القرعه











القرعه



القرعه من الوسائل التي تساعد علي کشف الحقوق وحسم النزاع، وقد حدثنا القرآن الکريم عن توجه بعض الانبياء اليها اذ جاء في قوله تعالي عن زکريا وکفالته لمريم العذراء: (وما کانت لديهم اذ يلقون اقلامهم ايهم يکفل مريم)، وعن النبي يوسف قال تعالي: (فساءهم فکان من المدحضين). وفي قضاء الرسول الکريم ما يشير الي توجهه اليها في بعض المنازعات، وکان يقول ما ملخصه:

انما اقضي بينکم بالبينات والايمان، مع ان ثبوت اليمين في من اخرجته بالقرعه له اولويته، کما جاء في جواهر الکلام الذي جاء فيه ايضا: (انه لما کانت القرعه تصيب وتخطي ء، لهذا يقتضي ان تقوم علي النيه الخالصه ووجوب معرفه مواضعها وکيفيتها لان مردها اساسا الي اللّه وبخالص النيه).

وقد اعتمد علي بن ابي طالب (ع) القرعه في بعض قضاياه، فعند مراجعه شذرات من سوابقه نجده قد اخذ بالقرعه في موطنين:

الاول: في المسائل المشکله، او القضايا العويصه الغامضه، التي اسفر عنها مبدا (کل امر مجهول فيه القرعه).[1] .

اما الثاني: فينصب علي القضايا التي تتعارض فيها البينات والتي لا مرجح شرعيا بينهما. ففي القضايا الغامضه، ذات الاشکاليه الواضحه، نذکر من سوابقه اليتيمه قضيه الدار التي انهدمت علي ساکنيها في اليمن، ولم يبق من سکانها حيا سوي صبيان احدهما حر والاخر مملوک، ولم يعرف ايهما الحر من المملوک، فاسهم الامام بينهما قرعه فخرج السهم علي احدهما، فجعل له المال الذي ترکه له اهل الدار واعتق الاخر.[2] .

ومن سوابقه (ع) نذکر الروايه التي تقول ان الرسول الکريم (ص) ساله عند عودته من اليمن عن اعجب ما ورد عليه من القضايا، فقال: يا رسول اللّه، اتاني قوم قد تبايعوا جاريه فوطئها جميعهم في طهر واحد فولدت غلاما فاحتجوا فيه کلهم يدعيه، فاسهمت بينهم فجعلته للذي خرج سهمه وضمنته نصيبهم. فقال الرسول: ليس من قوم تنازعوا ثم فوضوا امرهم الي اللّه الا اخرج سهم المحق.[3] اما القضايا التي تعادلت فيها البينات والتي لا مخرج شرعيا لها، ولا مرجح فيها، فمن قضائه فيها انه اتاه رجلان يختصمان بشهود عدل متساوين بالتقابل، فاقرع الامام بينهم علي ايهم يصير اليمين، وکان يقول: اللهم رب السماوات السبع، ايهم کان الحق له فاده اليه، ثم يجعل الحق للذي يصير عليه اليمين اذا حلف وفي موثق سماعه،[4] اما في حاله امتناعه عن الحلف احلف الاخر وقضي له وان نکلا قضي به بينهما.[5] وفي قضيه مماثله[6] جاء فيها ان رجلين اختصما في دابه فادعي کل واحد منهما انها له وقدم بينته وکانت البينتان متعادلتين ومتعارضتين، فاقرع بينهما سهمين بعد ان وضع فيهما علامه، ثم قال: اللهم رب السموات السبع، ورب الاراضين السبع، ورب العرش العظيم عالم الغيب والشهاده، الرحمن الرحيم، ايهما کان صاحب الدابه وهو اولي بها، فاسالک ان تخرج سهمه فخرج سهم احدهما فقضي له بها، وقد استلهم العديد من الفقهاء والاعلام من السلف الصالح من السوابق القضائيه للامام في هذا الجانب محصلتها بالشکل الذي ادي بهم الي استنباط قاعده فقهيه موداها انه: (لا قسمه في الشي ء المحدود بتعارض البينات بدون قرعه).[7] .









  1. القواعد والفوائد، القسم الثاني، ص 183.
  2. ارشاد المفيد، ص 116والوسائل، باب القرعه.
  3. ارشاد المفيد، ص 115.
  4. جواهر الکلام، باب الحکم بالقرعه، الطبعه الحجريه، سبق ذکره.
  5. المحقق الحلي، شرائع الاسلام، ج 4ص 111.
  6. جواهر الکلام، سبق ذکره.
  7. المصدر نفسه.