متن خطبه غديريه











متن خطبه غديريه



الحمدللّه الذي جعل الحمد من غير حاجة منه الي حامديه طريقاً من طرق الاعتراف بلاهوتيته وصمدانيته وربانيته وفردانيته، و سبباً الي المزيد من رحمته ومحجةً للطالب من فضله و کمنّ في ابطان اللفظ حقيقة الاعتراف له، بانه المنعم علي کل حمد باللفظ وان عظم واشهد ان لااله الا اللّه وحده لاشريک له، شهادةً نُزِعت عن اخلاص الطوي و نطق اللسان بها عبارة عن صدق خفّي، انه الخالق البارئ المصور، له الاسماء الحسني، ليس کمثله شيئ، اذ کان الشيئ من مشيته، فکان لايشبهه مکوّنه. واشهد ان محمّداً عبده ورسوله استخلصه في القِدَم علي سائر الامم علي علم منه، انفرد عن التشاکل والتماثل من ابناء الجنس، وانتجبه آمراً وناهياً عنه، اقامه في سائر عالمه في الاداء مقامه اذ کان لاتدرکه الابصار ولاتحويه خواطر الافکار ولاتمثله غوامض الظنن [الظنون] في الاسرار لااله الا هو الملک الجبّار.

قرن الاعتراف بنبوته بالاعتراف بلاهوتيته واختصه من تکرمته بما لم يلحقه فيه احد من بريّته، فهو اهل ذلک بخاصّته وخلّته، اذ لايختص من يشوبه التغيير ولايخالل من يلحقه التظنين وامر بالصلاة عليه مزيداً في تکرمته وطريقاً للداعي الي اجابته، فصلي اللّه عليه و کرّم وشرّف و عظّم مزيداً لايلحقه التنفيد ولاينقطع علي التأبيد. وان اللّه تعالي اختص لنفسه بعد نبيّه(ص) من بريته خاصةً علاهم بتعليته وسمّاهم الي رتبته وجعلهم الدعاة بالحق اليه والادلاء بالارشاد عليه لقرن قرنٍ وزمن زمنٍ، انشأهم في القِدم قبل کل مَذْرَوٍّ و مَبْرُوٍّ انواراً انطقها بتحميده والهمها شکره و تمجيده وجعلها الحجج علي کل معترف له بملکة الربوبية وسلطان العبودية واستنطق بها الخرسات بانواع اللغات بخوعاً له، فانه فاطر الارضين والسماوات، واشهدهم خلقه، وولاّهم ما شاء من امره، جعلهم تراجم مشيته والسن ارادته عبيداً لايسبقونه بالقول وهم بامره يعملون، يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولايشفعون الا لمن ارتضي وهم من خشيته مشفقون، يحکمون باحکامه ويستنّون بسنته ويعتمدون حدوده ويودّون فرضه ولم يدع الخلق في بُهم صُمّاً ولافي عمياء بکماء، بل جعل لهم عقولاً مازجّت شواهدهم وتفرقت في هياکلهم وحقّقها في نفوسهم واستعبدلها حواسهم فقرر بها علي اسماع ونواظر وافکار وخواطر، الزمهم بها حجته واراهم بها محجته وانطقهم عما شهد [تشهد] به بالسن ذَرِبة بما قام فيها من قدرته وحکمته وبين عندهم بها ليهلک من هلک عن بيّنة ويحيي من حيّ عن بيّنة وان اللّه لسميع عليم[انقال، 42] بصير شاهد خبير.

ثم ان اللّه تعالي جمع لکم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين کبيرين، لايقوم احدهما الا بصاحبه، ليکمل عندکم جميل ضعه [ضيعته] ويقفکم علي طريق رشده ويقفو بکم آثار المستضيئين بنور هدايته ويشملکم منهاج قصده و يوفر عليکم هنيأ َ رفده، فجعل الجمعة مجمعاً ندب اليه لتطهير ما کان قبله وغسل ما کان اوقعته مکاسب السوء من مثله الي مثله وذکري للمؤمنين وتبيان خشية المتقين ووهب من ثواب الاعمال فيه اضعاف ما وهب لاهل طاعته في الايام قبله وجعله لايتم الا بالايتمار لما امر به، والانتهاء عما نهي عنه، والبخوع بطاعته فيما حثّ عليه وندب اليه فلا يقبل ديناً الا بولاية من امر بولايته ولاتنتظم اسباب طاعته الا بالتمسک بعصمه وعصم اهل ولايته.

فانزل علي نبيه(ص) في يوم الدوح ما بيّن به عن ارادته في خلصائه وذوي اجتبائه وامره بالبلاغ و ترک الحفل باهل الزيع والنفاق وضمن له عصمته منهم، وکشف من خبايا اهل الريب وضمائر اهل الارتداد ما رمز فيه، فعقله المؤمن والمنافق، فاعزّ معزّ وثبت علي الحق ثابت، وازداد جهلة المنافق وحمية المارق ووقع العَض علي النواجد والغمز علي السواعد. ونطق ناطق و نعق ناعق ونشق ناشق و استمر علي مارقيته، ووقع الادغان من طائفه باللسان دون حقائق الايمان ومن طائفة باللسان وصدق الايمان، وکمّل اللّه دينه واقر عين نبيه(ص) والمؤمنين والمتابعين، وکان ما قد شهده بعضکم وبلغ بعضکم وتمت کلمة اللّه الحسني علي الصابرين ودمّر اللّه ما صنع فرعون وهامان وقارون وجنوده [هم] وما کانوا يعرشون وبقيت حثالة من الضلال لايألون الناس خبالاً يقصدهم اللّه في ديارهم ويمحو اللّه آثارهم ويبيد معالمهم ويعقبهم عن قرب الحسرات ويلحقهم بمن بسط اکفهم ومد اعناقهم ومکنهم من دين اللّه حتي بدلوه ومن حکمه حتي غيّروه وسيأتي نصراللّه علي عدوّه لحينه واللّه لطيف خبير وفي دون ما سمعتم کفاية وبلاغ. فتاملوا ـ رحمکم اللّه ـ ما ندبکم اللّه اليه وحثّکم عليه واقصدوا شرعه واسلکوا نهجه ولاتتبعوا السبل فتفرق بکم عن سبيله.

ان هذا يوم عظيم الشأن، فيه وقع الفرج، ورفعت الدرج، ووضحت الحجج وهو يوم الايضاح والافصاح عن المقام الصراح ويوم کمال الدين و يوم العهد المعهود ويوم الشاهد والمشهود ويوم تبيان العقود عن النفاق والجحود، ويوم البيان عن حقائق الايمان، ويوم دحر الشيطان، ويوم البرهان، هذا يوم الفصل الذي کنتم توعدون، هذا يوم الملاء الاعلي الذي انتم عنه معرضون، هذا يوم الارشاد، ويوم محسنة العباد، ويوم الدليل علي الرّداد، هذا يوم ابدي خفايا الصدور ومضمرات الامور، هذا يوم النصوص علي اهل الخصوص، هذا يوم شيت، هذا يوم ادريس، هذا يوم يوشع، هذا يوم شمعون، هذا يوم الأمن والمأمون، هذا يوم اظهار المصون من المکنون، هذا يوم ابلاء السرائر، فلم يزل ـ عليه السلام ـ يقول: هذا يوم هذا يوم، فراقبوا اللّه ـ عزّ وجلّ ـ واتقوه واسمعوا له واطيعوه، واحذروا المکر ولاتخادعوه وفتّشوا ضمائرکم ولاتواربوه، و تقربوا الي اللّه تعالي بتوحيده، وطاعة من امرکم ان تطيعوه ولاتمسکوا الکوافر، ولايجنح بکم الغي فتضلوا عن سبيل الرشاد باتباع اولئک الذين ضلّوا واضلّوا، قال اللّه ـ عزّ من قائل ـ في طائفة ذکرهم بالذم في کتابه: «انا اطعنا سادتنا وکبرائنا فاضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً کبيراً» [احزاب،67و68]، و قال اللّه تعالي: «واذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استکبروا انا کنا لکم تبعاً فهل انتم مغنون عنّا من عذاب اللّه من شئ قالوا لو هدانا اللّه لهديناکم»[1] .

افتدرون الاستکبار ماهو؟ هو ترک الطاعةلمن امروا بطاعته، والترفع علي من ندبوا الي متابعته والقرآن ينطق من هذا عن کثير، ان تدبّره متدبّر، زجره ووعظه، واعلموا ايها المؤمنون انّ اللّه ـ عزّ وجلّ ـ قال: «ان اللّه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً کانهم بنيان مرصوص» [صفّ،4]، اتدرون ما سبيل اللّه ومن سبيله؟ ومن صراط اللّه؟ ومن طريقه؟ أنا صراط اللّه الذي من لم يسلکه بطاعة اللّه فيه هوي به الي النار، وأنا سبيله الذي نصبني للاتباع بعد نبيه(ص) أنا قسيم الجنه والنار، وأنا حجة اللّه علي الفجار والابرار وأنا نور الانوار، فانتبهوا من رقدةِ الغفلة وبادروا بالعمل قبل حلول الأجل وسابقوا الي مغفرة من ربکم قبل ان ليضرب بالسور بباطن الرحمة وظاهر العذاب. فتنادون فلا يسمع نداءکم وتضجّون فلا يحفل بضجيجکم وقبل ان تستغيثوا فلا ثغاثوا.

سارعوا الي الطاعات قبل فوت الاوقات، فکان قد جاءکم هادم اللذات فلا مناص نجاءٍ ولامحيص تخليص. عودّوا ـ رحمکم اللّه ـ بعد انقضاء مجمعکم بالتوسعة علي عيالکم والبرّ باخوانکم والشکر للّه ـ عزّ وجلّ ـ علي ما منحکم واجمعوا يجمع اللّه شملکم وتبارّوا يصل اللّه الفتکم، وتهادوا نعم اللّه کما مناکم [وتهانوا نعمة اللّه کما هناکم] بالتواب فيه علي اضعاف الاعياد قبله او بعده الاّ في مثله والبرّ فيه يثمر المال ويزيد في العمر والتعاطف فيه يقتضي رحمة اللّه وعطفه وهيّوا لاخوانکم وعيالکم عن فضله بالجهد من جودکم وبما تناله القدرة من استطاعتکم واظهر البشر فيما بينکم والسرور في ملاقاتکم والحمدللّه علي ما منحکم وعودوا بالمزيد من الخير علي اهل التأميل لکم وساروا بکم ضعفاءکم في ماکلکم وماتناله القدرة من استطاعتکم وعلي حسب امکانکم. فالدرهم فيه بمأة الف درهم والمزيد من اللّه ـ عزّ وجلّ.

وصوم هذا اليوم مما ندب اللّه تعالي اليه وجعل الجزاء العظيم کفالة عنه حتّي لو تعبّد له عبد من العبيد في الشبيبة من ابتداء الدنيا الي تقضيها، صائماً نهارها، قائماً ليلها، اذا اخلص المخلص في صومه لقصرت اليه الدنيا عن کفاية، ومن اسعف اخاه مبتدءً وبرّه راغباً فله کاجر من صام هذا اليوم وقام نهاره. ومن فطر مؤمناً في ليلته فکانما فطر فئاماً وفئاماً يعده ها بيده عشرة.فنهض ناهض وقال: و ما الفئام؟ قال: مأة الف نبي و صديق و شهيد،فکيف بمن تکفّل عدداً من المؤمنين والمؤمنات، وأنا ضمينه علي اللّه تعالي الأمان من الکفر والفقر، وان مات في ليلته او يومه او بعده الي مثله من غير ارتکاب کبيرة فاجره علي اللّه تعالي، ومن استدان لاخوانه واعانهم، فأنا الضامن علي اللّه ان بقاه قضاه وان قبضه حمله عنه واذا تلاقيتم فتصافحوا بالتسليم وتهانوا النعمة في هذا اليوم وليبلغ الحاضر الغايب والشاهد البائن وليعد الغني علي الفقير، والقوي علي الضعيف، امر في رسول اللّه(ص) بذلک، ثم اخذ ـ صلي الله عليه وآله ـ [عليه السلام] في خطبه الجمعة وجعل صلاة جمعته صلاة عيده وانصرف بولده وسيعتد الي منزل ابي محمّد الحسن بن علي(ع) بما اعدله من طعام وانصرف غنيهم وفقيرهم برفده الي عياله.[2] .









  1. اين قسمت، ترکيبي است از آيه 21 سوره ابراهيم وآيه 47 سوره غافر.
  2. آنچه بين کروشه قرار گرفته است، به استثناي مورد اخير ونشاني آيات ، همگي برگرفته از نسخه خطي مصباح المتهجد است.