة الشبيبة بعد لم تهرم، وجلادة الشيوخ بعد لم تضعف، وأزمة حکومتها بعد بيد آل هاشم.

يعز علي ام العراق أن تسمع اذنها واعية أن في فنادق النجف وسيط يعرض جمعا من فتياتها إلي الوافد لينتقي منهن وفتاتها تتزوج مرات في الليلة الواحدة[4] .

کيف تسمع اذن العراق نداء أن النجفيين هم الدجالون والضالون المضلون قد تزيوا بزي المسلمين وشارکوهم في کثير من الشعاير؟- إلي آخر مالا يصلح ذکره- وقبل هذه کلها تلک الصرخة التي تمس بکرامة رجالات البيت الهاشمي[5] .

أيحسب عراقي حاس أن في طي هذه الکتب صلاحا لمجتمع العراق؟ أو حياة لروح أبناءها؟ أو درس أخلاق لامتها؟ أو رقيا وتقدما لشعبها؟ أو ثقافة رجالها؟ أو علما لطلابها؟ أو أدبا لکتابها؟ أو دينا لمسلميها؟ أو مادة لمثريها؟ أو لهادخل في سياسة حکومتها الاسلامية المحبوبة؟.

[صفحه 338]

فواجب المسلم الصادق في دعواه الحافظ علي شرفه وعز نحلته، رفض أمثال هذه الکتب المبهرجة، ولفظها بلسان الحقيقة، والکف عن اقتنائها وقرائتها، والتجنب عن الاعتقاد والتصديق بما فيها، والبعد عن الاخذ والبخوع بما بين دفوفه، والاخبات إلي مافيها قبل أن يعرضها إلي نظارة التنقيب، وصيارفة النقد والاصلاح، أو النظر إليها بعين التنقيب وإردافها بالرد والمناقشة فيها إن کان من أهلها. وإن فعلوا مايوعظون به لکان خيرا وأشد تثبيتا.

وواجب رجال الدعاية والنشر في الحکومات الاسلامية عرض کل تأليف مذهبي حول أي فرقة من فرق الاسلام إلي اصولها ومبادئها الصحيحة المؤلفة بيد رجالها ومشايخها، والمنع عما يضادها ويخالفها، إذ هم عيون الامة علي ودايع العلم والدين، وحفظة ناموس الاسلام، وحرسة عري العروبة، إن عقلوا صالحهم، وعليهم قطع جذوم الفساد قبل أن يؤجج المفسد نار الشحناء في الملا ثم يعتذر بعدم الاطلاع وقلة المصادر عنده کما فعل أحمد أمين بعد نشر کتابه فجر الاسلام في ملا من قومه، والانسان علي نفسه بصيرة ولو ألقي معاذيره، ولاعذر لاي أحد في القعود عن واجبه الديني الاجتماعي. ولتکن منکم امة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف و ينهون عن المنکر واؤلئک هم المفلحون.

ونحن نرحب بکتاب کل مذهب وتأليف کل ملة الف بيد الصدق والامانة، بيد الثقة والرزانة، بيد التحقيق والتنقيب، بيد العدل والانصاف، بيد الحب والاخاء بيد أدب العلم والدين، ليهلک من هلک عن بينة ويحيي من حي عن بينة ذلک يوعظ به من کان يؤمن بالله واليوم الآخر ذلکم أزکي لکم وأطهر.

(سورة البقرة: 232)

[صفحه 340]


صفحه 335، 336، 337، 338، 340.








  1. الشمراج: المخلط من الکلام بالکذب. والشمرج: الباطل.
  2. الاستاذ أحمد زکي.
  3. اصل الشيعة واصولها. لشيخنا العلامة الشيخ محمد حسين آل کاشف الغطاء.
  4. راجع الجولة في ربوع الشرق الادني ص 112.
  5. راجع السنة والشيعة ص 48.