نهضة الامام المفدي

فأي خطر (أيها الخضري) أعظم علي المجتمع الديني من هذه الاحوال؟! وأي مصلحة أعظم من اکتساح هذه المعرة؟ تدفع کل ديني غيور إلي النهوض في وجه هذه السلطة القاسية، وأي (عسف شديد ينوء الناس بحمله) أو (جور ظاهر لايحتمل) أشد مما ذکرنا؟! الذي يترک کل متدين أن يري من واجبه الانکار عليه، والنهضة تجاهه ولو بمفرده، وإن علم أنه مقتول لامحالة، فإنه وإن يقتل في يومه لکن حياته الابدية في سبيل الدين والشريعة لاتزال مضعضعة لارکان الدولة الظالمة، وهو فيها يتلو علي الملا صحيفة صاحبها السوداء، وانه کان مغتصبا ذلک العرش المقدس، و انه إنما وئد هذا الانسان دون إنکاره علي جرائمه، ويتخذ الملا الواقف علي حديثه درسا راقيا من التضحية، والمفادات دون المبدء الصحيح، فيقتصون أثره، ويحصل هناک قوم يرقبون لهذا المضحي فينهضون لثاراته، وفي الامة بقية ساخطة لمآثم المتغلب، وفتکه بالمنکر عليه، فتلتقي الروحان: الثائرة والساخطة، فتنهک هذه قوي الدولة الغاشمة، وتتثبط الاخري عن مناصرتها، فيکون هناک بوار الظلم، وظهور الصالح العام.

وهکذا أثرت نهضة الحسين المقدسة حتي أجهزت علي دولة الامويين أيام حمارهم، وهکذا علمت الامة دروسها الراقية، لکن (الخضري) ومن يلف لفه قد أعشي الجهل أبصارهم بصائرهم.

لم يکن حسين التضحية يريد ملکا عضوضا حتي کان خروجه قبل الاهبة خطأ عظيما کما يحسبه (الخضري) فيقول بملا فمه: فحيل بينه وبين مايشتهي وقتل دونه..

وإنما أراد الفادي الکريم والمجاهد الظافر التضحية في سبيل الدين، ليعلم الامة

[صفحه 264]

بفظاظة الامويين، وقسوة سياستهم، وابتعادهم عن الناموس البشري فضلا عن الناموس الديني، وتوغلهم في الغلظة الجاهلية وعادات الکفر الدفين، ليعلم الملا الديني أنهم کيف لم يوقروا کبيرا ولم يرحموا صغيرا، ولم يرقوا علي رضيع، ولم يعطفوا علي إمرأة، فقدم إلي ساحات المفادات أغصان الرسالة، وأوراد النبوة، و أنوار الخلافة، ولم تبق جوهرة من هاتيک الجواهر الفردة، فلم يعتم هو ولا هؤلآء، إلا وهم ضحايا في سبيل تلک الطلبة الکريمة.

سل کربلا کم من حشا لمحمد
نهبت بها وکم استجزت من يد

أقمار تم غالها خسف الردي
واغتالها بصروفه الزمن الردي

وماکان حسين العظمة بالذي تذهب أعماله إدراج الرياح لما هو المعلوم بين امة جده من شموخ مکانته، ورفعة مقامه، وعلمه المتدفق، ورأيه الاصيل، وعدله الواضح، وتقواه المعلومة، وانه ريحانه رسول الله صلي الله عليه وآله المستقي من تيار فضله، فلن تجد بين المسلمين من ينکر عليه شيئا من هذه المآثر وإن کان ممن لايدين بخلافته، فما کانت الامة تفوه بشئ حول نهضته القدسية قبل التنقيب والنظر، وقد نقبوا وترووا فيها فوجدوها طبقا لصالح المجتمع، فلم يسمع من أحدهم غير تقديس أو إکبار، ولذلک لم تسمع اذن الدهر من أي أحد ماتجرأ به (الخضري) بقوله: أخطأ.

إنهم يقولون منکرا من القول وزورا.

فالذي نستفيده من تاريخ السبط المفدي هو وجوب النهوض في وجه کل باطل ومناصرة کل حق، ولابقاء هيکل الدين، ونشر تعاليمه، وبث أخلاقه، نعم: يعلمنا هذا التاريخ المجيد النزوع إلي إيثار الخلود في البقاء ولو باعتناق المنية علي الحياة المخدجة تحت نير الاستعباد، والمبادرة إلي الانتهال من مناهل الموت لتخليص الامة من مخالب الجور والفجور، ويلزمنا بسلوک سنن المفاداة دون الحنيفية البيضاء، والنزول علي حکم الاباء دون مهاوي الذل، هذا غيض من فيض من دروس سيدنا الحسين عليه السلام التي ألقاها علي امة جده، لا ماجاء في مزعمة(الخضري) من أن التاريخ... إلخ.

[صفحه 265]

وللخضري من ضرائب ماذکر بوائق جمة ضربنا عنها صفحا، وإنما أردنا ايقاظ شعور الباحث بما ذکر إلي سنخ آراءه الاموية.

يستخفون من الناس ولايستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون مالايرضي من القول وکان الله بما يعملون محيطا

(النساء: 108)

[صفحه 266]

صفحه 264، 265، 266.

---