الكفاءه الصحيه











الکفاءه الصحيه



الي جانب الشروط العلميه والاخلاقيه لا بد من ان تتوافر في شخص القاضي المواصفات الصحيه المطلوبه، سواء ما تعلق منها، اولا، بالموهلات البدنيه، کسلامه الاعضاء والحواس، فشهاده الشهود امام قاض اصم غير مجديه، واجراء القاضي الاعمي للکشف والمعاينه امر مستحيل، لا بل حتي لو کان فيه معوق جزئي کالعور او العرج فان کفاءته -من حيث الشخصيه- تکون مشوبه بخلل لاحتمال شعوره بمرکب النقص مثلا.

ام ما تعلق منها، ثانيا، بالموهلات الذهنيه کالذکاء وسرعه البديهه وسعه الادراک والفراسه وقدره اتخاذ القرار في الوقت المناسب وبالشکل الذي هو في حيثياته مبني علي اليقين في اعتقاده لا التخمين، اذ (ليس من العدل القضاء علي الثقه بالظن) کما يقول (ع) الذي استقاه من مدلول الايه الکريمه (اجتنبوا کثيرا من الظن ان بعض الظن اثم). لهذا اکد رضوان اللّه عليه قائلا: (من کان علي يقين فشک فليمض علي يقينه، فان الشک لا ينقض اليقين).[1] .

ام ما تعلق منها، ثالثا، بالموهلات النفسيه کالقدره علي التحکم بالعواطف والثقه بالنفس وعدم التمادي في الشطط ورباطه الجاش والشجاعه في مقاومه الاهواء او الضغوط والتحلي بالصبر والاناه والحلم، لان للخصومه قحما حسب تعبيره (ع) - والقحم تعني المهالک،[2] ولهذا کله لا بد من ان يتحلي القاضي بکل مستلزمات الاتزان العاطفي والهدوء النفسي لانهما يدلان علي ثبات الشخصيه وعدم اهتزازها بالمفاجات.

وجدير بالتنويه ان مساله قوه الشخصيه، بوصفها من متطلبات الصحه النفسيه، لها اثرها الايجابي في شخصيه رجل القضاء، لذا نجد الامام في معرض عهده الاغر للاشتر اشار الي وجوب ان يکون القاضي (اصرمهم عند اتضاح الحکم ممن لا يزدهيه اطراء ولا يستميله اغراء)[3] لان ضعف الشخصيه وتاثرها بالمديح والاغراء او بالترهيب يضيع من الحق الشي ء الکثير، وهذا ما لا ترتضيه عداله الامام علي (ع)، خصوصا وان الباري يقول: (واذا قلتم فاعدلوا ولو کان ذا قربي).[4] .

واذا ما تدبرت قول الامام علي (ع) في اختيار من هو اقرب الي النفس لمهمه القضاء في معرض عهده للاشتر النخعي: (ثم اختر للحکم بين الناس افضل رعيتک في نفسک) لظفرت منه بدالتک في هذا الصدد ولشعرت بعمق مدلول هذه العباره من الناحيه النفسيه في تمازج الافئده وتقارب النفوس المتماثله، حيث لم يحصل ان انسجم الصالح مع الطالح او توافق الطيب مع الخبيث لانعدام التواصل بينهما، وقد روي عن الرسول (ص) قوله: (المرء علي دين خليله، فلينظر المرء من يخال)، وهذا المعني مستفاد من قوله تعالي: (قل کل يعمل علي شاکلته)،[5] فکل انسان يعمل علي ما يماثل او يشاکل اخلاقه التي الفها او عاداته التي اعتاد عليها،[6] فالطيب لا ياتلف مع الخبيث وينبغي للمومن ان يحذر الف الفساد. ويدخل، في باب الکفاءه الصحيه، اشتراط الذکوريه في القاضي، فالمراه لا تصلح للقضاء -علي وفق اتجاه اکثر الفقهاء المسلمين- بحکم تکوينها العضوي والنفسي الذي لا وهلها لمثل هذه الولايه الشرعيه المخصصه للرجال،[7] وقد اظهر الامام الکثير من مکامنها، نذکر مثلا قوله: (فحبها اذي وبغضها داء بلا دواء)، وانها (لا تکتم البغض ساعه واحده)، وقوله: (اياک ومشاوره النساء فان رايهن الي افن وعزمهن الي وهن... وانما المراه ريحانه وليست بقهرمانه، فلا تعد بکرامتها نفسها ولا تعطها ان تشفع لغيرها).[8] .









  1. الشيخ مرتضي الانصاري، فرائد الاصول، ص 303طبعه حجريه.
  2. الشيخ محمد عبده في شرحه للنهج، ج 4ص 194سلف ذکره.
  3. في مدلول هذا القول انظر، مثلا، توفيق الفکيکي، الراعي والرعيه، ص 16بغداد، 1990.
  4. سوره الانعام، آيه: 152.
  5. سوره الاسراء، آيه: 84.
  6. تفسير التبيان للطوسي، ج 6ص 514نشر مکتبه الامين في النجف وزبده التفسير للاشقر، ص 376ط،2، 1988وقد فسر الشهيد الثاني کلمه شاکلته اي نيته، التنبيهات العليه، ص 40النجف،1998تحقيق علي جهاد الحساني.
  7. تراجع الموسوعات الفقهيه في الباب المخصص للقضاء وآدابه لغرض التوسع.
  8. ابن ابي الحديد، شرح النهج، المجلد الخامس، ص 929و،944طبعه بيروت، 1983.