علنيه المحاكمه











علنيه المحاکمه



القضاء، وفقا للمنظور الاسلامي، يجب ان يعلن الحق بالحق.

والاعلان يعني عدم السريه، لهذا کانت جلسات المحاکمه منذ بزوغ فجر الاسلام علنيه، وکان علي بن ابي طالب (ع) اول من جسد هذه العلنيه بشکل لم يسبق اليه سابق، حيث اتخذ ولاول مره في تاريخ القضاء العربي الاسلامي، دکه لمجلس قضائه عرفت باسم (دکه القضاء) في مسجد الکوفه تحقيقا لتلک العلنيه عبر ذلک المکان المرتفع، بحيث يمکن مشاهدته من قبل من کان حاضرا في المسجد. وقد تطرق الي ذکر تلک الدکه العديد من الاعلام والمورخين، وذکروا انه في ايام خلافته الميمونه کان يجلس علي تلک الدکه للقضاء بين الناس والفصل في خصوماتهم، وکانت اسطوانه قصيره موضوعه بقربها کتب عليها قوله تعالي: (ان اللّه يامر بالعدل والاحسان)، وقد سئل، رضوان اللّه تعالي عليه، عن هذا النص المجيد فقال:

العدل الانصاف والاحسان التفضل،[1] وقد عفا عليها الزمن وازيلت،[2] الامر الذي يدلنا علي مدي ايلائه تلک العلنيه[3] من اهميه لدرجه حدت به الي اتخاذه مرتفعا للجلوس عليه عند الترافع کي يشاهده من في المسجد من الناس عند انعقاد مجلس قضائه. وتدلنا الروايات، ايضا، ان تلک الدکه کان يجلس عليها الامام علي (ع) لا للقضاء فقط، بل احيانا للتداول مع اصحابه الذين هم من حوله يتذاکر معهم احوال الامه ويرشدهم الي السبيل الامثل في التعامل وما فيه مصلحه المسلمين ومستلزمات وحدتهم وت ازرهم.[4] .

واذا کان هناک من الفقهاء المسلمين من يري کراهيه القضاء في المسجد، فان الحقيقه التاريخيه تشير الي ان الرسول الکريم وخلفاءه من بعده کانوا يقضون في المسجد، وقد سار علي هديهم العديد من القضاه کشريح والشعبي واضرابهم. وقد انحي الامام علي باللائمه علي شريح عندما بلغه انه قضي لبعض المتخاصمين في داره، وامره بالکف عن ذلک والجلوس للتقاضي في المسجد الجامع لانه (اعدل بين الناس.

وانه وهن بالقاضي ان يجلس في بيته)[5] اما تنفيذ العقوبات فلم يسمح باقامتها في المسجد کما سنري ذلک في محله.

ويذهب المحقق الحلي[6] الي کراهيه اتخاذ المسجد مجلسا للقضاء، فجاءت هذه الکراهيه متاخره عن عهد الرسول واصحابه لاعتبارات مسوغه لا مجال لبحثها هنا، فلکل مقام مقال.

والحقيقه ان مبدا علانيه المحاکمه انما يعبر عن حق الناس في حضور المحاکمه، تعبيرا عن رغبتهم في الشعور بالعداله وتحقيق الاطمئنان بالقضاء کي يکون بعيدا عن الشبهات[7] وموضع ثقه الجميع وقناعتهم بما تتمخض عنه المحاکمه من نتائج.









  1. التستري، قضاء امير المومنين، ص 93.
  2. السيد البراقي، تاريخ الکوفه، ص 212ودليل القضاء الشرعي، ج 1ص 203.
  3. علنيه المحاکمه، حاليا، مبدا دستوري وقانوني اخذت به کافه الدول وطبقته في المحاکم.
  4. السيد عباس الحسيني، ارشاد اهل القبله، ص 71طبعه 1965.
  5. جواهر الکلام، الطبعه الحجريه، سابق الذکر.
  6. شرائع الاسلام، ج 4ص 74مصدر سبق ذکره.
  7. ينظر، علي سبيل المثال، الدکتور مامون محمد سلامه، الاجراءات الجنائيه في التشريع المصري، ج 2ص 52مصر،977-وضياء شيت خطاب، الوجيز في شرح قانون المرافعات، ص 215بغداد 1976.