قضاء المظالم











قضاء المظالم



قضاء المظالم، في حقيقته، هو اوسع سطوه وقوه، من حيث الطبيعه، من القضاء العادي، لان الغرض منه هو الاستماع الي ظلامات الناس من اصحاب الولايات، سواء کانوا من ذوي العلم والقلم کالقضاه ام من ذوي السيف کقواد الجيش، عبر ما يتخلل سلوکهم من خلل بما ينطوي عليه من ظلم هذا او ذاک من الذين هم تحت سلطانهم وشوکتهم احيانا.

وقد اشار الماوردي، وهو من اعلام القرن الخامس الهجري الي ان من شروط الناظر في المظالم ان يکون جليل القدر عظيم الهيبه نافذ الامر. وذکر انه لم يجلس للمظالم من الخلفاء الراشدين علي (ع)، اذ نص قائلا: (واحتاج علي، رضي اللّه عنه، حين تاخرت امامته واختلط الناس فيها وتجوروا الي فصل صرامه في السياسه وزياده تيقظ في الوصول الي غوامض الاحکام، فکان اول من سلک هذه الطريقه واستقل بها).[1] .

فالامام علي (ع) اذن هو اول من ابتکر قضاء المظالم وابتدع مسلکه، کما يدلنا هذا النص، حيث کان (ع) ياخذ للمظلوم حقه من الظالم من دون ان تاخذه فيه لومه لائم. وقد قسم الظلم الي ثلاثه اقسام (فظلم لا يغفر، وظلم لا يترک، وظلم مغفور لا يطلب. فاما الظلم الذي لا يغفر فالشرک باللّه، قال اللّه تعالي: ان اللّه لا يغفر ان يشرک به، واما الظلم الذي يغفر فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات واما الظلم الذي لا يترک فظلم العباد بعضهم بعضا).[2] والظلم الاخير هذا هو الذي يدخل في قائمته ظلم صاحب الشوکه والنفوذ لمن هو تحت سلطانه من اصحاب الامارات والرئاسات، او المناصب الرفيعه علميه کانت ام سلطويه، وهولاء هم الذين حذرهم الامام بالقول: (فاياکم والتلون في دين اللّه)، وقد جاء في احدي خطبه الشريفه: (الا واني اقاتل رجلين رجلا ادعي ما ليس له وآخر منع الذي عليه).[3] .

واذا ما تاملنا صفحات نهج البلاغه نجد من هذا وامثاله الکثير، ومنه لوم العمال وتانيب هذا او ذاک من ذوي النفوذ او القاده العسکريين. ومن ذلک نذکر ما جاء في کتابه الي بعض عماله: (اما بعد فان دهاقين اهل بلدک شکو منک غلظه وقسوه واحتقارا وجفوه). ثم اشار اليه بالنهج الصحيح الذي يقتضي سلوکه معهم.[4] .

هذا وقد رفعت الي علي (ع) عده قضايا تتصل بعقارات اخذت من اصحابها واعطيت الي بعض بني اميه في اواخر خلافه عثمان، من دون مسوغ شرعي، فردها الامام الي مالکيها الشرعيين، وقال: لو وجدت هذه العقارات دفعت في اصدقه النساء لرددتها معللا قراره هذا بقوله: (ان في العدل سعه ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه اضيق).[5] .

واساس فکره المظالم استلهمها الامام من ابن عمه رسول اللّه، ان قبيله جذيمه -من جوار مکه- کانت قد رفعت شکوي امام الرسول الامين علي القائد العسکري خالدبن الوليد کونه قد قاتلها رغم انها اعلنت الاسلام. وبعد التثبت من صدق الشکوي بعث الرسول علي بن ابي طالب بمال من خزينه المسلمين فادي ديات القتلي من قبيله جذيمه بعد ان قال الرسول: (اللهم اني ابرا اليک مما فعل خالدبن الوليد) کون قتاله لافراد القبيله المذکوره کان فيه خطا فادح، اذ انهم اعلنوا الرضا بالاسلام من دون ان يمتنعوا عنه کي يصار الي قتالهم.[6] .

والتاريخ العربي الاسلامي يحدثنا عن العديد من الشواهد في هذا الخصوص. وقد توسع سلطان المظالم، فصار الخلفاء يفردون وقتا محددا او يوما معينا لسماع الظلامات، ويذکر ان عمربن عبد العزيز هو اول من ندب نفسه للنظر في المظالم بعد الامام علي وانتهج منهجه، حيث راعي السنن العادله واعادها.[7] .









  1. الماوردي، الاحکام السلطانيه، ص 78مصر 1966.
  2. محمد عبده في شرح النهج، ج 2ص 95.
  3. المصدر نفسه، ص 86.
  4. المصدر نفسه، ج 3ص 18.
  5. الدکتور التجکاني، النظريه العامه للقضاء، ص 82 وبتفصيل اکثر راجع: النص والاجتهاد للسيد عبد الحسين شرف الدين، ص 316وما بعدها، الطبعه السابعه، دار الاندلس، بيروت.
  6. المصدر نفسه.
  7. دليل القضاء الشرعي، ج 1ص 208والماوردي، الاحکام السلطانيه، ص 78.