راينا في الرواية
وکلام السيد المرتضي والنووي، والعيني، والقسطلاني کلام جيد وسليم لو کان للقضية أصل. أما إذا کان ثمة ريب وشک کبير في صحتها، وساقتنا الأدلة إلي اکتشاف ثغرات وتلمس دلالات تشير إلي تحريف خطير فيها، فلا تصل النوبة إلي أجوبة هؤلاء الأعلام، رغم قوتها في نفسها، ووضوحها. والذي أثار هذا الريب والشک لدينا في صحتها هو الأمور التالية: أولاً: لقد کذّب علي عليه السلام نفسه هذه الدعاوي الباطلة صراحة حيث يقول: (لقد علم المستحفظون من أصحاب محمد (ص) أني لم أرد علي الله، ولا علي رسوله ساعة قط. ولقد واسيته بنفسي في المواطن التي تنکص فيها الأبطال، وتتأخر الأقدام، نجدة أکرمني الله بها الخ…)[1] . وقال المعتزلي الشافعي، وهو يشير إلي اعتراضات بعض الصحابة علي النبي (ص) في الحديبية: (إن هذا الخبر صحيح لا ريب فيه،والناس کلهم رووه)[2] . ويمکن التأکيد علي هذا الالتزام انطلاقاً من قول رسول الله (ص) في علي عليه السلام: علي مع الحق، والحق مع علي، يدور معه حيث دار[3] . وثانياً: إن طاعة علي عليه السلام لرسول الله (ص)، والخضوع المطلق لأوامره ونواهيه، لهو السمة المميزة له عن کل من صحابته صلي الله عليه وآله، وعلي عليه السلام هو الذي يقول: (أنا عبد من عبيد محمد)[4][5] . وثالثاً: قال ابن عباس لعمر عن علي: (إن صاحبنا من قد علمت، والله إنه ما غيّر ولا بدّل ولا أسخط رسول الله (ص) أيام صحبته له)[6] . ورابعاً: إن أعداء علي عليه السلام کثيرون، ومنهم من حاربه بکل ما قدر عليه، فلو أنهم وجدوا في هذه القضية ما يوجب أدني طعن، أو تحامل عليه لما ترکوه، بل کانوا ملأوا الخافقين في التشنيع عليه بأنه عليه السلام قد خالف أمر رسول الله، وعصاه. ولم نجد أحداً منهم تفوه ببنت شفة حول الأمر أبداً. وخامساً: إن مراجعة النصوص تعطينا: أنها غير متفقة في حکايتها لحقيقة ما جري. بل في بعضها ما يکذب الرواية المذکورة التي تتهم علياً عليه السلام بمخالفته أمر رسول الله له بمحو اسمه الشريف. وملاحظتها بمجموعها تعطينا انطباعاً آخر غير ما توحي به الروايات التي تقدمت في صدر البحث. ويمکن تلخيص القضية علي الصورة التالية: إنه لما طلب النبي (ص) من علي عليه السلام أن يکتب کلمة رسول الله، واجهه سهيل بن عمرو بالاعتراض علي ذلک. فأثار ذلک حفيظة المسلمين، وضجوا وأمسک بعضهم يد علي عليه السلام مانعاً له من الکتابة. وقد أفاد عدد من هذه النصوص أيضاً: أن سهيلاً حين اعترض علي النبي بقوله: لو نعلم أنه رسول الله ما قاتلناه، أمحها. قال له علي: هو والله رسول الله وإن رغم أنفک لا والله لا أمحوها. فعلي إنما عارض سهيل عمرو، ورفض طلبه بالمحو.فبادر النبي (ص) إلي الطلب من علي (ع) أن يضع يده علي الکلمة، وذلک من أجل أن يحفظ لعلي عليه السلام شخصيته وعنفوانه أمام العدو. وحتي لو کان (ص) قد طلب من علي محو اسمه الشريف، فهذا الطلب إنما جاء في صورة احتدام الجدال بين علي وبين سهيل بن عمرو. وهو يفيد في ظروف کهذه ولا سيما بعد أن راقب النبي ما جري من حدة وجدال وتصلب حول هذا الأمر إلي درجة التهديد بعدم إتمام الصلح ـ إنه يفيد ـ أنه (ص) قد رفع الإلزام بهذا الأمر بهدف أن يمضي الشرط، ويتم الصلح ولم يُرِد أن يوجب محو اسمه ليلزم من ذلک العصيان لأمره الإلزامي. ومما يدل علي أنه لم يکن ثمة ما يوجب الطعن علي علي (ص) في هذا الأمر: أن أعدي أعدائه (عليه السلام) يروون هذه القضية ولا يشيرون إلي أي طعن عليه فيها. ومهما يکن من أمر فإن الروايات لهذه القضية قد جاءت علي طوائف نذکرها ـ باستثناء الطائفة التي ذکرناها في مطلع هذا البحث ـ فيما يلي من مطالب.
أما نحن فلم نجد ما يدعونا إلي الاعتقاد بصحة هذه الرواية من الأساس.