قضاء الحسبه











قضاء الحسبه



الحسبه وظيفه دينيه من باب الامر بالمعروف والنهي عن المنکر وتستمد اساسها من قوله تعالي: (ولتکن منکم امه يدعون الي المعروف وينهون عن المنکر)، وتنصب اولي مهامها علي مراقبه المشروعيه واحترام تنفيذ احکام الشريعه ومکافحه الجرائم الاقتصاديه والمروريه.[1] وقد باشرها الرسول الکريم بنفسه عبر حثه علي الامر بالمعروف والنهي عن المنکر، وکتب التراث الاسلامي حافله بذکر ما کان يعمله عليه افضل الصلاه والسلام في هذا الجانب، فقد کان يتجول في الاسواق ويطرق الازقه ويطلع علي ما يدور في مفردات الحياه اليوميه للناس في المعاملات ويراقب الموازين والمکاييل، ويقف علي ما يبدر عنهم من مخالفات[2] وکان يقول: (من غشنا فليس منا).[3] .

وقد نهج الامام علي (ع) نهج نبيه الکريم، فکان يخرج الي الاسواق ويطوف بالطرق، ويامر الناس بحسن الحديث ونزاهه البيع وتجنب الاحتيال والوفاء بالکيل والميزان، ويسال عن الاسعار،[4] فضلا عن مکافحته للمعاملات المريبه والسلع المحرمه، اذکان يکسر اواني الخمر وادوات الطرب، کما انه امر بحرق قريه کان يباع فيها الخمر[5] عقابا تعزيريا. وقد ظهر في خلافته الراشده، نظام لم يسبق اليه احد، وقد اهتم هذا النظام بتنظيم الحرف والمهن وارباب الصناعه في الاسواق، لضمان حسن المعاملات وعدم الغش ونزاهه البيع ومکافحه الجرائم الاقتصاديه علي اختلاف صورها، اذ عين علي کل حرفه او مهنه مشرفا من المبتکرين واللامعين، کل في مجال اختصاصه المهني، واطلق عليهم اسم (الاصول) کونهم اخذوا عنه اصول المهنه وضوابطها وحدودها المشروعه، وقد تطرق الي ذکرهم صاحب کتاب الذخاير والتحف[6] وعددهم سبعه عشر مشرفا نذکر منهم کميل بن زياد الذي عين مشرفا علي المهندسين والبنائين، وقنبر وجميع السياس والجماله تابعون له، حيث کان يسوس ويداوي الجمال في زمنه، وبريده الاسلمي الخزاعي صاحب صنجق الرسول، وکل حامل رايه او علم يکون تابعا له ويستر شربه، وجرموز الهجيمي القصاب وجميع القصابين ينسبون اليه، وهکذا کان کل مشرف يهتم بالمهنه التي انيط به الاشراف عليها.

وعلي ضوء ما تقدم، فلعلي لا اجانب الحقيقه اذا ما قلت ان الامام عليا (ع) يحتمل جدا ان يکون قد اناط بميثم التمار الاسدي مهمه معينه في قضاء الحسبه، اذ قد يکون کلفه بمراقبه السوق -کمراقب عام- في الکوفه والتشاور مع (الاصول) في مراقبه اصحاب الحرف والمهن في اعمالهم، بهدف منع الجريمه الاقتصاديه واجتثاثها ما دام التاريخ يحدثنا عن وجود علاقه لميثم بعلي، حيث کان احد خواصه،[7] وکان يجلس في دکانه ويبيع عنه التمر احيانا، وکان المتقدم، في السوق لدي اصحابه والمتکلم الجري ء والمبرز فيهم بقول الحق، من دون ان تاخذه فيه لومه لائم، فضلا عن انه المقتدي لاصحاب المهن في السوق، وقد مثلهم في مجلس والي الکوفه عبيداللّهبن زياد -بعد استشهاد الامام- اثر تشکيهم عامل السوق الذي نصبه هذا الحاکم الاموي فور استشهاد الخليفه علي عليه السلام.[8] .

واذا کانت اشارات الباحثين الاسلاميين الاولين الي وظيفه الاحتساب قليله، واذا کان اختفاء کل المبادرات التي استحدثها امير المومنين علي بن ابي طالب بفعل الظروف التي اعقبت استشهاده امرا مسلما به، ناهيک عن اندراس بعضها بفعل مرور الزمن، فان المعقول حقا ان يکون قضاء الحسبه قد انيط امر مسووليته بميثم بن يحيي الاءدي في خلافه الامام في الکوفه، وهذا کان بدوره قد وضع العيون في الاسواق لمراقبه المشروعيه واحترام تنفيذ احکام الشريعه الغراء، بما فيها مراقبه الجرائم الاقتصاديه في سوق الکوفه عهد ذاک، ولعله کان يجتمع بالامام اسبوعيا ليقدم اليه تقريره عن حاله السوق والوضع الاقتصادي وما يقدمه اليه الاصول کل في ما يخص مهنته التي تولي الاشراف عليها[9] فمن يدري؟ ولعل الايام تکشف لنا حلقات مجهوله ذات اهميه في هذا الخصوص.. وقد تطور قضاء الحسبه عبر الايام، وغدت له هيبته في زاهر عصر الدول العربيه الاسلاميه، اذ کلف بمراقبه المشروعيه في اوسع صورها وبتنبيه من يخالفها من ولاه او قضاه وغيرهم، واصبح في الوقت الراهن متمثلا بجهاز الادعاء العام او النيابه العموميه، باعتباره الجهاز المکلف بتلک المراقبه واحترام تنفيذ القوانين.









  1. بحثنا: (قضاء الحسبه وموقعه في التشريع المعاصر)، مخطوط.
  2. الدکتور حسن الحکيم، دور المحتسب في مکافحه الجريمه الاقتصاديه، بحث قدم الي الموتمر العلمي الرابع لکليه الفقه عام،1989جامعه الکوفه.
  3. الدکتور عطيه شرفه، القضاء في الاسلام، ص 180والماوردي، الاحکام السلطانيه، ص 253.
  4. الطبري، ذخائر العقبي، ص 118و119.
  5. الدکتور محمد نيازي حتاته في رسالته للدکتوراه، جرائم البغاء، مصر،والدکتور عطيه مشرفه لغرض التوسع، سبق ذکره.
  6. نقلا عن الدکتوره صباح الشيخاني في رسالتها، الاصناف في العصر العباسي، ص 119و 182بغداد 1976.
  7. ابن النديم، الفهرست، ص 249بيروت، دار المعرفه.
  8. ينظر محمد حسن مظفر، ميثم التمار، النجف،1965ان وددت التوسع.
  9. بحثنا المخطوط، ميثم التمار ومکانته عند الامام علي.