السر المكنون











السر المکنون



وبعدما تقدم نقول: إن اتهام علي بأنه قد خالف أمر رسول الله إنما حصل ـ فيما يظهر ـ بعد عشرات السنين من قضية الحديبية، بل لعله قد حصل في وقت متأخر من الحکم الأموي. أي بعد وفاة مروان بن الحکم، والمسور بن مخرمة، وأنس، وغيرهم.

وذلک لما تقدم من أن هؤلاء وغيرهم قد رووا هذه القضية بصورة سليمة وقويمة أي من دون إشارة إلي تلک المخالفة المزعومة. رغم أن فيهم الحاقدين علي علي، إلي درجة أنهم لا يطيقون حتي ذکر اسمه في هذه القضية بالذات.

ونستطيع أن نقول: إن تزوير الحقيقة في قضية کتابة الصلح قد جاء لعدة أسباب:

الأولي: الحفاظ علي ماء وجه معاوية وحزبه الذين أصروا علي محو کلمة (أمير المؤمنين) في قضية التحکيم بعد حرب صفين، الأمر الذي صدّق نبوءة رسول الله (ص) حينما قال لعلي: لک مثلها ستعطيها، وأنت مضطهد، أو مظطر.

الثاني: انکار فضيلة لأمير المؤمنين (ع) ظهرت من خلال نبوءة رسول الله (ص) بما سيحصل له من بعده، حسبما تقدم.

الثالث: النيل من علي عليه السلام،واتهامه بأمر شنيع وخطير.

الرابع: أنه لا بدأن لا يبقي أحد من الصحابة إلا ويعترض علي رسول الله، في أمر الصلح، ليبقي أبو بکر وحده هو الموافق، ليتبين علو مقامه، وليظهر فضله علي من سواه. حتي إنه ليصبح شريک النبي الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم في الإطلاع علي الغيب، وهو حقيق بذلک.

قال دحلان: (ولم يکن أحد في القوم راضياً بجميع ما يرضي به النبي (ص) غير أبي بکر الصديق (رض). وبهذا يتبين علو مقامه. ويمکن أن الله کشف لقلبه،وأطلعه علي بعض تلک الأسرار، التي ترتبت علي ذلک الصلح، کما اطلع علي ذلک النبي (ص)، فإنه حقيق بذلک (رض). کيف وقد قال النبي (ص): والله، ما صب الله في قلبي شيئاً إلا وصببته في قلب أبي بکر)[1] وإذا عرف السبب بطل العجب!!

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي محمد وآله الطاهرين.

19 /3/1417 هـ ق.

جعفر مرتضي العاملي









  1. السيرة النبوية لدحلان ج2 ج43.